بقلم / د. ناصر الصوير
باحث وكاتب ومحلل سياسي
--------------------------
تعتبر مدينة غزة من المدن الفلسطينية المهمة بحكم موقعها الجغرافي بين مصر وبلاد الشام، وبين قارتي آسيا وأفريقيا؛ فهي ركن فلسطين وخاصرتها الغربية، ونقطة الوصل الأخيرة بين بلاد الشام والبحر المتوسط، وهي البقعة الأكثر تقدماً غرباً نحو البحر في زاوية بين شبه جزيرة سيناء وصحراء النقب والبحر والداخل الفلسطيني.
كانت غزة ولا تزال بوابة فلسطين الجنوبية، شاءت لها الأقدار وشاء لها موقعها الجغرافي أن تعاني دائماً من الغزاة؛ وتعاني الويلات الكثيرة نتيجة غزواتهم وحروبهم وشهواتهم العدوانية، وهي مدينة عريقة جداً في القدم ، وأهم المدن الفلسطينية في الأيام الغابرة،حافلة بالحوادث المهمة ؛ تعاقب عليها بعض ملوك مصر وسوريا ؛ ازدهرت بالعلم حتى أمّ مدارسها الطلبة من مصر وبلاد اليونان. وجاء أن مدينة غزة "قديمة قدم التاريخ" ولدت معه وعاصرته طويلاً فكانت واحدة من أقدم مدن العالم،جاءت وليدة قرون طويلة ، وعصور متلاحقة ، تركت جميعها بصماتها فيها ، وتركت هي أيضاً بصماتها على مدى السنين ، وتوالي الأيام ؛ فتاريخ غزة تاريخ خالد، حفظته ووعته الأجيال المتلاحقة، ووعت ما واجهته المدينة العظيمة من غزوات وهجمات، وكانت تتصدى لها وتصمد في وجهها وتترك حكايات عنها،للزمان والأيام، وغزة ذات تاريخ مجيد فقد صمدت لنوائب الزمان الكثيرة ونازلت الفاتحين.
تسميتهــا :-
غزة بفتح أول الكلمة وتشديد ثانيها وفتحه ، وبعده تاء التأنيث ، وهو اسم تحمله أيضاً بقعة أخرى في فلسطين تعرف باسم "خربة غزة" في قضاء بئر السبع، واسم غزة يطلق أيضاً على بلد في "البقاع الغربي" في لبنان ، وفي ظاهر(الدوحة) في قطر حي يعرف باسم(غزة) ، وذكرت أيضاً بأنها موضع بديار جذام ، و (غزة) بلد بأفريقية بين القيروان والجزائر.
ذكر ياقوت الحموي في(معجم البلدان) تفسيراً لكلمة غزة ، تقول العرب : قد غز فلان بفلان، واغتز به إذا اختصه من بين أصحابه ومعنى ذلك أن الذين بنوا غزة قد اختصوا هذا الموقع لبنائها من بين المواقع الأخرى الواقعة على شاطئ البحر المتوسط. أما سبب تسميتها بهذا الاسم لم يعرف على وجه التحديد لم سميت(غزة) بهذا الاسم ؛ وقد تباينت أراء المؤرخين واختلفت تفسيراتهم –كعادتهم بالنسبة لكثير من المدن القديمة- في سبب تسميتها بغزة ، فهناك من يقول أنها مشتقة من المنعة والقوة، وهناك من يقول أن معناها(الثروة)، وآخرون يرون بأنها تعني (المميزة) أو (المختصة) عن غيرها؛ وقيل بمعنى مخازن، وكنوز، وقد تبدل اسمها بتبدل الأمم والحضارات التي صارعتها أو سكنتها فهي عند العبرانيين(عزة) ، وعند الكنعانيين(هزاتي) ، وعند الفراعنة (غزاتو). أما الآشوريون واليونانيون فكانوا يطلقون عليها(عزاتي) ،والصليبيون أسموها (غادرز) ، والأتراك لم يغيروا من اسمها العربي(غزة)، أما الإنجليز فيطلقون عليها اسم(جازا) Gaza.
