هل حقاً فشلت انظمة الدفاع الجوي للاحتلال الاسرائيلي باعتراض الصاروخ الحوثي ؟

المجموعة: تقارير كتب بواسطة: نداء الوطن

نداء الوطن

 

في الأيام الأخيرة، أعلنت جماعة "أنصار الله" الحوثية في اليمن عن إطلاق صاروخ باليستي بعيد المدى باتجاه مدينة تل آبيب في منتصف الأراضي الفلسطينية المحتلة. ورغم أهمية الحدث، فقد لزم الإعلام الإسرائيلي، والقيادة السياسية والعسكرية، صمتاً غير معتاد، خاصة مع تداول أنباء عن سقوط الصاروخ داخل الأراضي المحتلة بالقرب من مطار بنغريون وادعاء فشل الاعتراض.

سرعان ما انتشر في الإعلام العربي وصفحات التواصل رواية تقول إن "أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية فشلت في اعتراض الصاروخ"، في إشارة إلى خلل خطير في القبة الحديدية وباقي المنظومات الدفاعية. لكن هل فشلت الأنظمة حقاً؟ أم أن هناك ما هو أخطر من الفشل التقني؟ في هذا التقرير نحلل الحدث من منظور أمني وسياسي، ونطرح فرضية قد تبدو جريئة: أن أنظمة الدفاع الجوي تم تعطيلها عمداً لأهداف داخلية حساسة.

1. الصاروخ الحوثي: سلاح سياسي قبل أن يكون عسكرياً
بحسب بيان الحوثيين، فإنهم استهدفوا مدينة "تل ابيب" بصاروخ باليستي بعيد المدى، وذلك في سياق "نصرة غزة" واستمرار العمليات ضد الكيان الصهيوني. ورغم عدم نشر أي صور أو فيديوهات تثبت مكان السقوط، إلا أن مصادر متعددة تحدثت عن سماع دوي انفجار في المنطقة.

المثير أن إسرائيل لم تصدر أي نفي رسمي، ولم تطلق صافرات الإنذار، ولم تعلن عن اعتراض الصاروخ، ما أثار شكوكاً حول ما إذا كانت الدفاعات الجوية قد تم تشغيلها أصلاً.

2. منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية: من القوة إلى الصمت
إسرائيل تمتلك واحدة من أكثر شبكات الدفاع الجوي تطورًا في العالم، وتضم منظومات متعددة الطبقات مثل:

القبة الحديدية: مخصصة لاعتراض الصواريخ قصيرة المدى.

مقلاع داوود (David’s Sling): لاعتراض صواريخ متوسطة المدى.

آرو-3 (Arrow-3): لاعتراض الصواريخ الباليستية بعيدة المدى.

من الناحية النظرية، لا يمكن لصاروخ متوسط أو بعيد المدى أن يصل إلى داخل حدود إسرائيل دون رصده واعتراضه على الأقل بمحاولة. فكيف مرّ هذا الصاروخ؟ وهل عجزت كل هذه المنظومات في وقت واحد؟

3. هل هو فشل فعلي؟ تفنيد الرواية التقنية
نظرياً، فشل أنظمة الدفاع الجوي في التصدي لصاروخ واحد فقط احتمال ضعيف جداً، للأسباب التالية:

لا يوجد خلل معروف حالياً في هذه الأنظمة، وهي تعمل بنجاح منذ سنوات.

الجيش الإسرائيلي حريص على تبييض صورته، وكان سيسارع بنشر بيانات توضيحية لو أن هناك "هجوم فاشل" أو اعتراض ناجح.

غياب صافرات الإنذار يُشير إلى أن النظام لم يتعامل مع الصاروخ أصلاً، لا كاعتراض ولا كتحذير.

كل هذه المؤشرات ترجّح أن المنظومات لم يتم تفعيلها — وهذا لا يعود إلى عطل، بل إلى قرار.

4. التعطيل المتعمد: سيناريو محتمل له جذور سياسية
الفرضية الأكثر إثارة أن أنظمة الدفاع الجوي تم تعطيلها أو تجاهل التهديد المتعمد، وذلك في سياق لعبة سياسية داخلية.

الأسباب المحتملة لهذا السيناريو:
الضغط على الشارع الداخلي: منذ أسابيع، تشهد تل أبيب ومدن أخرى احتجاجات حاشدة تطالب بوقف الحرب على غزة وتوقيع اتفاق تبادل أسرى. السماح بوصول تهديد خارجي (حتى إن كان رمزياً) قد يخدم في إثارة "الرعب" ودفع الجمهور للالتفاف حول القيادة الأمنية.

تقديم نتنياهو كمُخلّص: إذا شعر الشارع أن "الأمن مهدد"، قد يتمسك ببقاء نتنياهو حتى لو فشل في الحرب، باعتباره الحامي الوحيد في وجه صواريخ اليمن، إيران، أو غزة.

الضغط على المعارضين داخل الحكومة: أي اختراق أمني يمكن توظيفه في تسويق خطاب: "لا وقت للخلافات الآن"، وبالتالي إضعاف الجبهة الداخلية المعارِضة لاستمرار الحرب.

5. رسائل متعددة: من الحوثيين إلى تل أبيب مروراً بواشنطن
في حال صحّ السيناريو، فإن إسرائيل حاولت من خلال هذا "الصمت" إرسال عدة رسائل:

للحوثيين: تجاهل الصاروخ ربما هدفه عدم الانجرار لمواجهة جديدة، خاصة أن الحوثيين يقصفون بتنسيق إيراني واضح.

للداخل الإسرائيلي: إذا لم تلتفوا حول القيادة، فالصواريخ ستصل بيوتكم.

للولايات المتحدة: نحن محاصرون من كل الجبهات — من غزة، إلى جنوب لبنان، إلى اليمن — ونحتاج دعمًا مطلقًا.

6. الخلاصة: ما بين الفشل والتعمد، من المستفيد؟
سواء فشلت أنظمة الدفاع الجوي حقًا، أو تم تعطيلها عمدًا، فإن النتيجة واحدة: إسرائيل تلقت رسالة تهديد وصلت بسلام إلى عمق أراضيها، ولم ترد.

لكن في ظل هشاشة الوضع الداخلي، وانقسام المجتمع الإسرائيلي بين معسكر الحرب ومعسكر "عودة الأسرى"، فإن تعطيل الدفاعات يبدو أقرب إلى قرار تكتيكي داخلي منه إلى فشل عسكري. إنها رسالة خوف موجهة للمتظاهرين أكثر منها ردًا على الحوثيين.

في نهاية المطاف، تبقى الحقيقة ضحية في ظل حروب الظل والمعلومات، لكن السؤال الذي يبقى: هل بدأ نتنياهو باستخدام أدوات الحرب لتوجيه الرأي العام الداخلي؟