8 اذار 2025
بقلم تهاني المدهون
المدير العام للمركز الفلسطيني للبحوث والدراسات الاستراتيجية
بينما تحتفل النساء بيوم المرأة العالمي على المنصات وفي المحافل المختلفة بالورود والإنجازات، تقف المرأة الفلسطينية في غزة وسط الخراب ,والدمار، تجمع حجارة منزلها المهدم، وتعيد ترتيب حياتها من جديد. هذا اليوم، الذي يُفترض أن يكون تكريمًا لمسيرة النساء، يتحول في غزة إلى شهادة أخرى على الصمود ورفض التهجير بكل انواعه، حيث تكون المرأة أول من يتلقى صدمة الدمار، وأول من ينهض لإعادة الإعمار لتحمي ابنائها وتأويهم في مكان امن، تنزح بهم من مكان الى اخر، بحثا عن الامان المفقود، هذه المرأة عاشت ما لايتخيله عقل من قتل ودماروتخريب لكل مكونات الحياة.
وفي الوقت الذي تعاني فيه النساء حول العالم أشكالًا مختلفة من التمييز والعنف، تواجه المرأة الفلسطينية حربًا تاريخية عمرها أكبر من عمر جدتها (باعتبارها المرأة الأكبر سنا في كل عائلة)- انتهاكات مستمرة لم تنتهي منذ أكثر من 76عام فهي الأسيرة والشهيدة والجريحة والأرملة، وام الشهيد واخته وابنته، والنازحة والمكلومة والمناضلة من أجل الحرية.
المرأة الفلسطينية فقدت الأحبة والذكريات، ولم يتبقى سوى الركام الذي يخبء المزيد من الضحايا بداخله. باتت تستيقظ على أخبار الفقدان والدمار. هاتفها لا يحمل صوتًا يخبرها عن تفاصيل يوم عادي، بل يبدأ بمكالمة مرتجفة: "أنتِ بخير يما؟ كيف الطريق اليوم؟"، وكأنها تحصي خطوات من تحبهم خشية أن يكون قد طالتهم آلة القتل الإسرائيلية.
مئات الأمهات الفلسطينيات قضين حياتهن ينتظرن لحظة لقاء أبنائهن المعتقلين في سجون الاحتلال الاسرائيلي، لكن الموت سبقهن إلى ذلك كما حصل مع ام الاسير كريم يونس وام نائل البرغوثي رحمهما الله وغيرها...تاركين ورائهم رسائل لم تصل، وأمنيات لم تتحقق، هو نفس المعتدي الغاشم الذي حرمهن من زيارة أبنائهن لعقود من الزمن تحت ذرائع أمنية واهية، مما جعل الفراق أكثر قسوة.
تخوض المرأة الفلسطينية نضالًا مزدوجًا، إذ لا تقتصر معاناتها على التحديات الاجتماعية والاقتصادية، بل تمتد إلى معركة البقاء في ظل الاحتلال والانتهاكات الإسرائيلية المستمرة. فقد تعرضت مئات النساء للاعتقال منذ بدء الحرب الأخيرة على غزة، كما فقدت أكثر من 15,000 امرأة حياتها جراء العدوان الإسرائيلي منذ أكتوبر 2023. وارتفع عدد الأرامل إلى أكثر من 50,000 امرأة، ليجدن أنفسهن في مواجهة حياة قاسية بلا معيل.
بالإضافة إلى ذلك، لا تزال أكثر من 7,000 امرأة مفقودة تحت الأنقاض، بينما تعاني أكثر من 50,000 امرأة من إصابات خطيرة أدت إلى إعاقات دائمة، غيّرت مسار حياتهن بالكامل. كما تواجه أكثر من 150,000 امرأة حامل صعوبات جسيمة في الحصول على الرعاية الطبية اللازمة، ومعظمهن يعانين من حالات حمل خطيرة تتطلب تدخلاً طبياً غير متوفر بسبب الحصار ونقص الإمدادات الطبية.
