بناء عوامل القوة للمرحلة القادمة

 

م. ضياء حامد الجدع القواسمي

 

تستعر الأحداث العالمية تاركة آثارها على الواقع العام، أحداث تنعكس بصورة قوية ومباشرة على الاقتصاد العالمي لكونها تطال المصادر الأساسية للطاقة والتنمية وسلاسل التوريد الغذائي ووسائل النقل البري والبحري والجوي، ولعل أحداث الحرب الروسية الأوكرانية الأخيرة قد كانت خير تعبير عن هذه المخاطر التي تطال الاقتصاد العالمي بكل عنف، وستطال واقعنا الفلسطيني كجزء من الاقتصاد العالمي غير المستقر. 

 

ولعل الجميع يلحظ أن قطاع الطاقة بكل مجالاته، سواء من خلال الوقود الأحفوري كالنفط والغاز والفحم، أو من خلال الطاقة المتجددة والنظيفة والخضراء، هو المحرك الأساس، وهو الجهة الأكثر تأثراً بهذه النزاعات، بل وحتى في مجالات التـأثير على الدول الأوروبية وروسيا والعالم بأسره، وهذا ما يدفعنا اليوم للحديث عن تأمين مصادر القوة البديلة في واقعنا تحاشياً لسيناريوهات أكثر قتاماً وسوءاً. 

 

كل ما نلحظه على شاشات التلفاز وشاشات البورصات العالمية يقودنا بشكل مباشر إلى فهم وتحليل عقلاني للواقع، فالقراءات الاقتصادية والمالية تشير بقوة إلى أن الجميع يتوجه نحو قطاع الطاقة البديلة بأشكالها ومجالاتها المتنوعة، وفي ظل احتدام المعارك والحروب؛ والتخوف المنطقي من القادم، زاد حجم الاستثمار بشكل لافت في مجال الطاقة الشمسية، وباتت مؤشرات أسهم هذه الشركات في بورصات العالم هي الخضراء الصاعدة.

 

تجليات العقلانية الواقعية اليوم تكون باستثمار ما هو متاح في مجال الخدمات التي تمس المواطن الفرد، وتقدم له الحلول العقلانية والواقعية لا سيما في ظل الأزمات، ومجال الطاقة واحد من أهم مجالات الحياة اليومية التي تهم القطاعات الاقتصادية والمشافي والمؤسسات والبيوت والأفراد على حد سواء، ومن الأولوية اليوم أن تلتفت رؤوس الأموال والمؤسسات الحكومية ذات الصلة - بل وحتى الأفراد- إلى هذا المجال لتأمين احتياجاتهم من الطاقة البديلة في ظل أزمة قد تطال الوقود الأحفوري، أو ارتفاع أسعاره بالحد الأدنى؛ بصورة لا يمكن للمواطن تأمين احتياجاته من هذا الوقود الذي يشكل عنواناً من عناوين الحرب القائمة.

يفترض بالعقلاء اليوم أن يبادروا بالاقتراحات والمشروعات الخدماتية الجماهيرية التي تستهدف خدمة شرائح واسعة من الجماهير، وهذا يتطلب أن تنبري العقول الاقتصادية والاستثمارية والقطاع الخاص لتقديم المشروعات للجهات الحكومية ليكونوا شركاء فعليين لهم في خدمة المجتمعات التي ينطلقون منها، ويقدموا الاقتراحات المعقولة في مجال تأمين الموارد والمواد الخام المطلوبة للمرحلة القادمة، وآليات تنفيذ المشروعات النافعة والكبرى لخدمة المجتمع في مرحلة الأزمات، كمشروعات الطاقة البديلة الكبرى في التجمعات السكنية الكبرى والقرى والبلدات، لتستطيع تأمين احتياجاتها الأساسية من الطاقة في ظل الأزمات الحالية أو المتوقعة.

 

إن النداء بتأسيس مشروعات الطاقة البديلة كمثال حيوي لتفاعل النخب العقلانية في المجتمع على نطاق تفاعلي في مناطق الجغرافيا السكانية الكثيفة يعتبر واحداً من المشروعات التي تخلق حالة من الوعي العام، فميلاد مشروع إيجابي حيوي يعني الكثير للمواطن الذي ينتظر بفارغ الصبر ما يخفف عنه آثار الواقع المرير، وتردي الواقع الاقتصادي الآخذ بالضغط عليه بكل المجالات، فامتلاك المؤسسات الرسمية لمثل هذا التوجه، وتعزيز حالة التوحد ما بين القطاع العام والخاص لتأمين مثل هذه المشروعات يسهم بشكل مباشر في تعزيز حالة الصمود والقدرة على الحياة في ظل الأزمات.

 

نداء الوطن