مركز الناطور للدراسات والأبحاث، بالتعاون مع مركز الانطلاقة للدراسات ومع منتدى القوميين العرب.
دراسة
الصراع في السودان بين الجذور والمخاطر والدور الإسرائيلي
المقدمة: قراءة في المخاطر
السودان وحروبها الخمس الكبيرة
بريطانيا جذر مشكلة السودان وجنوبه
حروب الشمال-الجنوب والانفصال
الإسرائيلي وتحقيق حلم الانفصال
مسلسل أزمات السودان المتواصلة
الضابطان الكبيران (الجنرالان) وحربهما
بداية الحرب الحالية والهشاشة
حميدتي وقوات الدعم السريع.
الجيش الرسمي والبرهان
التأثيرالاقتصادي لحرب الجنرالين والانهيار
مخططات تقسيم الأمة العربية ومنها السودان
التداخلات الإقليمية والدولية
الكيان الصهيوني وافريقيا والسودان
الأصابع الصهيونية وحرب الجنرالين
حميدتي والموساد الصهيوني:
البرهان والكيان الصهيوني
الشعب السوداني ضد "التطبيع"
لماذا هذه الحرب تعد الأخطر على السودان؟
الخاتمة.
الصراع في السودان بين الجذور والمخاطر والدور الإسرائيلي
بكر أبوبكر
ما حفّزني للكتابة بتوسع فيما يحصل في بلدنا السودان الجميل بتنوعه وشعبه هو ما كتبه الصحفي السوداني المعروف عثمان ميرغني في مقاله الهام المعنون: مخاطر الحياد في حرب السودان، إضافة لحوار طال بيني وبين الصحفي والكاتب الفلسطيني العروبي علي أبوحبله الذي رأى بإمكانية انهيار السودان فصلًا جديدًا من فصول التدمير للأمة. وما كان من مكالمتنا مع المحلل والمفكر الكبير د.محمد حمزة حول هذا الموضوع الهام.
ومن متابعة عن كثب لما يدور حاليًا في السودان بالحرب الدائرة بين الجيش السوداني، وقوات التدخل السريع شبه النظامية فإن رؤية الوضع بصورة أقرب يصبح ضرورة.
المقدمة: قراءة في المخاطر
كتب عثمان الميرغني في مقاله يقول:
أنه "من غير المعقول أن نساوي بين الجيش النظامي وبين قوات ميليشيا"
موضحًا الفرق بين الجيش وقوات الدعم السريع لأن الجيش: "غالبيته العظمى جيش مهني قومي لا يمكن دمغه بشعارات هُلامية لأنه مؤسسة عريقة، وجودها يحفظ أمن الدولة في محيط مضطرب، وكسرها يعني تهديداً بالغاً للأمن القومي السوداني والعربي."
بينما قوات الدعم السريع تمثل: "ميليشيا قيادتها أسرية، وتكوينها عشائري في المقام الأول، وتخضع لنفوذ ومصالح وطموحات قائدها محمد حمدان دقلو (حميدتي) ونائبه وشقيقه عبد الرحيم".
وليطرح رأيه المثير حين قال: "سيتضح مع الوقت حجم التآمر الذي حدث في هذه الحرب والتخطيط المسبق لها، وأيّ جهات كانت ضالعة فيها سواء داخلية أو خارجية".
ليخلص بالقول:"المهم الآن أن ينتصر الجيش في هذه المعركة، لأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال قبول أن تحكم السودان ميليشيا، أو أن تكسر قواته المسلحة. فالوضع الآن لا يحتمل وقوفاً على الحياد، والانحياز إلى جانب القوات المسلحة هو الوقوف إلى جانب حماية الوطن".
ثم يضيف: "سقوط السودان في أي فوضى سيقود حتماً إلى انتقال بؤر «الإرهاب الهائم» إليه، بكل ما يعنيه ذلك من مخاطر على البلد ومحيطه."
لقد طرح كلامًا هامًا وخطيرًا بحق وهو ما رأيت الإشارة اليه من عديد الكتاب وكذلك من حواري مع الكاتب علي أبوحبله ذو الأفق العروبي الجامع فكان من الضرورة أن نبدأ بالفهم أكثر.