ولا تقتصر المعاناة على الحوامل فحسب، إذ تعاني النساء المسنات والمصابات بالأمراض المزمنة من غياب الرعاية الصحية المناسبة. في ظل هذه الظروف القاسية، تصبح تفاصيل الحياة اليومية أكبر وأثقل من أن تحتويها أي سردية، إذ تعيش المرأة الفلسطينية واقعًا مأساويًا يتجاوز كل وصف.
الكل ينتظر إعادة إعمار غزة، والمرأة الغزية تدرك تمامًا أن الإعمار ليس مجرد إسمنت وحديد، بل هو إعادة بناء الروح التي حطمها القصف، وإعادة ترميم الأمل في وجوه الأطفال الذين سُلبت منهم طفولتهم.
ما عاشته تلك النساء ليس إلا جزءًا صغيرًا من المعاناة التي تواجهها المرأة الفلسطينية يوميًا، حيث يمتد الألم إلى سنوات طويلة من الفقد، الحرمان، والانتظار. بين أمٍ تقف أمام قبر شهيدها تستعيد كلماته الأخيرة، وأخرى تعانق صورة أسيرها كل مساء، وثالثة تمضي لياليها بجوار جريحها في المستشفى، تُخفي دموعها خلف ابتسامة مرهقة، يظل النضال الفلسطيني النسوي مستمرًا، محفورًا في تفاصيل الحياة القاسية التي تعيشها النساء تحت الاحتلال.
وفي وقت تخطط فيه النساء حول العالم لمستقبلهن وأحلامهن، لا تفكر المرأة الفلسطينية إلا في إيجاد مأوى آمن لأطفالها، بين أنقاض منزلها المدمر أو في خيمة لا تقيهم برد الشتاء. لم تعد الأحلام الشخصية خيارًا متاحًا، بل باتت الأولوية الوحيدة هي البقاء على قيد الحياة والصمود وسط واقع يفرض النزوح المستمر والانتهاكات المتواصلة.
ورغم كل هذا، تظل المرأة الفلسطينية شامخة، تصنع من الألم حكاية صمود لا تنكسر، تجمع ما تبقى من أحلامها، وتواصل نضالها من أجل الحرية والكرامة. لكن السؤال المرير يظل قائمًا: هل سيتغير واقع المرأة الفلسطينية؟ أم أن نضالها سيظل حبيس دائرة المعاناة؟ في ظل تصاعد العدوان الإسرائيلي، يبدو الطريق طويلًا، لكن النساء الفلسطينيات أثبتن أنهن قادرات على إعادة بناء الحياة، حتى وسط الركام. فهذا النضال ليس مجرد قصة تروى، بل مسيرة مستمرة لا تنتهي إلا بالتحرر وقيام الدولة الفلسطينية.
اليوم، ومن أجل تكريم المرأة الفلسطينية، يجب أن يتعاون الجميع لتحقيق الوحدة الوطنية. فلا يمكن مواجهة تحديات الاحتلال الإسرائيلي إلا من خلال استعادة الوحدة الداخلية، التي تعد الأساس لمواصلة الدفاع عن الحقوق الفلسطينية. يجب توحيد المواقف وتعزيز العوامل الذاتية للتمكن من التصدي لخطط الاحتلال الرامية لتصفية القضية الفلسطينية وتهجير أهلنا. نحن بأمس الحاجة اليوم لترك الخلافات جانبًا والتركيز على الحفاظ على القضية الفلسطينية. وتكثيف الجهود لإعادة الإعمار، خصوصًا في قطاع غزة ومخيمات اللاجئين في شمال الضفة الغربية، مع التركيز على دور المرأة الفلسطينية في هذا السياق.
في هذا اليوم بالتحديد نساء فلسطين يطالبن القيادات بأن ينهوا الانقسام، وتنهض م.ت.ف وتقود شعبنا، وتعين شعبنا بقطاع غزة....لحظتها يمكن ان نرفع جزء من هذا الظلم...وستبقى المرأة الفلسطينية عنوانا لتحرير نساء العالم، وسيأتي يوما، بأن تحتفل النساء بحرية المرأة الفلسطينية من الاحتلال.