بريطانيا وفلسطين و”إرهاب” حماس!

د. دلال صائب عريقات

أعلنت بريطانيا نيتها تصنيف حركة حماس الفلسطينية كـ “منظمة إرهابية”، جاء ذلك أمس الأول على لسان وزيرة الداخلية البريطانية بريتي باتل التي قالت إنها تسعى لتصنيف حركة حماس الفلسطينية بكاملها، أي بشقيها السياسي والعسكري كـ “منظمة إرهابية”. من الجدير ذكره أن بريطانيا تصنف الجناح العسكري للحركة كإرهابية ولكن الخطوة الجديدة ستشمل أيضا الجناح السياسي للحركة.

حسب القانون البريطاني، الانتماء لمنظمة محظورة أو حشد التأييد لها أو ارتداء ملابس يمكن أن تعبر عن الدعم لها جريمة جنائية، وتصل عقوبة هذه الجريمة إلى السجن 10 سنوات كحد أقصى ودفع غرامة مالية أو إحدى العقوبتين.

من حق المملكة المتحدة أن تحدد علاقاتها مع حكومات العالم وحركاته، ولكن يأتي قرار المملكة المتحدة بخصوص حركة حماس بشكل مؤسف وتوقيت غير عادي لعدة أسباب:

في هذا الشهر، صادف يوم ١١/٢، ذكرى مرور ١٠٤ أعوام على وعد بلفور. فلسطين طالبت الحكومة البريطانية باعتذار ولم يستجاب للطلب، هنا نكرر الطلب بالاعتذار ونذكر المملكة المتحدة أن الوعد تضمن وعداً آخر بأن لا يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، وهذا ما لم يتم بل كرسوا الأبارتهايد والاحتلال وعليهم احترام التزاماتهم القانونية والأخلاقية تجاه الفلسطينيين الذين دفعوا ضريبة إنشاء هذا الوطن القومي لليهود على أرض فلسطين سالبين حقوق الشعب الفلسطيني.
أصدرت دولة الإرهاب والفصل العنصري في إسرائيل “أوامر عسكرية” بتاريخ 19 أكتوبر 2021 توسم فيها 6 مؤسسات مجتمع مدني ومنظمات حقوق إنسان فلسطينية كـ “منظمات إرهابية”. من الضروري التنويه أن هذه مؤسسات توثق ممارسات الاحتلال ضد حقوق الشعب الفلسطيني الأساسية وتضم كلا من: 1-الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال/فلسطين DCI 2- مؤسسة الحق AlHaq 3- جمعية الضمير لدعم الأسير وحقوق الإنسان Addameer 4- مركز بيسان للبحوث والتنمية Bisan 5- اتحاد لجان العمل الزراعي (UAWC) 6- اتحاد لجان المرأة الفلسطينية (UPWC)

لقد صدر قرار التوسيم على شكل أوامر عسكرية، وهذا بحد ذاته دليل جديد يثبت أن دولة اسرائيل هي دولة أبارتهايد، بموجب الأوامر العسكرية، تواجه هذه المنظمات الآن احتمالية الاعتقالات الجماعية والإغلاق من قبل الحكومة الإسرائيلية، وأي شخص له علاقة بهذه المؤسسات أصبح عُرضة للسجن أو الملاحقة، وفقًا لقانون مكافحة الإرهاب الإسرائيلي الصادر عام 2016. هذه التصرفات من قبل الحكومة الإسرائيلية تشكل اعتداء واضحا على حقوق الإنسان، وبالتالي كان الأجدر بالمملكة المتحدة ان تدافع عن حقوق هذه المنظمات الحقوقية في وجه الاحتلال بدلاً من الاكتفاء بالتصريحات.

قرار المملكة المتحدة بوسم حماس لن يخدم الاستقرار في المنطقة بل سيشتت الجهود لأي تقدم باتجاه المصالحة والسلام وبناء الثقة في عيون الشعب الفلسطيني. كان الأجدر ببريطانيا ان تتعلم من تجربتها في شمال أيرلندا، حيث أنها وبهدف الوصول لاتفاقية “الجمعة العظيمة” وتحقيق نتيجة غير صفرية، تبنت عملية مفاوضات ضمت كافة الحركات وممثلي الشعب حتى حركة الشين فين وجناحها العسكري المتمثل بالجيش الجمهوري الايرلندي برغم اعتباره “ارهابي”، كان الأجدر بالمملكة المتحدة النظر في عملية أكثر شمولاً لـخدمة الاستقرار السياسي الفلسطيني وعملية السلام في الشرق الاوسط.
بدلاً من اعتماد سياسة العزل والتهميش لحركة حماس التي هي جزء من الشعب الفلسطيني، كان الأولى بالمملكة المتحدة ان تتذكر ان حماس هي جزء أساسي من اللجنة الفلسطينية الوطنية للمحكمة الجنائية الدولية – التي ترأسها د. صائب عريقات لمتابعة الملفات في المحكمة الدولية ICC- وهذا يعني أن حماس تقبل وتحترم القانون الدولي وتداعياته وقبلت بأن تخضع لتحقيقات المحكمة وقراراتها، وبالمقابل ما كان من المملكة المتحدة الا أن رفضت إعلان المحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيق في جرائم حرب ارتكبت في الأراضي الفلسطينية المحتلة ورفضت اعتبار الاراضي الفلسطينية المحتلة ضمن اختصاص المحكمة. الأجدر بالمملكة المتحدة احترام عمل وولاية واستقلالية المحكمة الجنائية الدولية لضمان تحقيق عادل ضد أي من يرتكب جرائم.
الاحتلال الاسرائيلي هو انعكاس عملي لأكبر صور الإرهاب في العالم في القرن الواحد والعشرين، خاصة بعد تقارير منظمات حقوق الانسان الدولية التي وسمت إسرائيل بالعنصرية والاضطهاد، كان الاجدر بالمملكة المتحدة البدء عند مساءلة اسرائيل حول إرهابها المتكرر ضد أطفال وأسرى وشيوخ فلسطين، الاستيطان ومصادرة الأراضي، التهجير القسري والقتل المتعمد والعنصرية الموثقة. على المملكة المتحدة التوقف عن معاملة اسرائيل كشخصية فوق القانون.
هناك فرق كبير بين المقاومة والدفاع عن النفس من جهة، والارهاب من جهة أخرى، وهنا ضروري التذكير بنص المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة الذي يؤكد على الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم.
الفلسطينيون بمن فيهم حماس يبغضون ويعانون من إرهاب الاحتلال بشكل يومي في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية. الأولى بالمملكة المتحدة اليوم، احتراماً لشعبها ومكانتها السياسية الدولية أن تطبق التزاماتها الأخلاقية بتوفير الحماية للشعب الفلسطيني بدلاً من تشتيت الجهود والضياع في تفاصيل. على بريطانيا الاعتذار عن وعد بلفور، على بريطانيا مباشرة العمل لإنهاء الاحتلال، على بريطانيا الاعتراف بالدولة الفلسطينية وترسيم حدود دولة الاحتلال، على بريطانيا احترام التزاماتها القانونية وعدم إعاقة عمل المحكمة الجنائية الدولية الكفيلة بتعريف المجرمين والإرهابيين ومحاسبتهم.
– دلال عريقات: أستاذة الدبلوماسية والتخطيط الاستراتيجي، كلية الدراسات العليا، الجامعة العربية الأمريكية.

 

نداء الوطن