د. عبدالرحيم جاموس يكتب : التطبيع والإعلام الصهيوني في يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني . غاياتهما الإستراتيجية ..!

التطبيع  والإعلام الصهيوني في يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني . غاياتهما الإستراتيجية ..!



بقلم د. عبدالرحيم جاموس

 


في التاسع والعشرين من نوفمبر من كل عام اقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1977 م اعتباره ان يكون  يوما للتضامن مع الشعب الفلسطيني بمناسبة الذكرى الثلاثين لصدور  قرار  التقسيم  عنها في العام1947م  للتعبير عن تضامنها وتضامن كل الشعوب مع الشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقه المغتصبه وحقه في تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية ، وأن يجري احتفال سنوي بهذة المناسبة حتى يتمكن الشعب الفلسطيني من حقوقه في العودة وإقامة الدولة  والغير قابلة للتصرف او السقوط بالتقدم.
لكن الكيان الصهيوني الذي نشأ بموجب القرار  181 والإعلام الصهيوني يعملا وفق رؤيا إعلامية إستراتيجية، تستهدف تسويق (المستعمرة الإسرائيلية) لدى العالم ولدى المحيط العربي خاصة ، أنها دولة ديمقراطية طبيعية ومتطورة  ونموذج، تكتسب مشروعيتها من إدعاءاتها الأسطورية بإعتبار أرض فلسطين هي (أرض الميعاد التي وعدَّ الربُ بها بني إسرائيل) ، ويلحق بذلك إدعاء تاريخي مزيف بأن فلسطين هي أرض اليهود منذ أكثر من ألفي سنة ، وأنهم أقاموا فيها دولتهم قبل التشتت والتشرد، لمنح نفسها مشروعية إغتصاب فلسطين والسيطرة  عليها ، ثم يأتي السند الأخير في أحقية (دولة إسرائيل) بالنشوء والوجود  إلى الدور الإستعماري الغربي ،  الذي إعتمد قيام هذا الكيان في وعلى  إقليم فلسطين ،  وعمل لتنفيذه وفق إحتياجاته الإستراتيجية في الهيمنة على المنطقة العربية، فاستغلت الدول الإستعمارية هيمنتها وقوتها وسيطرتها  على النظام الدولي الذي فرض عقب الحرب العالمية الأولى (عصبة الأمم) ،  وعقب الحرب العالمية الثانية (الأمم المتحدة) ،  وإستصدار القرارات الظالمة   التي تسبغ مشروعية قانونية عليه ، في حقيقتها باطلة وظالمة وزائفة  في منح هذا الكيان شهادة ميلاد فوق أرض فلسطين ، بموجب التوصية / القرار رقم181    بتاريخ 29/11/1947  م .
هذه هي مرتكزات  الإدعاء والإعلام الصهيوني في تسويق  وجوده  وشرعيته ، ومن ثم تقديم نفسه على انه يمثل المكافئة و التعويض الأخلاقي عما لحق اليهود من إضطهاد تاريخي ،  وخاصة في أوروبا على يد النازية والحركات اللاسامية... !
كل ذلك دون النظر لما يخلفه هذا الحل ، لما يسمى المسألة اليهودية،  التي ولدت  وتشكلت على أرض أوروبا  من مأساة كارثية  للشعب الفلسطيني ، لا تقل مأساة بل تزيد  عن مأساة ضحايا النازية والإضطهاد الأوروبي لليهود عبر التاريخ ..!
هذا الكيان الصهيوني لا يمتلك اية مشروعية تاريخية او قانونية او اجتماعية ، وإنما هو مجرد  ( نتاج وإفراز إستعماري عدواني ، نتجَ عن الحركة الإستعمارية الغربية التي إستهدفت فلسطين وبلاد العرب ،  منذ مطلع القرن العشرين، ووجوده وإستمراره سيبقى مرتبطاً بأهداف وغايات ورغبات المصالح الغربية  الإستعمارية من أوروبا إلى الولايات المتحدة الأمريكية)  ، وفي سياق جدلية الصراع العربي الإسرائيلي، يسعى الإعلام الصهيوني إلى إحداث إختراقات للموقف العربي على المستوى الجمعي والفردي، بهدف  تهيئة المناخ النفسي والسياسي  لدمج نفسه في المنطقة العربية ،  والقبول به ليس كمجرد أمر واقع بفعل القوة والإغتصاب، وإنما من خلال إمكانية نسج علاقات مصلحية  مختلفة ، سياسية وإقتصادية وأمنية  وعسكريه مع الدول العربية ،  سواء بموجب ما اطلق عليه إتفاقات السلام مع بعض  دول الطوق مثل مصر والاردن،  اواتفاقات التطبيع  (اتفاقات ابراهيم) مع الدول العربية الأخرى مؤخرا مع الإمارات العربية  المتحدة والبحرين والمغرب والسودان ،  أو دون ذلك حيث تم افتتاح مكاتب تمثيلية او تجارية لدى بعض الدول العربية الأخرى مثلَ عمان وموريطانيا وتونس سابقا .
كل ذلك يجري دون إيجاد  حلِ  عادلٍ لقضية الشعب الفلسطيني التي تمثل  جوهر الصراع القائم في المنطقة  ، ويمثل تسليما واستسلاما  من هذة الدول للرؤية والرواية الصهيونية ، ولا يمكن أن يبرر بأن ماحدث ويحدث بهذا الشأن انه عملا من أعمال السيادة ، وإنما هو فعل يؤكد على من اقدم  عليه  انه فاقد للسيادة التي مصدرها الشعب فقط ،  خصوصا وان الشعوب لم تستشر او تستفتى بشأن تلك الاتفاقات من حيث الرفض او القبول ،   بل عبرت الشعوب عن استهجانها ورفضها وشجبها لهذة الاتفاقات المشينة  غير الطبيعية  ، لما تمثله  من خطورة بالغة عليها وعلى مصالحها وعلى امنها الوطني والقومي ، وهي طعنة نجلاء للشعب الفلسطيني ونضاله،   ولتطلعات الأمة العربية في الحرية والتنمية والوحدة  .