ونظراً لازدهار موانئها بتجارة البخور والقوافل والعطور أطلق عليها سيدة البخور ؛ وأطلق عليها غزة هاشم نسبة إلى هاشم بن عبد مناف جد الرسول محمد r الذي توفي ودفن فيها وهو هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة ، وهو الجد الثاني لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولد بمكة ، وكان سيد قومه وسمي هاشماً لأنه كان يهشم الثريد لإطعام الحجاج عند زيارتهم للكعبة ، وذُكر أنه أول من سن الرحلتين لقريش للتجارة : رحلة الشتاء إلى اليمن والحبشة ، ورحلة الصيف إلى غزة والشام التي جاء ذكرها في القرآن الكريم "رحلة الشتاء والصيف" ؛ عندما كانت مدينة غزة سوقاً لتجار الجزيرة العربية قبل الإسلام ، وفد "هاشم" إلى غزة في تجارة له ، فمرض ومات ودفن فيها نحو عام 524م كما ذكر أكثر المؤرخين ، وقيل أنه مات وهو راجع بتجارته إلى الحجاز، وأقيم عليه مسجداً لا يزال عامراً حتى اليوم هو جامع السيد هاشم.
موقعهـــا :-
تقع مدينة غزة على دائرة عرض 30- 31° شمالا وعلى خط طول 28- 34° شرقا، وقد اكتسب موقع غزة الجغرافي أهمية كبيرة منذ القدم فقد كانت واقعة على أبرز الطرق التجارية في العالم القديم تلك التي تبدأ من عدن في حضرموت واليمن، ولموقع غزة أيضا أهمية عسكرية وكانت حلقة اتصال بين مصر والشام، وقد زاد موقعها أهمية في العصر الحديث بعد أن بنى الانجليز خط السكة الحديد الذي يربط القنطرة مع حيفا لأغراضهم العسكرية ؛ وتقع غزة على حافة الأراضي الخصبة العذبة المياه والتي تأتي مباشرة بعد برية سيناء، فهي المحطة الطبيعية لكل القادمين من مصر ووجهتهم الشام ، كما وأنها المحطة الأخيرة لكل قادم من الشام ووجهته مصر، فهي ملتقى القوافل التجارية وغيرها قبل دخول البادية ، فيها يستكملون ما يلزمهم قبل المرور بالصحراء القاحلة التي ستعترضهم في طريقهم إلى مصر؛ وقد جاء موقعها عند التقاء إقليمين جغرافيين متباينين،إقليم البحر المتوسط بمناخه المعتدل وأراضيه الخصبة ومياهه العذبة،والإقليم الصحراوي الجاف ؛ ومدينة غزة حالياً هي عبارة عن شريط ساحلي ضيق طوله 40 كم وعرضه يتراوح بين 5-8 كم.
لقد بنيت غزة القديمة على تل يرتفع "45" متراً فوق سطح البحر ، ولما نمت المدينة امتد العمران إلى الشمال والشرق والجنوب. والموضع القديم يشغله جزء من حي الدرج وجزء من حي الزيتون ، وتتميز هذه الأماكن بانبساط أرضها التي ترتفع قرابة "30" متراً فوق مستوى سطح البحر ؛ وفي جنوبي شرق المدينة،يقع تل المنطار "أعلى منطقة في غزة" حيث يرتفع "83" متراً فوق سطح البحر ، وعليه بعض المساكن والآثار والقبور ؛ ومنذ ثلاثينات القرن العشرين أخذت غزة تمتد نحو الغرب حتى وصلت إلى البحر، فيما يسمى "غزة الجديدة" أو "حي الرمال" ؛ ولا زالت غزة تحمل في حشاياها صور التاريخ القديم لهذه المدينة ، بما لا تزال تحويه من بقايا الآثار ، أو لمسات الدمار التي خلفتها الحروب المتلاحقة ، وفي غزة القديمة خمسة أحياء هي: الدرج ، الزيتون ، التفاح ، الشجاعية بقسميها "الجديدة" و "التركمان". أما غزة الجديدة فهي المقامة على الرمال الممتدة من تل السكن حدود المدينة القديمة إلى البحر ، والى منطقة الشيخ عجلين فيما بعد ، وهي مبنية بطرق معمارية حديثة.
