الرئيس بخير..؟ الرئيس ليس بخير..!

 

د.سفيان ابو زايدة

سيول من الاخبار تجتاح شبكات التواصل الاجتماعي و المواقع الاخبارية المختلفة حول صحة الرئيس عباس . و بغض النظر عن مدى مصداقية او عدم مصداقية هذه الاخبار حيث الانطباع العام لا ثقة في الروايات الرسمية او غير الرسمية ، المؤيدة او المعارضه، المُحبه او الكارهة ، الامر الذي  زاد من حالة البلبه و اللغط و القلق و التكهنات و التحليلات  في محاولة للاجابة على السؤال الذي يسأله كل انسان فلسطيني سواء كان قائد او مسؤول او وزير او غفير، سؤال تحاول الاجابة علية اجهزة الاستخبارات العالمية و الاقليمية ، المعادية منها و الصديقة  في محاولة لوضع سيناريو او سيناريوهات لما سيحدث في اليوم التالي الذي سيأتي لا محاله بعد شهر اوبعد سنه او ربما اكثر من ذلك .

المهم هذا اليوم سيأتي و ستكون فتح و المنظمة و السلطة و الاقليم   و الفصائل الفلسطينية في مواجهة هذا الامر الذي لا مفر منه.


حتى هذه اللحظة لا احد في هذا الكون يستطيع ان يجيب على هذا السؤال بشكل قاطع دون ان يكون هناك عشرات الاسئلة التي لن يكون لها اجابات او الاجابات التي قد تتوفر سيكون مختلف عليها من الناحية القانونية و الوطنية و السياسية و التنظيمية.


الامر الذي يربك المشهد و يعصف بكل السيناريوهات التي تجعل فهم الصوره واضحه ليس فقط بسبب الاصابع الكثيرة التي تلعب في الساحة الفلسطينية و تسعى للتأثير على مجريات الامور بداخلها ، وليس فقط ناتج عن تعدد المتنافسين الذين يرون في انفسهم أهل لتبوء المناصب التي شغلها الرئيس عباس او على الاقل جزء منها .


صعوبة التنبوء بما سيحدث ناتج عن تعقيدات المشهد الفلسطيني على كافة الصعد، اضافة الى الوضع الاقليمي و الدولي و تراجع الاهتمام  بالموضوع  الفلسطيني نتيجة تطورات يراها العالم اكثر اهمية، خاصه في العقدين  الاخيرين  التي جميعها كانت في غير صالح الفلسطينين.
التقديرات وفقا للمعطيات القائمة حاليا بأن غياب الرئيس عباس عن المشهد لن يمر بشكل سلسل كما تخطى الشعب الفلسطيني و النظام السياسي الفلسطيني صدمة غياب الرئيس الخالد ياسر عرفات عن المشهد حيث الامور حدثت تماما كما هو مكتوب في النظام الاساسي الفلسطيني. حيث بعد رحيل ياسر عرفات تولى رئيس المجلس التشريعي حين ذاك روحي فتوحي رئاسة السلطة لمدة ستين يوما اجريت خلالها انتخابات لرئيس السلطة حيث تم انتخاب الرئيس عباس في  الخامس عشر من يناير عام ٢٠٠٥ و بعدها تم تشكيل حكومة برئاسة ابو علاء قريع و تولى الرئيس عباس قيادة المنظمة بصفته امين سر اللجنة التنفيذية دون ان ينافسه  احد  وكذلك اصبح الرجل الاول في فتح قبل ان يتم عقد المؤتمر السادس و انتخابة رئيسا للحركة  دون ان يكون هناك منافسين حقيقيين.


بعد غياب الرئيس ابو عمار عن المشهد لم يكن هناك خلاف حول الوريث حيث كان يسمى ابو مازن في السنوات الاخيرة بالَرجُل الثاني في المنظمة و الى حدا ما في فتح، وهو احد المؤسسين التاريخيين للحركة ، لذلك لم تكن حرب وراثه، ولم تكن مشكله في ترشح الرئيس عباس لرئاسة السلطة في انتخابات حره نزيهه حيث لم تكن هناك منافسه جديه و حماس التي كان يمكن ان تنافس من خلال ترشح احد قياداتها استنكفت عن فعل ذلك وتم انتخاب الرئيس عباس دون ارباكات في المشهد الفلسطيني .


اليوم نحن لسنا هناك ، نحن بعيدين جدا عن هذا الوضع الذي كان شبه مثالي ، بعض الاسباب لذلك:
اولا:  بعد رحيل الخالد ياسر عرفات كان هناك مجلس تشريعي فاعل ، وكان هناك رئيس مجلس وهيئة مجلس ،ووفقا للنظام الاساسي تولى رئيس المجلس رئاسة السلطة لمدة ستين يوم وفقا للقانون و تم انتخاب رئيس السلطة.


اليوم المجلس التشريعي تم تعطيله و من الناحية العملية غير موجود، و بالتالي لا يوجد رئيس للمجلس ساري المفعول حتى و ان ادعى رئيس المجلس السابق النائب عزيز دويك انه ما زال هو رئيس المجلس سيكون مختلف عليه لان القانون يقول ان رئيس المجلس و هيئة المجلس يتم انتخابهم كل عام من قبل اعضاء المجلس، هذا ان لم يكن عزيز دويك حينها في الاعتقال الاداري في احدى سجون الاحتلال.


ثانيا: قد يقول البعض ان مرجعية السلطة هي منظمة التحرير الفلسطينية و بالتالي وفي حال تعطيل التشريعي وفي حال غياب رئيس السلطة يتولى رئيس المجلس الوطني رئاسة السلطة خلال قتره محدده يتم خلالها اجراء الانتخابات، او يتولى امين سر اللجنة التنفيذية المكلف من قبل الرئيس عباس رئاسة السلطة الى ان يتم اجراء الانتخابات.