السودان وحروبها الخمس الكبيرة
ذكرت التقارير المحتلفة أن السودان قد استهلك من عمره 57 عامًا من عمر السودانيين وضمن 4 حروب كبيرة تُمثل الحرب الجديدة بين الجنرالين االخامسة بينها
يُشار الى أن أكبر هذه الحروب وأكثرها تأثيراً هي حرب الجنوب السابق (استقل وانفصل في ختامها عام 2011)، وامتدت على مرحلتين من 1955 إلى 1972، ومن 1983 إلى 2005 (39 عاماً).
ودعني هنا أنقل عن التقارير توضيحًا لهذه الحروب القاسية:
الحرب الأولى
انتهت بتوقيع اتفاقية أديس أبابا (عام 1972 وقررت اعطاء الحكم الذاتي للجنوب)، بين حكومة الرئيس الأسبق جعفر نميري والحركات المتمردة الجنوبية (أنانيا 2)، وأدت إلى قتل وتشريد مئات الآلاف من السكان الأبرياء.
الحرب الثانية
كانت بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة جون قرنق وانتهت باتفاقية سلام عام 2005، (سميت اتفاق السلام الشامل، وأعطت الجنوب حكمًا ذاتيا واسعًا وتمثيلًا بالحكومة وتقاسمًا فيها، وقررت ضرورة إجراء استفتاء وهو الذي أدى للانفصال) قادت فيما بعد إلى خروج الجنوب من خريطة السودان ليصبح دولة مستقلة، منفصلة.
الحرب الثالثة
دارت رحاها في دارفور، من 2003 إلى 2010 بين الجيش الحكومي وحركات مسلحة في الإقليم، وتسببت في مقتل وتشريد الملايين من السكان، وانتهت باتفاقية الدوحة عام 2010.
الحرب الرابعة
بعد انفصال الجنوب عام 2010، خاضت الحركة الشعبية لتحرير السودان – قطاع الشمال، (أو ما يسمى بالجنوب الجديد)، بقيادة عبد العزيز الحلو ومالك عقار، حرباً ضد الحكومة المركزية، دامت 9 سنوات من عام 2011، انتهت بتوقيع اتفاقية جزئية مع عقار عام 2020، فيما بقي الحلو، متمترساً في مناطقه «المحررة» جنوب النيل الأزرق حتى الآن.
حروب كبيرة، وحروب صغيرة
حربا الجنوب انتهت بتقسيم السودان، وحرب دارفور أنهكت الدولة وظهرت الميليشيات المسلحة، وصار هناك أكثر من 8 جيوش في الدولة الواحدة (؟!) وشهدت هذه الفترة ميلاد قوات حرس الحدود، المعروفة شعبياً باسم قوات «الجنجويد» الشهيرة، نواة قوات الدعم السريع بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو، الشهير بـ«حميدتي»، الذي يشغل أيضاً منصب نائب رئيس مجلس السيادة السوداني.
بين هذه الحروب الأربع الرئيسية، قامت حروب صغيرة دامت أياماً، مثل تمرد هاشم العطا 1972، عملية المرتزقة عام 1976، حرب الذراع الطويلة، التي قادتها حركة العدل والمساواة، بقيادة إبراهيم خليل 2008، التي دخلت حتى حدود أم درمان.
حروب دامت في مجملها 57 عاماً، قضت على الأخضر واليابس، وحوّلت السودان الذي كان يعد «سلة لغذاء العرب»، إلى بلد يقتاتُ قوته من الإعانات والمساعدات الدولية كأحد أفقر بلدان العالم.
الحرب الخامسة:
ونحن نقول أن الحرب الخامسة هذه مختلفة عما سبقها من حروب مدمرة أدت لانفصال وتمزق وافتراق كبير فهي اليوم حرب بين الجيش أي بين زملاء الحرب ضد الآخرين أنفسهم، أنها حرب الضباط الكبار "الجنرالات"، وهي الأخطر على السودان كما يشير المحللون لأنها خرجت من الإطار الجهوي أو الأيديولوجي السابق لتتخذ طبيعة شخصية ذاتية مصلحية من جهة داخل ذات المؤسسة التي خاضت الحروب السابقة، والتي قد تجر حين تطول الأبعاد القبلية العشائرية، وشهية الأطراف الإقليمية والدولية لانتزاع ما تستطيعه من ثروات السودان على حساب شعبه ودولته ووطنه، وتضر بدول الجوار.
