حسن حردان
تتفاقم الأزمات الاقتصادية والخدماتية والاجتماعية في سورية ومعاناة الشعب السوري، بفعل الحصار الاقتصادي الأميركي ونهب موارد سورية، في حين بدأت واشنطن العمل على محاولة استثمار معاناة السوريين عبر العمل على إعادة تنشيط أدواتها الإرهابية والفتنوية لإحياء الرهانات مجدّداً على استعادة مشاهد الاضطرابات التي اندلعت عام 2011 ومهّدت لتفجير الحرب الإرهابية ضدّ سورية، دولة وجيشاً وشعباً، في سياق خطة حاكتها الإدارة الأميركية مع الدول التابعة لها في العالم والمنطقة لإسقاط سورية في شباك الهيمنة الأميركية.
فمن الواضح أنّ بعض أدوات الفتنة استغلت معاناة الناس لمحاولة اعادة تأليبهم وتحريضهم ضدّ دولتهم ودفعهم إلى التمرّد عليها وصولاً الى حمل السلاح في سياق مخطط أميركي إسرائيلي يسعى من جديد إلى اللعب على الوتر الطائفي وإحياء شعارات التقسيم في المنطقة الجنوبية، وبالتالي تعزيز الاتجاه التقسيمي الانفصالي الذي تعمل على فرضه قوات قسد في شرق الفرات بدعم من قوات الاحتلال الأميركي هناك.. واستطراداً تشتيت جهود الدولة السورية وإشغالها في مواجهة تحدي تقسيمي خطير في الجنوب ينطلق من السويداء.. فيما بدأت سلطات الاحتلال التركي في المناطق التي تحتلها القوات التركية عملية فرض سياسات التتريك في سياق مخطط لتكريس الأمر الواقع في هذه المناطق لسلخها عن الدولة السورية.. ليكتمل بذلك مشهد المخطط الأميركي في شرق الفرات والتركي في شمال سورية والإسرائيلي في الجنوب.. وهو المخطط الذي جرت محاولات فرضه منذ بداية شنّ الحرب الإرهابية وفشلت، بهدف إضعاف سلطة الدولة السورية ومحاصرتها وصولاً إلى إسقاطها وفرض تقسيم سورية وتكريس الهيمنة الأميركية وأدواتها في المنطقة على سورية عبر إقامة حكم عميل للولايات المتحدة وكيان العدو الصهيوني..
لكن السؤال الذي يُطرح في هذا السياق هو: ما هي طبيعة الخطة الأميركية لإعادة تأجيج الاضطرابات والحرب الإرهابية وفرض الامر الواقع التقسيمي؟
وهل بإمكان واشنطن والدول التي تدور في فلكها تحقيق ما عجزت عن تحقيقه في ذروة وزخم الحرب الإرهابية الكونية التي شنتها ضد سورية على مدى السنوات العشر الماضية؟
اولاً، في ماهية الخطة الأميركية
1 ـ الرهان على إعادة تحرك الشارع السوري عبر استغلال معاناته الاقتصادية والاجتماعية بتحميل المسؤولية للدولة السورية، وبالتالي شنّ حملة تضليل إعلامية بدأت بها وسائل الإعلام المأجورة والمرتبطة بالحرب الأميركية الناعمة لتأليب وتحريض السوريين ضد دولتهم والتمرد ضدها..
2 ـ العمل على محاولة استغلال توسع الاضطرابات لفرض واقع تقسيمي في الجنوب السوري انطلاقاً من السويداء، وتحريك الجماعات الإرهابية المسلحة التي تمت إعادة تعبئتها وتدريبها وتجهيزها في قاعدة التنف الأميركية على الحدود السورية الأردنية العراقية، لمعاودة نشاطها الإرهابي بشنّ هجمات مسلحة ضدّ قوات الجيش العربي السوري المنتشرة في الجنوب.
3 ـ بالتوازي تعمل قوات الاحتلال الأميركية على تحريك تنظيم داعش الإرهابي، بعد إعادة تجهيز وإعداد كوادره وعناصره الذين هزموا في معارك دير الزور والميادين والبوكمال، وبالتالي دفعهم إلى شن هجمات مكثفة ضد مواقع القوات السورية، في البادية وفي منطقة الحدود السورية المحاذية للعراق، وكذلك العمل على دفع الجماعات الإرهابية في إدلب إلى شن هجمات ضدّ الجيش السوري في المناطق المتاخمة لإدلب، وذلك في سياق خطة لإشغال الجيش السوري وحلفائه وبالتالي تشتيت جهود الدولة السورية وإشغالها على أكثر من جبهة، بعيداً عن تصعيد المقاومة ضد قوات الاحتلال الأميركية…
ويبدو أنّ ما يحصل في السويداء من محاولات لإثارة الاضطرابات، وما سبقها من قيام داعش بشنّ هجمات إرهابية ضدّ القوات السورية في شمال شرق سورية، وقيام الجماعات الإرهابية في إدلب بالهجوم على موقع للجيش السوري في المنطقة، يبدو أنّ كلّ ذلك يندرج في إطار الخطة الأميركية المذكورة آنفاً..
