التواطؤ على فلسطين

المجموعة: مقالات كتب بواسطة: نداء الوطن

نداء الوطن - كتب بكر أبوبكر

بكر أبوبكر

في خضم العدوان الهمجي الدائر ضد فلسطين سواء في غزة حيث تراكم القتل وتعاظم المأساة والنكبة الثانية المتواصلة، وجرائم الحرب أو بالضفة حيث القضم والضم وسرقة الأرض والتمييز العرقي والقتل والأسر، تداولت مراكز الأبحاث الكثيرة والأدبيات الأمريكية والغربية والصهيونية مجموعة من الأوراق والدراسات والحلول لما بعد غزة. وحين الحديث عن السلطة الوطنية الفلسطينية كانت الآراء بين أربعة واضحة

أولها رأي حكومة اليمين الفاشي في الكيان بزعامة "نتنياهو" الذي كرّر أن "لا فتحستان ولاحماستان، ولا أبومازن ولا دولة فلسطينية"،

وثانيها يصرّ على وجود السلطة الوطنية الفلسطينية لأنها لم تخرج أصلًا من القطاع ومازال الارتباط بكل مفاصل الحياة بها، وعبر وزارات ومؤسسات السلطة الوطنية وذلك رغم الافتكاك المسلح ل"حماس" للسلطات هناك عام 2007م،

أما الرأي الثالث فكان يتقلب بين الدعوة للحكم المتفرد للقطاع بلا راية مفزعة للسلطة الرسمية! أوبشراكة فوقية وباستقلالية حزبية، أو عبر لجنة يكون فيها للطرف القائم كلّ الهيمنة على الأرض.

أما الرأي الرابع فكان طلب وجود "سلطة متجددة" ما طلبته وكررته عديد مراكز الدراسات (والسياسيين الاجانب خاصة) على اعتبار امكانية (أو عدم امكانية) إشراكها جزئيًا في إدارة أو حكم غزة، أو لربما يمكن الحديث معها لاحقًا بعد تمرير أغراض ترَمب الرئيسية بسرقة البلاد وتركيع المنطقة.

تكالبت القوى المعتدية على فلسطين ككل، وعلى منظمة التحرير الفلسطينية وأداتها التنفيذية على الأرض أي السلطة الوطنية الفلسطينية ومنها على رأس رئيسها، كما تكالبت بالمقابل على فكرة المقاومة وفكرة الثورة وفكرة النضالية عند العرب والفلسطينيين بكل أشكالها، خاصة في خضم العدوان الهمجي على غزة (2023-2025م) ومخيمات الضفة، ومنذ التشكيك بأي شكل من أشكال الثورة والمقاومة المشروعة حتى بالصوت والأغنية والريشة والقلم، ونعته بالإرهاب، وبتجريم الشهداء وعوائلهم، وتجريم الأسرى والمعتقلين، ومحاولة شطب (الانروا)...الخ.

أصبح واضحًا أنه في حين لا وجود لجهود ردع للعدوان الصهيوني أو الصهيو-أمريكي التنفيذية قط (اقتصادية، سفراء، تهديد بقطع العلاقات، وقف العلاقات الثقافية!، ....الخ) من العرب أ غير العرب، نرى الدعم الأمريكي (ومنه بعض الأوربي) التنفيذي الحاسم (سلاح وأموال واستخبارات، واقتصاد ...الخ) بلا حدود وبلا قيد أو شرط، وحيث تتراخى الجهود الدبلوماسية، وتتخذ السبيل السياسي الضعيف، وأحيانًا المتواطيء دربًا أساسيًا، وحيث ينتشر صمت أصحاب العمامات وأصحاب (الطرابيش) العرب مقابل علوّ صوت الفضائيات تصدح بما يعاكس حقيقة ما يدور بالقصور المُنعّمة..