بريطانيا جذر مشكلة السودان وجنوبه
يعود جذر الصراع بين الشمال السوداني وجنوبه لزمن بعيد حيث برز الدور البريطاني في تفجّر مشكلة الحرب الأهلية في جنوب السودان وما اتبعته من أساليب هدّامة للعمل على فصل الجنوب عن الشمال، ولا سيما ما يتعلق منها بدور البعثات التنصيرية وسياسة إضعاف الثقافة العربية وإحلال الموظفين الجنوبيين محل الشماليين ومنع التجار الشماليين من الوصول إلى الجنوب، وتأثير كل ذلك على استمرارية المشكلة. ما يذكرنا بفعل الاستعمار الانجليزي العنصري في كل أماكن تواجده حيث سياسة "فرّق تَسُد" وسياسة تأليب القوميات أو القبائل المختلفة أو الاديان أو الطوائف ضد بعضها البعض، كما حصل في الهند كمثال فاقع، وفي دول أخرى كثيرة، وكما حصل في حالتنا باستيراد أناس لا صلة لهم في فلسطين وتوطينهم ببلادنا لوضع عازل بشري بين شرق وغرب الأمة لتنشأ المسألة العربية الفلسطينية.
من المصادر الكثيرة التي اطلعنا عليها فلقد بنت بريطانيا الاستعمارية العنصرية سياستها في الجنوب السوداني على ركيزتين:
تقليل الوجود الشمالي والعربي في الجنوب
وإضعاف الثقافة العربية والعمل على منع انتشار الإسلام هناك.
حيث عملت بريطانيا (منذ العام 1899م) على منع انتشار الإسلام في جنوب السودان عن طريق إطلاق حرية العمل الديني للإرساليات التنصيرية بالمجتمع الجنوبي الوثني في حين خصّصت هذه الحرية في الشمال بميادين التعليم والخدمات الصحية.
وفي إطار تقليص الوجود العربي الإسلامي في المديريات الجنوبية وضع "اللورد لويد" "المندوب السامي" البريطاني في القاهرة عام 1929م توصياته على النحو التالي:
1- تشجيع الموظفين في المديريات الجنوبية على تعلم اللهجات المحلية، ونشر بعض المجموعات اللغوية.
2- محاربة اللغة العربية وتشجيع استخدام اللغة الإنجليزية بدلًا منها.
3- بذل الجهود لمواجهة الاحتياجات التعليمية المتزايدة في المديريات الجنوبية بتأسيس مدرسة أو مدرستين حكوميتين في مناطق بعينها، ويمكن تحديد هذه الاحتياجات بتدريب عدد مناسب من الصبيان للخدمة في الإدارات الحكومية. ويسمح في نفس الوقت لمدارس الإرساليات القائمة بالاستمرار في عملها.
وقد تم لاحقًا اختيار عدد من المجموعات اللغوية المحلية بالجنوب ووضع الكتب والمراجع بها. ليقرر وزير الخارجية الانجليزي بوضوح أن:"إنجلترا كدولة مسيحية لا يمكنها أن تشارك في سياسة تشجيع انتشار الإسلام بين شعب (يقصد جنوب السودان) يزيد على ثلاثة ملايين وثني"، فتم إقرار "فصل الزنوج عن الأراضي العربية" فيما أسموه اللامركزية.
من السرد السابق عن الدكتور يونان لبيب رزق يتضح أن تقسيم السودان هو مخطط استعماري في الأساس عمره أكثر من 100 سنة، وأن الاستعمار البريطاني نفّذ هذا المخطط علي عدة مراحل كما امتدت من عام 1899 حتي مرحلة الحصاد المر 1955 والتي كان من نتائجها اندلاع الحرب الأهلية في الجنوب، ليشير الدكتور في كتابه قائلًا: وهو نفس ما تقوم به الولايات المتحدة الامريكية الآن في العراق حيث تهدف الي زرع الفتنة الطائفية وتقسيم البلاد.
حروب الشمال-الجنوب والانفصال
في صراع الجنوب-الشمال السوداني الذي أدى لانفصال الجنوب بدولة خاصة (عام2011م)، تداخلت الأجندات الإقليمية والخارجية (بالأساس الاستعمار الانجليزي ثم ورثته) مع المصالح للأطراف المتحاربة معًا خاصة فيما يتعلق بالأراضي من جهة، وصراع الأيديولوجيات أواستخدامها من قبل السلطة (محاولة فرض هوية إسلامية وعربية منذ الاستقلال عام 1956م حسب المتمردين بالجنوب)، وصراع القبائل والقادة والنفوذ بالإضافة الى النفط.
