المشروع الأمريكي-الاسرائيلي لتصفية قضية اللاجئين

أسامة خليفة

باحث في المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف»

قراءة في كتاب «اللاجئون .. المجلس المركزي»، يحمل الكتاب الرقم «36» في إطار سلسلة «الطريق إلى الاستقلال»، التي يصدرها المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف».

ملف اللاجئين وحق العودة أهم ملف من ملفات القضية الوطنية الفلسطينية يتعرض لمخاطر مستجدة بفعل سياسة الإدارة الأمريكية التي اشتدت شراسة في عهد ترامب، ومازال الضغط الأمريكي قائماً على القيادة الفلسطينية للتعامل مع المشروع الأمريكي-الإسرائيلي لتصفية قضية اللاجئين، فعلى امتداد أكثر من نصف قرن قُدّمت العديد من المشاريع الأمريكية التي ترمي إلى تصفية قضية اللاجئين باستهداف المكانات الثلاث (اللاجئ، والمخيم، ووكالة الغوث) التي ينهض عليها حق العودة، كما ترمي إلى استكمال شروط تنفيذ مخطط التوطين والتهجير، ومن منطلق ادعاء الحرص على الشعب الفلسطيني ومصالحه تسعى الولايات المتحدة للمس بمكانة اللاجئ القانونية-السياسية التي مازالت مصانة من خلال الوثائق الدولية والفلسطينية، ومن خلال التعامل الدولي الذي ما يزال يميل إلى احترام القواعد القانونية التي تعطي اللاجئ الفلسطيني حق التمتع بوضعيته ومكانته القانونية، سواء تلك المنصوص عليها في القرار 194، أو من خلال عشرات القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومن بينها القرار رقم 3236 لعام 1974 الذي أكد على حق الشعب الفلسطيني في فلسطين، غير القابل للتصرف، وبخاصة الحق في تقرير مصيره بحرية، دون تدخل خارجي، والحق في الاستقلال والسيادة الوطنيين، مع التأكيد أيضاً على أن الشعب الفلسطيني طرف رئيسي في إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط، والاحترام الكلي لحقوق الشعب الفلسطيني هذه، وإحقاقها أمر لا غنى عنه لحل قضية فلسطين، والتأكيد على حق الفلسطينيين غير القابل للتصرف في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي شرّدوا منها، والمطالبة بإعادتهم إليها، ونظراً لتعقيدات قضية اللاجئين وتشعب عناوينها وتعدد الأطراف الإقليمية المعنية بها، عمل مهندسو مفاوضات مدريد 30/10/1991 على تجاوز بحث قضية اللاجئين في المفاوضات الثنائية الفلسطينية الإسرائيلية، وجرى ترحيلها إلى «مفاوضات الوضع النهائي»، وفي 28/1/1992 انطلقت المفاوضات متعددة الأطراف، ومهمتها دعم النتائج المحققة في المسارات التفاوضية الثنائية، شُكّل لها خمس لجان من بينها لجنة اللاجئين ومنسقتها كندا، شارك في لجنة اللاجئين أكثر من 40 دولة ومؤسسة ومنظمة دولية، عقدت سبعة اجتماعات رسمية بين أعوام 1992- 1995، تمحورت أهدافها حول تحسين الأوضاع المعيشية للاجئين ودعم عملية التواصل إلى حل حقيقي لقضيتهم، إضافة إلى تسهيل مسألة جمع شمل العائلات الفلسطينية، كما وأشرفت اللجنة على عدد من المنتديات السياسية وورش العمل واللقاءات المفتوحة، شاركت فيها جموع من الخبراء الفلسطينيين والإسرائيليين والعرب ومن دول غربية، وخرجت هذه الورش بالعديد من السيناريوهات ومشاريع الحلول التي قاسمها المشترك الاعتراف بالأمر الواقع، والإقرار بصعوبة تطبيق حق العودة لملايين اللاجئين الفلسطينيين وفقاً للقرار194 واستبداله بحلول «واقعية»، اختلفت تفاصيلها بين منتدى وآخر.

