الإسلاموفوبيا.. مرض أوروبا الذي لا يشفى

نداء الوطن -

بقلم: طه خالد منصور
كان سماعي لتصريحات "تيري جونز" وهو القس وراعي كنيسة "دوف وورلد اوتريتش سنتر" في ولاية فلوريدا والذي اشتهر بمواقفه المعادية للإسلام، وأشهر من حرق المصحف على مر السنوات، حينما سُئلَ: عن قرأْته للمصحف؟ فقال: لا، فسألُوه: هل تعرف شيئا عن شرائع الإسلام؟ فقال: لا، وسألوه: هل تعرف أي شيء عن الإسلام؟ فقال: لا. أيقنت حينها أن المتطرفين الغربيين لا يعرفون عن الإسلام شيئاً، وإلا ما حرقوا أقدس الكتب وأسماها، لتعود بذلك ، قضية "الإسلاموفوبيا" في أوروبا، إلى الواجهة بشدة، وتجدد معها مخاوف الجاليات المسلمة والعربية، المقيمة في السويد، وفي أوروبا بشكل عام.
ويثير إصرار المتطرفين وعلى رأس القائمة راسموس بالودان، وحزبه اليميني المتطرف، على تكرار هذا التصرف، العديد من علامات الاستفهام حول الهدف والغاية الحقيقية وراء هذا التصرف؟ فالمتابع لأنشطة اليمين المتطرف في أوروبا، يمكنه أن يدرك بسهولة، أن تلك الجدلية المستمرة، والتناقض الصارخ بين دعاة حرية التعبير من جانب تلك الأحزاب اليمينية، وتصرفاتهم التي لا تنفك عن الازدراء بالمقدسات الدينية والإسلامية على وجه الخصوص، فما تلبث أن تهدأ في بقعة أوروبية حتى تندلع في بقعة أخرى بفعل تصرفات من هذا القبيل.
الخوض في هذا الموضوع يفتح أمامنا العديد من التساؤلات في هذا السياق، فقد يقودنا إلى الإجابة عن تساؤل جوهري فإذا كان الأشخاص الذين أقدموا على حرق القرآن في السويد وهولندا والدنمارك مجرد حمقى، فلماذا سمحت السويد بحرق المصحف الشريف وهي بنفس الوقت لا تسمح بحرق التوراة؟. ولهذا السبب توضح لنا حادثة حرق المصحف أنها ليست عملا شخصيا وتكشف عن الروح المظلمة لأوروبا وعدائها العميق للإسلام الذي لم ينتهي فقد بقي مدفون في إحدى الزوايا ويتم الرجوع إليه بين الحين والآخر، فقد تكون الهجمات الصليبية انتهت، إلا أن العقلية الصليبية لم تنته بعد، ولا يبدو أنها ستنتهي عندما ننظر إلى الهجمات والمعاملة العنصرية للمسلمين في أوروبا اليوم.
فعدم وجود رد فعل على جرائم الكراهية هذه التي ارتُكبت في وسط أوروبا من قبل السلطات وحتى حقيقة أن هذه الأعمال مسموح بها ليست سوى محاولة لإعادة أوروبا إلى ظلام العصور الوسطى، فكيف يمكن تصور أحوال المسلمين الذين يعيشون في أوروبا وهم يرون ما يحدث في تلك المجتمعات بدعم من الشرطة والحكومات ؟ أليس هذا تعديا على الأقليات، في وقت يقيم الغرب الدنيا ولا يقعدها حينما يحدث مثلا في البلدان الإسلامية او الشرقية ، وتصدر وزارت الخارجية الغربية والاوروبية بيانات إدانة طويلة وعريضة ؟
الحقيقة أن المآزق الحقيقي لا يقع على عاتق مسلمي أوروبا بل على أوروبا في حد ذاتها، فإثارة غضب الأقليات المسلمة يضعها أما تحدي المواجهات المباشرة بين المتطرفين والمسلمين، وهنا من المهم الإشارة إلى أن العنصريين والصهيوصليبيين المتشددين والمتعصبين والمتطرفين في أوروبا ليسوا بتلك الأكثرية ولا هم غالبية المجتمعات الأوروبية لكنهم أيضا ليسوا بالأعداد البسيطة. يستغل هؤلاء بذكاء القوانين الغربية المنفتحة على حرية الراي ليمارسوا تصرفاتهم العنصرية وعداءهم للمسلمين وللأجانب، الغريب هنا هو التساهل في مثل هذه التصرفات والتي يمكن لها أن تؤدي إلى أزمات لا يحمد عقباها، أفلا تخشى أوروبا غضب المسلمين؟
لم تكن هذه الأفعال عبثا بل جاءت لتذكر العالم أن الحرية المنادى بها في الغرب هي حرية همجية وغير إنسانية ولا تحترم خصوصيات الغير، وخاصة فيما يتعلق بالأديان السماوية كما يتم الترويج لها في منابرهم المخادعة، فما حصل في السويد وهولندا لن يتوسع إلي أن يصبح فكرا متطرفا ضد الإسلام في عموم أوروبا مدللا بحوادث الإساءة التي وقعت سابقا في الدنمارك وفرنسا وردة الفعل الإسلامية عليها حيث تمت مقاطعة المنتجات مما انعكس سلبا على اقتصادات تلك الدول، في واحدة من ردود الفعل التي كانت بمثابة صفعة في وجه أوروبا لتذكر الغرب أن المسلمين لا يتعدون على المقدسات الدينية فنحن لا ندعي الاحترام بل نمارسه، ولأن لكل قاعدة شواذ لا بد من احترام المسلمين قبل الرجوع إلى الحروب الدينية من جديد.

 

 

نداء الوطن