ومما لا شك فيه أن العوامل الخارجية كان لها كبير الأثر على التحول من الحكم الذاتي الى الإنفصال الذي كان للاحتلال الصهيوني دورًا بارزًا فيه، وتجلّى علانية بالدعم اللاحق الذي قدمته الدولة الصهيونية للدولة الجديدة.
لقد أدت هذه الحرب الشرسة الطويلة بين الشمال (الدولة) ومنظمات الجنوب الى مقتل 2 مليون شخص وتهجير4 ملايين شخص ما لم يغني عن خوض دولة الجنوب لاحقًا لحربها الداخلية (بعد الانفصال عن الشمال) أو ما تسمى الحرب الأهلية الجنوبية السودانية عام 2013م، لأسباب عرقية-قبلية إثنية.
من المهم أن نعرف أن دولة جنوب السودان تتشكل اليوم من عشر ولايات تقع في أقصى جنوب السودان، وهي أرض عشبية شاسعة ومستنقعات وغابات مطيرة استوائية تمتد على ضفتي النيل الأبيض. وتتسم تلك الولايات بالتنوع العرقي واللغوي، ومن بين أكبر المجموعات العرقية هناك الدينكا والنوير والشلك. وتبلغ مساحة دولة جنوب السودان نحو 620 ألف كيلومتر مربع، ويتراوح عدد سكانها بين 7.5 مليون و10 ملايين شخص. وتعد اللغتان الإنجليزية والعربية رسميتان، ومن الممكن الإشارة الى أنه تنتشر بين سكان الجنوب لهجات متعددة يصل عددها إلى 12 لهجة وإن كانت اللغة العربية "المحلية" التي تُنطق بلكنة إفريقية هي اللغة التي يعرفها أغلب السكان تقريبا.
الإسرائيلي وتحقيق حلم الانفصال
تقول الكاتبة د.هبة جمال الدين "أصدر جهاز الموساد الإسرائيلي كتابا يفتخر خلاله بما أسماه "الانتصار الإسرائيلي" في انفصال جنوب السودان عن دولة السودان. وتضمن الكتاب ملامح وابعاد الدور الإسرائيلي وأبرز الأدوات التي استخدمتها "إسرائيل" في انفصال جنوب السودان التي بدأت من ثلاثينيات القرن الماضي" بدءا بالغذاء وصولًا للتسليح والدعم العسكري، وتضيف أن " حركة أنيانيا الانفصالية قد تمّت بفضل ثلاثة ضباط من الموساد الإسرائيلي منهم "إيلي كوهين" المستشار السياسي للانفصاليين." ومشيرة الى إنشاء الصهاينة "مدرسة لتخريج الكوادر العسكرية لقيادة فصائل التمرد واشتركت عناصر إسرائيلية في المعارك" كما مدت "إسرائيل" "جون جرانج" بأسلحة متطورة ودرّبت ودعمت وموّلت، وفي عام 2003 كشفت "إسرائيل" عن دور يهود الفلاشا في الصراع".
لقد كانت "المهمة الموكلة لجهاز الموساد هي بناء جيش جنوبي يعمل على استنزاف الجيش السوداني في الشمال، ويشغله عن التحالف مع الجيش المصري لمواجهة "إسرائيل"، وقد جاء الطلب بداية من المتمردين في جنوب السودان، وتقدم قائدهم بطلب مساعدة من "إسرائيل" "، وذلك كما يذكررئيس طاقم الجهاز آنذاك الجنرال "ديفيد بن عوزيئيل" الذي أصدر كتابه حول يومياته هناك مضيفًا أي "بن عوزيئيل" أنه وهكذا تحقق الحلم الإسرائيلي". حيث استطاعت الحرب أن تنجز هدفا سياسيا. في إشارة لانفصال جنوب السودان عن شماله لاحقًا".
ويختم رئيس طاقم جهاز الموساد بالقول: "بعد أربعة عقود زرت جنوب السودان عام 2010، وتم استقبالي من قبل رئيس الدولة، الذي بدا لي ممتنًا على جهودي الكبيرة معهم في سنوات سابقة، ومنحني جواز سفر دبلوماسي وسفيرًا فوق العادة".
ومع عام 2011 أرسلت "إسرائيل" ممثلًا لها في مراسم استقلال جنوب السودان وكانت أول دولة اعترفت بجنوب السودان بعد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بعد يوم من اعلان استقلال الدولة.
