شروطُ الإغاثة الإسرائيلية حشرٌ بشري وفرزٌ أمني

نداء الوطن -

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

ليس خافياً على أحدٍ أبداً أن الشعب الفلسطيني في قطاع غزة يواجه خطر الموت جوعاً وعطشاً نتيجة الحصار الإسرائيلي الخانق المتجدد عليه بشدةٍ بعد يوم الثامن عشر من شهر مارس/آذار الماضي، وهو اليوم الذي نكث فيه رئيس حكومة العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الهدنة مع المقاومة الفلسطينية، وانقلب عليها وخرقها بغاراتٍ جويةٍ عنيفةٍ أدت إلى استشهاد مئات الفلسطينيين في ساعةٍ واحدةٍ، بحجة رفض حركة حماس القبول بمقترحات الدخول في المرحلة الثانية من مفاوضات الهدنة، الأمر الذي فاقم من معاناة الفلسطينيين الذين لا يجدون اليوم كسرة خبز ولا شربة ماء تبقيهم على قيد الحياة، فضلاً عن حرمانهم من الدواء والعلاج والوقود اللازم لتشغيل مولدات المستشفيات لتتمكن من تقديم الحد الأدنى من خدماتها الطبية لآلاف الجرحى والمصابين والمرضى.

 

أعلنت حكومة العدو الأمنية، عن نيتها توزيع مساعدات إغاثية ومواد تموينية على سكان قطاع غزة، بعد أن طلب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عشية زيارته المرتقبة إلى المنطقة، من نتنياهو العمل على إدخال بعض المؤن والمساعدات إلى قطاع غزة، والتقليل من تداعيات الحصار على صحة وسلامة المواطنين الفلسطينيين، وذلك في محاولة كاذبة للتخفيف من معاناة السكان، وهي المعاناة التي صنعها العدو الإسرائيلي بعدوانه المستمر، المتزامن مع الحصار الشديد، وإغلاق المعابر ومنع إدخال المساعدات، بحجة أن حركة حماس تضع يدها عليها و"تسرقها"، وتحولها إلى مقاتليها ومناصريها، وتحرم المواطنين منها.

 

يبدو أن العدو الإسرائيلي، يريد استغلال الضائقة المعيشية لسكان غزة لتحقيق ما عجز عن تحقيقه بقوة النيران وغزارة القصف وشدة الغارات، فما لم يستطع تحقيقه بالقوة العسكرية يسعى لتحقيقه من بوابة المساعدات الغذائية التي يقترح أن يقوم بها جيشه، وأن تنفذها قواته العسكرية المتواجدة في مناطق قطاع غزة، وهدفه منها ليس إنسانياً أبداً، ولا حرصاً على صحة وسلامة المواطنين الفلسطينيين، إذ تتنافى المبادئ الإنسانية مع جرائم القتل التي يمارسها يومياً، ولا هي استجابة للمطالب الأمريكية والضغوط الدولية، التي تشترك معه في العدوان والحصار ومواصلة الحرب، بل بقصدٍ معينٍ وأهدافٍ خبيثة، لا تتوافق مع حاجات الفلسطينيين وطلباتهم، ولا تحقق رغباتهم وتنقذ حياتهم، بل تتفق والأهداف الإسرائيلية، وتنسجم مع الخطط والبرامج المعدة، الأمر الذي سيحكم عليها بالفشل ابتداءً، إذ رغم الجوع والعطش والفقر والفاقة والحاجة، فإن الفلسطينيين لن يتعاونوا أو يرحبوا بمشروعٍ يرون أنه يستهدف اختراقهم وترحيلهم وتصفيتهم لكن بشكلٍ آخر.

 

يريد جيش العدو الإسرائيلي أن يخلق مربعاتٍ سكانية، يدعي كعادته أنها مناطق آمنة، يحشر فيها الفلسطينيين بأعداد كبيرة في أضيق الأماكن وأقلها مساحةً، فيما يشبه معسكرات الاعتقال والغيتو، ومناطق الحشر والعزل العنصرية، ويضع عليها بوابات وحراسات، يقف عليها جنوده وآلياته العسكرية، ولا يستبعد أن يقوم بقصفها وفتح النار عليها، بحجة وجود مقاومين فيها، أو بسبب ادعاء تعرض جنوده للخطر من بعض من فيها، وتقوم مخابراته بعمليات تسجيل وتوثيق للسكان الذين يدخلون إليها، بما يمكنهم من عمل قاعدة بيانات دقيقة، وقوائم أمنية منظمة، يفرزون خلالها السكان ويصنفونهم، ويخضعونهم للمقابلة والاستجواب، والسؤال والتحقيق قبل الموافقة على منحهم بعض المساعدات الغذائية، التي سيبتزونهم بها بالنظر إلى معاناتهم وحاجاتهم إليها.

 

سيمكن هذا المخطط الخبيث المخابرات الإسرائيلية من التواصل المباشر مع المواطنين الفلسطينيين، بحجة توزيع المساعدات الغذائية والطبية، مما سيساعده في الحصول على معلوماتٍ جديدة، واستكمال ما ينقصه من معلومات وبياناتٍ.

 

كما سيستغل لقاءاته المباشرة مع الفلسطينيين، في خلق الفتنة بينهم، وزرع بذور الشقاق والانشقاق بينهم، وتعزيز الخلافات وتعميق أسباب الانقسام، وبناء شبكات تجسس وعمالة كان قد عجز على مدى السنوات الماضية في خلقها، إذ لم يتمكن من بناء خلايا تجسسية فلسطينية تساعده وتسهل مهمته، بل عجز عن اختراق النسيج الوطني الشعبي الفلسطيني، وهو ما انعكس عليه فشلاً في الأداء العسكري والأمني، إذ لم يتمكن من تحقيق إنجازاتٍ أمنية في قطاع غزة، سوى القتل والتدمير والخراب، والتجويع والتعطيش والحصار.

 

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يحمي غزة وأهلها من هذه المحنة، وأن يجاوزهم هذا الامتحان، وأن يقيهم هذا الابتلاء، وأن يحصن صفهم ويقوي بنيانهم، وأن يطعمهم من جوعٍ ويؤمنهم من خوفٍ، وأن يرسل لهم جنوداً من عنده، يسخرهم لرفع العدوان عليهم والحرب ضدهم، فهم أضعف بكثيرٍ من أن يواجهوا هذا المخطط الخبيث وحدهم، إلا أن يمن الله عليهم ويكون معهم، ويؤيدهم وينصرهم، ويحفظهم ويكرمهم.