كيف يعيش الفلسطينيون؟

نداء الوطن - بكر أبوبكر

 

بكر أبوبكر

 

مجرد الاطلاع على عناوين أي صحيفة فلسطينية أو وكالة الانباء الفلسطينية "وفا"، أو المواقع الفلسطينية الأخرى الرزينة فإنها تعطيك نبذة عن حقيقة المعيشة النّكِدة في فلسطين سواء بشق البرتقالة الأول أو الثاني وسواء في المحافظات الشمالية أو الجنوبية.

ولربما اطّلع الناسُ على المشاهد والتقارير الثرية التي يعرضها رائي (تلفزة) فلسطين أو قناة عودة أو القدس أو غيرها ليروا بوضوح حقيقة المعاناة اليومية بين هدم وقتل وحواجز وتغيير طرق وسرقة الزيتون والاعتداءات المتكررة من عصابات المستعمرين، واقتحامات الجيش الصهيوني بحيث بات الأمرُ سياسة يوميّة تحاول أن تجعل من الجحيم حقيقة واقعة ليتسني للفلسطيني اليأس والانهزام الداخلي والقبول بالأمر الواقع.

كل التقارير المنصفة صنّفت الدولة الإسرائيلية اليوم بأنها دولة فاشية وعنصرية "ابارتهايدية" بتصرفاتها نحو الشعب الفلسطيني ومنه نحو الفلسطينيين داخل الكيان، وأصدرت التقارير تلو التقارير التي تدين. ولكن الوجه الاستنزافي اليومي لا يمكن أن يدركه إلا من يعيشه ويكتوي بناره فعليًا.

عندما ينظرُ المتأملُ من القادمين من الخارج الى ازدواجية طرق التعامل بين المواطنين الفلسطينيين في الأقسام المختلفة من فلسطين، فإنهم يدركون الفرقَ الشاسع بين الكلام الدعائي الإسرائيلي المخاتل والمنثور على وسائل التواصل الاجتماعي مروّجًا للسلام! ما يضحكون به على أمة العرب، والذي في حقيقته دعوة استسلام مطلوبة للعربي وللفلسطيني في بلده فلسطين، مقابل الذات الاحتلالية العنصرية المتعالية لمغتصب للأرض والهواء والسماء. وحيث المطلوب من الفلسطيني المنكوب أن يحمد ربه!؟ أنه ينعم بتنفس الهواء "الإسرائيلي" ويستهلك المنتجات الإسرائيلية!ويسمح له بالسير والأكل!

لا الحرية عند الإسرائيلي لما سواه لها قيمة ولا القانون والقضاء ذو فاعلية، فالأوامر العسكرية البريطانية القديمة، والإسرائيلية اللاحقة هي الحاكم لما هو غير إسرائيلي يهودي، وتتراكب الصورة مع الدعم اللامحدود الذي يحظى به النشاط الاستعماري الاستيطاني وعصاباته الإرهابية في الضفة والداخل بالمليارات من الدولارات.

يقول حسن بريجية مديرهيئة مكافحة الاستيطان في بيت لحم عن نموذج سرقة وتزوير وخداع الحركة الاستعمارية الاستيطانية واغتصابها مبنى (بيت البركة) الصرح الطبي التابع للكنيسة المشيخية (بدأت عملية الاستيلاء منذ العام 2015 وتستكمل اليوم) والذي يقسم الضفة الى قسمين، أن كل الحجج القانونية الفلسطينية لا يأبه لها القضاء الإسرائيلي، وفي ظل الأموال التي لا تعد ولاتحصى التي تُدفع على هذه الحركة الاستيطانية المتواصلة بلا هوادة.

وفي نموذج آخر قد لا يعلمه الكثيرون يتم يوميًا هدم كل المباني والمنشئات بالمئات في طول فلسطين وعرضها ضمن شقّي البرتقالة، حتى لو كانت غرفة أو سقيفة أو منزلأ ملاصقًا أوعريشة أو بيتًا بلاستيكيًا (دفيئة زراعية) وحتى خيمة بدعاوى مخادعة وظالمة مختلفة، وإن لم يتم الهدم بيد الفلسطيني فإنه يتم الهدم الإسرائيلي وبدفع تكاليفة من جيب المواطن بالطبع!

لو تركنا المنازل والأراضي التي سُرقت أو هُوّدت ومازالت بالضفة الغربية وفي القدس، أو تلك التي تُهدم يوميًا ويهجّر أصحابها فإننا نجد في صورة ثانية عشرات المنازل في سلوان-القدس مهددة بالانهيار (المقصود) نتيجة رفض بلدية القدس الإسرائيلية لبناء أي جدار استنادي! عوضًاعن التعرض المستمر للحيّ والاحياء المجاورة- وكما الحال في كامل الضفة الغربية- للانتهاكات المتكررة من اقتحامات ويتخللها القتل أو الاعتقالات، وترهيب الأهالي والأطفال وترويعهم في غرف نومهم.

وفي قرية العيسوية كمثال آخر -لك أن تطبّقه على أي من قرى فلسطين بشقي البرتقالة- فلقد تم سرقة 70% من أراضي البلدة منذ العام 1967 حتى اليوم! إضافة لعزلها بجدار الفصل العنصري جدار الضم والتوسع.

في نموذج الاقتحامات ما يجوز لك أن تتخذه نموذجًا لكل القرى بل والمدن في فلسطين فلا ألف ولاباء ولاجيم من تقسيمات اتفاقية اوسلو. قال أحد شهود العيان لاقتحام بلدة برقين في جنين شمال الضفة هذا الشهر فبراير 2023م ويُدعى مروان ذيب:"داهم الاحتلال منزلنا الساعة الرابعة فجرًا وحقق معي الضابط الإسرائيلي ميدانيًا حول نشاط أبنائي وابني أحمد المبعد إلى غزة". أما أحمد خلوف، فقال: "داهم الاحتلال منزلنا الساعة الثانية فجرًا واعتقلوا نجلي محمد، الذي من المقرر أن يعقد قرانه الجمعة المقبلة". وحيث يبدأ الاقتحام بتسلل المستعربين لأي قرية بسيارات ذات لوحات فلسطينية تحاصر المنازل وتنصب فرق القناصة فوق البيوت لتأتي عشرات الدوريات الإسرائيلية المدججة بالسلاح وتغلق المنطقة من كل الجوانب وتحتل العمارات المرتفعة ثم يقتحم الجيشُ والمستعربون وكلابهم البوليسية البيوت ليعتدوا ويعتقلوا ويعيثوا في البيوت دمارًا وخرابًا ورعبًا لاتمّحي آثاره.

ليس كل ما سبق الا غيضٌ من فيض الانتهاكات الشرسة التي أصبحت طبيعة حياة الفلسطيني المثقل بالاحتلال والاستعمار وسرقة الأرض والهموم وقطع النفس. وفقدان الأمل لدى البعض، والذي حين يتم التعبير فيه عن هذا الألم الفظيع الذي لا يحتمل، يضجّ العالم مقترحًا تأديب الفلسطيني!

 

 

نداء الوطن