يمكننا القول أنه مازال هناك صراعان رئيسان بين السودان وجنوب السودان يتعلّقان بالنفط والأراضي. فهما بلدان (أو بالحقيقة بلد واحد) يشتركان في مصدر رئيس للدخل، بالإضافة إلى خط أنابيب نفط واحد وميناء نفط واحد. حيث أن لهما أي للسودان وجنوب السودان مشكلة حول رسوم العبور. والصراع الثاني يتمحور حول المناطق الحدودية.
يمكننا القول أنه رغم انفصال الجنوب فمازال التداخل قائمًا والخلافات مستمرة ذات الصلة بالأراضي والاقطاعيات، وبالنفط، والمصالح الاقتصادية والمتعلقة بالنفوذ، عدا عن التداخلات العشائرية والارتباطات التنظيمية بمفاهيم العروبة والاسلام وما تؤثر فيه على مسار الاحداث في الشمال.
فضلًا عن تدخلات القوى العالمية ومنها الصهاينة الذين مازالوا واحدًا من اللاعبين الرئيسيين فيما يحصل داخل السودان! وما توضح في حرب الجنرالين لاحقًا.
مسلسل أزمات السودان المتواصلة
مرت السودان بعديد الحروب وعديد الأزمات منذ السعي الانجليزي الاستعماري لتدمير هذا البلد منذ عام 1899 حتى اعلان الاستقلال عام 1965 حيث أن بذور الازمات لم تنتهي ما بين شمال وجنوب من جهة، وما بين المكوّنات العرقية أو القبلية المختلفة سواء في الشمال أو الجنوب أو بتأثيراتهما مع بعضهما البعض، ثم ما كان من الصراعات المرتبطة بالجيش وحكم العسكر أو ما تعلق بالتنظيمات الإسلاموية ومحاولات فرض ما يسمونه الشريعة الإسلامية برأيهم.
الإطاحة بالنميري وصراع الإسلامويين: تمت الاطاحة بحكم جعفر النميري عام 1985م، وسط انتفاضة شعبية شملت فئات الشعب المختلفة والنقابات والاتحادات العمالية والأحزاب. وأعلن وزير الدفاع آنذاك الفريق عبد الرحمن سوار الذهب انحياز القوات المسلحة إلى الشعب، وشكّل مجلسا عسكريا أعلى لإدارة مرحلة انتقالية تحت رئاسته، وحدّد مدة هذه الفترة بسنة واحدة. ونفذ ما قاله ربما لأول مرة في المحيط العربي في نادرة ديمقراطية نموذجية غير مسبوقة، ما أدى الى صعود رئيس حزب الأمة الصادق المهدي، بعد انتخابات جماهيرية شهدت صعودا غير مسبوق للتيار الإسلاموي، ثم ما كان بالعام 1989 حين قاد عمر حسن البشير انقلابًا ضد حكومة الصادق المهدي، بدعم من الجبهة الإسلامية القومية برئاسة حسن الترابي، ليتولى منصب رئيس "مجلس قيادة" ما عرف بـ "ثورة الإنقاذ الوطني"، ويصبح حاكمًا للبلاد، والذي سرعان ما حلّ المجلس ليصبح رئيسًا للجمهورية، ثم ما كان من حلّه للبرلمان إثر الانقسام الاسلاموي بين أصدقاء الأمس ليصبح تنظيم إسلاموي بمواجهة آخربقيادة حسن الترابي. وبالعام 2004 تخوض الدولة الصراع في دارفورحتى 2010م، مع تواصل الصراع مع الجنوب (انفصل عام 2011م)
ويمكننا عرض تقرير مسلسل مختصر لما بعد استقلال جنوب السودان عام 2011م كالتالي:
الاطاحة بالبشير: خروج احتجاجات شعبية للتنديد بارتفاع أسعار المواد الأساسية وندرة الكثير من السلع في الخرطوم وغيرها من المدن، منذ العام 2018م لتتحول بنهاية العام إلى مظاهرات حاشدة عبر أنحاء البلاد تطالب بإسقاط النظام.وعليه يقوم الرئيس البشير عام 2019 باعلان حالة الطوارئ ثم لاحقًا يقيل عددا من كبار المسؤولين الحكوميين والإقليميين، في محاولة لإنهاء المظاهرات المستمرّة منذ أسابيع والتي لقي خلالها نحو 40 شخصًا مصرعهم. فيقوم الجيش بالإطاحة بالبشير في انقلاب عسكري في أبريل/نيسان، ويبدأ محادثات مع المعارضة حول فترة انتقالية باتجاه التحول إلى الديمقراطية. وعبد الله حمدوك يتولى رئاسة حكومة جديدة ضمن اتفاق لتقاسم السلطة مدته ثلاث سنوات مع الجيش وممثلين عن المجتمع المدني وقادة الاحتجاجات.