أهمية غزة الجغرافية :-
وتنبع أهمية موقع غزة من وقوعها في نهاية طريق القوافل العربية الآتية من الجنوب الذي كان له كبير الأثر في تراثها ورخائها، وتتمتع غزة بموقع جغرافي استراتيجي مميز على أهم الطرق التجارية في العالم القديم شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً ، فلقد كانت طرق التجارة القادمة من الهند ، عبر البحر ، إلى حضرموت واليمن ، والتي تتجه شمالاً إلى مكة والمدينة والبتراء ، ثم إلى غزة ، والطريق الأخرى كانت تتجه شمالاً إلى دمشق وتدمر... ومن غزة كانت تمر طرق تجارة بلاد شبه جزيرة العرب ، بين مكة وبلاد الشام؛ وشغلت غزة مركزاً اقتصادياً واستراتيجياً هاماً في جنوب فلسطين والشام جميعاً ، وزاد في أهميتها تلك ، أنها وقفت منفردة في ذلك الموقع ، قبل أن تصل إلى بئر السبع شرقاً ، أو القدس شمال شرق، أو يافا شمالاً ، وكان يحيط بها دائماً قبائل من العرب البدو ، والحضر ؛ وكان لمدينة غزة على البحر المتوسط ميناءان هما: ميوما "ميماس" وتيدة "البلاخية" ، واعتبرت من أعظم مدن الفلسطينيين الخمس.
ولموقع غزة أيضاً أهمية عسكرية كبيرة فقد كانت حلقة الاتصال بين مصر والشام ، يتطلع إلى فتحها ملوك أول ما يتطلعون إلى غزو سورية،ويحشد فيها غزاة مصر من الشمال ، كالآشوريين والبابليين قواهم قبل الزحف ، فقد كان الاستيلاء على غزة يعني السيطرة على طرق الحرب والتجارة بين آسيا وأفريقيا. وزاد موقع غزة أهمية بعد أن بنى الانتداب البريطاني في فلسطين خط للسكة الحديدة يربط بين القنطرة المصرية على السويس بحيفا الفلسطينية على البحر المتوسط وذلك تحقيقاً لأغراضهم العسكرية أثناء الحرب العالمية الأولى ، وغدا لهذا الخط فيما بعد أهمية اقتصادية كبرى، وإنه لمن أسباب فخر غزة بل وفلسطين برمتها أن يكون الإمام الشافعي ابناً من أبنائها. والإمام الشافعي هو: عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان شافع القدسي ، يجتمع نسبه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عبد مناف، ولد في مدينة غزة عام 150هـ/767م ، حيث كان أبوه قد نزلها واستقر بها توفى رحمه الله عام 204هـ /820م ودفن في الديار المصرية، قد نظم الإمام الشافعي شعراً يعبر فيه عن شوقه لمسقط رأسه وأرض مولده غزة جاء فيه:
واني لمشتـاق إلى أرض غــزة *** وان خانني بعد التفرق كتماني
سقى الله أرضاً لو ظفرت بتربتهـا *** كحلت به شدة الشوق أجفاني
نبذة تاريخية :-
يرى بعض المؤرخين أن العرب الكنعانيين أنشأوا غزة في الألف الثالثة قبل الميلاد ، ويرى البعض أنها تعود في نشأتها للعرب المعينين "Minaeons" الذين كانوا يقطنون جنوب الجزيرة العربية في القرن الثامن عشر قبل الميلاد، وأنهم وضعوا حجر أساسها ، أو على الأقل ساعدوا في نموها وازدهارها. ويذكر المؤرخون أن بناة غزة الأقدمون وأول من استوطنها هم المعينيون ، والسبائيون ، والعويون ،والكفتاريون ، والعناقيون ، والمديانيون ، والأدميون ، والعموريون، إلا أن الكنعانيين هم أول من سكنوها وحافظوا على وجودها ، وتركوا بصماتهم على تاريخها الطويل، وسجل التاريخ بأن الكنعانيين هو العرب الأوائل الذين يرجعون بأنسابهم إلى العمالقة، ونسبة إلى الكنعانيين سميت البلاد بأرض كنعان. ولقد كان لغزة شأن كبير مع المصريين القدماء والفراعنة ، حيث عبر الكثير من ملوك مصر الفراعنة ، إما لفتحها أو للانطلاق منها لفتح الشام ، واتخذها تحتمس قاعدة لهجومه، فقد كانت غزة الموقع المتقدم للدفاع عن العمق المصري في شمالها الشرقي؛ ففي أيام الحرب جعلها المصريون قاعدة للجيش المصري، وفي أوقات السلم جعلوا منها المقر الرئيسي لممثل فرعون في بلاد الشام .
وفتح الفلسطينيون غزة منذ أقدم الأزمنة ، وكانت من المدن الفلسطينية الخمس المشهورة وهي:غزة،وعسقلان،واسدود ، وعاقر ، وجت "غات"؛ وحارب الفلسطينيون الغزاة الإسرائيليون ، وحالوا دون سيطرتهم على المدن الفلسطينية .
