حوادث المرور في غزة.....قضاء وقدر أم استهتار حكومي؟

 

بشرى حفيظ

 

أصبحت حوادث المرور في غزة تشكل هاجسا للغزيين الذين أصبحوا يعانون الأمرين، حصار الاحتلال من جهة و خطر الطرقات من جهة أخرى ، إذ لا يكاد يمر يوم واحد إلا وأخد معه أرواح جراء حوادث سير و التي غالبا ما تكون الخسائر فيها جسيمة.


فبين الدهس و الإصابات متفاوتة الخطورة وصولا للوفاة أصبح إرهاب الطرقات في غزة من العناوين العريضة التي لا تفارق الأخبار اليومية وهذا ما يدفعنا للسؤال عن سبب هذه الحوادث ؟ ومن المسؤول عنها؟


الشوارع الضيقة
إلي غاية اليوم منذ بداية شهر ماي الحالي أعلنت إدارة المرور والنجدة بالشرطة في قطاع غزة عن وفاة ثلاثة أطفال كان أخرهم الطفل مؤمن يوسف الهمص ذو السنتين ونصف من سكان حي الجنينة، وصل مستشفى النجار اليوم جثة هامدة نتيجة صدمه من قبل مركبة من نوع "فلوكس واجن"، أمام منزله العائلي ، الشيء المشترك بين حالات دهس الأطفال في غزة هو أن أغلبها تتم أمام منازل الضحايا التي غالبا ما تكون داخل شوارع ضيقة .


التركيبة التي تشكلت بها شوارع غزة والتي اوجدتها الظروف الاستثنائية التي يعيشها القطاع كانت من الأسباب الرئيسية في حدوث العديد من الحوادث حيث أن الأماكن العشوائية تحتوي على شوارع ضيقة وهي عبارة عن ممر مشاة وليست شوارع وموجودة في أماكن مزدحمة وذات كثافة سكانية عالية وهو ما جعل هذه الشوارع لا تتحمل أعداد السيارات المتزايدة مما سبب حالة من الاختناق المروري داخل هذه الشوارع.


ضيق الشوارع وتركيبتها داخل مناطق سكنية تسبب في دهس العديد من الأطفال من طرف مركبات كبيرة الحجم كالشاحنات والتي يفوق حجمها حجم الشوارع الفرعية مع غياب قوانين من وزارة النقل والمواصلات في غزة تمنع مثل هذه المركبات من العبور عبر الشوارع الفرعية بين التجمعات السكانية نظرا لخطورتها على السكان حيث تنعدم زاوية الرؤية بالنسبة للسائق .

 

حالة الطرقات السيئة مع غياب قانون ردعي

تعبر مشكلة حوادث المرور المتزايدة في قطاع غزة على حالة الطرقات الكارثية التي يشهدها القطاع والتي تفاقمت خلال العام الأخير جراء الحرب على غزة، ومنذ سنة لم تستطع حكومة غزة إصلاح هذه الطرقات رغم الميزانية المقدمة لإعادة إعمار غزة ومطالبات سكان القطاع باستثمار المنح المقدمة للقطاع في هيكلة البنية التحتية للطرقات التي لا تصلح للسير حسبهم بسبب الحفر والمطبات الغير مستوية والتي تتسبب في انقلاب المركبات ذات الوزن الخفيف .


إذ أصبحت حالة الطرق غير مؤهلة ولا تتسع بشكل كاف للمركبات المارة؛ والعديد منها يتسم بضيق الأرصفة.


وحول القوانين المعمول بها، يقول مدير عام الشؤون القانونية والتشريعات والبحوث في المجلس التشريعي الفلسطيني أمجد الأغا ، إن القانون المرور رقم 5 لسنة 2000، عالج كثيراً من مشاكل المرور، وحدد المخالفات والغرامات المالية أو الحبس.


