جون كينيدي ليسري الغول: قسوة اللحظة

ريم غنايم

مترجمة وشاعرة

 

أخيرًا، يقبض السّرد الفلسطيني على قسوة اللحظة الراهنة ويلاعبها، حيث تدخل الشخصيّات في موتها وتبدأ لحظة الكتابة الحقيقية.

 

بخفّة ورشاقة وعجالة، تصبح الفكاهة السوداء كتابةً لا بدّ منها، فهي الدال والمدلول وهي المعوّل عليه في قصص يسري الغول. وفي قلب هذه الفكاهة القاتمة يتحول الموت الى فلسفة نشاط والضّحك يعرف طريقه إلى حياة الفلسطيني ويزرعها في محيط حرّ، لا سلطة قامعة فيه، لا دكتاتور يتحكّم في منطوقه.

 

هنا تتم إعادة تعريف الضحية من خلال تبادل الأدوار، عبر الفضاء الديستوبيّ- الضاحك، المتنوّع والمتحرّك في كل الاتجاهات (نحو ذاته ونحو الآخرين ونحو اللاشيء في نفس الآن)، فالميّت ليس ضحيّة الموت، وقد تجاوزت الضحيّة مكانها، وتجاوزت واقعها، وارتفعت قليلا عن مأساتها لتتعافى من إهانة الواقع لها.

 

اختراع المكان، اختراع الضحية الضاحكة، واللعب في مساحات جديدة في الكتابة الهزليّة المجروحة التي تتناول كلّ شيء على عجالة، فلا وقت للملل، لا وقت للمدّ والجزر والكلام الممطوط. لا وقت إلا للدخول في الإغراب المضاعف للحظة الراهنة، ولا يتمّ ذلك إلا عبر تشويه الجميع والتنكيل بهم في مستوى الكتابة كشرط بقائيّ للجميع أيضًا. إنّه يحتاجهم جميعا في حلبة المصارعة، ليلعب معهم تحت عنوان "اللعبة" لكنه في الحقيقة يضخّ العنفَ والقسوة في اللعبة المرحة للتنوع الدلالي لهذه الشخصيات، ويعيد تعريف مفاهيم الجلاد والضحية والحيّ ولميّت والرئيس والمرؤوس، ولا تجد نفسك كقارئ إلا في هوامش الأمكنة المريضة والميتة والمرعبة- النابضة بالحياة والخيال.

 

نقرأ الافتتاحيات الرائعة للقصص ونشعر بالخوف، والألم والاختناق، لكنها تعيد للقصّة الفلسطينيّة عافيتها بجدارة، لتتضامن مع الواقع عبر إكمال قطعة البازل الناقصة: اللحظة الراهنة المتخيلة التي لا نراها تماما- نحن المنغرسين عميقًا فيها وفي تاريخها السابق، وتصبحُ أفقًا واسعًا لا عبارات ضيّقة فيه، ولا رؤية ضبابيّة تمنعه من التعبير عن نفسه عبر الكتابة.

 

هكذا يتحرّك الأدب الفلسطينيّ نحو حفرٍ عميق في ذاته وفي تقنيّة تأليف الأسئلة العميقة عن الواقع الشفاف.

 

يسري الغول، جون كينيدي يهذي أحيانا، مجموعة قصصية جديدة صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت.

 

 

نداء الوطن