هبة الأرض الفلسطينية للفلاح

بقلم نجلاء الخضراء

انتشرت معاصر الزيتون في فلسطين منذ العهود الكنعانية والفنيقية واليونانية فكانت العصرة الأولى لزيت الطعام والثانية لزيت الاستحمام والثالثة لزيت الإضاءة وما يبقى بعد ذلك من قشور يستعمل كوقود لإشعال النار . وكان الفلاح يأخذ ما تبقى من مخلفات عصر الزيتون بعد الانتهاء من عصر الزيتون -ويسمى الصلب منه بالجفت في حين يطلق على البقايا السائلة الزيبار- ليستخدمه كفحم عضوي في فرن الطابون للخبز والطهو فهو يحتوي على زيت الزيتون الذي يضفي نكهة مميزة على الخبز عند خبزه ولاستخدامه في التدفئة من خلال وضعه في الكانون حيث تبقى النار مشتعلة وقتا أكبر. وكان الفلاح يستخدم الرماد بعد الحرق كسماد عضوي يساعد على تحسين جودة المحاصيل الزراعية والتربة. فلا يخلو منزل من الجفت المحفوظ أو المخزن.

وكان هناك اشخاص يعتاشون على هذه المادة فيملئون عرباتهم التي يشترونها من المعصرة بالجفت ليعرضوها للبيع وينتفعون بربحها .

أما اليوم فإن كومات الجفت تبقى في المعاصر دون فائدة وتتكدس في الأراضي الزراعية والبساتين فقد تناسى الناس فلاحون ومزارعون في السنوات الأخيرة فوائدها الطاقية والاقتصادية فتحول الجفت من مادة مستهلكة إلى عبئا بيئيا، إذ تصل كمية زيت الزيتون في فلسطين إلى 100 ألف طن في السنة الواحدة أحيانا وبالتالي فإن كميات الجفت الضخمة تصل إلى حوالي 30 ألف طن تحتاج إلى معالجة إن لم يتم الاستفادة منها

لهذا عمل الباحثون في فلسطين للتخلص من هذا الكم الكبير من الفضلات وتدويره والاستفادة منه فقد أشارت الدراسات أن الجفت يمكن أن يشكل بديلا ممتازا للفحم عن طريق تحويله إلى فحم عضوي وهو يعد البديل الأرخص للطاقة والتدفئة علما بان طاقته الحرارية تبلغ 3600كيلوكالوري لكل كيلو غرام جاف من الجفت ويشكل دخلا إضافيا لأصحاب المعاصر من خلال تصنيعه في قوالب مخصصة للتدفئة في المواقد

وبعد عدة محاولات لعمليات تخمير متخصصة للجفت والزيبار كانت النتيجة انتاج 750 لترا من الغاز الحيوي من كل كيلو غرام من المادة العضوية الجافة من الجفت في حين أنهم استطاعوا انتاج 980لترا من الغاز بعد معالجة الزيبار وهو ما يعني تقليل كمية النفايات الناجمة عن عصر الزيتون حتى 95%

يخلط الجفت مع أوراق شجر الزيتون ويطحن ويعالج ليعطي أسمدة عضوية طبيعية ممتازة وهو يضاف إلى الكومبوست فيستعمل كوسط زراعي في المشاتل وتحسين خواص التربة وتعتبر هذه الخطوة خطوة رائدة ومتقدمة على الصعيد الاقتصادي والصناعي والبيئي باتجاه صناعة جديدة ولدت منذ سنوات لتصنيع الجفت.

يستخدم رماد الجفت الناتج عن الاحتراق أيضا كسماد عضوي يحتوي على جميع العناصر الغذائية الكبرى والصغرى ماعدا النتروجين والكربون كما يمكن استخدامه كملح يوضع على أحواض الأشجار المثمرة لحفظ رطوبة التربة ومنع نمو الأعشاب

أكدت الأبحاث التي أجريت على جفت الزيتون بأن المبيدات الحشرية المستخرجة منه فعالة جدا وأنها أفضل من الكثير من المبيدات المستخدمة حاليا وهي مبيدات حيوية تسهم في مكافحة الفطريات والحشرات والبكتريا التي تهاجم الأشجار والمزروعات وأوضحت أن الجفت يحتوي على مادة (البولي فينول) وهي قادرة على مكافحة الفطريات الضارة وانتقدت الاستمرار في اتلاف جفت الزيتون

مع أن جفت الزيتون ليس غنيا بالطاقة والبروتين الخام إلا أنه يحتوي على الألياف بصورة جيدة جدا وقد نشرت دراسات تشير إلى جدوى استخدام الجفت في صناعة أعلاف الحيوانات المجترة بشكل خاص، وأصبح بالإمكان الاعتماد على جفت الزيتون في خلط طعام الحيوانات واستبداله بالقمح أو الشعير دون التأثير على صحتها وانتاجها وبالتالي التخفيض من التكلفة المادية لأعلاف الحيوانات في المزارع على مختلف أنواعها.