حققت الإدارت الامريكية شراكة كاملة بالعدوان على فلسطين، وشكلت درعًا حاميًا سواء فترة الرئيس بايدن أو الرئيس ترَمب صاحب الفك المنفلت، والأفكار الطائرة المتنقلة بخفة بين التهديد والتربيت على الكتف، وموازنة الصفقات في غرور ونزق يقابله لا وعي بحقيقة المتغيرات بالعالم ولا وعي بحقيقة الأحداث في المنطقة العربية (المسماة غربيًا الشرق الأوسط) حيث يكتب ترَمب على صفحة السياسة (معجزات) وعجائب كلها مناهضة للقانون الدولي ومقررات الأمم المتحدة وللاخلاق السياسية الحاكمة بل وللقيم الانسانية حين يطالب بضم دول مستقلة لبلده، ويهدد دول مستقلة أخرى، ويحقّر أشخاصًا وشعوبًا وأمماً، ويتعامل باستخفاف مع أمم اخرى والتي منها فكرته بتحويل قطاع غزة الفلسطيني الى (ريفيرا-منطقة سياحية للأثرياء) بعد تهجير مواطنيه الفلسطينيين وهكذا من تقلبات شخصيته التي انعكست على تقوية أرجل الإسرائيلي المعتدي، وتخويف العربي وتهديد الإيراني ومحاولة تقريب الروسي أوالأقوياء بالعالم ليكونوا معًا الأوصياء على العالم أو المتواطئين يدًا واحدة ضد شعوبه، وضمن عقلية توزيع الغنائم والهيمنة واقتسام مناطق النفوذ.

فيما يتعلق بالسلطة الوطنية الفلسطينية كان النظر لها من تحت الطاولة خافتًا، وكأنهم يتحدثون عن عورة أو تهمة أو وصمة عار! فهم لا يرونها ليس لما يقولونه علنًا من اتهامات هم بمثلها لديهم أعظم، بل لأنهم لايريدونها أن تتطور الى دولة فلسطينية، وهي المحرّم الأعظم لدى "نتنياهو"-الذي يخشونه- وزمرته وحلفائه في وشنطن ومن يدورون بالفلك، فنشأت بالعقل المتواطيء ضد فلسطين فكرة "السلطة المتجددة" ليس حُبًا في فلسطين أو السلطة أوأبومازن، أومعارضيه! وليس دعمًا للاصلاحات أو "مقاومة الفساد"! وإنما كعقبة أو مانع إضافي تضاف لعقبات أخرى إسرائيلية-أمريكية ضد الاستقلال الفلسطيني، وبما يعني تفعيل مخطط فصل غزة التي سيبتلعها البحر عن الضفة التي سيبتلعها "سموتريش" وعصابته. (وسبقها مطالب كثيرة مثل تغيير المناهج، وإلغاء الأنروا-وكالة الغوث، وتغيير الحكومة....الخ، وكأن المشكلة في فلسطين، وليست بالاحتلال لأرض فلسطين)

في ظل محاولة العقل الأمريكي الاستخرابي الاستبدادي أن يكرس المنطقة تحت هيمنته الدائمة قادمًا ليتسلم الإتاوات بالمليارات تأتي الشروط على فلسطين، والتي منها ما تمت فكفكته، رغم الانفصال الوطني المُبهم الصيرورة والاستمرار، ومنها مما لايزال تحت النظر، كانت فكرة نائب الرئيس المثيرة للجدل الداخلي والخارجي، ولو أنها بحقيقتها الأصلية فكرة فلسطينية وطنية لانعدام القدرة على إجراء الانتخابات للأسباب الإسرائيلية المعروفة، الا أنها أتت اليوم ليس لحماية فلسطين وأهلها، أولوقف العدوان الفاشي أو لتحقيق انسحاب الإسرائيلي المعتدي وإنما بقصد التوتير والإعاقة والتطويل لأي مرحلة أومسار يحقق الاستقلال الفلسطيني بل يكرس الاحتواء الأبدي والهيمنة على الأمة وقلبها، والأيام القادمة ستفصح أكثر.

في إطار كثير من الطلبات (أو الأوامر) التي قدمها المجتمع المتحلّق حول الأمريكي يلتقط من حوله ما تبقى من البُرّ ستتواصل الضغوط على فلسطين والأمة، كل ذلك بغرض أوحد وحيد وهو ألا نصل لتحقيق المطلب الوطني الفلسطيني العادل بانهاء الاحتلال عن دولة فلسطين، والاستقلال بعد وقف النار اللاهبة في غزة، وملاحقة مجرمي الحرب، وانسحاب الإسرائيلي وإعادة الأعمار.