
بكل ألم وحسرة، يصادف اليوم الذكرى الـ77 للنكبة الفلسطينية، الجرح المفتوح في الذاكرة الوطنية الفلسطينية والعربية، الذي لم يلتئم بعد. ففي مثل هذا اليوم من عام 1948، بدأ التهجير القسري الأكبر في التاريخ الحديث، حيث اقتُلِع أكثر من 800 ألف فلسطيني من أرضهم، وتحوّلوا إلى لاجئين في أصقاع العالم، تاركين خلفهم بيوتهم وممتلكاتهم، وقراهم التي دُمِّرت بالكامل، ومساجدهم وكنائسهم التي امتلأت بالغبار والصمت، لتبدأ رحلة الشتات والمعاناة التي لا تزال مستمرة حتى اليوم.
النكبة ليست مجرد لحظة تاريخية انتهت، بل واقع يومي يتجدد بكل أشكاله؛ من مصادرة الأراضي، إلى الحصار، والقتل، والاعتقالات، والتطهير العرقي، والتمييز العنصري، وهدم البيوت، وحتى محاولة طمس الهوية الوطنية والثقافية الفلسطينية.
ففي 15 أيار من كل عام، يحيي الفلسطينيون هذه الذكرى بمرارة، وقد أصبحت رمزًا للصمود في وجه الظلم التاريخي الذي حل بهم نتيجة تواطؤ القوى الاستعمارية، وفي مقدمتها بريطانيا التي مهدت الطريق لقيام "دولة إسرائيل" على حساب الشعب الفلسطيني من خلال وعد بلفور، ومن ثم تسليمها الأرض لحركة صهيونية مدججة بالسلاح والدعم الغربي.
ورغم المحاولات العربية آنذاك لوقف العدوان، إلا أن موازين القوى لم تكن متكافئة، فاستُشهد آلاف الفلسطينيين، وارتُكبت مجازر مروعة بحق المدنيين، من دير ياسين إلى الطنطوره وكفر قاسم وسواها، لتبقى جراحها شاهدة على واحدة من أكبر المآسي الإنسانية في القرن العشرين.
نكبة مستمرة حتى اليوم
لم تكن نكبة الفلسطينيين لحظة واحدة، بل مسلسل طويل من المعاناة لا تزال فصوله مستمرة. ففي قطاع غزة، يواجه السكان تهجيراً متكرراً، وتحت القصف والحصار والجوع، اضطر أكثر من مليوني إنسان للنزوح خلال عام 2024 وحده، هاربين من الموت، تاركين منازلهم المدمرة وأحياءهم المحترقة، ليجدوا أنفسهم مرة أخرى في الخيام والمدارس، محاطين بالفقر والدمار والمأساة.
أما في الضفة الغربية، فقد استمر الاحتلال في سياساته التوسعية ومصادرة الأراضي بوتيرة متصاعدة. فخلال عام 2024 فقط، صادرت سلطات الاحتلال أكثر من 46 ألف دونم، عبر أوامر استملاك وتحويل أراضٍ إلى "أراضي دولة" أو "محميات طبيعية"، في محاولة واضحة لتكريس الضم وتفريغ الأرض من سكانها الأصليين.
هذا التهجير الصامت، الذي يتم عبر قوانين الاحتلال وجرافاته، يهدف إلى تقويض فرص إقامة دولة فلسطينية، وفرض وقائع جديدة على الأرض لصالح مشروع استيطاني لا يعترف بحق الفلسطينيين في وطنهم، ولا بحقهم في تقرير مصيرهم.
رمزية النكبة اليوم
رغم كل ذلك، تبقى ذكرى النكبة علامة فارقة في الوعي الفلسطيني، ليس فقط بوصفها لحظة خسارة، بل كرمز لصمود الشعب الفلسطيني، وتشبثه بحقه في العودة والحرية والاستقلال. فبعد 77 عاماً من التهجير، لا يزال الفلسطينيون يرفعون مفتاح العودة، ويزرعون أسماء قراهم على جدران الذاكرة، ويورثون أبناءهم حلم الوطن، ليبقى الحنين مشتعلاً، ولتبقى فلسطين حيّة في الوجدان.
وفي ظل الصمت الدولي، والانحياز الغربي للاحتلال، تبقى الذكرى الـ77 للنكبة نداءً مفتوحًا للضمير الإنساني، بأن الكارثة ما زالت مستمرة، وأن العدالة لم تتحقق، وأن شعبًا بأكمله لا يزال محرومًا من أبسط حقوقه في الحياة والكرامة والعودة.