إن النقاشات والحوارات التي تمت برعاية وإشراف لجنة اللاجئين في المفاوضات المتعددة الأطراف، قد كسرت المحظور، بحيث أصبح البعض يستسهل الدخول في نقاشات وطرح سيناريوهات ارتجالية تستفيد منها اسرائيل لتطرحها الآن في إطار مشاريع «الأمر الواقع الممكن» وفي قلب هذه الحلول احتمال إلغاء وكالة الغوث في وقت مبكر، كجزء من سيناريوهات إلغاء وتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين.

هذا ما يتضح من خلال استعراض العديد من الوثائق الرسمية وغير الرسمية التي توصل إليها مفاوضون رسميون وباحثون وشخصيات سياسية وفكرية دولية، وعربية، وفلسطينية، وإسرائيلية، حيث كان أمر إلغاء وكالة الغوث وتصفية أعمالها قاسماً مشتركاً فيما بينها، وإن كانت تلك الوثائق قد دعت لحل الوكالة، لكن الأمور لم تصل بأي دولة إلى درجة التلويح بقطع مساهماتها المالية عنها، كما حصل من الولايات المتحدة، ما يؤشر إلى أن الإجراءات الأمريكية هي إجراءات جدية ومطروحة للتطبيق الفوري.

يعتقد أركان الإدارة الأمريكية أن إحدى أهم صعوبات حل قضية اللاجئين، إنما تكمن في العدد الكبير من اللاجئين الفلسطينيين الذي يزيد عددهم عن ستة ملايين لاجئ تنطبق عليهم معايير اللجوء العالمي، سواء عبر تعريف وكالة الغوث أو غيرها من المنظمات الدولية التي تُعنى بقضايا اللجوء في العالم، لذلك فإن الجهود الأمريكية تتركز على إيجاد الآليات التي تضمن تقليص عدد اللاجئين إلى حدودها الدنيا، وبالتالي فإن نجاح الإدارة الأمريكية في المس والعبث بمكانة اللاجئ القانونية، هو ما سيوفر لها الأرضية للانطلاق نحو الخطوة الثانية المتعلقة بتخفيض أعداد اللاجئين الفلسطينيين.

وفي هذا الإطار يعتبر السيناتور الأمريكي مارك ستيفن كيرك، هو أول من طرح تعريف جديد للاجئين الفلسطينيين كتعديل قانوني رسمي، وبهدف حصر أعداد اللاجئين تحت شعار مخادع هو: معرفة عدد الذين تركوا منازلهم في حرب العام 1948 أو في حرب حزيران1967، ومعرفة كيف تضاعف عددهم، ومن منهم يستحق المساعدة المقدمة من وكالة الغوث، ثم شطب الذين لا يستحقون هذه المساعدة من سجلات الوكالة خاصة وأن معظم من تنطبق عليهم المعايير الأمريكية للجوء قد ماتوا، وبادر السيناتور داغ لامبوران إلى حشد أعضاء في مجلس الشيوخ بهدف إعادة التأكيد على عدم الاعتراف بأعداد اللاجئين استناداً إلى سجلات وكالة الغوث بحيث تعتمد الإدارة الأمريكية وبشكل رسمي العدد الذي تتحدث عنه اسرائيل والذي لا يتعدى الـ40 ألفاً، وهو العدد الذي يطالب باعتماده المؤيدون لإسرائيل كرقم جديد للاجئين الفلسطينيين ينطبق على الذين ولدوا في فلسطين حتى العام 1948 دون اعتماد الأبناء والأحفاد كلاجئين، ووفقاً لهذا العدد تقدم الولايات المتحدة مساعداتها إلى وكالة الغوث، وهذا العدد يكون المؤهل لأن يكون طرفاً معنياً في أي حل مستقبلي.

