نحو سياسات اقتصادية لمواجهة جنون الأسعار

 

وسام زغبر

عضو اللجنة المركزية

للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين

 

يُدرك القائمون على السياسات الاقتصادية أن موجة الغلاء في فلسطين، لن تمر مرور الكرام رغم حجم التصريحات التي أطلقت في الأيام القليلة الماضية عن جملة من القرارات والإجراءات لمواجهة غلاء أسعار السلع ولا سيما الأساسية منها والتي تشكل السلة الغذائية للفقراء وميسوري الدخل.

تصريحات بالجملة من مسؤولي الحكومة الفلسطينية وسلطة الأمر الواقع في قطاع غزة عللت أسباب ارتفاع أسعار السلع الأساسية والمحروقات، إلى ارتفاعها في الأسواق العالمية جراء جائحة كورونا دون الإشارة إلى الرسوم الجمركية وازدواجية الضرائب وأذونات الاستيراد، رغم أن الغلاء العالمي طال بعض السلع وليس جميعها، ولكن ما جرى ويجري هو محاولة تعميم حالة الغلاء على كافة السلع بما يخدم جشع رؤوس الأموال.

ربما استبقت الحكومة الفلسطينية الاحتجاجات الشعبية من خلال حفاظها على أسعار الوقود وغاز الطهي لشهر نوفمبر الجاري كما الشهر الماضي وتحميلها على خزينة السلطة رغم الارتفاع العالمي بأكثر من 5%، فيما تخوفت سلطة الأمر الواقع من اتساع الاحتجاجات الشعبية الإلكترونية والميدانية للمطالبة بتخفيض أسعار السلع ما دفعها إلى اتخاذ جملة من القرارات الحكومية لمواجهة الغلاء ومنها إعفاء بعض السلع الأساسية (القمح، الطحين، السكر، الأرز، زيت السيرج، السمنة، الفول، العدس، الشعير) من كافة الرسوم الجمركية والضرائب وأذونات الاستيراد المحصلة عليها في معبر رفح التجاري حتى نهاية العام الجاري، وتحمل الزيادة في سعر غاز الطهي وقرارات أخرى.

إن ما جاء في القرارات الحكومية الصادرة من حكومة السلطة الفلسطينية وسلطة الأمر الواقع في غزة، خطوتان جيدتان في الاتجاه الصحيح، ولكن ذلك يتطلب الإشارة إلى السلع الواردة عبر معبر رفح التجاري والتي تشكل (10%) من مجموع الواردات لقطاع غزة، وهذا يستدعي توسيع قائمة السلع الأساسية سواء بتخفيض أو بالإعفاء الضريبي والرسوم الجمركية وأذونات الاستيراد والتي تأتي عبر معبر كرم أبو سالم التجاري.

وربما أن واقع فلسطين يختلف عن دول أخرى في المنطقة، كونها تقع تحت الاحتلال الإسرائيلي الذي يعيق إحداث أية تنمية مستدامة إلى جانب ارتباط الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الإسرائيلي (وفق اتفاق باريس الاقتصادي)، مما يصعب على المواطن القدرة على التعايش مع موجة الغلاء الراهنة، في حين أن الحد الأدنى للأجور في دولة الاحتلال قرابة (2000 دولار) فيما في فلسطين لا يتجاوز سقف الـ(500 دولار) وهذا يجعل من الاقتصاد الفلسطيني رهينة بيد الغلاف الجمركي وتقويض قدرته على التنمية والنمو أيضاً.

إن الفارق كبير ليس بين متوسط دخل المواطن في فلسطين وفي دولة الاحتلال فحسب، بل بين دخل المواطن في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة، حيث أن غزة تتجاوز فيها نسبة البطالة في صفوف القوى العاملة حاجز (46%) والفقر (64%) وانعدام الأمن الغذائي (62%) فيما أكثر من (80%) من سكان القطاع يعتمدون على المساعدات الإنسانية، جراء الحصار الإسرائيلي والانقسام الفلسطيني إلا أن استمرار الرسوم المزدوجة والضرائب التصاعدية وأذونات الاستيراد حتى على السلع الأساسية (قوت الفقراء) فاقم من حياة المواطنين وجعلها لا تطاق.

