الفلتان الاخلاقي قبل الامني

 

بكر أبوبكر

 يقول القيادي في "حماس" خالد الحاج على قناة أقصى "حماس" في 5/12/2021م "لا نستطيع القول بأن الأجهزة الامنية معنية بالفلتان الامني في الضفة، لكن نقول أن مظاهر الفوضى والفلتان التي حدثت في الضفة انتقلت الى جامعاتها، فالجامعات لم تعد حاضنة للمقاومة والعمل التربوي والاخلاقي، وانما انتقلت الخلافات التي تحدث في الشارع الفلسطيني الى بعض الحركات تحديدا."

ويضيف قائلًا عن حادثة القتل في الجامعة الامريكية في جنين: "نحن ندين هذا الفعل وندين عمليات اطلاق النار على مؤسسات السلطة، فالسلطة مطلوب منها أن تحمي على الأقل هذه المؤسسات وتلاحق هذا السلاح، لانه انتقل من من ضرب مؤسسات السلطة الأمنية والمحافظة والمقاطعة الى الجامعات وانتقل الى الشوارع".

فيما ذات المحطة وفي ذات اليوم أي محطة "أقصى حماس" تروّج التالي:" تواصل أجهزة أمن السلطة اعتداءاتها على المواطنين في جميع (!!؟) مدن الضفة الغربية المحتلة، تحت غطاء بسط السيطرة الأمنية، في وقت يتصاعد فيه الفلتان الأمني بصورة غير مسبوقة"(؟!)

وإليك أيضًا في ذات المحطة وذات اليوم يقول القيادي في فصيل "حماس" اسماعيل رضوان أن من مهمات "حماس" ذات الأولوية والأساسية:"فضح جرائم الإحتلال"، ويقول القيادي ماهر صبرة أيضا من "حماس": "ان الدم الفلسطيني واحد وأن علم فلسطين هو الذي يوحّد كل ابناء شعبنا". ويقول فوزي برهوم فيها وبذكرى انطلاقة فصيله: "تأتي هذهِ الانطلاقةُ المباركةُ كي نؤكدَ مجددًا تمسكّنَا بثوابِت شعبِنا، حريصينَ على تجسيدِ كلِّ معاني الوحدةِ والأخوةِ" لاحظ الوحدة والأخوة، ولاحظ الدم والعلم الواحد! فكيف يستقيم لهذه المحطة تناقضها الفاضح باستخدامها سياسات وأسلوب الطعن بالسهام دومًا ضد الشقيق وكأولوية! وبمبالغة وافتراء وتضخيم مهزلي الطابع؟! وما هو مناقض لأقوال قادة في "حماس" ذاتها؟!

 القناة المذكورة تقوم بذلك-ويا للصدفة- في ظل تغوّل المستعمرين والاحتلال، وفي ظل "ما قام به جنود الاحتلال الإسرائيلي من إعدام ميداني بحق الشاب محمد سليمة في القدس المحتلة ما هو جريمة حرب بشعة تعبر عن ماهية "إسرائيل" وعقليتها العدوانية المتطرفة والأوامر التي تعطى لهم من قبل المستويات السياسية بإطلاق النار والقتل المباشر" ما كان له الأولوية للتغطية على فعل التحريض الوطني ضد الوطني!

 

وفي ظل التحريض اللاأخلاقي  المتواصل منذ سنوات كما من هذه الفضائية المتخصصة بالتحريض وبث الكراهية نتساءل: لماذا تتصاعد حدة الكراهية والغضب ثم الفلتان الأخلاقي والأمني والمجتمعي؟ والعودة للقبلية والعشائرية لا للقانون أو الضمير الديني والمجتمعي؟

كان من الممكن أن يتم احترام رأي القناة تلك لو تنازلت قليلا عن فكرة التعميم، والافتراء، أوالمبالغة والتضخيم المتفقة مع المثل القائل (كيف تعرف الكذبة فيجيبك من حجمها الكبير)، أولو تواضعت قليلًا وسلكت من الموضوعية والنزاهة معيارًا فاتخذت منحى تسليط الأضواء على الانتهاكات من سلطة "الحسم العسكري" ل"حماس" في غزة، مقارنة بما يحصل من الأجهزة الامنية بالضفة-مما ندينه كانتهاك مهما كان نوعه في الحالتين حين يحصل- فنضرب لها تعظيم سلام!

ولكن هيهات، إنه الفشل الاخلاقي للقناة وأمثالها، ففعل التحريض ضمن عقلية الاستعداء ضد الخصم الوطني الآخر الذي تضعه المحطة في أوليات إطلاق سهامها يظل المهمة الكبرى لها! قبل التوجه لما هو المفترض أنه التناقض الرئيس أي الاحتلال الصهيوني.

