أصدرت مؤسسة الخير- مكتب الشرق الأوسط تقريرها حول الواقع الإنساني في لبنان : " لبنان.. أزمات متلاحقة و واقع إنساني مُعقد"
وتناول التقرير الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمر بها لبنان بالتزامن مع حلول شهر رمضان هذا العام، حيث يعاني من تدهور اقتصادي هو الأسوأ في تاريخ البلاد، فقدت فيه الليرة اللبنانية أكثر من 80% من قيمتها أمام الدولار ما بين عامي 2019 و2021" بحسب ما أعلنته لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا "الإسكوا".
ويظهر التقرير تراكم الأزمات الاقتصادية و المالية والاجتماعية على لبنان منذ ثلاث سنوات، وسط عجز السلطات اللبنانية عن إيجاد حلول لها، ليطال الفقر أكثر من 74% من سكان البلاد، ومؤخراً تسببت الأحداث الروسية الأوكرانية بارتفاع إضافي للأسعار لم يكن بالحسبان.
و تضطر أكثر من 60% من الأسر في لبنان لشراء الطعام من خلال الاقتراض والاستدانة، في الوقت الذي يحتفل المسلمون به بحلول الشهر الفضيل، وقد قفزت أسعار السلع الأساسية منذ بدء الأزمة الاقتصادية ما بين 20 و25 ضعفاً، ومع بدء الغزو الروسي لأوكرانيا تأثرت المواد الغذائية الرئيسية كالقمح والحبوب والزيت، فارتفعت أسعارها بشكل كبير جداً، مع التلويح بفقدانها من الأسواق.
وبحسب وصف البنك الدولي لأزمة لبنان بأنها "الأكثر حدة وقساوة في العالم"، مصنفاً إياها ضمن أصعب ثلاث أزمات سجلت في التاريخ منذ أواسط القرن التاسع عشر، حيث تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية لمستويات غير مسبوقة، في وقت يعجز فيه اللبنانيون عن سحب أموالهم من المصارف بسبب قيود ناتجة عن شح السيولة.
وفي ذات الساق أعلن البنك الدولي أن نسبة البطالة بين الشباب في لبنان وصلت إلى 34%، فمن بين كل ثلاثة شباب هناك شاب عاطل عن العمل.
ويشير تقرير مؤسسة الخير إلى أن أكثر من مليون ونصف لبناني يعيشون تحت خط الفقر في ظروف قاسية جداً بحسب ما قاله وزير الشؤون الاجتماعية اللبناني، فبعد مرور العام الثاني على انفجار مرفأ بيروت بات سكان لبنان بحاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية، فقد دفعت الأوضاع بأكثر من نصفهم إلى الفقر المدقع، وأصبح الكثيرون لا يتحملون تكاليف الطعام والدواء.
ويعيش أكثر من 28% من الأسر اللبنانية بـ 4$ يومياً فقط، بحسب ما أعلنه وزير الشؤون الاجتماعية اللبناني، فهناك 300.000 من كل 500.000 أسرة مصنفين ضمن الأسر الأشد فقراً.
ومن جانبٍ آخر أكد التقرير على ارتفاع أسعار الأدوية بشكل كبير، مما ترك العديد من العائلات غير قادرة على تحمل تكاليف الرعاية الصحية المناسبة لها و لأطفالها، في وقت تواجه البلاد نقصًا حادًا في الأدوية الأساسية، حيث ارتفعت الأسعار أكثر بعد أن بدأت الحكومة، في 16 تشرين الثاني/نوفمبر2021، برفع الدعم تدريجيًا عن أنواع معينة من الأدوية، بما في ذلك أدوية أمراض القلب وارتفاع الكوليسترول وضغط الدم.
ووفق التقرير الذي نشرته مؤسسة الخير، يعتبر الأطفال من أكثر الفئات التي تتأثر بالأوضاع الاقتصادية الصعبة في لبنان، ومع عدم وجود أي مؤشر على حدوث تحسن في الأزمة اللبنانية، وتشير اليونيسف إلى أن التأثير على الأطفال يزداد سوءً بشكلٍ تدريجي.
و وفق تقرير لـ"اليونيسف" أصدرته في شهر يوليو الماضي، تبين أن أكثر من 30% من أطفال لبنان ينامون ببطون خاوية، لعدم حصولهم على عدد كاف من وجبات الطعام، في حين لا تملك 77% من الأسر ما يكفي من غذاء، أو مال لشراء الغذاء، الأمر الذي يشكل تأثيرا خطيرًا على صحة الأطفال، الذين لم يتلق ما يقرب من 34% منهم الرعاية الصحية التي يحتاجونها، مما يتطلب الوضع الاجتماعي والصحي للأطفال تنفيذ تدخل عاجل في تدابير الحماية الاجتماعية، وضمان الوصول إلى التعليم الجيد وتعزيز الرعاية الصحية الأولية وخدمات حماية الطفل.
وتطرق تقرير مؤسسة الخير إلى أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان الذين يكافحون من أجل البقاء على قيد الحياة، ففي الوقت الذي تؤثر به الأزمة الحالية على الجميع في لبنان، فإن معاناة لاجئي فلسطين أكبر بكثير بالنظر إلى وضعهم الصعب أصلاً، فقد ازدادت احتياجاتهم بشكل كبير مع وصول معدلات الفقر إلى 87٪ بعد قدوم لاجئي فلسطين من سوريا بحسب تقارير منظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا".
ويوجد في لبنان 12 مخيما للاجئين الفلسطينيين، يعيش فيها ما يقرب من 200 ألف نسمة، تحت رعاية الأمم المتحدة في مناطق متفرقة من البلاد، الأمر الذي يبرر الحاجة إلى برنامج مساعدة معزَز ومستدام لضمان حياة كريمة لهم.
ووفق التقرير فإن الفقر ينتشر بين العائلات الفلسطينية في مخيمات اللاجئين في لبنان بنسبة 73٪، أي ما يقرب من ثلاثة أرباع اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون تحت خط الفقر، وقد دفع ذلك الأطفال إلى البحث عن فرص عمل للحصول على دخل لإعالة أسرهم لتأمين لقمة العيش.
وبحسب تقارير صادرة عن وكالة الأونروا، تُشير إلى أنّ عدد الأطفال الفلسطينيين اللاجئين في لبنان يزيد عن 60 ألف طفل يمثلون أكثر من 30٪ من اللاجئين الفلسطينيين، ومعظمهم غير قادرين على الالتحاق بالمدارس اللبنانية.
وفي ذات السياق قالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) ، أن العديد من اللاجئين أنفسهم مضطرين لاتباع آليات سلبية من أجل التكيف نظراً للاحتياجات المتزايدة، مثل تخفيض عدد الوجبات، و إخراج أطفالهم من المدارس، وعمالة الأطفال، والمديونية، كما تعرض العديد من اللاجئين للطرد من منازلهم بسبب عدم قدرتهم على دفع الإيجار.
ويؤكد تقرير مؤسسة الخير على أن أوضاع اللبنانيين واللاجئين الفلسطينيين والسوريين تحتاج على حدٍ سواء، لتدخلات إنسانية عاجلة، لتمكين الأسر الأشد احتياجاً من توفير احتياجاتها الأساسية خلال شهر رمضان المبارك، وتوفير فرص لتمكين بعض الأسر الأخر وفتح باب أمل جديد لكل من فقدوه.