هذا الامر سيكون مختلف عليه و سيفتقر الى اي اساس قانوني او شرعي حيث رئيس المجلس الوطني لم يتم انتخابه اصلا من قبل المؤسسه التي يقف على رئسها و يمثلها و هي المجلس الوطني و هذا الامر ينطبق على امين سر اللجنة التنفيذية. و الاعتراض هنا سيكون ليس على الاشخاص بل على قانونية الاجراء.


النتيجة من غير الممكن فرض هذا الامر او ايجاد تخريجه قانونية له .


عدا عن ذلك ليس من الممكن الحديث عن انتخاب رئيس للسلطة بمعزل عن الحديث عن انتخابات تشريعية ، و كذلك ليس من الممكن الحديث عن انتخابات رئاسية و تشريعية حتى و ان كانت غير متزامنه دون الحديث عن انتخابات للمجلس الوطني و اعادة ترتيب الاوراق في هذه المؤسسة. وهذا الامر من غير الممكن ان يكتب له النجاح دون ان يكون هناك توافق وطني .


ثالثا: قد يقول البعض حسنا ، الامر يبدأ في في فتح و ينتهي في فتح، و اذا نجحت فتح في ترتيب اوراقها لن يكون هناك مشكله في ترتيب البيت الفلسطيني بعد انتهاء مرحلة الرئيس عباس. وهناك فرضية تقول ان الاقطاب او القيادات الوازنة في فتح قد تتفق فيما بينها على ان يتولى احدهم رئاسة فتح و آخر يتولى رئاسة منظمة التحرير و ثالث يتولى قيادة السلطة و بالتالي يتم تجنب الصراع الداخلي الفتحاوي حيث يشكل هذا التوافق في حال حدوثه خطوه ايجابية جدا نحو العبور في المشهد الفلسطيني الى بر الامان.


على اية حال و سواء كان هناك اتفاق او توافق او اي صيغه ممكنه ليس من الممكن و ليس من المعقول و ليس من المقبول على اي وطني فلسطيني ان يتولى شخص واحد كل هذه المواقع الثلاث التى يشغلها الرئيس عباس وهي المنظمة و فتح و السلطة. لكن مع ذلك حتى هذه اللحظة لا توجد مؤشرات على ان امكانية التوافق بين الاقطاب امر ممكن حيث لا يمكن حصر العدد بثلاث قيادات فقط  سيما ان غالبية اعضاء اللجنة المركزية يرون في انفسهم اهل لشغل احد المواقع. 


لم نتحدث حتى الان عن  مروان البرغوثي القابع في سجون الاحتلال و لم نتحدث عن محمد الدحلان اذا ما قرر العودة سيتغير المشهد و سيتم خلط الاوراق و التحالفات حيث  اعداء الامس  قد يصبحون حلفاء المستقبل،  و لم نتحدث عن ناصر القدوة حيث الجميع يدرك ان مرحلة ما بعد الرئيس عباس ستدخل الممر الاجباري في اعادة ترتيب صفوف حركة فتح و فكفكة ازماتها اذا ارادت ان تواصل المسير نحو المستقبل. 


اذا كان الامر كذلك، بمعنى غياب الرئيس عباس عن المشهد هي مسئلة و قت فقط ، واذا كان اي سيناريو يستند الى القانون و الشرعية غير موجود في ظل غياب التشريعي و الانقسام الفلسطيني .

واذا كان امكانية حدوث توافق فتحاوي لترتيب الاوراق التنظيمية و السلطوية في حال الغياب ، كيف يمكن ان يكون الحل؟


من وجهة نظري الخطوة الاولى يجب ان تبدأ في فتح و من فتح وهي اعادة ترتيب البيت الفتحاوي بكل مكوناته و تناقضاته و ليس المقصود هناك تيار و قدوه و مروان فقط ، هذا اعتقاد خاطئ، مشكلة فتح اعمق من ذلك بكثير، ولا احد يقول ان فتح بخير و ليست بحاجه الى هذا او ذاك ، فتح ليست بخير ووضعها لا يصر صديق و لا يصر عدو. وحدة فتح و فكفكة ازماتها الداخلية خطوة اجبارية قبل البدء بالخطوات اللاحقة لترتيب البيت الفلسطيني.


ثانيا لا مفر و لا يوجد اي خيار عن اعادة الجهود و الاتصالات و الوساطات لاجراء مصالحة فلسطينية ، شئنا ام ابينا دون ان نهتدي الى طريق وحدة الشعب ووحدة النظام السياسي ووحدة الهدف ووحدة ادوات الوصول الى الهدف سنبقى نثير الشفقه لمن يحبنا و نثير الضحك لمن يعادينا.


في حال عدم ترتيب البيت الفتحاوي و في حال عدم اجراء المصالحة و انهاء الانقسام سيكون حالنا اسوء بكثير مما هو عليه اليوم.


كنت اتمنى ان يحدث ذلك على يد الرئيس عباس قبل ان يغادر المشهد سيما فيما يتعلق بوحدة فتح و انهاء الانقسام و اجراء الانتخابات الرئاسية و التشريعية و المجلس الوطني لكي يعفي الشعب الفلسطيني مما سيحدث بعد رحيله.


لم يفت الاوان بعد و بإمكانه ان يعلن الليله عن خطوات تغير من مسار كل التكهنات و تربك الاعداء و تسعد الاصدقاء و المحبين و يؤسس هو لمرحلة ما بعده لكي يتذكره الفلسطينيون بالخير.


 افعلها يا سيادة الرئيس .

 

نداء الوطن