طقوس الاستفادة القصوى في العمل

المجموعة: مقالات كتب بواسطة: نداء الوطن

نداء الوطن -

 

بكر أبوبكر

قام أحد رؤسائي بالعمل في السنوات الأولى لعملي من زمن طويل بتغيير مفتاح مكتبي، ونقلي الى مكتب آخر هكذا بلا إي إشعار مسبق، أو تعليل!؟
فقدت الرغبة بالعمل، ثُرت واحتقنت كثيرًا، بل وشعرت بالإهانة وبالعدوان وفقدان الأمان حتى قمت باسترداد المكتب القديم قانونيًا، لأن التصرف الغاشم كان خارج النظام ما لم أقبله حينها، ولأنه ارتبط بسياق خلاف في الرأي. ومن هنا أدركت أهمية البيئة المريحة والحافزة في العمل، ومثلها في البيت، أو أي مكان بالحقيقة. فهي أي البيئة عامة، ومنها المكان ذات أثر كبير، كما هم البشر أيضًا.
إن امكانية تحقيق الراحة الشخصية لك في مكان (بيئة) العمل، خاصة العمل المكتبي قد لا تكون متوفرة للعديد من الأشخاص نظرًا لطبيعة هذا العمل الذي قد يكون متداخلًا أو مزدحمًا أويفتقد الى الخصوصية.
ولكن المقدرة على بناء حالة ما، وبيئة ذاتية بجميع الأحوال قادرة على تجاوز العوائق المادية والنفسية تعتبر من أهم مقومات تحقيق ثلاثية: الاستفادة والمتعة وبناء العلاقات في بيئة العمل.
في مساحة عملي حاولت جاهدًا أن أحقق مجموعة من المتطلبات قد تفيد فئة معينة من الأشخاص بكليتها أو بجزء منها، وعليه فإن عرض التجربة الشخصية هنا قد يكون هامًا لمزيد من الرضا والسعادة في العمل، ومزيد من الاستفادة من الخطأ، ف"كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون" كما قال محمد صلى الله عليه وسلم، الخطأ الذي يعد الاقرار به ثم تجاوزه امرًا هامًا للإصلاح ثم التقدم على طول الهدف.
دأبت على تحقيق الراحة وحرية الحركة، كما المتعة والفائدة في مكتبي وعملي من خلال عدد من الأشياء التي أحاول دومًا السعي لتحقيقها، ما يمكن أن أسميه تقنيات أو طقوس الاستفادة القصوى وتقليل الاخطاء بالعمل-ولكل شخص أن يختار طقوسه المناسبة حسب عمله وراحته وأسلوبه- كالتالي:
1-الجلوس المريح واختيار الطاولة والكرسي المريح قدر الامكان للظهر أساسًا، ثم للعمل الورقي، ولاحقًا للعمل على الحاسوب، ما يتضمن الإضاءة الجيدة والمنظر المفتوح قدر الإمكان.
2-أضفت بعض الصور واللوحات المحفزة لمكتبي ومنها –مؤخرًا-صور لي مع أخوة أحبهم، وعدد من المقتنيات مثل أحجار من القدس وفلسطين عامة، ومشغولات يدوية من الخليل وبيت لحم، ودرع من الأسرى، ومجموعة من الكتب المتنوعة.
3-كان للتهوية الجيدة أساس عندي حيث اختيار الغرفة أو المكتب المرتبط بنافذة وإن كانت مطلة على منظر فيكون أفضل، وهو ما حققته في أكثر من مكان عمل، ولم أستطع تحقيقه في أمكنة اخرى. بينما اخترته في العمل بالبيت.
4-الأوراق والأقلام والحاسوب: احتفط بجميع الاوراق المستخدمة لإعادة التدوير بالكتابة عليها من الظهر فلا ألقيها الا وقد تم استهلاكها من الجهتين، كما الحال من توفر عدد كبير من الأقلام-رغم الحاسوب لاحقًا-وأقلام الرصاص خاصة ما يساعدني على التركيز وكتابة جدول أعمالي اليومي على الورق، واحيانًا على الحاسوب أو على مذكرة الجوال (الهاتف النقال) فيسرع من حقيقة النشاط ويحفز العمل ويلهمني.
5-ممارسة النشاط البدني: عانيت كثيرًا من آلام الظهر الى أن اهتديت لضرورة القيام ببعض التمارين وأبسطها المشي بالمكتب جيئة وذهابًا، وخاصة أثناء الحديث على الهاتف النقال (كنت قد لاحظت حركة التردد جيئة وذهابًا من أحد الأخوة الأصدقاء المعتقلين المحررين، فأشار أنها من تقنيات المعتقل للتغلب على كثير من الأمور النفسية، وجلب النشاط والرياضة).
6-الابتعاد عن المشتتات سواء الفيزيائية (صورة أو صوت خارجي...) أو النفسية (تخيلات، تفكرات، أحلام يقظة، مراجعات ذاتية تملأ الدماغ...)عبر التركيز بأمر محدد في كل مرة، والتركيز على امر محدد اكثر فعالية من التنقل بين المهام/الأعمال المختلفة، ويساعدك –ما أمكن-اختيار الجو أو المكان أو الجلسة المناسبة.