لذا لا يتورع الإعلام الصهيوني عن خلق الشائعات وفبركة الأخبار والأحداث، عن تسارع نمو علاقاته مع العديد من الدول العربية الأخرى ،  والتي لا ترتبط معه  بعد بإتفاقات سلام او تطبيع ، كما كان يتبجح رئيس وزرائه نتنياهو أن فترات حكمه قد شهدت نمواً كبيراً في علاقات الكيان مع الدول العربية ، أملتها المصالح المشتركة بين الكيان والدول العربية ، هادفاً من ذلك  عزل القضية الفلسطينية  عن محيطها العربي ،  وبالتالي إعتبار القضية الفلسطينية مجرد قضية قُطرية تهم الفلسطينيين وحدهم  فقط دون غيرهم، وهذه تمثل غاية إستراتيجية للإعلام والسياسة الإسرائيلية ولإتفاقات التطبيع الموقعة معه .
بناء عليه فإن أجهزة الإعلام الصهيونية المختلفة تخدم هذه الرؤيا الإستراتيجية للكيان الصهيوني، ويتناقل العرب ما تبثه في بعض وسائل إعلامها دون إدراك لعدم مصداقيتها من جهة،  ودون إدراك لخطورتها على زرع بذور الشك والفتنة في الأوساط العربية من جهة اخرى ، لخلق حالة من الإحباط لدى الفلسطينيين خاصة والعرب عامة، والتسليم بإملاءات الكيان الصهيوني ورعاته ،  بالصيغ الظالمة المقترحة  لإنهاء حالة الصراع العربي الإسرائيلي ،  وفي جوهره تصفية  القضية الفلسطينية، رغم المواقف العربية الواضحة التي تبلورت في قرارات الجامعة العربية على مستوى القمم المتتابعة ،  وعلى مستوى بيانات الدول العربية بشكل فردي وشبه يومي ، ذلك مايؤكد ان اتفاقات التطبيع العربية الإسرائيلية لم تشجع الكيان الصهيوني على القبول بحل القضية الفلسطينية حلا  عادلا  وفق قرارات الشرعية الدولية ، إنما زادته غطرسة وتجاهلا للشعب الفلسطيني وحقوقه،  بل شجعته على مواصلة احتلاله المتواصل للأراضي الفلسطينية ،  ومتابعة سياسات الضم والتوسع والإستيطان و ممارسة التطهير العرقي والفصل العنصري،  وتدنيس المقدسات الإسلامية وفي مقدمتها الأقصى المبارك  والسعي إلى تهويده .
إن سياسة الكيان و الإعلام الصهيوني تعملُ على زرع بذور الشك في ثبات  المواقف العربية الرسمية والشعبية ،  من خلال سياق ما يبث من إعلام كاذب ومضخم احيان ، فلابد من التعامل معه بكامل الحذر واليقظة ، وتفويت الفرصة عليه من تحقيق أهدافه وغاياته منها ،  والتفريق بين مواقف الشعوب العربية التي لن تتخلى عن مناصرة الشعب الفلسطيني في كفاحه من أجل استرداد حقوقه كاملة في الحرية والعودة والمساواة ، وبين مواقف بعض الحكومات العربية  المغلوب على أمرها والتي تظن انها تشجع الكيان الصهيوني على الإقدام نحو التسوية العادلة والشاملة بتلك المواقف  ..!
سوف يكتشف العديد من الدول العربية التي اقدم بعض حكوماتها  على التطبيع مع الكيان الصهيوني انها اضرت بالغ الضرر بالقضية الفلسطينية وبأمنها الوطني والقومي ،  الذي قدمته على طبق من ذهب للكيان الصهيوني ، الذي لن تتوقف أطماعه عند حدود الجغرافيا الفلسطينية ،  إنما تتعداها للسيطرة والهيمنة على كافة المقدرات العربية من المحيط إلى الخليج ، وحينها لن ينفع الندم  من قبل  المطبعين .
إن تحقيق الأمن والسلام  والتقدم والرفاه للمنطقة لن  يتأتى دون إقرار حل عادل للقضية الفلسطينية  ، وفق قرارات الشرعية الدولية  على الأقل  وفي مقدمتها القرار 181 لسنة 1947م والقرار  194لسنة1948 م القاضيان  بتنفيذ حق العودة للاجئين الفلسطيين  إلى ديارهم ، وحق الحرية والمساواة ، وحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وفق القرار181 الذي نص على إقامة الدولة الفلسطينية اسوة بالدولة اليهودية في آن .
إن ما نود ان نؤكد عليه في اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني هو أن كافة الإختراقات التي حققها الكيان الصهيوني لبعض المواقف العربية لن تمنحه الأمن ولا السلام مالم يذعن للتسليم الكامل بحقوق الشعب الفلسطيني وفق الشرعية الدولية ،  في العودة والحرية والمساواة وفي حق الدولة وتقرير المصير ،  .....
فإما تنفذ قرارات الشرعية  الدولية  كاملة،  وإما ان ترفض كاملة ، وبالتالي العودة في الصراع إلى نقطة الصفر ، كصراع وجود وليس كصراع  حدود مع  الشعب الفلسطيني ومعه شعوب الأمة العربية حتى يتم تصفية هذا المشروع الإستعماري العنصري  على أرض فلسطين  .
د. عبدالرحيم محمود جاموس
عضو المجلس الوطني الفلسطيني
الرياض  28/11/2021   م

 عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.