إن عدد اللاجئين الفلسطينيين ليست قضية تقنية تتعلق بهذه الدولة أو تلك من الدول التي تستضيفهم، بل هي قضية سياسية من الطراز الأول، إن هذا يُرّتب على القيادة الفلسطينية والدول العربية أن يكونوا أكثر حذراً في التعاطي مع مسألة الأرقام، خاصة بعض الدول التي تقوم بإجراء بعض الإحصاءات والمسوحات لأهداف اقتصادية واجتماعية، كالتعداد الذي أجري بشكل مشترك بين مركز الإحصاء اللبناني ومركز الإحصاء الفلسطيني، والذي خرج بمعطيات رقمية أقل بمرتين عن العدد المعتمد في سجلات وكالة الغوث، والحذر أيضاً من إطلاق مواقف غير محسوبة النتائج، من نمط دعوة وزير الخارجية اللبناني إلى شطب اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، الحاصلين على جنسيات أجنبية من سجلات وكالة الغوث.

مضت أكثر من سبعة عقود على ولادة قضية اللاجئين، وتهجير الشعب الفلسطيني، قُدمت خلالها العديد من مشاريع الحل، زاد عددها على 30 مشروعاً، توزعت على مشاريع متكاملة تناولت القضية بأدق تفاصيلها، عبر دراسات بحثية وسيناريوهات طُرحت في حوارات مشتركة، أو أفكار جرت مناقشتها في الكونغرس الأمريكي أو البرلمان الأوروبي، أو دراسات صادرة عن أشخاص لعبوا أدواراً مهمة على مستوى الصراع العربي والفلسطيني- الإسرائيلي، ولأن المشاريع السياسية المطروحة حالياً لقضية اللاجئين الفلسطينيين لا تختلف كثيراً عن المشاريع السابقة، فمن المفيد استعراض أهم الأفكار والسيناريوهات التي طُرحت في أوقات سابقة وكان نصيبها الفشل:

1- تأسيس صندوق خاص يتولى مهمات دمج اللاجئين في المجتمعات التي يقيمون فيها وتعويضهم إلى جانب تعويض الدول المضيفة، إضافة إلى مشاريع تنموية يمكن إطلاقها، وهذه الفكرة تشكل قاسماً مشتركاً بين جميع المشاريع التي طُرحت منذ النكبة، وجددت الخطة الاقتصادية الأمريكية طرحها في ورشة المنامة.

2- عودة جزء بسيط وتوطين العدد المتبقي في البلدان العربية، وهذه الدعوة تتقاطع مع مشاريع أخرى دعت إلى منح الجنسية للاجئين والضغط على الدول العربية لتفتح أبوابها أمامهم، وتقديم المعونة إلى الدول التي توفر مساكن للاجئين وتمنحهم حق المواطنة، كما وتتقاطع مع ما طرحه الرئيس الأمريكي بيل كلينتون عام2000 بدعوته إلى توطين اللاجئين في الدولة الفلسطينية المقترحة، وفي اسرائيل، وفي الدول العربية، وفي دول أخرى، فيما عرف باسم «رؤية كلينتون».

3- إنشاء صندوق دولي لتوطين اللاجئين في كل من سوريا والأردن وتهجير الباقي إلى الدول الغربية، ودفع تعويضات لأصحاب الأملاك التي تركت في فلسطين نتيجة التهجير.

4- دعوة الدول العربية لاستيعاب اللاجئين الفلسطينيين المقيمين على أرضها، وحل وكالة الغوث، ومعالجة قضايا اللاجئين بواسطة المفوضية العليا لشؤون اللاجئين.

هذه النقاشات التي أديرت على مستوى باحثين وخبراء أمريكيين وإسرائيليين كانت المدخل للنيل من مكانة اللاجئ القانونية، وقد نجحت بعض الجهود في التأثير سلباً على بعض صانعي القرار الأمريكي، ففي العام 2013 أقرت لجنة الميزانيات في مجلس النواب الأمريكي قانون تعديل تمويل المساعدات الخارجية، بما يلزم وزارة الخارجية بالإبلاغ عن عدد الذين يستحقون المساعدات من اللاجئين الفلسطينيين ممن يتلقون المساعدات من وكالة الغوث، وقد قطعت الولايات المتحدة في عهد الرئيس ترامب مساهمتها المالية في موازنة وكالة الغوث انطلاقاً من قناعتها بعدم إمكانية إلغاء قضية اللاجئين، إلا عبر اتباع سياسة العقاب الجماعي للاجئين، ومعاقبة الدول التي تساهم في مساندة الشعب الفلسطيني، وهذا ما يؤشر في المقابل إلى أن الإدارة الأمريكية ليست في موقع يسمح لها بفرض سياستها، بل هي تسعى لاستخدام هذه الأساليب نتيجة عجزها عن فرض مشروعها السياسي.

