تسفي برئيل:
كما هو معروف، إسرائيل لا تجري مفاوضات مع "المنظمات الإرهابية"، ولكن ثمة نجمة صغيرة. إذا كان يجب وقف إطلاق الصواريخ والبالونات الحارقة أو إنهاء عملية عسكرية مع صورة “انتصار”، وإذا أردنا تسلم جثث الجنود الإسرائيليين والأسرى، حينئذ يُسمح بإجراء المفاوضات. ليس مفاوضات مباشرة، لا سمح الله، التي يجلس فيها ضباط من الجيش الإسرائيلي وجهاً لوجه أمام زعماء المنظمة، بل عبر وسطاء. قواعد اللعب التي نشأت بين إسرائيل وحماس صاغت إطار شرعية المفاوضات. وهي قواعد تطورت مع الوقت، وأصبحت مرنة وتعرجت إلى درجة أنه أصبح من غير الواضح لمَ لمْ يتم حتى الآن تركيب خط هاتف مباشر بين مكتب إسماعيل هنية أو يحيى السنوار من جهة، ومكتب رئيس الحكومة ووزير الدفاع ورئيس الأركان من جهة أخرى.
ذات مرة وضعت إسرائيل شرطاً صارماً، وهو الرد على الهدوء بالهدوء، ولكن لم يكن هناك هدوء، وجرى الرد على كل حدث برد أوتوماتيكي: سلاح الجو خرج للقصف، مرة من أجل تدمير “مصدر إطلاق النار” ومرة لتصفية “شخصية كبيرة” أو لمجرد “إرسال رسالة”، وأحياناً عملية واسعة النطاق تستمر أياماً. هكذا عمل ميزان الردع على قاعدة الافتراض التي تقول إن حماس والجهاد الإسلامي والمنظمات الفلسطينية الأخرى ستعرف ما ينتظرها، وهي بحاجة بين فترة وأخرى إلى التذكير للحفاظ على الرهبة.
قبل الأعياد، تطورت سلالة جديدة من المفاوضات يمكن تسميتها “مفاوضات وقائية”. هدفها كما يبدو هو تقديم علاج استباقي للضربة، والتحذير من الضربة الشديدة التي ستتلقاها غزة إذا بدأت الصواريخ تنطلق منها نحو القدس. للوهلة الأولى، حسب نظرية الردع، هذه مفاوضات زائدة؛ لأنهم في غزة يتذكرون جيداً النتائج المدمرة لعملية “حارس الأسوار”، وكان يمكن أن يتأثر سكان القطاع من أقوال نتنياهو الحادة، الذي كان رئيس الحكومة في زمن العملية: “لقد غيرنا المعادلة، ليس لأيام العملية فقط، بل ولما بعدها. إذا اعتقدت حماس أننا سنتحمل إطلاق الصواريخ فهي مخطئة. سنرد بقوة مختلفة على كل مظهر من مظاهر العدوان تجاه بلدات غلاف غزة وكل مكان آخر في إسرائيل. ما كان ليس هو ما سيكون”.
تبنى نفتالي بينيت هذا الشعار، ولكنه عدله قليلاً. يبدو أنه قرر أن ما كان لا يجب أن يكون. في آذار الماضي كان معروفاً حينها متى يأتي عيد الفصح ومتى يأتي شهر رمضان. لقد التقى مع عبد الفتاح السيسي وحاكم الإمارات محمد بن زايد، وأطلعهما على الحاجة إلى ضبط حماس. تحملت مصر مسؤولية إجراء المفاوضات مع حماس. وحسب وسائل إعلام عربية، هي وضعت أمام حماس الخيارات الموجودة. “حكومة بينيت تقف على مفترق الطرق الأضعف في تاريخها. أمامكم خياران، إما تصعيد الوضع وجعل هذه الحكومة تهاجم بكل قوة للصمود أمام انتقادات اليمين والبقاء على قيد الحياة السياسية، أو التهدئة وإحراز إنجازات في مجال الاقتصاد والدبلوماسية”، هكذا أوضح رؤساء المخابرات المصرية لرؤساء حماس.
ولإظهار جديتهم، حذر المصريون من أن إعادة إعمار غزة ستتضرر إذا لم يكن هناك هدوء، وسيتم وقف إدخال مواد البناء إلى القطاع، ولن يتم إعطاء تصاريح عمل للعمال والمهندسين المصريين الذين يعملون في مشروع إعادة الأعمال. مصر طلبت من حماس ومن الجهاد نشر بيان مشترك يعلنون فيه بأنهم لا يريدون التصعيد. صحيح أن حماس والجهاد رفضتا الطلب، لكنهما فعلياً أوضحتا بأنهما، طبقاً لسلوك إسرائيل في الحرم، لا تنويان التصعيد.
في الوقت نفسه، أوضح الوسطاء المصريون، من بينهم نجل الرئيس المصري محمود السيسي، لمحاوريهم الإسرائيليين بأن على إسرائيل تقديم “شيء ما” لحماس لمنع تصادم آخر. على سبيل المثال، إطلاق سراح 400 فلسطيني الذين اعتقلوا في المواجهات التي حدثت في الحرم. ولحماس طلبات أخرى، مثل وقف النشاطات العسكرية في مخيم جنين، حيث إنه لا يوجد فرق بين القدس وغزة.
هذه رسائل تنقلها مصر لإسرائيل: وصف نشاطات تقوم بها حماس لمنع إطلاق الصواريخ من قبل منظمات تعتبر خصماً لها، واستخدام حماس “لهجة قاسية” مع الجهاد الإسلامي من أجل وقف إطلاق الصواريخ على إسرائيل واعتقال مطلقي صواريخ محتملين. وبعد إطلاق الصاروخ على “سديروت” في الأسبوع الماضي، سارع الجهاد الإسلامي إلى إبلاغ المصريين بأنه غير مسؤول عن الإطلاق.
تجري هذه المفاوضات بصورة متواصلة، وفي كل يوم يتم فيه إجراء تقدير للوضع الذي يشارك فيه المصريون أيضاً. وقرار إسرائيل إغلاق معبر ايرز “حتى إشعار آخر” رداً على إطلاق الصواريخ على سديروت، اتخذ بعد نقاش مع المصريين. هؤلاء من ناحيتهم يواصلون تشغيل معبر صلاح الدين ومعبر رفح كالعادة.
خلافاً لسنوات سابقة، حيث المفاوضات مع حماس جرت بين إسرائيل ومصر، والعلاقة التي خلقتها حماس بين القدس وغزة في السنة الماضية، تجبر إسرائيل على أن تأخذ في الحسبان أيضاً مواقف دول أخرى مثل المغرب والإمارات والأردن وحتى تركيا، إضافة إلى مصر. يبدو أن حماس تعي كيفية استغلال رافعة الضغط السياسية الجديدة التي تمتلكها مع التوقيع على اتفاقات إبراهيم من أجل تحويل ميزان الردع العسكري إلى ميزان ردع سياسي.