أناشيد الطابور الصباحي في المدارس الفلسطينية

نداء الوطن - كتب أسامة خليفة

أسامة خليفة

  كاتب فلسطيني

النشيد الوطني الفلسطيني، كلماته شاعرية حماسية معبرة، تتحدث عن الفدائي والعودة وأرض الجدود عن البطولة والشجاعة، والسلاح ونضال شعبنا الفلسطيني، والفدائي هنا ليس فرداً بل شعباً بأكمله، ربما يلتقي مع الفدائي في قصيدة إبراهيم طوقان «صامت لو تكلما لفظ النار والدما»، يُعزف ويُردد النشيد الوطني في المناسبات الوطنية والرياضية والاستقبالات الرسمية والنشاطات الجماهيرية الحاشدة، ولعل ترديده في الطابور الصباحي في المدارس الفلسطينية أكثرها تداولاً وتأثيراً وأهمية لما يحمله من قيم تتأصل في نفوس النشء.

يُعتبر نشيد «موطني» -كلمات إبراهيم طوقان- بمثابة النشيد الوطني غير الرسمي للفلسطينيين منذ ثلاثينات القرن الماضي أقر به العرف السائد بين أفراد الشعب الفلسطيني، وليس عبر نص دستوري لدولة ذات سيادة، عندما كانت فلسطين تحت الانتداب البريطاني، وبعد رحيله، وبقي هذا الأمر إلى أن أصبح نشيد «فدائي» النشيد الوطني رسمياً في إطار منظمة التحرير الفلسطينية منذ عام 1972 بقرار من اللجنة التنفيذية للمنظمة، وصادق عليه مجلس الوزراء الفلسطيني في السلطة الوطنية الفلسطينية سنة 2005، ليصبح النشيد الرسمي لها.

نشيد «فدائي» من تأليف الشاعر الفلسطيني سعيد المزين، قام الموسيقار المصري علي إسماعيل في العام 1965 بوضع لحن جميل له، وفي عام 1981 أعاد توزيعه الموسيقي الموسيقار اليوناني ميكيس ثيودوراكيس، كتعبير منه عن دعم القضية الفلسطينية، وفي العام 2005 أعاد الملحن الفلسطيني حسين نازك التوزيع الموسيقي للمرة الثانية.

في مدارس الفلسطينيين يردد الطلاب النشيد الوطني أو يعزف كمقطوعة موسيقية عبر الإذاعة المدرسية في بداية الأسبوع الدراسي ونهايته، يرافق النشيد الوطني طقوس رفع العلم وأداء التحية. ويتم ترديد النشيد الوطني كتقليد وطني في المدارس في الطابور الصباحي ليثير لدى الجيل الجديد الحماسة والإحساس بالانتماء إلى الوطن، وليعزز حب فلسطين في النفوس.

عبر مراحل تاريخ الشعب الفلسطيني من النكبة إلى النكسة، وتطورات أوضاعه المتباينة في تجمعات الشتات أو فوق تراب الوطن، وغياب كيان أو دولة تمثله، والافتقاد إلى دستور يحدد نشيداً وطنياً بشكل رسمي، كان الطابور الصباحي في مدارس الفلسطينيين التابعة للانروا يردد الطلاب بشكل دائم ومتكرر يومي أو أسبوعي عدة أناشيد وطنية مختلفة ذات مضمون يعبر عن القضية الوطنية، وتتصف بروعة النظم الشعري، وبجمال العبارات، وعذوبة الأداء الغنائي، كنت أعتقد أن كل مدارس الأنروا تردد نفس النشيد الذي كنا نردده في مدرستنا (إعدادية أم الفحم) في العاصمة السورية دمشق والذي يقول مطلعه :

نحن أبناء فلسطين الأباة

نعشق المجد ولا نرضى سواه

دأبنا سعي وجد ونضال في الحياة

وجهاد يعقبه النصر المبين

ليس فينا من جبان

كلنا يقوى على الطعان ..

لكن عرفت بعد ذلك أن مدارس تابعة للأنروا في المخيمات والتجمعات الفلسطينية في سوريا، تردد نشيد «عائدون» للشاعر الفلسطيني هارون هاشم رشيد، لترسيخ مفهوم العودة في أذهان الأجيال كحق راسخ لا تراجع ولا تنازل عنه، مهما طالت سنوات الغياب:

عائدون عائدون

إننا لعائدون

فالحدود لن تكون

والقلاع والحصون

فاصرخوا يا نازحون

إننا لعائدون

عائدون للديار

للسهول للجبال

تحت أعلام الفخار

والجهاد والنضال

بالدماء والفداء

والإخاء والوفاء

إننا لعائدون

عائدون يا ربا

عائدون يا هضاب

عائون للصبا

عائدون للشباب

للجهاد في النجاد

والحصاد في البلاد

إننا لعائدون

بعض مدارس الأنروا رددت نشيد ابراهيم طوقان «موطني»، حيث بقي قطاع واسع من الشعب الفلسطيني يعتبر نشيد «موطني» نشيداً رسمياً له، وكان دور المعلم الفلسطيني مهماً في تكريس نشيد موطني في الطابور الصباحي، أذ حمل ذكرياته وعلمها ونقلها إلى طلابه، حتى بعد أن أصبح نشيداً وطنياً لجمهورية العراق منذ العام 2003. وقد كانت مدارس الضفة الغربية ما بين العام 1948- 1967 تردده مع السلام الملكي الأردني.