إن هذا لا يعني التقليل من خطورة المشروع الأمريكي-الإسرائيلي على قضية اللاجئين وحق العودة الذي يعتبر المستهدف الأول من الإجراءات الأمريكية، ليس فقط عبر الدعوات الصريحة والعلنية لإلغاء صفة اللاجئ عن أبناء الجيل الثاني والثالث من اللاجئين الفلسطينيين، بل وعبر المس بالتفويض الممنوح دولياً لوكالة الغوث وإفراغها من مضمونها السياسي والقانوني، بما يقود إلى تحويل خدماتها إلى منظمات أخرى – المفوضية العليا لشؤون اللاجئين- تمهيداً لتجريدها من صلاحية أصيلة لديها، بتوريث صفة اللجوء من الأجداد إلى الأبناء فالأحفاد.

ورشة المنامة لم تكن خطة اقتصادية تقتصر على تطوير الأوضاع الاقتصادية في فلسطين ودول عربية أخرى بل هي تطال الجوانب السياسية، ومنها قضية اللاجئين، حيث خصصت الخطة للدول المضيفة للاجئين-باستثناء سوريا- مبلغ 22,3 مليار دولار سيتم انفاقها على 32 مشروعاً تنموياً في الدول المعنية خلال عشرة أعوام، تنال الأردن منه نصيباً وافراً لأنه يستضيف العدد الأكبر من اللاجئين الفلسطينيين، ما يعني أن هذه المشاريع مخصصة لأغراض التوطين، وليس للنهوض بالأوضاع الاقتصادية في بلدان اللجوء، ولأن فشل مشروع التوطين في هذا البلد سيقود إلى إفشال العناصر الأخرى للمشروع ، فإن الضغوط تشتد على المملكة من أجل الاستجابة للمطلب الأمريكي الإسرائيلي في إطار مشروع سياسي متكامل يقوم على صيغة فدرالية أو كونفدرالية أو تقاسم وظيفي بينها وبين اسرائيل، وبغض النظر عن حجم الضغوط التي تمارس على قيادة السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير وعلى النظام الرسمي العربي، إلا أن إدارة ترامب لم تنجح في توليد موقف عربي يتجاوز الحقوق الوطنية الفلسطينية، حتى وإن كان بعض العرب قد أبدى تجاوباً تحت ذريعة مواجهة إيران، ويبقى العامل الفلسطيني هو العامل الأساس في تحديد مسار المشروع الأمريكي، وبوحدة الموقف الوطني الفلسطيني فإن الصفقة الأمريكية سوف تصدم بعقبات جدية.

تراهن الإدارة الأمريكية وإسرائيل من أجل نجاح وتمرير مشروعهما على عاملين اثنين: الأول: عامل الزمن وسقوط حق الشعب الفلسطيني إما بالتقادم أو بإجبار عدد كبير من أعضاء الأسرة الدولية على التعامل مع إجراءاتهم وأفعالهم باعتبارها مسائل انتجت أوضاعاً من الاستحالة بمكان التراجع عنها، كما رتبت حقوقاً لا يمكن المس بها، حتى ولو كانت غير قانونية، والثاني: فرض سياسة الأمر الواقع والتغيير على الأرض، وبالتالي دعوة العالم للتعاطي معها كونها «حقائق جديدة» من غير الممكن التراجع عنها، وبالتالي يصبح الحل الممكن هو البحث عن بدائل «واقعية».

