تسعُ نقاط في تقرير "مسارات" المناخ الطبيعي وإلغاء مؤسسة الشتائم مقدمة للحوار الحقيقي والوحدة

المجموعة: مقالات كتب بواسطة: نداء الوطن

نداء الوطن -

 

بكر أبوبكر

 

شكرًا لمركز مسارات الذي جمع مَن لايجتمع إلا على هذم المنصة! (منصة المؤتمر) هكذا افتتحت مداخلتي في المؤتمر 11 لمركز مسارات (المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية-مسارات) في اليوم الثاني 5/12/2022م.

المركز استطاع بحق أن يشكل حاضنة وطنية للمؤتلِف والمختلِف، ما هو ضرورة في ظل افتراق طال وانفصال استقر وأصبح مرهقًا للشعب، وأدى لعزوف داخلي وانفضاض خارجي.

الأخ والرفيق هاني المصري المدير العام للمركز شخصية عملية شغولة مرحابة، وشغوفة بالحوار والنقاش والتواصل مع الآخر أي كان هذا الآخر الوطني. لذا فهي شخصية قد تكون إشكالية بآرائها التي لا تعجب كثير من الأطراف، ولأنه يتخذ من المقياس الوطني حسب فهمه معيارًا للنظر في أي موقف سياسي فلا ينحاز الى جانب مهما علا على حساب الآخر لأن الهمّ الرئيس كما يظهر في مقالاته وندواته هو الجمع وليس القسمة ما يجعل منه احد منظري التوازن والاعتدال والجمع والرتق.

اطلعت على التقرير الزخم المقدم للمؤتمر، وتحدث فيه أو عنه العديد من المتدخلين الذين نتفق أو نحتلف معهم، لكنهم على إطلاقهم التزموا بقيم الحوار والاحترام مادلّل على بداية ثقافة تتكرس للاستماع الحسن والالتفات للرأي المختلف ومحاولة تقبله وإن كان مازال عصيًا على التربية الداخلية في الفصائل الأيديولوجية برأيي.

استوقفني بالتقرير الذي جاب السماء الوطنية والعربية والعالمية الكثير، ولكني ضمن الوقت المتاح لي (10 دقائق) اخترت من النقاط تسعة حاولت أن أبدي فيها ملاحظات أو إضافات بما لا يتجاوز الوقت المقرر. وهو ما حصل حيث التزمت ب8 دقائق من عشرة متفوقًا على نفسي ومحترمًا لوقت الحضور والبرنامج، فالقدرة على الإسهاب قدرة على الإيجاز، وكما قالت العرب وعلى لسان كبير حكمائها أكثم بن صيفي: "البلاغة الإيجاز". واليكم النقاط التسع:

1-المشروع الصهيوني: وكما جاء بالتقرير أنه استعماري عنصري بلا شك. ولكن لجعل الرواية السردية العربية الفلسطينية العادلة متكاملة نحتاج لذكر جذور الفكر الصهيوني منذ القرن 16 والانشقاق المسيحي الغربي وما أنتج لاحقًا الفكر المسياني الأسطوري-التوراتي، وما يعرف اليوم بالمسيحية الصهيونية والتي تبناها العديد من الاستعماريين بالغرب الذين كان لهم دور لاحق في نكبة الوطن. ومن هنا فإن حرب الأفكار والرواية واستخدام الدبلوماسية الثقافية هي من عدة الحرب اللازمة للمواجهة.

2-التغيير البنيوي للأحزاب الإسرائيلية: وإن اتفقت مع التقرير أن التغيير قد حصل بالتدريج (بيغن-شارون-نتنياهو)، لكن فيما يتعلق بالتعامل مع القضية الفلسطينية فإن الإسرائيليين الأواخر (المتدينيين المتعصبين المتطرفين) بالواقع جاءوا لإكمال ما قام به الأوائل (مؤسسو الكيان من بن غوريون وحزبه الموصوف بالعلماني). فلا فرق في معاداة العرب والفلسطينيين بين يمين ويسار صهيوني وما هو لكليهما الا عنصرية وإرهاب وتطرف واحتلال واحلال، إلا من رحم ربي من يسار لم ينل أي حظ له بالانتخابات الأخيرة.