     يقول محافظ جنين أكرم الرجوب على إذاعة أف أم 24 أن هناك"ضرورة للصحوة والتوجه نحو تصويب أداء وثقافة وقيم هذا الجيل التي بدأت تغزوه مفاهيم مغلوطة ومفاهيم غير صحيحة أثرت على أدائه وسلوكه، أنا أعتقد أننا نحن بحاجة إلى مراجعة شاملة في منظومة القيم التي بدأت تغزو مجتمعنا الفلسطيني، وما هي الأسباب وما هي عوامل أو المعايير التي يجب أن نلتزم بها كي نضبط إيقاع  سلوك مجتمعنا الفلسطيني بشكل إيجابي وبناء".

  وفي تشخيص مهم ونحترمه يقول القيادي مصطفى البرغوثي أن:"الوضع خطير لأن الفلسطينيين بدأوا يستخدمون السلاح ضد بعضهم البعض، ولا شك أن الجانب الإسرائيلي يعمل على تغذية الصراعات الداخلية. ونحن بحاجة إلى جهود عائلية وشعبية لتطويق هذه الخلافات الدائرة وعدم تحويلها إلى نزاعات مسلحة كما هو قائم". ويضيف قائلًا على قناة الكوفية أن: "أحد أسباب الأزمة الحقيقية التي نعيشها اليوم تراجع دور القوى السياسية الفلسطينية لصالح العشائر".

بعيدا عن المشاكسات التنظيمية الفصائلية العابثة التي أوضحنا أحد أمثلتها بسياسة الفضائية التحريضية المذكورة فإن العنف أو الكراهية أو الغضب أو الحنق الشديد، وغياب الحوار والتسامح التي بدأت تسود في الإطار الفلسطيني لا يمكننا أن نرجع سببها للناس بقدر ما إن المسؤولية تقع أولًا على قيادة الناس أي الممسكين بزمام الأمور، فهم المتولون الإطار التنفيذي الذي كان من أوجب واجباته حفظ السلم الأهلي بلا شك في غزة والضفة دون تلاوم فصائلي مقيت ودون طعونات وكأنها تشفّي! لا تستقيم، فيما يُقبَل الخلاف السياسي بين الجميع.

وكنا في حركة التحرير الوطني الفلسطيني-"فتح" قد أصدرنا ملفًا حركيًا متميزا لم يكن له صِلة بحدث الجامعة الامريكية المُدان في جنين أو ما حصل بالخليل، ونشرناه في ذات التوقيت قبل خبر الواقعة أو دون صِلة بها تحت اسم نار الكراهية ونور التسامح مستعينين بتربويين وعلماء نفس قدموا سلسلة من اسهاماتهم العظيمة في تطوير الذات وتربية النفس لكل المجتمعات، ولقي إنزال الملف/الدراسة صدى بين الحركيين وغيرهم إن كان ذو صلة أو لم يكن وهو في جميع الأحوال مما يجب عدم التخلي عنه مطلقًا بمعنى أن السياق الفكري التربوي التثقيفي هو "من المهد الى اللحد"، بينما سياق الأحداث والمواقف اليومية مهمة وواجب القيادات السياسية والأمنية والمجتمعية والميدانية، فكلا الوظيفتين مختلفتين ولكنهما معًا مهمتين وضروريتين.

وكنت قد أشرت في محاضرة لي حول موضوع الكراهية والعنف والتوسع في الإطار الداخلي سواء في غزة أو الضفة على حساب توسع المقاومة الشعبية ضد المحتل الإرهابي ومستعمريه الذين يعيثون فسادًا في طول الأرض وعرضها، أننا نحن من يجب أن ينتقد نفسه أولًا فنحن المُدانين أولًا في الفصائل الوطنية (كل الفصائل وطنية).

نحتاج لجهود العلماء والتربويين وعلماء الدين والمفكرين والمصلحين الاجتماعيين والسياسيين وكل الشرائح والقيادات في تصويب السياق الوطني الجامع، والتربوي والقيمي والاخلاقي قبل الحديث عن فعالية الأمني، والنظر باتجاه البوصلة الواحدة بوصلة فلسطين.

 وقلت بالختام معلقًا أن انتشار ظاهرة الغضب والكراهية والاقتتال الداخلي حتى لدى الطلبة أنفسهم دلالة على فشلنا القيمي المجتمعي والديني والمعياري التعليمي عامة، ولكن بالتخصيص والأولوية فشلنا نحن (كفصائل) في تقديم القدوة والتربية الداخلية والدفع نحو العطاء، وفشلنا في تقديم الهدف الكبير جامعًا ومحركًا للجسد الواحد "يشد بعضه بعضًا"، وفشلنا بالاحتضان والتفهم والحوار. أما دور الاحتلال التخريبي فهو دومًا موجود بلا شك.

 

 

نداء الوطن