انقلاب البرهان على حمدوك: في أكتوبر/تشرين الأول2021 – قامت قوات الأمن باعتقال حمدوك والعديد من القيادات المدنية، وذلك بعد أسابيع من تبادل الاتهامات بين القوى المدنية والعسكرية والإعلان عن محاولة انقلاب فاشلة. وقائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان يعلن حل الحكومة المدنية وغيرها من الهيئات الانتقالية. لتخرج لاحقًا المظاهرات الحاشدة ضد الانقلاب.
حربُ الضابطان الكبيران (الجنرالان): في أكتوبر/تشرين الأول 2022، - خرجت حشود ضخمة إلى الشوارع في ذكرى الانقلاب الأولى للبرهان، فيما اعتبر واحدة من أكبر المسيرات المناهضة للجيش. ثم في ديسمبر/كانون الثاني – وقّعت قوى مدنية اتفاقًا إطاريا مع الجيش لبدء عملية جديدة للانتقال السياسي مدتها عامان وتعيين حكومة مدنية. وعام 2023 تم تأجيل توقيع الاتفاق النهائي للمرحلة الانتقالية للمرة الثانية وسط خلافات حول ما إذا كان الجيش سيخضع لإشراف مدني، وحول خطط دمج قوات الدعم السريع شبه العسكرية في الجيش. وما لحق ذلك بالعام ذاته من تحذير الجيش أن تعبئة قوات الدعم السريع داخل الخرطوم ومدن سودانية أخرى بدون تنسيق مع الجيش قد تؤدي إلى صراع مسلح بين الجهتين.
في 15 أبريل/نيسان عام 2023م: تم اندلاع اشتباكات بين قوات الجيش الرسمية وقوات الدعم السريع (ما يشبه المليشيا) في الخرطوم وبعض المدن الأخرى فيما أصبح الشرارة لحرب الضابطين الكبيرين.
الضابطان الكبيران (الجنرالان) وحربهما
تصاعد التوتر لشهور في العام 2022-2023م بين قوات الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" اللتين شاركتا في الإطاحة بحكومة حمدوك المدنية. وانفجر الخلاف بسبب خطة مدعومة دوليا لبدء عملية الانتقال لمرحلة سياسية جديدة مع الأطراف المدنية.
بموجب الخطة، كان يتعيّن على كل من الطرفين العسكريين التخلي عن السلطة واتضح أن هناك مسألتين مثيرتين للخلاف-ضمن مسائل أخرى- بشكل خاص.
الأولى هي الجدول الزمني لدمج قوات الدعم السريع لحميدتي في القوات المسلحة النظامية للبرهان.
والثانية هي توقيت وضع الجيش رسميا تحت إشراف مدني.
وبكلام آخر فلقد اندلع القتال على خلفية تباين كبير بين القائدين العسكريين على طريقة دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة، علما بأن الآلاف من عناصر "الدعم" كانوا ضمن مجموعات متهمة بارتكاب تجاوزات عُرفت باسم "الجنجويد" شكّلها الرئيس السوداني السابق عمر البشير الذي أطاحه انقلاب عسكري في العام 2019.
وفق وثيقة "الاتفاق الإطاري" يرى الجيش أنه يمكن أن يتم الاندماج في غضون عامين، بينما ترى تلك المليشيات أوالقوات أن ذلك يحتاج 10 سنوات، كما أن هناك خلافات بشأن السيطرة والتحكم والتي يرى الجيش أنها من مسؤولية قائده، بينما ترى "الدعم السريع" أنه يجب أن تكون من صلاحيات رئيس الوزراء المدني في الحكومة الانتقالية.
وحسب تقارير أخرى فإن الحقيقة تأتي من رفض حميدتي القاطع منذ فترة طويلة تنفيذ اتفاقية السلام الداخلية (الإطار) التي تقضي بحلّ مليشيا الدعم السريع التابعة له، وتسليم سلاحها للجيش السوداني.
أنظر المادة 10 في الاتفاق الإطاري التي تقول: التأكيد على جيش مهني قومي واحد ملتزم بالعقيدة العسكرية الموحدة وقائم بواجباته في حماية حدود الوطن والدفاع عن الحكم المدني الديمقراطي.