شكّل فكر "جابوتنسكي" الذي شرعن السلب والاحتلال والطرد مرجعية لكلا الطرفين اليوم إضافة لما قا م به بيغن وشامير ثم كهانا وصولًا لفتاوى حاخامات الإرهاب أمثال "أسحق شابيرا". وقد قالت الكاتبة الإسرائيلية تمار كبلنسكي مؤخرًا أن "لا علاقة للعنصرية باليمين لأنها جزء لا يتجزأ من DNA اهذا المكان"!؟

3-الظروف المتشابهة في غزة والضفة: يقول التقرير أن الظروف بين شمال وجنوب الوطن من حيث التنسيق الأمني ورفع شعار المقاومة دون دعم حقيقي أو تساند جغرافي-سياسي هو واحد لاسيما أن المقاومة المسلحة في غزة بلا استراتيجية تحرير، وهي ما أصبحت أغنية منتشرة قياديًا. وفي السياق ذكرت أن فرضية إمكانية الجمع بين السلطة والمقاومة المسلحة تحتاج لنظر حقيقي في ظل الافتراق وعدم التساند بين شمال وجنوب، ومن هنا تظهر المسارات الأخرى قدرتها على الحلول مكان الصعب.

4-الخنوع العربي: كما أشار له التقرير، أرجعت أسبابه الى أن عدد من الأنظمة أو ساستها هي صنيعة استعمارية مازالت منبهرة بالغرب، وان تكن "إسرائيل" الغربية (صنيعة الغرب) أحد عوامل الانبهار والشعور بالعجز امامها! لاسيما و"القابلية للاستعمار" كما قال المفكر الجزائري الكبير مالك بن نبي تطال الناس والحكّام، فهي أنظمة-بعض قياداتها- خائفة مرعوبة من المستقبل ترهن إرادتها بالمستعمر ولو كان المستعمر الصهيوني، وترشو شعبها بالاستهلاكية لعلها تبقى قابعة خانعة تحافظ على كراسيها.

5-اعتماد المقاومة الشعبية: وهو ما استقر عليه التقرير، وأضيف أنه ما تم الاتفاق عليه في لقاء الفصائل مع الرئيس ما بين بيروت ورام الله عام عام 2020. وأحببت الإضافة هنا بالقول بضرورة الحذر من استغلال الخطاب الأيديولوجي حين الخلاف، فالخطاب الأيديولوجي (العقدي السياسي) يعيش تناقضه بثباته مقابل السياسي المتغير.

6-افتقاد الرؤية والمؤسسة: مما أشار له التقرير أدى باعتقادي الى 3 أمور

1-العزوف الشعبي عن السياسي الرسمي فراكم الغضب من جهة، وعدم الاهتمام.

2-الاغتراب الجماهيري عن القيادات الرسمية نظرًا لوجود أو الاحساس بوجود مسافة بينهما ما أدى لظهور حراكات اجتماعية، وأخرى ميدانية عسكرية في أحد علاماتها ردة فعل على العجز القيادي أو قلة الاهتمام، أوالمزاودة، أو الابتعاد عن القاعدة الشعبية والهدف النضالي.

3- إن مركب الاحباط بات واضحًا خاصة من الشخوص (القيادات) في الواجهة، وفي مسارات العمل او تكتيكات الفعل، وأيضًا من طرق التعامل.

7-محددات الرؤية المشتركة: ولقد رأيت تعليقًا على عناوين: الرؤية والمؤسسة والبرنامج وضرورة المشاركة، داخل التقرير إيراد النقاط التالية

أ-نعم للمشاركة ولكن بلا مناورة، أو خداع حين الوصول للسلطة أو الحكم.

ب-إن ضرورة صنع الأمل لدى الشعب بأهمية استثمار قدراته، وأن يكون الأمل منظورًا ينتج نصرًا، ولو جزئيًا يجلب معه مركب الحث على السير الى الامام للمزيد.

ج-للعمل السياسي أهداف قريبة وأهداف جزئية وأخرى بعيدة أو كبرى يجب العمل عليها معاً. مرحليًا وجذريًا.

