بكر أبوبكر
أعطتني الأخت الكريمة والمناضلة المقاومة الأصيلة أم أحمد بارك الله بها هاتف الشيخ الداعية د.عماد يعقوب حمتو المقيم الآن تحت نار القصف في قطاع غزة. فالشكر لها والشكر أيضا للأخ العزيز بدر أبوالعبد الذي كان قد أرسل لي شريطًا للشيخ (مقطع من خطبة) الذي أثار اهتمام الناس في هذا الظرف العصيب –وأرسلته لاحقًا أم أحمد وأخوة كُثُر آخرين أيضًا- يتم الحديث به عن الدولة الفلسطينية ووجهات نظر من العام 1989م، وتقارب جزء (سيناريو) مما بالكتاب مع الخطبة الحماسية للشيخ حمتو والواقع الحالي من افتراق وطني، والتي عرضها بأسلوبه التحفيزي المثير والمشوق والمحذّر.
بعد حصولي على رقم الهاتف اتصلت به بصعوبة شديدة وقمت بواجب الشكر اللازم للشيخ، والحديث عن الكتاب (كتاب: الدولة الفلسطينية وجهات نظر اسرائيلية وغربية، من إصدار مركز الدراسات الفلسطينية عام 1990م، الذي يعرض 6 احتمالات في 400 صفحة تقريبًا وكان أحد الاحتمالات/السيناريوهات الستة مساحة إحدى خطبه عام 2022م في غزة باسلوبه التحفيزي الهام).
بعد قيامي الدعوة بالفرج لشخصه الكريم، وأهلنا الأبطال والمكلومين بذات الوقت في قطاع غزة والاشادة بتفكراته وسمو خطابه الإيماني، وصدقه، ونقده وسلاسة خطاباته وشموليتها ووحدويتها (مما اطلعت عليه في صفحته على مدار عامين من منشوراته على الشابكة) وبعقله المستنير (الشيخ الآن في دير البلح-غزة فرج الله عنه الكرب، وعن كل أهلنا).
تحدثنا -وبشكل أساسي- هو المتحدث وأنا المستمع عن الفكر والتفكّر وأصحابه وبدءًا عن الإمام أبوحامد الغزالي وتفكّره وطلبه الوصول للعلم اليقيني، إثر تساؤلاته وتشككاته، كما إشار للإمام الجويني إمام الأئمة في زمانه كما يقال عنه.
نظرت أنا لاحقا فيما اشار له عن الغزالي، وفيما قيل عنه التالي فوجدت أن عبارة: "مَنْ لم يشُكّ لم ينظُرْ، ومَنْ لم ينظُر لم يُبصِرْ، ومَنْ لم يبْصِرْ بقي في العمى والضلالة". هي من أروع العبارات، وأحكمها، وأكثرها صدقاً ونفعاً للانسان في كل مكان وزمان، وقائلها هو الإمام ابو حامد الغزالي (المتوفي سنة 505 للهجرة) وهو صاحب الكتاب المشهور "إحياء علوم الدين"، وغيره الكثير من الكتب التي نالت الكثير من القبول والرضا من المسلمين.
قيل عن الإمام الجويني مما قرأته لاحقًا: "أنه كان ذا روح وثّابة إلى الحق والمعرفة، يميل إلى البحث والنقد والاستقصاء؛ فلا يقبل ما يأباه عقله، ويرفض ما بدا له فيه أدنى شبهة أو ريبة، وظل الجويني ينهل من العلم والمعرفة في شغف ودأب شديدين حتى صار من أئمة عصره المعروفين وهو لم يتجاوز العشرين من عمره".
وعن الإمام الغزالي تحدّث الشيخ وافتراضه أهمية التجربة والحواس، ثم ماتلاها من اكتشافات مخالفة (قرأت لاحقا على حديثنا: أن الغزالي يقرر في كتابه "المنقذ من الضلال" أن "الحواس تخدعنا، وأن المعارف الحسية بناء على ذلك عارية عن اليقين، ولهذا فلا يمكن أن تعد علماً حقيقياً"... الخ من فلسفة ونظرات وتفكرات كثيرة قادته للنور كما رآه.)
