خديعة الرئيس الأمريكي!

المجموعة: مقالات كتب بواسطة: نداء الوطن

نداء الوطن - كتب بكر ابو بكر

بكر أبوبكر

استطاعت السياسة الأمريكية المؤدلجة أن تحقق نقاطًاً كثيرة في صالحها كدولة مهيمنة على العالم حتى الآن، وفي صالح سياسة الرئيس الأمريكي الحالي الهجومية والمتقلّبة والخداعة معًا، وهي السياسة التي حار الكثيرون في تفسيرها ما بين رغبة عارمة باستمرار السيطرة على العالم، أو لاحقًا اقتسام هذا العالم مع القوى الكبرى الصاعدة والدوس على (او التواطؤ ضد) مَن لا يستطيع النهوض من دول أو كيانات، وما بين عقلية الهيمنة المقدسة للرئيس الامريكي وحقّه، الذي لا يحق لأحد أن ينازعه عليه، من نهب العالم ما كان من شأن الاستخراب (الاستعمار) العالمي الأوربي السابق.

استطاعت الدبلوماسية الأمريكية المتقلّبة للرئيس الامريكي والخادعة أن ترسل للعالم رسائل متفاوتة ومحيّرة ومقلقة، ويفهمها الراسخون بوعي القوة الأمريكية، فمن يستطيع أن يصمد في مواجهة الثور الأمريكي الهائج قد يجلس على الطاولة، ومن لا يستطيع الصمود وينهار من الهجوم يتم الدوسُ عليه، أو التواطؤ مع الدول الكبرى الأخرى عليه والانتقال للمرحلة الثانية.

السياسة الامريكية الترَمبية التي تعمد على تحقيق الرواج (بالانجليزية ترند) تتوافق مع شخصية الرئيس ترَمب الاستعراضية التي تموتُ حبًا بالأضواء، ما بين رغبته أن يصبح البابا ولو بشكل ساخر، وبين رغبته بضم دول أخرى كثيرة، وبين سعيه لتدمير غزة وتهجير الفلسطينيين الى كذبه بهذا الشأن، ومع ذلك قبوله للهدايا والعمل مع دول الخليج بالحفاظ على ركيزتين الأولى الحفاظ على أمن الدولة الإسرائيلية، واستمرار التدفق التجاري الاقتصادي نحو أمريكا من جهة وبما لا يغفل عن تأبيد بقاء شركات الرئيس الحالي ما بعد انتهاء فترته الرئاسية.

المحللون الامريكان متيقّنون من أن القوة الأمريكية رغم نظرية (القدر المتجلي/من حقنا سيادة العالم) الى أفول معجّل أو مؤجّل، أي ولو بعد حين مقابل الصين العظمى الصاعدة بيقين وصبر وثبات تحسد عليه (نظرية تجرع المرارة). وكنت قد أشرت بمقال سابق لعديد النظريات الأمريكية المدعّمة بالأرقام حول ذلك، والتي تقول أيضًا أن كل ما تفعله السياسة الامريكية (المؤدلجة) ما فوق ترَمب هو لتأخير الوصول الى هذه الحالة، فهي سياسة (عميقة) تعي وتفهم جيدًا، لذلك انبرى المفكرون الامريكان للبحث ليس في التفوق الذي انتهى! وإنما بتأخير الوصول لتلك المرحلة التي سيجلس فيها الامريكي مع الصيني والروسي وربما دول أخرى ناهضة ليصيغوا طبيعة النظام العالمي الجديد القادم حتمًا (نظرية التحالف، والتواطؤ-الكونشيرتو).

رغم عقل الصفقات، العقل التجاري للرئيس الأمريكي الحالي الا أن السياسة الامريكية العميقة أو المؤدلجة تستطيع أن تستخدم كل السياسات حتى المتقلبة أو الخدّاعة لمصلحة الأمة الامريكية وليست المشكلة هنا في الأمريكي الذي يفهم ويتوقى وإنما المشكلة في رأس الدول (أو الكيانات او الأحزاب) الخاضعة اقتصاديًا وسياسيًا ونظاميًا بل والمفتونة نفسيًا للهيمنة الامريكية حيث يواظبون على التقرب من الامريكي مظنّة الحفاظ على استقرار دولهم او أنظمتهم ما هو بالحقيقة ليس في أولوية الأمريكان .

قال الفلسطينيون والمثل الشعبي العربي (مَن يجرّب المجرب عقله مخرب) لذلك فإن النظام الأمريكي السياسي المؤدلج بفكرة الهيمنة والسيطرة والتمدد ونهب العالم وإرهابه لا يمكن أن يقبل من الصِغار أن يتفاوضوا معه! ما هو متاح فقط للكبار. لذلك كتبنا أن القوة العربية الموحدة فقط هي ما يمكنها أن تضع مصالح الأمة فوق إرادة الامريكي وإلا فإن دول الأمة العربية مهما بلغت كل دولة-او ظنت أنها بلغت-من القوة فلن تستطيع أن تجعل الأمريكي يراها، فهي ليست إلا إناء صغير أو كبير يتم الأكل منه فقط، أو سرقة كل الاواني بما فيها بلا خجل وبلا أدنى إحساس بضرورة دفع الثمن.

الرئيس الأمريكي ترَمب طرح صفعة العصر (عام 2020م) بإسقاط الدولة الفلسطينية القائمة والتي تحتاج فقط لتحريرها من الاحتلال، وأعطى الجولان للإسرائيلي هدية! ولم يعترض على الاستعمار (الاستيطان) بالضفة، ونقل سفارته للقدس، كما يعطي بعض أجزاء أكرانيا للروسي مؤخرًا، وطرح بحق غزة (فلسطين لم ترد قط في تفكيره) ما لم يقله أي عاقل! ومع ذلك ومؤخرًا تساوق فصيل "حماس" مع الأمريكان دون أن يعي فكرة (مَن يجرّب المجرّب عقله مخرب) فلا هو ممثل الشعب الفلسطيني الذي قال لا 12 مرة لصفعة القرن، ولا هذا الفصيل-المتهم بالإرهاب عالميًا- بقوة تستطيع أن تناطح لتجلس على أي طاولة قادمة قط، فلن تحقق بالعلاقة مع الامريكي الا انخداعها، وتحللها من التزاماتها الوطنية الوحدوية لتبدو فصيلًا لايقيم وزنًا الا لذاته فقط على حساب القضية أو التمثيل الموحد أو الشعب. 

أعطى فصيل "حماس" الفلسطيني الذريعة اللازمة للامريكي المتقلب والخادع ليقول أنه قد حقق منجزًا "عظيمًا" حينما أطلق سراح الأسير الامريكي-الإسرائيلي ليدخل منطقة العرب بأرجل ثابتة وبصورة المنتصر!؟ ظانًا أنه يضمن بقاء الفصيل أو قادته أو ظانًا أنه يناور لمصلحة غزة! وقد أخطأ كثيرًا في معظم مراحل العدوان ضد فلسطين وضد غزة، ومازال يسقط في حفرة تلو الأخرى بلا أية امكانية لرؤية النور الساطع القادم فقط من بين "الركام" الوطني الجامع الذي مهما قلنا بشأنه سلبًا او إيجابًا، فهو الوحيد القادر على انتشال القضية والشعب، والفصائل من تساوقها أو انخداعها سواء بالامريكي او الإسرائيلي أو انخداعها بذاتها وقوتها المنفردة التي تلاشت.