7-الموسيقى والأصوات: نعم في كثير من الاحيان تكون الموسيقى رفيقة للتركيز والمهم هو اختيار المناسب منها فلا أعتقد أن الأغاني او التسجيلات الصوتية، أو قراءة والاستماع للاخبار-وهو ضروري لي صباحًا- قد تسهم بالتركيز وإنما قد تفيد في فترات الراحة البينية المطلوبة بين أداء المهام. أما الموسيق بلا الصوت البشري مثل السيمفونيات أو الموسيقى العربية الجميلة فيمكن أن تترافق مع العمل/المهمة فتساعد على التركيز. وقد تحتاج للكلام ومنه قد تحتاج للاستماع بإصغاء لحديث أو فكرة أو لتلاوة آيات أو لمشاهدة مقطع مرئي فترات الراحة بين الأعمال المطلوبة/المهام.
8-المراجعة والمتابعة والتنفيذ: العمل الورقي او العمل الميداني يبدا بفكرة يتم نقاشها ولتدخل حيز العمل توضع الخطة وتقتل نقاشًا ثم تنتقل للتنفيذ عبر خطوات مجدولة بالزمان والمكان والمكلف ولا تنجز الا بالمتابعة، وهي الى ذلك بحاجة قبل الإقرار الى إضفاء اللمسات الأخيرة عليها والمراجعة. فلو كنت تكتب مقالًا او بصدد تنظيم احتفال فإن المراجعة مرة واخرى ضروري لتلافي الأخطاء أو النسيان.
9-الجدول اليومي-قائمة المهام: أقوم يوميًا بكتابة قائمة المهام على الحاسوب وورقيا وفي كثير من الاحيان على المفكرة في الجوال ولما لها من أهمية في تحديد الاولويات اليومية للمهام والأعمال المختلفة، وفي ذات الوقت يتم جدولة الأعمال الأسبوعية والشهرية أيضًا لأن التحديد الزمني هنا هو عامل هام لانجاز الاعمال التي لن تكتمل إن ظلت مفتوحة النهاية.
10-فترات الراحة البينية والنشاط الروحي: نعم في فترات الراحة الضرورية بين الأعمال ضرورة تستعيد فيها النشاط عبر المشي، كما أسلفت، ولو داخل المكتب او القيام ببعض التمارين، أو الاستماع لفكرة او أغنية او شعر أو غيره من التواصل مع الزملاء، او القيام بالتأمل وتصفية الذهن ما يعيد شحن النفس وإعادة الهدوء للنفس لتستطيع إكمال برنامجها اليومي.
11-الإفطار والماء وكوب القهوة: هي ثلاثية المتعة والحافز الجسدي والمعنوي على الاستمرار، فالإفطار الصباحي -ما أدركته متأخرا حيث أهملته بشدة فترة الجامعة وما تلاه إلا من بضعة سنوات- يعد الإفطار هذا هبة من الخالق للنشاط ،كما الصحو المبكر للصلاة ثم الانطلاق للعمل. لقد أردكت أهمية الماء حيث احتفظ بقنينية ماء في المكتب واستهلك منها رشفات دائمة من الماء تصل الى لتر أو لترين صباحًا، إضافة لكوب القهوة (وربما عندك كوب الشاي أو المشروبات الساخنة الأخرى) وهو ما يلحق الإفطار الصباحي ضمن الطقوس اليومية الثابتة.
12-حُسن الاستقبال والضيافة: اعتقد أن حُسن الاسقبال وحسن الضيافة في الاجتماعات داخل المكتب تعد من السمات الهامة للمدير أو المسؤول فأن يحتوى المكتب على ذلك لهو شأن جميل كما احتفظ بمكتبي بكالكثير من الحلويات والملبس والشوكولاته التي تضفي جوًا لطيفًا وتساعد على حسن القبول. وما ينعكس عليك أنت بطاقة إيجابية.
13-الحركة والإجازة: لا بد بين الفينة والاخرى خاصة للعمل المكتبي وما ينطبق على غيره القيام بالنشاطات البدنية والتغيير حتى للمكان والذهن إما عبر الرحلات او التجوال في الطبيعة أو أخذ إجازة تقضيها في الهوايات.
إن فكرة العمل براحة وأريحية حافزة، والعمل بقصد تحقيق الانتاجية العالية فكرة هامة وتحتاج منا جميعًا وكل حسب مساحته أو بيئته العمل على تشكيلها بما يلائم الاحتياجات والجسد والنفسية، وهو مطلوب أيضًا من المسؤول تجاه الاعضاء ضمن مسؤوليته، فلربما قليل من البهجة والدعم النفسي والكلمات اللطيفة والثناء وتوفير المكان والبيئة المناسبة تؤدي لتقليص الاخطاء والمفاهيم المتصادمة من جهة، ولمزيد من العطاء الفردي والمشترك ما يقضي بتحقيق التقدم والانجاز سواء على الصعيد الذاتي او الجماعي.
#فلسطين_لنا
#بكر_ابوبكر
بكر أبوبكر
رئيس أكاديمية فتح الفكرية