واستمعت لما قاله باقتضاب عن مفهوم العقل والحقيقة (رغم صعوبة الاتصال وانقطاعاته المتكررة). وعن النور يقذفه الله في قلب العبد، واطلعت لاحقا لحديثنا على الأثرالقائل "إن العلم نور يقذفه الله في القلب يفرق به العبد بين الخطأ والصواب ". ما يعني ضرورة العقل والتفكر والنقد والإلهام مما فهمناه من علماء المسلمين، على تنوع اجتهاداتهم الفكرية بما هي واجب.
قال لي الشيخ عماد حمتو أيضًا بالاتصال الصعب به مساء الاربعاء 19/6/2024م أن العلماء هم باحثون عن الحقيقة. وتحدث عن العقم الفكري المتفشي، كما تحدث عن مئات الملاحظات على كثير من عمل المقاومة وواجب العلماء بالبيان والنصيحة في كل أمر.
أثناء العدوان الحالي على غزة وفي 21/2/2024 م كتب الشيخ حمتو على حائطه في فيسبوك متفكرًا ومتسائلًا قائلًا: "الحيرة القاتلة تكتنف الجميع سواء مما كان أو المجهول الذي ننتظره أوالتفكير فيما جرى هل هو عقوبة أم ابتلاء ؟ هل تكفيرا للسيئات أم رفعة للدرجات؟ هل ما جرى تهورا غير محسوب العواقب أم كلفة الرباط؟ هل تم حساب المصالح والمفاسد أم غلبت المفسدة؟ هل نهاجر أم نبقى؟ هل فكرة الجهاد فكرة عدمية بحيث يفنى الناس جميعا ويهلك الحرث والنسل أم هي حياة للأمة ودفاع عن المظلومين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا؟ سيل من الأسئلة والاختيارات والاختبارات حتى أصيب المرء بالعجز في القرار حتى على صعيد نصب خيمته واللجوء الى مكان آمن وتوفير الأساسات وحل المعضلات... لقد عجزنا يارب وتاهت بوصلتنا."
وأضاف الشيخ في منشوره أيضًا: "لقد عجزنا يارب وتاهت بوصلتنا
يقولون إذا اختلف رجلان توجها إلى عالم
فاذا اختلف عالمان توجها الى حكيم
فاذا اختلف حكيمان توجها إلى حليم
والحليم اليوم أصبح حيرانا...
من بين ثنايا هذه الهزائم النفسية تأتي آية من كتاب الله هادية وشافية وكافية تأخذ بقلوبنا إلى طمأنينة الحق
يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظآلمين ويفعل الله ما يشاء. اللهم فهمنا وفهم عنا فانا لا نحسن التفهيم، ودبر لنا فإنا لا نحسن التدبير"
عودة لمكالمتنا الثمينة المتقطعة فلقد أشارالشيخ د.عماد حمتو الى الناس وهجران النصيحة التي بها –أي النصيحة-يكون العالم (عالم الدين) لامحابي ولاكاره لأحد، وأن العلماء هم على مسافة واحدة بين فئات الأمة، وهم مستقلون غير متحزبون، ومهمتهم فقط النصيحة وليس اتخاذ جانب.
واشار لحديث (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) وعن لماذا لم يأتِ ذكر العالم (عالم الدين) فقال ان العالم راعي الرعية كلها.
شكرته بختام شذراته الجميلة القصيرة هذه، ودعوت له ولإخواننا في غزة فلسطين -تحت قصف الطيران الفاشي الصهيوني وعدوانه الإبادي غير المسبوق- بالفرج العاجل، على أن نلتقى بعد أن تزول الغمة باذن الله تعالى، والله أكبر والنصر قريب لفلسطين وشعبها البطل.