أسامة خليفة
كاتب فلسطيني
يأتي الكشف عن اتصالات مباشرة بين الولايات المتحدة وحركة المقاومة الإسلامية «حماس» في الدوحة، بعد فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها في الحرب على غزة، مما يعكس تحولاً هاماً في طريقة تعامل واشنطن والولايات المتحدة مع الصراع الفلسطيني- الاسرائيلي.
كما يأتي بعد انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، والتي انتهت في بداية شهر آذار الحالي، دون الدخول في مباحثات جدية حول المرحلة الثانية، كما تأتي أيضا في سياق أن الإدارة الأميركية لم تعد ترى أن مسار المفاوضات الذي تتبعه حكومة نتنياهو مجدياً، وسط إصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على تمديد المرحلة الأولى من الاتفاق، والإفراج عن أكبر عدد ممكن من الأسرى الإسرائيليين في غزة، مقابل فتح المعابر والسماح بدخول المساعدات الإنسانية، وقد أغلقت إسرائيل جميع المعابر المؤدية إلى القطاع لمنع دخول المساعدات الإنسانية، في خطوة تهدف إلى استخدام التجويع كأداة ضغط على حماس، لإجبارها على قبول الشروط الإسرائيلية بهدنة قصيرة الأجل، وتبادل أسرى خلالها.
في المقابل، تؤكد حماس وجوب تنفيذ كل ما وقعت عليه إسرائيل في اتفاق وقف إطلاق النار، وبدء مفاوضات المرحلة الثانية التي تشمل الانسحاب الشامل لجيش الاحتلال من غزة بما فيها محور فيلادلفيا، وهدنة طويلة الأجل، تمهيداً لإعادة إعمار القطاع المدمّر.
كما تأتي هذه المحادثات وسط تقييم جديد للإدارة الأميركية لمسار المفاوضات الذي يعرقله نتنياهو لأسباب شخصية، ولإرضاء شركائه في الحكومة التي يخشى أن تنهار، ويذهب بعدها إلى المحاكمة بتهمة الفساد، وأصبحت الولايات المتحدة ترى أن نتنياهو هو المشكلة، وأن حماس جزء من الحل.
وتأتي أيضاً وسط رغبة الرئيس الأميركي أن تؤدي المفاوضات إلى صفقة سريعة لا تحتمل المماطلة، في سابقة تحمل دلالات استراتيجية، تكمن وراء مفاوضات رسمية ومباشرة بين أميركا وحركة حماس لأول مرة، كانت مفاجئة للكثيرين لا سيما لنتنياهو وحكومته، فحركة حماس لم تكن رافضة للحوار مع الولايات المتحدة، بل العكس هو الصحيح، والتغير حاصل في الموقف الأميركي، وليس من جهة حماس.
لكن ما الأمر بالنسبة للولايات المتحدة؟. وهي التي تعتبر حركة حماس حركة إرهابية، فهل يؤدي هذا الحوار إلى رفع اسم حماس من قائمة «الإرهاب» الأميركية؟. ذلك مبكر جداً، ودونه شروط أميركية يصعب على حماس القبول بها دون تغيير هام في سياستها، وفي مقدمتها الاعتراف بإسرائيل. ورأى محللون سياسيون في هذه اللقاءات بداية تحول أميركي، بالاعتراف بحماس كجزء من الحل السياسي في المنطقة، بما أن الحوار المباشر هو اعتراف ضمني أن حركة حماس حركة مقاومة لا يمكن شطبها من المعادلة السياسية، ولا يمكن تجاهلها في أي عملية تفاوضية. وأن حركة حماس في المفاوضات غير المباشرة عبر وسطاء كانت تمثل كل فصائل المقاومة، حقيقة لا يمكن لأحد تجاوزها. يمكن لهذه اللقاءات أن تكون بداية لحوار شامل وواسع حول القضية الفلسطينية، وضرورة حلها حلاً عادل،اً وأن تكون مقدمة لتحولات أوسع في السياسة الأميركية تجاه القضية الفلسطينية، بما يذكرنا بموقف الولايات المتحدة من منظمة التحرير الفلسطينية، التي اضطرت في النهاية إلى الحوار والتعامل معها للوصول إلى حل للصراع في المنطقة، وفي العام 1994 تم فتح مكتب لمنظمة التحرير الفلسطينية في العاصمة واشنطن، وقام الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون حينها بإلغاء قانون ينص على أن الفلسطينيين لا يستطيعون الحصول على مكاتب.
