د عبد الرحيم جاموس يكتب :ماذا يعني التحرر الذاتي للفلسطينيين ..!

ماذا يعني التحرر الذاتي للفلسطينيين ..!
بقلم د. عبدالرحيم جاموس
هنا بداية اتوقف عند كلمة تحرر التي تتصدر العنوان ، والتي تتداخل مع مصطلحين هامين هما : مصطلح الحرية، ومصطلح التحرير ، والبون او الفرق بينهما واسع وشاسع من حيث ، المنبت ، والمصدر ، والمضمون .
فمصطلح ومفوهوم الحرية ينتمي إلى إطار فكري مرجعي هو: إطار الفكر الفلسفي الليبرالي الفردي الحر، ويكتسب دلالاته فيه من كونه المفهوم المركزي ، الذي تتفرع منه مفاهيم الفكر الليبرالي الحر المختلفة ، الذي يستند الى الحرية الفردية.
أما مصطلح ومفهوم التحرر ، فقد تَكونَ داخل مرجعية فكرية مختلفة، (اجتماعية ، وطنية، قومية، طبقية، استعبادية، استعمارية ، سياسية ،قانونية).
لذا لا يمكن البحث عن أصول اي منها في الآخر او لدى الآخر ، لإختلاف منشأ ومنبت ومصدر كل منهما عن الآخر ، وكل منهما يقترن بإشكالية خاصة في السياسة والإجتماع والقانون .
الحرية حالة موضوعية في إطار دولة القانون والمؤسسات قبل أن يكتسبها المرء ، وتصبح حالة ذاتيه فردية ، على اساس المواطنه في وطن ودولة مستقلة .
أما مصطلح التحرر ومفهومه فهو: ( فعل او فعالية جماعية ، لجماعة او طبقة، او شعب ، او أمة) ، ذاتية واعية وايجابية، نافعة، وهادفة إلى الوصول إلى تلك الغاية ، والحالة التي يطلق عليها اسم الحرية.
فالتحرر فعالية نضالية جماعية تمارسها الجماعات ، وليست فعالية فردية منفصلة عن الجماعة ، ولا تكون حرية الفرد من أهدافها إلا بقدر ماتمثله ، كجزء من حرية مجموعة ، كطبقة او كشعب ، او كأمة، لذا نقول ان مجال الحرية الفردية، يكمن في احترام حقوق الإنسان السياسية داخل دولة مستقلة ، تحددها له علاقة المواطنة، بين الفرد المواطن ودولته .
أما عمليةالتحرر الذاتي فإنها تتولد من الوعي الجمعي بالحاجة إلى تحقيق وإنجاز الحرية للجماعة ، سواء كانت طبقة او شعب او أمة مضطهدة، او مستعبدة، او مستعمرة، أي خاضعة لإحتلال اجنبي كما هي الحالة القائمة في فلسطين .
لذا ينبغي التمييز بين المصطلحين لعدم تطابقهما،
فالتحرير يقع على موضوع (أرض، وطن، شعب، سيادة،تقرير مصير، واستقلال ناجز )، أما التحرر فهو الفعل الذي قد ينتهي إلى تحرير الوطن والشعب او الأمة او الجماعة، وقد يقع فعل التحرر دون أن يكون القائمين عليه ينعمون بالإستقلال التام ، تماما مثل الحالة النضالية المستمرة والمتواصلة للشعب الفلسطيني .
في سياق مقالتنا هذة نستذكر ماقاله كلاوس فيتز في الإستراتيجية ، أن هدف المتحاربون في اي حرب هو: فرض ارادة كل منهم على الآخر ، وهنا في حالة الصراع العربي الفلسطيني مع الكيان الصهيوني ، يسعى الكيان الصهيوني الى فرض ارادته ورؤيته على الشعب الفلسطيني ، وعلى العرب والعالم اجمع ، من خلال تشبثه بإحتلاله ورفضه الإنصياع إلى قواعد القانون الدولي ورفض الإلتزام بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ، لكن ارادة التحرر والنضال والكفاح ، المختلف الوسائل والأساليبب التي مارسها ، او ابتدعها الشعب الفلسطيني ، ودعم الأشقاء والأصدقاء لنضال الشعب الفلسطيني ، ولحقوقه غير القابلة للتصرف ، قد حال كل ذلك دون أن يتمكن الكيان الصهيوني من فرض رؤيته وارادته لا على الفلسطينيين ، ولا على المجتمع آلدولي الذي لازال يؤكد في قراراته المختلفة الصادرة عنه سنويا ، على الحقوق الثابته والمشروعة للشعب الفلسطيني في وطنه ، من حق العودة وتقرير المصير الى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة .
إن فعالية التحرر الذاتي للفلسطينيين ، تستوجب توحيد الوعي الجمعي بضرور الإستمرار في عملية التحرر والكفاح الطويل المدى ، من اجل إنجازها ونيل الحرية والإستقلال ، هذة الغاية وهذا الهدف الوطني السامي والنبيل والجامع ، يحتاج إلى روافع اجتماعية وسياسة وقانونية، على اساس وحدة الشعب الفلسطيني ، ووحدة قواه الإجتماعية والسياسية المختلفة ، التي تمثل أدوات التحرر الذاتي الوطني ، من وحدة برامجه النضالية ، واستقلال قراره الوطني، ورفض تبرير التبعية لأي كان من قوى ومحاور خارجية، دولانية او حزبية، لماتمثل من اختراقات خطيرة ، تضعف من وحدة الشعب الفلسطيني ، وتضعف ادواته النضالية والكفاحية ، سواء كانت سلمية سياسية أو قانونية وشعبية، او اي أدوات اخرى بما فيها المقاومة العسكرية او المسلحة ، وتفتح المجال واسعا أمام العدو والقوى المختلفة للعلب على تلك الاختلافات ، واستغلالها بما يضعف ويقلل من تأثير وتيرة الكفاح الوطني .
إن اعادة تشكيل الوعي الجمعي للشعب الفلسطيني حول الهدف الرئيس ، وحول الوسائل الكفاحية، شرط اساسي من شروط تحقيق وإنجاز عملية التحرر الوطني الذاتي للفلسطينيين ، فلا يمكن مواجهة و وقف الإستيطان ، وإزالة وإنهاء الإحتلال ، وتحقيق إنجاز حق العودة للفلسطينيين ، وممارسة حق تقرير المصير ، وفرض ارادة ورؤية الشعب الفلسطيني على الكيان الصهيوني ، لإنهاء الصراع في ظل ارتهان فعل التحرر المقاومة ، لهذة الجهة اوتلك، وفي ظل استمرار انقسام وانقلاب سياسي وجغرافي آخذ في التعمق والتكريس ، وفصل أجزاء الوطن بعضها عن بعض ، لا بد من تكريس وعي جمعي فلسطيني ، مضاد لحالة الشرذمة والإنقسام والإنفصال والفصل ، بين أجزاء الوطن الفلسطيني ، وبين مكونات الشعب الفلسطيني الإجتماعية والسياسية والجهوية ، خاصة وأن العدو الصهيوني يحظى بدعم كبير من دول كبرى ، ذات امكانيات ونفوذ كبير ، توفر له الدعم المادي والسياسي والقانوني والمعنوي ، كما يمتلك آلة عسكرية كبيرة ، يستخدمها بالبطش دون هوادة او روادع تردعه ضد الشعب الفلسطيني .
علينا كأكاديميين أن نبذل قصارى جهدنا ، أن نبذل جهدا كبيرا من أجل توحيد الوعي الجمعي الفلسطيني ، وتوحيد قواه الإجتماعية، والفصائلية ، والمدنية، والسياسية، والمقاوماتية ، والثقافية ، والقانونية ، و قواه الشعبية السلمية ، وقواه المسلحة ، والعمل على إنجاز وحدة القيادة والمؤسسة والبرامج ، في أسرع وقت ممكن ، حتى تؤتي عملية التحرر الذاتي مفاعيلها، و أكلها ونتائجها، المرغوبة في إنجاز عملية التحررالوطني ، والإستقلال ، وتحقيق حق العودة والمساواة ، وتقرير المصير، وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة السيدة ، التي سيتمتع فيها المواطن بحقوقه الإنسانية والسياسية الكاملة ، بما تفرضه له حقوق المواطنة ، بغض النظر عن اللون او الجنس او آلدين اوالمعتقد .
تنبع أهمية الوحدة الوطنية والاجتماعية ، والكفاحية للشعب الفلسطيني ، من طبيعة التناقض القائم مع الكيان الصهيوني، المتفرد بسياسات الإحتلال ، والإستيطان، والتوسع والإحلال ، والفصل العنصري ، هذة الطبيعة العدوانية لهذا العدو الصهيوني ، تحول دون التوصل إلى أي حلول وسط معه ، كماتحول دون هزيمته من الخارج ، مايؤكد على أهمية عملية التحرر الذاتي للفلسطينيين منه ، من الداخل الفلسطيني اولا، وانتزاع حقوقهم المشروعة منه ، وفرض ارادتهم ورؤيتهم السياسية والقانونية عليه ، فهزيمة الكيان الصهيوني ، لا يمكن أن تتم إلا من شروط وظروف الداخل الوطني والسكاني الفلسطيني ، وأما العوامل الخارجية فهي مهمة ، ولكنها لا تعدو أن تكون مجرد عوامل ضاغطه و مساعدة للعوامل الداخلية المختلفة ، ومنها عوامل الإنهاك والنضال والكفاح الفلسطيني الموحد بالوسائل والأساليب المختلفة .
اختم بالقول أن الحرية من غير تحرر وطني ومجتمعي، تبقى مشروع إنساني منقوص ، ولا تتحقق الأولى اي الحرية ، إلا بالثانية اي التحرير .
د. عبدالرحيم جاموس
الرياض في 19/3/2023 م
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

 

نداء الوطن