إن معادلة التوطين تفترض في المقام الأول موافقة البلد المضيف صاحب السيادة على أرضه، وصاحب الحق في منح جنسيته وحق المواطنة لمن يشاء، كما تفترض قبول اللاجئ الفلسطيني الذي سيقبل بالجنسية، أو بمعنى أوضح يقبل الفلسطيني باستبدال وطنه بوطن آخر بديل، وإذا كان الطرفان يرفضان التوطين ويتمسكان بحق العودة، فإن مخاطر التوطين تفقد الكثير من تأثيرها وتتحول إلى مجرد مشاريع وسيناريوهات وأفكار يمكن العمل على التصدي لها وقطع الطريق عليها.

في مسألة التوطين في لبنان ترى «مجموعة العمل اللبنانية حول قضايا اللاجئين الفلسطينيين» أن هناك توافقاً على موقف حاسم رافض للتوطين باعتباره موقفاً لبنانياً فلسطينياً مشتركاً بالتأكيد على حق العودة للاجئين الفلسطينيين وفق القرار 194، والتأكيد على المسؤولية الدولية في توفير حل عادل للقضية الفلسطينية ورعاية حقوق اللاجئين وحاجاتهم، التي تشكل مسؤولية وكالة الغوث إحدى تعبيراتها، صحيح أن الطرفين اللبناني والفلسطيني يرفضان التوطين لكن الصحيح أيضاً أن كلاهما يرفض التوطين على طريقته، ففي حين أن وجهة النظر الفلسطينية ترفض أي حل توطيني سواء في لبنان أو أي مكان آخر، فإن بعض القوى اللبنانية تبرر رفضها بعوامل داخلية تتصل بالتوازنات الطائفية وتختصر المشكلة بتقديم حلول مجتزأة ترفض التوطين انطلاقاً من عدم قدرة لبنان على تحمل هذا العدد الكبير من اللاجئين على أرضه، فهي لا تمانع بالتوطين من حيث المبدأ شرط ألا يكون على حساب لبنان، هذه القوى اللبنانية تحكمها أولوية التخلص من عبء أعلى نسبة ممكنة من الكتلة الفلسطينية، لما تمثله –باعتقادها- من مخاطر على التركيبة الطائفية اللبنانية، يلتقي هذا مع المشروع الأمريكي- الاسرائيلي بتشجيع هجرة اللاجئين الفلسطينيين من لبنان باستغلال بؤس الأوضاع المعيشية فيها، والتي ستؤدي في حال استمرارها إلى إزاحة ما يعتبره البعض «مشكلة» الوجود الفلسطيني في لبنان، بالمقابل فإن استراتيجية القيادة الرسمية لـ«م.ت.ف.» القاصرة وغيابها عن متابعة قضايا وهموم اللاجئين سيدفع بقوى أخرى لأن تتقدم مدعية أنها تقدم حلولاً لمشكلات اللاجئين، من نمط الدعوات العلنية للهجرة الجماعية، وأيضاً إمكانية تقدم قوى أخرى مختلفة بمشاريع مشبوهة تحت يافطات إنسانية تلحق الضرر بقضية اللاجئين بشكل عام.

من جهتها مصر أيضاً رفضت أن تكون أرضاً لتوطين اللاجئين الفلسطينيين، ليس فقط الذين يقيمون على أرضها أو الذين يحملون وثائقها، بل إضافة إلى ذلك جزء من اللاجئين المقيمين في قطاع غزة في إطار بعض التغيرات الجغرافية بين مصر وإسرائيل في المناطق الحدودية، وتعرضت مصر لضغوطات سياسية وإغراءات مالية لتمرير المشروع الأمريكي- الإسرائيلي وزج القاهرة في الخطة الاقتصادية لصفقة ترامب –نتنياهو التي عرضت في ورشة البحرين بتخصيص 9 مليارات دولار لمشاريع اقتصادية.