ثانياً، هل تنجح الخطة الأميركية في تحقيق أهدافها،
المدقق في الظروف الراهنة يلاحظ جملة من العوامل التي ستؤدّي الى فشل الخطة الأميركية، وتمكن الدولة السورية من الصمود وتحقيق نصر جديد:
العامل الأول، الذي كان في أساس صمود وانتصار الدولة السورية على مدى السنوات العشر في مواجهة الحرب الإرهابية الشرسة التي استهدفتها، وهذا العامل يكمن في معادلة وحدة الدولة والجيش والشعب، بقيادة الرئيس بشار الأسد، الذي برهن ولا زال عن صلابة وشجاعة وجرأة وثبات وقدرة على قيادة سورية في هذه الحرب وتحقيق النصر على أعداء سورية.. وهذه المعادلة باتت اليوم أكثر رسوخاً رغم اشتداد الأزمات الاقتصادية والمعيشية.. التي يعرف الشعب السوري أنّ سببها الحصار الأميركي، الذي ينفذ تحت ما يسمّى قانون قيصر، ونهب أميركا لنفط وغاز سورية وأهمّ ثرواتها الزراعية في الجزيرة السورية..
العامل الثاني، وهو أيضاً من العوامل التي مكنت وساعدت سورية على الصمود وتحقيق النصر، وهذا العامل يتمثل في استمرار وقوف حلفاء سورية معها والقتال إلى جانبها.. وهؤلاء الحلفاء هم روسيا وإيران والمقاومة في لبنان، وقوى المقاومة العراقية…
العامل الثالث، وعي الشعب السوري لطبيعة المؤامرة التي تعرّضت لها سورية.. وتمسكه بدولته والحفاظ عليها، بعد أن لمس جيداً وأدرك وشاهد البديل عن الدولة، جماعات إرهابية تقتل وتذبح كلّ من لا يدين بالولاء لها او يختلف معها بالرأي إلخ… في حين انّ جماعات ما يُسمّى بالمعارضة تكشفت عن ارتباطها بالعدو الصهيوني، أو أميركا أو النظام التركي أو الأنظمة الرجعية في المنطقة، وبالتالي لا انتماء وطني لها وليست حريصة على استقلال وسيادة سورية ولا على وحدتها.. وهي لا تعدو سوى أداة تساعد أميركا على تدمير سورية ودولتها الوطنية على غرار ما فعلت في العراق بعد احتلاله بمساعدة أدوات عراقية..
ولهذا فإنّ محاولة تضليل بعض السوريين مجدداً للانخراط في الاضطرابات وحمل السلاح ضدّ دولتهم لم يعد يلقى التأييد، وهو ما عكسته الاحتجاجات في مدينة السويداء على اشتداد حدة الأزمة المعيشية، نتيجة الحصار الأميركي، حيث تحاول بعض أدوات الفتنة استغلالها ودفع الناس إلى الانجرار مجدّداً إلى التمرّد على دولتهم والسير في مخطط التقسيم.. لكن محاولاتها لم تلاقِ التجاوب شعبياً، وهو الأمر الذي عبّرت عنه فعاليات السويداء من مشايخ العقل من ناحية، ومحدودية المشاركين في الاحتجاجات من ناحية ثانية…
من الطبيعي أن تحصل حالة تذمر من تفاقم معاناة الشعب نتيجة استعار الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، لكن على الناس ان تدرك جيداً أنّ سبب ذلك نتائج الحرب المدمّرة، واستمرار الحصار، ونهب ثروات سورية، ما يجعل قدرات الدولة محدودة.. ولهذا فإنّ الغضب والاحتجاج يجب أن يوجه ضدّ قوات الاحتلال الأميركي والتركي ومن يتعامل معها، ومن يشارك في حصار سورية ونهب ثرواتها.. على انّ السبيل لحلّ أزمات سورية وشعبها وإعادة بناء ما دمّرته الحرب الإرهابية، إنما يكمن في تصعيد المقاومة الشعبية المسلحة ضدّ قوات الاحتلال الأميركية لإجبارها على الرحيل عن سورية وتحرير ثرواتها واستعادة سيطرة الدولة السورية عليها…