صدر مؤخراً عن منشورات المتوسط -إيطاليا، مجموعة شعرية جديدة للشاعر والصحافي المصري، إبراهيم المصري، حملت عنوان "نهاية العالَم كما نألفُه ". وهي نصوصٌ بدءاً وختاماً كما يصرّح إبراهيم المصري في آخرها، كُتِبت "بالسخرية لمنازلة الأشباح"، ما بين أغسطس/آب وأكتوبر/ تشرين الأول 2019، كتنبيهٍ شعريٍّ على أنَّ ما يحدث في العالم من تحوّلات، في زمن الجائحة، لن تجعله كما ألفناه.
يجزم إبراهيم المصري في بداية كتابه الجديد هذا، أنَّ طباعَ الحبّ ستكون أشدَّ شراسةً، ولن تختفي الحرب. فكرتان من بين خمسٍ لدى الشاعر عن الألفية الثالثة، يراهن فيها على أنَّ الكتابة إذا كانت مرافقة لشغف الإنسان ومحنته، فإنَّها أوَّل ما يستشعر المستقبل. وبين نبرة الأمل ونشوة التفاؤل والخوف من المجهول، تخرجُ نصوص الكتاب كجزرٍ من الضباب، كحالاتٍ متفرِّدة تجمعُها ظلالُ الحياة اللامتناهية، في عالمٍ يكتنفه الغموض والتوجّس وترقّب الموت المقيم على حواف الأشياء، وقد أصبحنا جميعاً موتاً يمشي على البسيطة.
لا يتوارى الشاعر إبراهيم المصري وراء كلماتهِ، بل يفكِّكٌ سيرتهُ اليوميَّة وأسئلةَ الوجود المادِّي لأجسادنا المُبرمَجَة، قبل أن تتحوَّل أراوحُنا إلى كائنات رقميَّة، وقريباً "سيكون مونتاجُ الذاكرةِ متاحاً"، و"يعاد الاعتبار تكنولوجيَّاً للولادة والموت"، ونتناول طعامنا في "كبسولات"، ويصبحُ للملَل مختبرات، وكمبيوتر مركزي لإحصاء الفضائل ... وعلى هذا النحوِ من كبساتِ زرٍّ تتحكم فينا، وفي الحياة والتاريخ والمستقبل، بروبوتات تشاركنا الحبّ والدموع والنّدم، وليُمسي العالم القديمُ بمآلات انهيارهِ، رفيقَ الشِّعر في النعش إلى المقبرة.
نصوصُ إبراهيم المصري هي تنبيهٌ وانتباهٌ لأحاسيس الجسد، وما يمكن اكتشافهُ بقوَّة الكلمات في دواخلنا، وأيضاً ما يضيعُ منّا، في فارق التوقيت، بين النهاية وما ألفناه. كتابةٌ حادةٌ وغنِّيةٌ بالمعارفِ والتفاصيل، لا تتوخّى الحذرَ في تحريكِ الراكد من أسئلةِ الفلسفة والدين والتراث والعلم. كما أنها، وبالسخرية اللَّازمة، تروي أهوالَ القادِم، الذي نعجنهُ بأيدينا اليوم.
"نهايةُ العالَم كما نألفُه" مجموعة شعرية جديدة للشاعر المصري إبراهيم المصري، صدرت في 168 صفحة من القطع الوسط، ضمن سلسلة "براءات"، التي تصدرها الدار وتنتصر فيها للشعر، والقصة القصيرة، والنصوص، احتفاءً بهذه الأجناس الأدبية.
من الكتاب:
تعالوا نبني مدينةً كونيَّةً من مُدنٍ عُظمى، ونشقُّ فيها طُرقاً عريضةَ الاتساع، وميادينَ إن عبرها طائرٌ يبقى مُعلَّقاً بجناحيه في الهواء، ولا يشيخُ فيها الرجالُ والنساء. ولنضعْ مَنف إلى جانبِ أثينا ودمشقَ إلى جانبِ الإسكندرية، وبغدادَ إلى جانبِ باريس والبندقيةَ إلى جوارِ قرطبة. وإن لم تكفِ الأرضُ بنينا لها أرصفةً فضائية، ولنضعْ روما إلى جانبِ شيراز ونيويورك إلى جانب تبمكتو، وقسنطينة إلى جوارِ القدس وإرمَ إلى جانب فيينا. وتعالوا ننسى أنَّ سقراط ماتَ بالسُّمِّ وأنَّ هيباتيا لم يمزقُها مؤمنون بمملكةِ الرب، وأنَّ ماري كوري لم تمت بالنظائرِ المُشعَّة. ثم تعالوا نحتفلْ بأنَّ مدينةً كونيةً تتسعُ للعِلمِ مَلِكاً، وللمعرفةِ كتاباً في يده، وللفنونِ الجميلةِ تاجاً على رأسِه، وللموسيقى تصلُ النيلَ بالأمازونِ بالدانوبِ بالغانج بالميسيسبي مسرحَ ماءٍ، يتدفقُ ناعماً أو هائجاً ومُضاءً بملايين الشموسِ أو المصابيحِ أو الشموعِ المُشعَّة، وإن عبرَ الماءَ طائرٌ يبقى مُعلَّقاً بجناحيه في الهواء.
عن الكاتب:
إبراهيم المصري، شاعر وصحافي من مواليد المنوفية عام 1957. عضو اتحاد كتاب مصر. صدر له: "لعبةُ المراكب الورقية"/ رواية، 1998، دائرة الثقافة والإعلام، الشارقة - (الرواية الفائزة بالمركز الثالث في الدورة الأولى لجائزة الإبداع العربي - الشارقة)، "الزَّهْرَوَرْدِيَّة"/ شعر، 2007، "رصيف القتلى – مشاهدات صحافي عربي في العراق" 2007، المؤسسة العربية للدراسات والنشر - (الكتاب الفائز بجائزة ابن بطوطة، مشروع ارتياد الآفاق، فرع الرحلة الصحافية 2006)، "الديوان العراقي"/ شعر، 2008، المركز الثقافي العربي - السويسري، "مقتطفات البيرة"/ شعر، 2008، دار شمس، "الوعي والوجود"/ شعر، 2009، دار ميريت، و"الشعر كائن بلا.. عمل"/ شعر، 2009، دار بدايات.