يذكر الكاتب السوداني محمد عثمان عوض الله بتوضيح أوسع قائلًا: أن السبب الرئيسي للصراع العسكري الحالي (الذي بدأ في 15/4/2023م) بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) هو الاختلاف حول الاتفاق الإطاري للعملية السياسية. ومن أهم نقاط الاختلاف تبعية قوات الدعم السريع، لأن الاتفاق الإطاري ينص على تبعيتها لرئيس الوزراء المدني، وأن يتم دمجها في الجيش خلال 10 سنوات.
وعليه يعترض الجيش على هذه الفقرة؛ لأنها تعني وجود جيشين بقيادتين مختلفتين. أحدهما وهو الجيش القومي، يتبع القائد العام وهو عسكري، بينما الجيش الآخر هو قوات الدعم السريع، ويتبع رئيس الوزراء المدني. كما يطالب الجيش بأن يكون الدمج خلال سنتين وبتبعية قوات الدعم السريع إلى القائد العام منذ اليوم الأول من توقيع الاتفاق الإطاري.
بينما أراد البرهان أن تتم عملية الدمج خلال عامين، وتعتمد فيها معايير التجنيد في الجيش. من جهته، دفع دقلو (حميدتي) في اتجاه امتدادها لعشرة أعوام، على أن يحتفظ المقاتلون برتبهم بعد الدمج.
تقول المحللة السياسية رئيسة تحرير صحيفة «التغيير» السودانية رشا عوض حسب –صحيفة الشرق الأوسط- أن الحرب الحالية قامت لأسباب سياسية، ولا يمكن اختزالها في التحركات الأخيرة، ومَن الذي بدأ ومن الذي أطلق النار. فهي بكلامها "حرب خُطط لها بعناية من قبل فلول النظام السابق". حيث تشير إلى وجود ميداني كبير لكتائب الظل الإسلاموية والأمن الشعبي والدفاع الشعبي وهيئة عمليات جهاز الأمن التي تتبع الحركة الإسلاموية (عناصر النظام السابق/نظام البشير).
فيما كتب "جاستن لينش" في "فورين بوليسي" أن: "ما عجّل في وقوع هذه الحرب في السودان هو اتفاق المصالحة وخطة إصلاح قطاع الأمن التي دفعت الولايات المتحدة وبعثة الأمم المتحدة في السودان باتجاهها. مباشرة بعد الانقلاب في عام 2021، وأعادت الولايات المتحدة والأمم المتحدة تنشيط الخطة"، التي أضاف أنها "خلقت ببساطة منافسة حفّزت حميدتي والبرهان على بناء قواتهما".
من المفيد الإشارة هنا الى الاتفاق الإطاري الذي يتم الحديث عنه والذي وافق عليه البرهان وحميدتي بأشد العبارات فيما يتعلق بدمج قوات التدخل السريع بالجيش، يشتمل أيضًا على القضايا الخمس التي يجري التداول حولها في المرحلة النهائية من العملية السياسية، وهي العدالة الانتقالية وإصلاح المؤسسة العسكرية، وحل الأزمة في شرق السودان، وإكمال السلام وتفكيك نظام الرئيس المعزول عمر البشير.
على عكس سعي حميدتي الواضح ورفضه المطلق لحلّ مليشياته كما تقول معظم الأوساط السياسية ولأسباب تمسكه بنفوذه، ولمصالح تجارية كما يلمح الاتفاق الإطاري فلقد أعلن جهرًا "التزامه بالاتفاق الإطاري التزاماً كاملاً لا لبس فيه، فهو يمثل نافذة أمل لشعبنا في هذا الوقت الحرج، وسنعمل أقصى جهدنا للإسراع بخطوات الوصول لاتفاق سياسي نهائي، يؤسس لسلطة مدنية تعبّر عن آمال وتطلعات الشعب السوداني، وتقود المرحلة الانتقالية حتى نصل لانتخابات حرة ونزيهة".
أما البرهان على الرغم من تأكيده على الالتزام بالاتفاق، إلا أنه ظلّ يؤكد على أنه سيمضي فيه وفق رؤيته، وأن العملية السياسية لا يمكن أن تمضي من دون مشاركة جميع الأطراف.