يحتوي الجفت على اللجينين والسليلوز ويمكن استخلاص مادة السلليوز النقي منه بإضافة الأحماض والمؤكسدات وهي مادة مهمة جدا في الصناعات النسيجية كما يمكن انتاج خلات السليلوز لصناعة أفلام التصوير وعوازل الكهرباء البلاستيكية .

كما ينتج النتروسليلوز (البارود القطني) من جفت الزيتون وقد استخدمه المناضلون والمقاومون في فلسطين ضد العدو الصهيوني في صناعة المتفجرات اليدوية فصنعوا منه الديناميت والبارود وحشوات قنابل الهاون واستخدم كحشوة دافعة للصواريخ وذلك بخلطه مع مواد أخرى، ان النتروسيليلوز سهل التصنيع وسريع الاشتعال وحساس للهب والحرارة وغير خطر، يتم حفظه في أوعية عاتمة ويمكن أن يتحول عن طريق المذيبات كالأسيتون والسبيرتو وغيرها إلى هلام مثل الجلاتين .

تعمل بعض معاصر الزيتون بطريقة استغلال نوى الزيتون في عملية اشعال النار وتحريك التوربينات لعصر الزيتون دون الحاجة للوقود الذي يحتاج مبالغ كبيرة كما يتم استخدام الجفت في انتاج البخار لتشغيل التوربينات وتدويرها وبنفس الأسلوب يمكن تشغيل المولد الكهربائي

يستخدم جفت الزيتون والزيبار لتأسيس صناعات عديدة أخرى كصناعة الصابون والكربون النشط وصناعات الفحم للشواء والنرجيلة، وقد قام العلماء والباحثون بالوصول إلى نتائج كثيرة فيما يخص الفطريات وتقليل درجة سمية الزيبار باستخدام نبتة الشعير وإنتاج الكربون المنشط لنوى الزيتون كما أنهم وجدوا في أوراق الزيتون البري نسبة من مادة oleuropein ولها فوائد في صناعة الأدوية وعلاجات تقلل من تكاثر خلايا السرطان.

يحمل الحطب آثارا سلبية على البيئة إذ ينتج عن احتراقه مواد تؤثر على طبقة الأوزون ، إضافة إلى أن التحطيب الجائر يؤدي إلى زيادة رقعة التصحر، أما بالنسبة لحطب الجفت فهو يشتعل بسرعة ويعطي نارا قوية وينبعث منه دخان خفيف، لكن المشكلة الوحيدة تتمثل في عدم قدرة المدفئة الخفيفة المعدن أي الرقيقة على مقاومة قوة النيران لهذا على من يستخدم حطب الجفت استخدام مدفئة فولاذية لأنها أكثر قدرة على تحمل حرارته.

توفر اسطوانات الجفت بدائل آمنة ورخيصة لسكان فلسطين في ظل انقطاع الكهرباء وعدم توفر الوقود، وتوفر فرص عمل للشباب وتسهم في الحفاظ على البيئة الفلسطينية بنسبة 40% أو أكثر.

كانت رؤية الأجداد رؤية صائبة وعميقة ونظرتهم ثاقبة عندما قرروا استخدام ثروات وطنهم وطبيعتهم وخاماتها في تلبية احتياجاتهم ومطالبهم وتمكينهم من الوصول لغايتهم وهذا ما فعلوه بجفت الزيتون بعد موسم العصر واقتناء الزيت فاعتمدوا على تلك الخلاصة كمورد لهم وكخامة أو مادة تستخدم في ممارسة أعمالهم اليومية ومن هنا بدأ الباحثون دراساتهم وأعمالهم للاستفادة من تلك الخامة الثمينة ومن الأفكار والممارسات والصناعات التراثية التي عمل عليها أجدادهم فكان ذلك تطوير وتنمية وتدوير لعنصر هام من عناصر التراث الفلسطيني

 

 

نداء الوطن