د- لامناص من التربية والتعبئة والتثقيف العروبي والوطني والفصائلي طويل المدى، فقضيتنا وجودية وتحتاج للأجيال في فكر تعبوي طويل لا يتعب ولايكل.

هـ-إن القيادة القدوة بأهمية بعث الأمل واستدامته، وبأهمية الحافز التعبوي، وبأهمية عِظم الهدف حين يتجلى الكل في صورة فيزيائية بشخص ما او إطار.

8-الثقافة التنظيمية: وهو مما لم يتم التعرض اليه في التقرير ما رأيت أهمية التعريج عليه لأن تغيير العقل والثقافة والبيئة النفسية-الاجتماعية الحاضنة للأفكار –رغم صعوبتها- ضرورة للوصول لاعتماد الفكرة والبرنامج والرؤية الوحدوية والقيادة الجامعة، كثقافة تعد بمثابة المرجعية لأي تحرك، وضمن بوصلة فلسطين ومن هنا فإن الثقافة التنظيمية الجمعية تقوم على ركائز إتصالية ثلاثة

أ‌- الاعتراف: الاعتراف بالآخر لا الإنكار والنبذ أو الإقصاء والفسططة (عقلية الفسطاطين والمعسكرين الإقصائية المهيمنة).

ب‌- التقبل: وما يعني ضرورة الحوار كلغة وحيدة بين المختلفين دون العودة لخطيئة الانقلاب الذي يجب أن يكون من المحرمات مهما كان حجم الخلاف. إن التقبل للآخر هو ضرورة بديلًا عن التنافر أو إدارة الظهر بين أبناء الوطن الواحد والامة الواحدة لامحالة.

ت‌- التجاور في ذات المساحة الواحدة، فالوطن يتسع لكل أبنائه، بديلًا عن اللعب الحر كل في مساحته! وما يعنيه ذلك من تكريس القيمة الديمقراطية والحوارواحترام الاختلاف أساسًا في كافة مناحي التعامل.

9- المرحلة التمهيدية: نعم لقد حصل الافتراق الكبير منذ الانقلاب الدموي عام 2007 ووجب رغم كل شيء الاعتراف بهذه الخطيئة الكبرى، من جهة وتجاوزها من جهة أخرى. وكما حصل في عديد الاتفاقيات بين حركة فتح وحماس، ولكن استمرار الافتراق السياسي والجغرافي والنفسي يستدعي المرور بمرحلة تمهيدية تثبت فيها الأطراف حسن النية.

أ‌- أنها بصدد إحداث التغيير الداخلي في الثقافة كما طالب خالد مشعل عام 2017 في وثيقة الدوحة أو كما طرح الاخ محمود العالول في اليوم الاول للمؤتمر حين طالب بوجود مناخ طبيعي (يمكن القول تطبيعي) بين الجميع يلغي عقلية الاتهام الدائم عند كل مفترق.

ب‌- تكريس أن مفهوم وحدة العدو المركزي (الرئيسي) أي الإسرائيلي المحتل، مقدمة على أي أمر آخر وهي مدخل لوحدة المناضلين.

ت‌- إلغاء مؤسسة الشتائم والتهليل، فهي ذات المؤسسة تهلل لانتصارات التنظيم أو الحزب حتى لو كانت انكسارات وخيبات عادت على الأمة والشعب بالوبال؟! خاصة بقنوات الاعلام الفتنوي ووسائل التواصل الاجتماعي، وتردح وتشتم وتتهم وتخون أو تكفر الآخر مهما كان فعله حتى لو كان أنيقًا!

ث‌- إعلاء قيمة المُشترَك وتقليص قيمة المختلِف من الأفكار والرؤى خاصة في الرئيسيات والمركزيات، مع احترام الذات والآخر.

ج‌- أعيد التاكيد على قيمة الأمل والهدف ورعاية المبادرات والتجارب الناشئة، في إطار السماحة الواسعة والاحتضان من جهة وتقابل العقل النقدي اللازم مع العقل المنفتح والعامل المبدع. شكرا لحسن استماعكم والسلام عليكم.

بكر أبوبكر، عضو المجلس الاستشاري لحركة فتح، رئيس أكاديمية فتح الفكرية. 2022م.