وبين الأغا أن معالجة قضايا حوادث المرور ونتائجها، لا تكون فقط من خلال قانون المرور، بل يمكن اللجوء أيضا لقانون العقوبات رقم 74 لسنة 1934، فمثلاً المادة 112 من قانون المرور توضح أنه من تسبب بحادث سير أدى لوفاة شخص بغير قصد فإن عقوبته تكون الحبس لمدة سنتين، ولكن يمكن الاستناد أيضاً لقانون العقوبات في مادتيه 212 و213، والتي توضح جريمة القتل غير العمد وأن عقوبتها السجن المؤبد، ويترك ذلك لتقدير القاضي وقوة الحادث.

إحصائيات مخيفة وحلول غير فعالة


خلال 24 ساعة الماضية شهد قطاع غزة وقوع 8 حوادث سير، نتج عنها حالة وفاة، فيما أصيب اثنين بجروح طفيفة. وتسببت هذه الحوادث بأضرار مادية وتلف بـ 12 مركبة ومكونات الطريق.


أرقام مخيفة يسجلها القطاع يوميا منذ بداية بداية العام الجاري حيث سجلت خلال الثلاثي الأول 721 حادث وهي حصيلة مرتفعة جدا مقارنة بالسنوات الماضي .


وأمام الواقع المروري المزرى في القطاع تقف الحكومة في غزة عاجزة عن وضع حلول جوهرية لهذه المشكلة مكتفية بنشاطات توعوية و إعلانات عن مخاطر السياقة المتهورة عوض طرح حلول فعالة كإصلاح البنى التحتية للطراق المهترئة وسن قوانين ردعية للسائقين المتهورين غير أن وزارة النقل والمواصلات في غزة والإدارة العامة لشرطة المرور والنجدة عمدتا إلى جمع هياكل سيارات محطّمة ودراجات نارية وبقايا حطام مختلف في خلال الحوادث، وعرضتاها عند مفترقات الطرقات الرئيسة في شوارع قطاع غزة ضمن حملة للتوعية بمخاطر القيادة ومخالفة القانون.


غير أن هذه الحلول لم تكن ناجعة بالنظر للحوادث المسجلة يوميا والتي تعبر عن عدم فعالية الحلول التي تعمل بها وزارة النقل والمواصلات في غزة والتي تعتبر السبب الرئيسي والوحيد للحوادث هو تهور السائقين.


حيث يقول مفتش عام حوادث المرور في الإدارة العامة لشرطة المرور والنجدة في قطاع غزة مصطفى الشاعر لصحيفة ـ"العربي الجديد" إنّ "السبّب الأوّل لحوادث السير هو السرعة الزائدة، خصوصاً في ساعات الليل. حينها يُسجَّل النصيب الأكبر من إجمالي الحوادث.

أمّا السبب الثاني فهو القيادة بعكس السير، والثالث تجاوز الإشارة الحمراء، خصوصاً في شارع عمر المختار الذي يربط قطاع غزة من شماله إلى جنوبه. والسبب الرابع هو القيادة من دون رخصة".


يقين شرطة المرور في غزة بكون السائق هو المتسبب الرئيسي في الحوادث دفعها لتقديم مكافأة السائقين الملتزمين، حيث أكد مدير عام شرطة المرور بغزة العميد تامر شحادة أن شرطة المرور جهزّت حوافز لهم؛ كي نحث السائقين على الالتزام والاستفادة من الهدايا المقدمة وهي كوبونات وقود، موضحًا أن هذه الحوافز ستستمر بشكل دوري.


وبين شحادة أن عدد السائقين الملتزمين جيدًا، مؤكدًا أن الحوافز المقدمة لهم تأتي من عوائد المخالفات المرورية للمخالفين، حيث يستخدم ريعها لتعبيد الطرق وصيانتها ودهان بعضها وتجهيز لوحات مرورية.


وأمام هذا العجز يبقى سكان القطاع تحت خطر إرهاب الطرقات بالنظر لهشاشة البنى التحتية للطرقات مع غياب قانون ردعي يحد من السرعة المفرطة للسائقين ويمنعهم من السياقة داخل الشوارع الضيقة التي تسوء حالتها كل يوم منتظرين تحرك رسمي يحسن من الوضع داخل القطاع المحاصر منذ سنوات عديدة.

 

نداء الوطن