توجه الاسكندر الأكبر نحو غزة لاحتلالها ، فواجهته بالتصدي ، وكاد يلقي حتفه فيها مما جعله يحاصرها حصاراً شديداً ، فظل يهاجمها حتى فتحها عام 332 ق.م. بعد جهد جهيد ، وارتكب الفظائع ثأراً من أهلها، وأعمل فيهم القتل. بعد وفاة الاسكندر نشبت حروب طاحنة بين خلفائه وبطليموس صاحب مصر انتهى باستقرار البطالسة في غزة وفلسطين؛ وقد ظلت غزة تنتقل من جهة إلى أخرى في حروب مستمرة ، فقد عاود المصريون مهاجمتها واستردادها والاستيلاء عليها ، إلا أنهم اندحروا عنها ثانيةً عام "198ق.م" فآلت السيادة فيها للدولة السلوقية في سوريا.
وفي عهد اليونانيين ظلت غزة مدينة مستقلة يحيط بها سور ، وأصبحت تسمى(غزة المقدسة) ، و(غزة المضيئة)، و(غزة العظيمة).
عقب ذلك حكمت غزة من قبل الرومان الذين احتلوها بقيادة "اسكندر جانيوس" عام 103 ق.م بعد صمود كبير ومقاومة شديدة مما حدا بجانيوس إلى الثأر منها فدمرها وخربها، وكانت غزة تدار مباشرة من إمبراطور الرومان عن طريق مندوب سامي ، ولقد سميت غزة في عهد الرومان بالمدينة الشريفة، والمدينة العتية، وقد أقام الرومان مصانع لسك النقود في غزة.
ابتدأت المسيحية بالانتشار فكان معتنقوها يضطهدون اضطهاداً عظيماً في فلسطين وغيرها من الأقطار،والمعروف أن أول غزي استشهد في سبيل عقيدته المسيحية هو الأسقف "سيلفانوس – silvanus " المتوفي عام 285م مع تسعة وثلاثين شهيداً ، وذلك في عهد الإمبراطور "ديوكلتيان" (284-305م) ؛ وبلغت غزة ذروة مجدها العلمي في نهاية القرن الخامس، وتقدمت في الكثير من الصناعات وبخاصة الفخار ، واكتسب النبيذ الغزي شهرة واسعة.
وجميع الدلائل والشواهد التاريخية التي مرت بها المدينة منذ آلاف السنين تشير إلى أن غزة على صلة وثيقة للغاية بالعرب، وأنها ظلت وعبر قرون طويلة متلاحقة على اتصال بالعرب في شبه الجزيرة العربية، وقد سكنها بطون عربية من بني جزم، كما سكنها المعينيون، وبنو سبأ، وهم عرب أقحاح من قلب الجزيرة العربية، وكانت قوافلهم تسير بين الشام واليمن في رحلتي الشتاء والصيف، مما يؤكد أنها مدينة عربية منذ أقدم الأزمنة.
فتحت غزة عام 634م من قبل العرب المسلمين على يد القائد أبي أمامة الباهلي بعد معركة الدميثة-داثن، وكان ذلك على يد "عمرو بن العاص" في خلافة أبي بكر رضي الله عنه وبهذا الفتح كانت غزة أول بلد دخله العرب في فتوحهم لفلسطين.
سقطت غزة بأيدي الصليبيين في رجب عام 502هـ/1101م، حيث عاثوا فيها فساداً وتدميراً وقتلوا العديد من أبنائها دون تفريق بين المسلم والمسيحي.
لكن غربة غزة عن سربها العربي الإسلامي لم تطل، فما لبثت أن عادت بعد معركة حطين الشهيرة عام 1187 بقيادة البطل المسلم صلاح الدين الأيوبي.
مما هو جدير بالذكر أن الأمير "شجاع الدين عثمان بن علكان الكردي" استشهد في غزة 637هـ في إحدى المناوشات التي كانت تحدث بين الصليبيين والمسلمين ، ولعل تسمية حي "الشجاعية" في غزة بهذا الاسم يعود إلى استشهاد هذا المجاهد فيها.
استولى المغول على غزة عام 1260م ، فأرسل قطز جيشاً عظيماً في أواخر عام 1260 بقيادة الأمير ركن الدين بيبرس "الملك الظاهر فيما بعد" قاصداً غزة ، والتقى مع أعدائه وبعد معركة حامية انتصر المسلمون على أعدائهم واستردوا غزة وأخذوا بمطاردة المغول إلى أن ظفروا بهم في معركة فاصلة في "عين جالوت" بالقرب من بيسان في سبتمبر من عام 1260م.
