النضالُ والقائد ليس واحدًا أبدًا

المجموعة: مقالات كتب بواسطة: نداء الوطن

نداء الوطن - كتب بكر أبوبكر

بكر أبوبكر

النضال أو بتسمياته المختلفة التي تختلف حسب المرحلة، أو الاقتداء أو المعاني المرتبطة بقيم أو مباديء ما، هي بذات المعاني الأساسية للتسميات مهما اختلفت.

فلو قلنا جهادًا فذلك يرتبط بجهاد النفس، وجهاد الكلمة، وجهاد المعتدين وصدّهم (جهاد الدفع وجهاد الطلب) وله صلة بالتراث الحضاري الاسلامي الغني.

وإن قلنا ثورة فهو انقلاب كامل ضد الواقع الفاسد القائم لتغييره، وبمعنى تحرير الأرض وتحرير الانسان حين تحوله لحرب شعبية طويلة النفس (أو الأمد).

وإن قلنا مقاومة فهي رد فعل مشروع لغزوة قائمة، أو لغازي معتدي.

وإن قلنا كفاحًا فهو يفترض كما النضال خوض الصراعات باستخداماتها المختلفة.

دعني أقول أن استخدام المفردات ذات المفاهيم المتقاربة له ارتباطات مكانية وزمانية إضافة لثقافية وتاريخية عوضًا عن فكرة التميّز التي تُغري البعض باستخدامات محددة في محلها أوغير محلها، هذا بالنسبة للمفردة وبالنسبة للاستخدام.

أما بالنسبة لأنواع النضال أو الجهاد أو الثورة (ودعنا هنا نستخدمها بذات المعنى) حيث المجابهة والصدّ والثورة ضد المحتل أو الغاصب أو المستخرِب (المستعمِر) أو الظالم "أذِن للذين يقاتَلون بأنهم ظُلموا-الحج39"، فهذا النضال له قوانينه وليس عبثًا أو قرارًا فرديًا حين مواجهة الوحش أو العالم. ومن لا يفهم هذه القوانين –خاصة من القادة-فإنه يغرق في بريق الشعارات أولًا ويخرج عن المعنى المطلوب ثانيًا وينساق في إطار الانبهار الشكلي فقط، فيضيع ويضيّع غيره. ورابعًا ينكسر، وإن ظن انتصاره وظل متمسكًا بضعف عقله وتحجر أداته مع التهليل الإعلامي والكذب على الذات أو تاويل الآيات بما لم تقله.

إن النضال كما فهمته الثورة أو المقاومة الفلسطينية منذ انطلاقتها يفترض الوعي بالمستجدات، وبالمرور على تجارب الآخرين من الشعوب الأخرى وتلمّسها بعقل وتفكر واستفادة بقدرها، وحيث يفترض امكانية الاقتباس كما يفترض الرفض المطلق لخاصية القص واللصق منها، فلكل حالة فهمها وظروفها وقوانينها، و"العاقل من اتعظ بغيره"، وسار على دربه المختلف.

إن اتباع نداء العقل في ظل ثبات الهدف المتفق عليه هو المسعى. كما تلمّس الوسيلة الأنجع بالوقت الأفظع. وتخيّر الوسيلة الملائمة فن في ظل معرفة الهدف القابل للتحقق، وبالعمل بكل الأشكال والوسائل لتحقيقه بشكل كلّي متكامل لكل الأدوات (ميدانيًا، وثقافيا وفكريا وجماهيريًا وإعلاميًا، وسكانيًا (ديمغؤافيًا)، وبالكلمة والحجروالصورة والمقص والمشرط والمنجل... وما يحقق الغرض بأفضل وأنجع الطرق)

إن الهدف هنا في الحالة العربية الفلسطينية تحرير الأرض والانسان، والأرض عربية فلسطينية والانسان هو العربي الفلسطيني المنغرِس بأرضه من آلاف السنين. لذا فالفعل يجب أن يكون تكاملي عربي-فلسطيني شامل من جهة، وبالطليعة أو رأس السهم أي الفلسطينيون بشكل أساس وباجتماع قيادتهم، ومن حولهم أو بظهرهم كل الأمة وفي ذلك يجب أن يستقر الفهم وتبذل كل الجهود في الدوائر الثلاثة أي الدائرة الوطنية والعربية، والاقليمية-الاسلامية.

