قال الشيخ الراحل محمد متولي الشعراوي، إمام الدعاة ووزير الأوقاف الأسبق، في بيان لماذا كان الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، إن الكعبة المشرفة كانت قد انطمرت كبيت من بيوت الله سبحانه وتعالى، ولم يعد لها هذا المظهر، وسميت بعد ذلك بيت العرب، وشحنت بالأصنام.
أما بيت المقدس فله قدسيته مع موسى وعيسى عليهما السلام، وأنبياء بني إسرائيل، لافتاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبعث لقومه فقط، أي: لم يخص العرب فقط كما يريدون هم أن يقولوا، بل قد جاء محمد صلى الله عليه وسلم عالمياً، فإسراؤه من مكة إلى بيت المقدس كأنه أدخل بيت المقدس في مقدسات دينه.
وأشار إلى أن هذه العملية توضح بأن دينه مهيمن على كل البقع، وكل مقدسات البقع، وكذلك أيضاً اتجهنا إليه أولاً، فلا يأتي واحد ويقول: أنتم لكم دينكم ونحن لنا ديننا، مشدداً أنه من الصحيح أن ديننا قد جاء في مكة، ولكنه مهيمن على سائر الكتب، ورسولنا صلى الله عليه وسلم مهيمن على مقدساتنا.. وهذه المقدسات كبيت المقدس داخلة أيضاً في مقدساتنا وأصبح بيت المقدس في مقدساتنا، لأنه صار منتهي مسرى النبي صلى الله عليه وسلم وبداية معراجه عليه الصلاة والسلام.
وحول دلالة صلاة النبي بالأنبياء إماماً، قال الشعراوي إن لها دليل ودلالة، أما الدليل فهي أن النبوة والرسالة قد انقطعت فلا نبوة بعد رسول الله ولا رسالة لقوله تعالى: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَٰكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ)، أما الدلالة فهي وحدة الأنبياء في دعوتهم، فالكل جاء بالتوحيد الخالص من عند الله ، الأنبياء إخوة ودينهم واحد:(وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ).
وفيما يتعلق بدلالة الزمن في حادثة الإسراء، قال الشعراوي إن حادثة الإسراء حادثة أرضية ومعنى أرضية: إنه كان هناك أناس في بيت المقدس، وأناس ذهبوا إلى بيت المقدس، وأناس رأوا بيت المقدس، وأناس يعرفون الطريق إلى بيت المقدس وهكذا بقيت المسألة هي الإعجاز في اختصار الزمن.
واستدرك: لكن من الممكن أن يقام الدليل المادي على صدقه في هذا، حين قالوا له:صف المسجد..؟فوصف المسجد، موضحاً أن طلبهم لوصف المسجد من رسول الله صلى الله عليه وسلم هو شهادة منهم بأنهم يعلمون جيداً بأنه صلى الله عليه وسلم لم يذهب إلى هناك في رحلاته، ولو كانت عندهم شبهة في أنه قد ذهب لما سألوه أي سؤال.
وتابع: فمعنى طلبهم وصف المسجد أنهم متأكدون من عدم ذهابه إليه قبل ذلك، فوصف لهم المسجد، والذين يسمعونه قوم رأوا المسجد، فقد وجدوا أن الوصف مطابق لما قال بعد ذلك يأتي أحدهم ليقول: ربما كان هناك إنسان حاذق قد وصف المسجد لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأشار إلى أن رسول الله نقل وصف المسجد عنه، ولكني أقول: لا.. وذلك لأن الأمر المادي أرتبط بتوقيت زمني يستحيل فيه أن يكون ذلك.. كيف؟ إن الطريق الذي يعود منه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة حدثت فيه أحداث، والأحداث رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحدث بها القوم.. ورأى جماعة ومعهم جمل وصفه كذا.. وتحدث لهم عن كذا وكذا.. وحين يقبلون عليكم اسألوهم عما حدث.. إذاً لقد وصف أشياء رآها في طريق العودة.. وبعد أيام يتربص القوم وينتظرون القوافل التي ستحضر، فيجدون كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وكما ذكرها في الطريق.. إذاً من الممكن أن يقام الدليل المادي الذي يقنع العقل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذهب إلى بيت المقدس وبذلك فقد أقام عليه الصلوات وأفضل التسليم.. أقام الدليل في المكان فوصفه، وفي الطريق فتكلم عن إمارات فيه لم توجد إلا في الوقت الذي مر فيه.. وما هذا إلا دليل على أنه صادق فيما قال.. وما دام صادقاً فيما قال.. فما هي إذاً مسألة الزمن هذه؟
أما دلالة الزمن في حادثة المعراج، فقال :إن الله سبحانه وتعالى قد خرق له قانون الزمن، فإذا اقتنعنا بأن الله سبحانه وتعالى قد خرق له القانون الزمني بالاستدلال عليه بالأدلة المادية التي نعرفها، ثم حدث بعد ذلك قائلاً: إنه خرق لي القانون.. فصعدت إلى السماء فيكون إيماناً بما كان تحت أيدينا من الحجج التي نعرفها يجعلها وسيلة أن نصدق ونقول:الذي خرق له قانون المسافة فيما نعلم.. قادر على أن يخرق له قانون العلو فيما لانعلم ".
وأكد أن الإسراء جاء كمقدمة فيها إيناس للعقل البشري وفيها تصديق لرسول صلى الله عليه وسلم في إخباره عن المعراج والله سبحانه وتعالى وقد خرق له قانون الزمان وقانون المسافات وهو الفاعل وهو سبحانه وتعالى بقوته وقدرته سرى بعبده من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثم عرج به إلى السماء، فالأمر كله منسوب إلى الله سبحانه وتعالى.