لعبت مدينة غزة دورها الاستراتيجي والتجاري والثقافي الهام في الفترة المملوكية من القرن الثاني عشر وحتى القرن السادس عشر الميلادي حيث دارت فيها معركة غزة الثانية عام 1244م/642هـ والتي هزم فيها الصليبيون إلى غير رجعة.
وكانت البلاد في عهد المماليك مقسمة إلى ثماني ممالك هي :المملكة الشامية ، والمملكة الكركية، والمملكة الطرابلسية، والمملكة الحماوية، والمملكة السكندرية،والمملكة الصفدية، والمملكة الغزية؛ وهو ما يؤكد على الدور الريادي والازدهار الذي شهدته غزة في هذا العهد .
مع انهيار قوة المماليك خضعت المنطقة بأسرها لقوة جديدة منحدرة من أصول تركية في آسيا الصغرى ،هي الإمبراطورية العثمانية ، فخضعت غزة كغيرها من المدن العربية في أعقاب هزيمة المماليك أمام السلطان سليم الأول في معركة مرج دابق عام 1516م فسقطت المدينة في أيدي العثمانيين على يد "اسكندر باشا" و "داود باشا" بعد أن أحرقت بعض بيوتها،وفر نائبها "دولاتباي" الذي كان آخر حاكم من حكام المماليك في هذه المدينة وأصله من مماليك السلطان الغوري ، وظلت غزة تحت الحكم العثماني من 1517-1917م أي أربعة قرون بالتمام والكمال.
وقُدِر لغزة أن تلعب دوراً مميزاً خلال العهد العثماني ، حيث كانت في معظم الأوقات سنجقاً أو لواءً في بلاد الشام ، وإن ألحقت لفترة قصيرة بولاية صيدا ، ثم بمتصرفية وولاية القدس.
بعد أن نجحت الحملة الفرنسية على مصر 1798م ، توجهت أنظار نابليون إلى فلسطين ، حيث توجه في العام 1799م نحوها، وبعد أن اجتاز الصحراء، هاجم غزة التي كانت أهم مركز حربي واقتصادي فيها، وقد قال نابليون عن غزة ، مدركاً أهميتها(أنها المخفر الأمامي لأفريقيا ، وباب آسيا). وفي 24/2/1799م استولى الفرنسيون على غزة ولكن نابليون اضطر للانسحاب من كافة المدن الشامية بسبب ما لقيه خلال حملته من المتاعب والمقاومة والمعاناة من الأمراض. وفي أكتوبر 1831م أرسل محمد علي باشا والي مصر حملة عسكرية إلى فلسطين بقيادة ولده إبراهيم ، فاحتل غزة من غير حرب ، ولكن بسبب ما لاقاه من متاعب اضطر للانسحاب في 19/2/1841م.
استمر الحكم العثماني لمدينة غزة ولسواها من المدن الفلسطينية حتى اندلعت الحرب العالمية الأولى، وكان لغزة نصيب فيها حيث وقعت معركتان لم يستطع خلالهما الجيش البريطاني من الاستيلاء على المدينة. المعركة الأولى جرت في 26-27 /3/1917م ، انسحب البريطانيون على أثرها إلى خط دير البلح-خانيونس؛ فيما جرت المعركة الثانية من 17-20/4 من العام نفسه، ودارت رحاها في أزقة غزة واشتركت فيها البحرية البريطانية بمدافعها من البحر، ولم يتمكن الجيش البريطاني من احتلال المدينة، وبعد أن أعادت القوات البريطانية تنظيم نفسها شنت هجوماً ثالثاً استمر ستة أيام، وقد استطاعت القوات البريطانية بقيادة الجنرال اللورد اللنبي من الاستيلاء عليها 7/10/1917م؛ وعندما حضر هذا الجنرال لتدشين المقبرة التي دشنها الإنجليز لدفن موتاهم قال: " لقد كانت غزة منذ فجر التاريخ حتى يومنا هذا بوابة الفاتحين" ؛ ومنذ ذلك التاريخ رزحت غزة وفلسطين بأكملها تحت نير الاحتلال والانتداب البريطاني حتى 15/5/1948م وهو تاريخ انتهاء الانتداب وخروج بريطانيا من فلسطين. ثم آل حكم غزة للإدارة المصرية بعد نكبة فلسطين عام 1948م، واستمر الحكم المصري لغزة حتى سنة 1967م ، حيث احتلت إسرائيل ما تبقى من فلسطين واستمر احتلالها حتى أقيمت السلطة الفلسطينية بموجب اتفاق أوسلو 1993م.