إن المؤشرات الدولية والإقليمية والفلسطينية لا توحي بإمكانية تمرير المشروع الأمريكي-الإسرائيلي والصفقة المتعلقة بقضية اللاجئين بسهولة، رغم أن مواقف «م.ت.ف.» والدول العربية المضيفة والمعنية بموضوع اللاجئين لم ترتقِ بعد إلى مستوى التصدي للمخاطر المحدقة بقضية اللاجئين، سواء لجهة دعم تحركات اللاجئين التي بدأت عالية النبرة مع إعلان الرئيس ترامب وقف المساهمة الأمريكية في موازنة وكالة الغوث والتداعيات السلبية لهذا الإجراء أو لجهة الدعوات للقاءات عربية تنسيقية ترفع سقف الموقف الرسمي العربي، ليس فقط برفض المشروع الأمريكي، بل وباتخاذ إجراءات تصادمية معه على طريق إفشاله، إلا أن طبيعة هذه القضية، وأبعادها المختلفة وتعدد أطرافها، تجعلها واحدة من أعقد قضايا الصراع مع اسرائيل، ولهذا السبب ربما أحجمت الإدارات الأمريكية عن طرح حلولها بشكل مباشر، بالوضوح والفجاجة كإدارة ترامب، لأن الشعب الفلسطيني ومعه الشعوب العربية ستعمل على إفشالها، وهذا ما عبرت عنه بردود فعل شعبية داعمة لحقوق الشعب الفلسطيني، ورافضة لكل أشكال التطبيع مع العدو الإسرائيلي، مما يطرح على الحركة الوطنية الفلسطينية مجموعة من المهمات فبمقدار ما تتسع حركة المقاومة الشعبية الفلسطينية بمقدار ما تستجيب الشعوب العربية وتياراتها السياسية والشعبية والنقابية تأييداً ودعماً لصالح القضية الفلسطينية، وفي مقاومة التحالف الأمريكي-الإسرائيلي، إن ما قدمته مخيمات لبنان من حراك شعبي رافض لأي إجراء يشتم منه رائحة التساوق مع المشاريع الأمريكية-الإسرائيلية ليست سوى صورة مصغرة عن موقف جميع تجمعات اللاجئين الفلسطينيين وتمسكها بحق العودة، ولعل مخيمات غزة في تحركاتها الجماهيرية في مسيرات العودة هي دليل واضح على الاستعدادية العالية لحركة اللاجئين في الدفاع عن حقوقها الوطنية والاجتماعية، لقد أبرزت هبة المخيمات قدرة اللاجئين على تلمس طبيعة المخاطر التي تتهدد جميع الحقوق الوطنية، بما فيها قضية اللاجئين، والتي تعود إلى جذر واحد هو رفض اسرائيل والولايات المتحدة الاعتراف بحقيقة أن الاحتلال والتهجير الناتج عن تداعيات نكبة العام 1948 هو السبب الرئيسي في كل ما يتعرض له اللاجئون من معاناة سياسية واقتصادية، وبالتالي فإن أسلم الطرق لمعالجة هذه المشكلات تكون بتحمل المجتمع الدولي لمسؤولياته لجهة إجبار اسرائيل على احترام القرارات الدولية ذات الصلة، وفي مقدمتها القرار194 الذي يكفل حق العودة إلى الديار والممتلكات.

إن مسألة التوطين ترتبط ارتباطاً عضوياً بقضية اللاجئين، وهذه القضية تمثل جوهر الصراع بين العرب أصحاب الحق الشرعي والإنساني والتاريخي في فلسطين، وبين العدو الإسرائيلي المغتصب أرضاً ليست له، وجوهر الصراع يقوم على أسس، يعتبر حق العودة حجر الزاوية فيه، حق العودة حق أساسي إنساني وقانوني ومقدس يستند إلى مبادئ الحق والعدل، وليس مجرد حق سياسي محض، فالحق السياسي يمنح ويتبدل ويمنع، في حين أن الحق الأساسي يبقى مدى الأزمان حقاً ثابتاً وغير قابل للتصرف أو السقوط بمرور الزمن، وهذا ما تؤكده قرارات الجمعية العامة التي اعتبرت أن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين ناجمة عن إنكار حقوقهم غير القابلة للتصرف التي نصّ عليها ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

 

 

نداء الوطن