في الحوار المباشر التقى آدم بولر مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والقيادي في حركة حماس خليل الحية، تمحور اللقاء حول الأسير «الأميركي- الإسرائيلي» عيدان ألكساندر، المحتجز لدى المقاومة الفلسطينية، ناقشا أيضا كيفية تنفيذ الاتفاق المرحلي الذي يهدف إلى إنهاء الحرب بين إسرائيل وحماس. وقال القيادي في حركة حماس: «أبلغنا الوفد الأمريكي عدم ممانعتنا الإفراج عن الأسير في إطار هذه المحادثات وضرورة إلزام الاحتلال بما وقع عليه في الاتفاق والدخول المباشر للمرحلة الثانية من الاتفاق وتطبيق كافة الاستحقاقات التي عليه لا سيما أن أمريكا أحد الضامنين للاتفاق».
لا ترحب إسرائيل بانفتاح أميركي على حركة حماس، ويمثل انعقاد هذه المفاوضات ضربة مؤلمة لنتنياهو وحكومته، وهذه المحادثات أثارت غضبه، لاسيما أن محاولاته الضغط على إدارة ترامب لوقفها قد فشلت، وتدرك إسرائيل جيداً خطورة هذا التحول الأميركي، ولذلك من المتوقع أن تسعى بكل الطرق لإفشاله، عبر تحركات سياسية وحملات إعلامية إسرائيلية تهدف إلى عرقلة الحوار. وفي تصريحات مقلقة لإسرائيل قال مبعوث الرئيس ترامب: إنه «يتفهم الاستياء الإسرائيلي من هذه الخطوات»، لكن «الولايات المتحدة ليست عميلاً لإسرائيل، ولدينا مصالحنا الخاصة المنفصلة عن إسرائيل»، وصرح أن ما يحاول العمل عليه هو إعطاء دفعة قوية للمفاوضات، و«الصفقة ممكنة وهناك فرصة حقيقية لاتفاق كامل لإخراج الرهائن كافة»، فما الذي يقلق نتنياهو إذا كانت المفاوضات تجري بالتنسيق مع الحكومة الإسرائيلية كما يدعي؟. التسريبات تشير إلى أن التفاوض لا يجري فقط على إطلاق سراح الرهائن، بل على مختلف القضايا، خلال أربعة لقاءات مباشرة شكلت مساراً موازياً للمسار السابق، وسط تصريحات أميركية أنه يمكن التوصل مع حركة حماس إلى حل، وأن حماس مرنة وليست متعنتة. وقال بولر لشبكة (سي.إن.إن): إن «المحادثات كانت مفيدة للغاية»، وذكر في مقابلة مع القناة 12 الإسرائيلية أن «إدارة ترامب تركز على إطلاق سراح باقي الرهائن وعددهم 59 وإنهاء الحرب»، وأضاف «أعتقد بوجود فرصة حقيقية لبعض التحرك ورؤية بعض الرهائن في ديارهم في الأسابيع القليلة المقبلة».
قبل ذاك أشارت وسائل إعلام إلى عدم علم إسرائيل بهذه اللقاءات المباشرة مع حركة حماس، وأن هذا المسار جرى من وراء ظهر الحكومة الإسرائيلية، والإدارة الأميركية نفسها هي التي أعلنت عنه، وقد تفاجأت إسرائيل بمسار رديف يمكن أن يصل إلى حل، يجبر الرئيس ترامب إسرائيل على قبوله.
في رأي المحلل والكاتب السياسي الفلسطيني أحمد الحيلة في منشور على منصة إكس، فإن الاتصالات واللقاءات بين آدم بولر مبعوث الرئيس ترامب لشؤون الأسرى وحركة حماس في الدوحة بالتوازي مع مفاوضات وقف إطلاق النار والنقاش تعني ما يلي:
- اعتراف واشنطن واقعيا بالحركة كجزء مهم من المشهد الفلسطيني، ولا يمكن تجاوزها بعد فشل القضاء عليها عسكريا.
- تراجع ثقة ترامب بنتنياهو الذي يقدم حساباته الشخصية على حساب مصالح الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، حسب قناعة رأي عام إسرائيلي واسع، فنتنياهو يسعى لتعطيل اتفاق وقف إطلاق النار، مما يعني تعليق إطلاق سراح الأسرى، واستمرار التوتر تحت عنوان الحرب.
- هناك مصلحة لواشنطن بوقف الحرب لاستثمار علاقاتها سياسيا (التطبيع) واقتصاديا مع الدول العربية، وهذا يحتاج إلى هدوء في المنطقة.
- تهديد ترامب ونتنياهو لغزة بالجحيم والحرب الفتاكة ما زال أداة ضغط تفاوضية، والباب ما زال مشرعا لمزيد من المفاوضات.