رغم تنوعها إلا أن ترديد هذه الأناشيد الوطنية كل صباح يبقي القضية الفلسطينية حاضرة في قلوب وعقول الطلاب وتساهم في غرس قيم حب الوطن، وتعزيز الانتماء لفلسطين أرضاً وشعباً، وتمتن الارتباط بالهوية الوطنية، ولأجل ذلك تجاوز معلمون فلسطينيون لا سيما في مدارس الأونروا إطار المنهاج المقرر بأنشطة، منها: تقديم نماذج من نضال الشعب الفلسطيني، دراسة نماذج من المناضلين وكفاحهم ضد الصهيونية والاستعمار، تحفيظ الأغاني الوطنية لتلاميذهم، ترديد نشيد وطني في الطابور الصباحي، وقد كانت هنالك حملة واسعة لإعادة الاعتبار لنشيد «فدائي» في مدارس الأنروا في لبنان حيث مُنع من قبل رئاسة الأنروا بعد ضغوط أميركية تعرضت لها إدارتها بخصوص المناهج والأناشيد الوطنية. تقول كلمات النشيد:

فدائي فدائي فدائي

يا أرضي يا أرض الجدود

فدائي فدائي فدائي

يا شعبي يا شعب الخلود

بعزمي وناري

وبركان ثأري

وأشواق دمي

لأرضي وداري

صعدت الجبالا

وخضت النضالا

قهرت المحالا

عبرت الحدود

بعزم الرياح

ونار السلاح

وإصرار شعبي

لخوض الكفاح

فلسطين داري

ودرب انتصاري

فلسطين ثاري

وأرض الصمود

بحق القسم

تحت ظل العلم

بأرضي وشعبي

ونار الألم

سأحيا فدائي

وأمضي فدائي

وأقضي فدائي

إلى أن تعود

كان نشيد الشباب الفلسطيني يُردد في الصباح المدرسي، ويذكره الكثيرون من أبناء جيل الثلاثينات والأربعينات في ذروة نضالهم من أجل فلسطين، وعن موقع ملتقى بيت دجن على الفيس بوك أن النشيد الوطني الصباحي في مدرسة بيت دجن الابتدائية قبل عام 1948، عام النكبة، واحتلال فلسطين، وتشريد أهلها، هو نشيد الشباب، يتوجه لهم ويخاطب عقولهم وعواطفهم ويصور فلسطين عروس العروبة:

تعيد السيوف شباب الزمن

وتمحو الدماء حياة الهوان

شباب فسطين آن الأوان

فهبوا جميعا فداء الوطن

فإن الجهاد

حياة البلاد

ورمز الخلود

أبوكم فلا ترخصوا يعربا

ولا ترهبوا الكون ان يغضبا

فسيروا على شفرات الضيا

وبيعوا الدما في سبيل الوطن

فبيع الدماء

يعز الحمى

ويعلي البنود

تعيش فلسطين أرض الفدا

عروس العروبة طول المدى

غدا تستقل برغم العدا

غدا يهتف الدهر عاش الوطن

ديار الكرام

متى تستضام

وفيها الأسود

ستقضي الصوارم ما بيننا

فإما علينا وإما لنا

فلا تجزعي يا فلسطيننا 

نموت جميعا ويحيا الوطن

فإما الممات..وإما الحياة

حياة الجدود

وفي الضفة الغربية أيضاً وقبل العام 1967كان الطلاب يرددون نشيد العلم، نشيد «الثورة العربية الكبرى» الذي يثير في خيالهم صوراً جميلة للأمهات اللواتي ينسجن العلم:

يا علمي يا علم  

يا علم العرب أشرقِ ِ

واخفق ِ في الأفق الأزرق ِ

يا علمي يا علم!

يا نسيج الأمهات

في الليالي الحالكات

لبنيهن الأُباة

كيف لا نفديك

كل خيط فيك

دمعة من جفنهن

خفقة من صدرهن

قبلة من ثغرهن

يا علمي يا علم

سر الى المجد بنا

وابن منا الوطنا

قد حلفنا للقنا حلفة

ترضيك أنا نسقيك

من دماء الشهداء

من جراح الأبرياء

عشت للمجد سماء

علمي يا علم

ومن أناشيد الطابور الصباحي في المدارس زمن الاحتلال البريطاني والتي يرضى عنها الحاكم العسكري لأنها تبتعد عن القضايا المسيسة مقابل تلك التي تدعو إلى الجهاد والنضال الوطني:

بادروا للعمل

دون خوف أو وجل

هدنا داء الكسل

فأنقذوا بلادكم بالعمل

لا شيء كالعمل

يوقظ الهمم

يبعث النشاط

يرفع الأمم

وفي غزة عندما كان القطاع تابعاً لمملكة مصر في الأعوام 1949- 1952 قبل قيام ثورة الضباط الأحرار، كان نشيد «موطني»، ونشيد بلادي بلادي، أو نشيد الملك فاروق، هما الأكثر تداولاً، ومطلعه:

بلادي بلادي فداك دمي

وهبت حياتي فداً فاسلمي

غرامك أول ما في الفؤاد

ونجواك آخر ما في فمي

سأهتف باسمك ما قد حييت

تعيش بلادي ويحيا الوطن

بلادي بلادي

إذا اليوم جاء

ودوى النداء

وحق الفداء

فحيي فتاك

شهيد هواك

وقولي سلاما على الأوفياء

سأهتف باسمك ما قد حييت

تعيش بلادي ويحيا الوطن

 

نداء الوطن