
وفاء حميد
يحتفل مغتصبوا الأرض واستوطنوا فوقها ، مايسمى "يوم الاستقلال " ، اجيال يهودية متعاقبة حلمت بإقامة دولة مستقلة ، إسرائيل التي تستند إلى أسطورة التحرر من الاستعمار البريطاني ، بينما يحيي فلسطيني /48/ في هذا اليوم ذكرى النكبة ، تحت شعار "يوم استقلالكم يوم نكبتنا " للتأكيد على سكان البلد الأصليين الذين هاجروا من أرضهم ،لان الحقيقية بصدد الاحتفال بيوم الاستعمار .
وهذا ليس إحياء لذكرى مضت، انما هو عمل يومي متواصل في الجليل والنقب والضفة والقدس، وأرجاء فلسطين التاريخية كافة
كذبة الاستقلال .
وفي عام /1948/ لم يكن تحررا من الاستعمار ، بل عملية سلب واستيلاء على وطن بأكمله. فقد عملت الحركة الصهيونية عام /1948/ على إقامة دولة يهودية على أرض عربية فلسطينية، وباستعمال القوّة العسكرية لتهجير سكان البلاد، وهو بلغة القانون الدولي المعاصر " تطهير عرقي". وفعلا قامت بتهجير حوالي /800/ ألف فلسطيني، من غالبية سكّان المناطق، التي استولت عليها إسرائيل، وجعلت منهم لاجئين بحرمانهم من العودة إلى ديارهم. فإن استعمال كلمة حرب الاستقلال هو كذبة كبيرة، لأن الانتقال من الانتداب البريطاني إلى الاستعمار الإسرائيلي كان تعميقا للكولونيالية وليس تحررا منها.
وتندرج الرواية الصهيونية أن استقلال اسرائيل صيرورة التحرّر الوطني، وممارسة الشعوب لحقّها في تقرير المصير. وهي تستند أساسا إلى مقولة أن اليهود مواطنين ليسوا مثل بقية المواطنين في دول العالم، وإمكانية أن يكونوا شعبا مثل بقية الشعوب لهم دولتهم الخاصة بهم. وهذه محاولة للتحايل على التاريخ والشرعية والقانون الدولي، إذ لا شرعية لتجسيد حق تقرير المصير لأي شعب على أراضي شعب آخر، ولا شرعية كذلك لاختراع حق تقرير المصير على أساس الدين أو الأساطير التاريخية، من دون تشكّل أمّة على أرض محدّدة.
فحين يصدّق العالم حكاية أن الذي حدث عام /1948/ كان "حرب استقلال" وحتى لو جرى الاعتراف بهذه السردية كرواية مشروعة، فإنّ هذا ينفي تلقائيا رواية الضحية الفلسطينية. وعليه لا يكفي أن يحكي الفلسطيني حكايته ليقف العالم معه، عليه وعلى كل طلّاب العدالة أن يقوّضوا رواية المجرم الصهيوني وينسفوها من أساسها. والمعركة هنا واضحة، فرواية المجرم بالضرورة محشوّة بالأكاذيب للتغطية على الجريمة، ورواية الضحية تهدف بشكل طبيعي إلى الكشف عن الحقيقة، لكنّها ليست واضحة من تلقاء ذاتها، ولن تكون كذلك إذا لم تجد من يوضّحها.
جاء الإعلان عمّا يسمّى استقلال إسرائيل، في وثيقة مؤسّسة، تلاها دافيد بن غوريون، قائد الحركة الصهيونية في 14 أيّار/ عام /1948/. وتعتبر "وثيقة الاستقلال" الوثيقة التأسيسية للدولة العبرية والمحدّدة لطابعها والمعبّرة عن هويّتها وتوجهاتها العامة. وهي تشمل تلخيصا للرواية الصهيونية المركزية حول حلم شعب إسرائيل بالعودة إلى "وطنه" وحول السعي للسلام والديمقراطية والمساواة بين المواطنين. وهي نص تبريري لإقامة الدولة استنادا إلى محاولة منح بعد قومي للمشاعر الدينية اليهودية، وإلى وعد بلفور الاستعماري وإلى الجزء المتعلّق بإقامة دولة يهودية في قرار التقسيم.
ومنذ /25/ عاما وعلى التوالي،يحيي فلسطيني /48/ ذكرى النكبة في اليوم ذاته الذي تحتفل فيه إسرائيل باستقلالها، وذلك رفض وتحد وكمحاولة لتعكير أجواء الاحتفال الإسرائيلي بالانتصار على الشعب الفلسطيني وتهجيره من أرضه. وتنظم "مسيرة العودة " ،لكنهم بقوا في الداخل وسكنوا بلدات فلسطينية في المثلث والجليل والنقب، وهم يشكّلون ما يقارب 20% من فلسطيني الداخل. ويشارك في "مسيرة العودة السنوية" الآلاف من الناس، غالبيتهم من الشباب، الذين يعبّرون عن تمسكهم بحق العودة الذي لا يسقط بالتقادم. وكثيرا ما يصطدم السائرون في مسيرات العودة بالإسرائيليين المحتفلين بعيد "الاستقلال" في مواقع محيطة بالقرى المهجّرة. لقد أصبح الشعار المركزي لمسيرات العودة هو "يوم استقلالهم هو يوم نكبتنا" وهو تذكير مدوّ بأن الصراع على الأرض ما زال قائما وأن الصراع بين أكاذيب الاستقلال الصهيونية وصرخات ضحايا الصهيونية، الذين أفشلوا احتلال الوعي بعد احتلال الأرض ، وستبقى فلسطين القضية الموقدة الحية في صدور الشعوب العربية والإسلامية ولن تنطفيء مع الزمن وتغير الأحداث ، فلسطين باقية ولن تنحني .