أن الهدف هو تحقيق التلازم بين بقاء وصمود الانسان من جهة، مع تحرير الأرض.

لا قيمة لأرض خالية بلا ناس الا إن عمروها بوجودهم أولًا، وما قيمة النضال المحدود الأداة إذا كانت النتيجة فناءالناس أو الطرد من أرضهم! ومن هنا يمكنك النظر بتفحص أوتشكك أونقد للقائد قصير النظر الذي يعمل أعمالًا (نضالية) متكررة لا تؤدي إلا الى سلب الأرض من أصحابها والقضاء عليهم بالقتل أو التشريد!؟ ألا يكون ذلك مخالفة صريحة لمعنى النضال أوالجهاد بالفهم الصحيح، أم انه بالتبرير المعجزة رفض استسلام وإن على على جثث كل الشعب!؟

في النضال أدوات كثيرة، فهو طويل النفس والأمد، فإن استخدمت أداة واحدة وأدت الغرض يتم تكرارها، (وللعلم فإن الفصائل عامة مجرد وسائل، وليست أهدافًا) وإن انحرفت عن تحقيق الغرض تستبدل، أو تعوض ويظل الهدف واحدًا.

ومن هنا فقد استطاعت الثورة الفلسطينية أن تبنى سراطيتها (استراتيجيتها) بالبدايات وفق الظروف السياسية الذاتية من جهة والاقليمية والعالمية، ونظرت شرقًا وغربًا في ظل المعسكرين الغربي والشرقي فاجترحت حرب الشعب طويلة النفس، والتي ظلت حتى اليوم بالنفس الطويل وبالشعب الصامد صالحة للاقتداء بها، مع كثير من تعديلات الأساليب وفهم المتغيرات الداهمة.

نظرت الثورة الفلسطينية الى تجارب الشعوب فحين تصارعت الجيوش فإن الغلبة للأقوى ومتى تساوت القوى فالإيمان يرجح وفق الآيات الكريمة الواضحة من الزاوية الدينية، فلا غلبة لضعيف مؤمن على قوي ظالم إلا حين تساوي القوى المادية، لذا جاءت قاعدة (وأعدوا-الأنفال 60) ومن دونها يصبح الغباء فقط هو الشعار المرتبط بقصور الفهم الديني المختلط مع قصور النظر وفق التحليل السياسي خاصة للقائد المنتكس.

الثورة أو المقاومة إيمان بالله سبحانه وبالتضحية وبالنصر، وإيمان بالحق وعدالة الهدف وهذه قواعد لا تشوبهما شائبة الا حين الفهم القاصر أن (التضحية) المقصودة بكل الشعب! بينما حقيقة التضحية هي بالثوار أو المقاتلين أو المناضلين (المناضلين بكافة أشكال النضال العنفية اوالسلمية...) لحماية صمود وثبات وديمومة الجماهير على الأرض، والا فكأننا نلقي بأنفسنا وشعبنا بالتهلكة

نعم إن صبر الناس وصمودهم وثباتهم ضرورة دينية ذاتية، ووطنية عامة، ولكن المسؤول الأول عن ذلك أي بتثبيت انغراسهم بالأرض، والدفاع عنهم هو القائد والمناضل ("ولتكن منكم أمة"/فئة/جماعة-آل عمران 104) الذي يذود ويحمي، وعليه فإنه هو المساءل عن هذه الاوراح دنيا وآخرة.

يجب على الثائر أو المناضل وخاصة القائد أن يفهم أولًا، فيعقل ويتزن ويتقدم ويتراجع، فلا ينبهر ولا يجعل عواطفه تقوده ويجب عليه أن يعي ويعقل والى ذلك يقدم روحه هو فداء لأهل بيته ولشعبه، وليس العكس أبدًا، ومن هنا واجب التضحية في ثنائية التضحية والنصر المرتبطة بالايمان بالله سبحانه وتعالى وفقه التوازن والوعي والحق.