السمة الأساسية أمام الجهات الحكومية سواء في غزة أو الضفة هو دعم السلع الاستهلاكية الأساسية من خلال الإعفاء الضريبي وتخفيض الرسوم الجمركية ومراقبة أسعارها، وهذا يجب أن يترافق مع إجراءات صارمة من الجهات المسؤولة تجاه التجار الجشعين والشركات الاحتكارية التي تكدس البضائع في مخازنها بانتظار رفع الأسعار، وهذا يتطلب محاسبتهم بدلاً من إعطائهم تسهيلات تحت حجة تشجيع الاستثمار.

وبالإشارة إلى الإجراءات العقابية والإدارية بحق مستغلي الظروف الاقتصادية الصعبة ومحتكري السلع لن تحل المشكلة الاقتصادية المتفاقمة، ولن تشكل بأي حال من الأحوال بديلًا عن الحلول الحقيقية، والتي تتطلب سياسات اقتصادية بديلة يشكل محورها الرئيسي الانتقال من الاقتصاد الريعي الربحي إلى منظومة سياسات اقتصادية إنتاجية زراعية وصناعية وخدماتية، تعتمد بالأساس على الموارد والأيدي العاملة المحلية، من خلال تأمين منظومة حماية اجتماعية شاملة تضمن لأبناء شعبنا العيش بكرامة، وتحميهم من آفة الفقر والبطالة، وهذا بحد ذاته يتطلب التحلل من التبعية الاقتصادية للاحتلال بكافة أشكالها الضريبية والجمركية والنقدية.

أمام تلك المعطيات تقع المسؤولية على صانعي القرار وواضعي السياسات بوضع البرامج والموازنات لتوفير مقومات الصمود والحماية الاجتماعية للحد من الفقر والجوع في فلسطين ولا سيما في قطاع غزة الذي يواجه واقعاً مأساوياً، ما يتطلب جهداً أكبر من حكومة السلطة الفلسطينية وسلطة الأمر الواقع لوقف التدهور المريع في كافة مناحي الحياة، لذا لا بد من الاستجابة الفعالة والسريعة لدعم الأسر الفقيرة ومدقعة الفقر ومساندتها من خلال دعم حصولهم على قوت يومهم.

وتقع المسؤولية أيضاً على النقابات والاتحادات الشعبية ومنظمات المجتمع المدني لرفع الصوت عالياً في مواجهة الغلاء الفاحش في الأسعار وخاصة فيما يتعلق بالسلع الأساسية، وما قد يرافقه من محاولات الاحتكار وحجب السلع الأساسية من بعض التجار والشركات الاحتكارية، والعمل على فضح وتعرية المستغلين لهذه الأزمة، والضغط على الحكومة لإيجاد الآليات اللازمة لحماية الفقراء من الآثار السلبية لذلك.

ختاماً، إن كافة الحلول التي طرحتها السلطتين في غزة ورام الله، هي حلول ترقيعية ولن تحل أزمة غلاء الأسعار، ولن ترقى لمتطلبات المرحلة النضالية التي يعيشها شعبنا ضد الاحتلال والاستيطان وسياسات الحصار والتجويع والإفقار، لذلك بات مطلوباً خطوات عملية بإنهاء الانقسام وإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني كنظام لحركة تحرر وطني تجمع بين الصيغة البرلمانية والرئاسية من خلال الحوار الوطني الشامل للتوصل لتفاهمات وطنية لإجراء انتخابات شاملة على أسس ديمقراطية ونزيهة وشفافة تضمن إعادة بناء المؤسسات الوطنية، وذلك يمكننا من وضع استراتيجية وطنية تصون صمود الشعب وتضحياته في وجه الاستعمار الاستيطاني