بداية الحرب الحالية والهشاشة
عندما أعلنت قوى "الحرية والتغيير"، التي تقود العملية السياسية، الجداول الزمنية لتوقيع "الاتفاق النهائي"، والوثيقة الدستورية، وتشكيل هياكل السلطة الانتقالي، وحدّدت الأول من أبريل (نيسان) الماضي موعداً لانطلاقتها، سخِر كثيرون من الخطوة، واعتبروها "كذبة أبريل". كما يقول عيدروس عبد العزيز في تقريره لصحيفة الشرق الاوسط
فمن الواضح أن بنود الاتفاق الإطاري لمن يطلع عليها تصطدم كليًا مع طموحات الجنرالين والمثار حول عمل الفريقين بالتجارة والاستثمار، وبعلاقاتهما الداخلية والخارجية المنفصلة والبعيدة عن القوى المدنية.
انطلقت الحرب من مدينة مروي الشمالية، إلى العاصمة الخرطوم، ودخلت مدناً أخرى، ويضيف العيدروس قائلًا: والآن يضع السودانيون أيديهم على قلوبهم خوفاً من تحول هذه الحرب إلى أهلية شاملة، خاصة أن التربة السودانية الخصبة تساعد على قيامها بشكل متزايد.
فانتشار الجيوش السودانية التابعة للجماعات المسلحة العائدة إلى البلاد بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، وعددها يفوق الثمانية، موجودة داخل العاصمة وخارجها. وقد تسهم مع الانفلاتات الأمنية الحاصلة، والسلاح المنفلت في أيدي مجموعات صغيرة في المدن والأحياء، في توسع رقعة الحرب.
وليوضح أنه: بالنظر إلى حالة الهشاشة التي يعيشها السودان، في كل جوانب واقعه، فإن تطاول أمد النزاع المسلح الحالي يهدد بانزلاقه إلى حرب أهلية وفوضى شاملة.
والجدير بالذكر أنه "في عام 2021، عمل البرهان وحميدتي معا لإسقاط حكومة ضعيفة بقيادة مدنية-حكومة حمدوك، ووضعا نفسيهما في السلطة مع تأكيدات للمجتمع الدولي أنهما سيرعيان التحول الديمقراطي الذي بدأ بعد الإطاحة بالديكتاتور الحاكم لفترة طويلة عمر البشير عام 2019.
وبدلا من ذلك، فقد عزّز الاثنان مواقفهما، وأبقيا المجتمع المدني والمعسكر المؤيد للديمقراطية بعيدين (بالرغم من تعهدهما في كانون الأول/ ديسمبر بإعادة الحكم المدني في نهاية المطاف)، وأثريا نفسيهما وحلفائهما. ووصلت التوترات إلى ذروتها وسط خلافات حول كيف ومتى يتم دمج قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي في الجيش السوداني النظامي.
والآن، يتعهد الزعيمان بهزيمة بعضهما البعض بشكل كامل، مع مشاهد غير مسبوقة من العنف تجتاح الخرطوم."
حميدتي وقوات الدعم السريع.
"اقترفت عصابات "الجنجويد" جرائم فظيعة فى دارفور وكردفان مثل جرائم الحرب وقطع الطرق والقتل والنهب والاختطاف والاغتصاب والتعدى على المنازل والمزارع واختطاف الاطفال والنساء واتخاذهن كسبايا. وقد اصدرهم المحكمة الجنائية الدولية فى لاهاى فى ابريل سنة 2007، مذكرة اعتقال بحق زعيم الجنجويد على عبد الرحمن كوشيب، واتهمته بجرائم حرب وجرائم ضد الانسانية. ولما كثرت الإدانات على هذه العصابات الاجرامية قامت الحكومة السودانية بالحاقها باستخبارت حرس الحدود ثم بجهاز الامن فى وحدة تسمى "قوات الدعم السريع"
جرى تشكيل قوات "الدعم السريع" عام 2013م لمساندة القوات الحكومية في قتالها ضد الحركات المسلحة المتمردة في إقليم دارفور (غرب)، وأيضًا لأداء مهامها في الدفاع عن البلاد في مواجهة التهديدات الخارجية والداخلية وأي مهام أخرى يكلفها بها القائد العام.
وحسب موقعها أيضًا: المشاركة في توطيد وحماية السلام والأمن الدوليين (؟!) تنفيذًا للالتزامات الأخلاقية والمواثيق والمعاهدات الدولية والإقليمية، ثم تولت مهام منها مكافحة الهجرة غير النظامية على الحدود وحفظ الأمن قبل أن توصف من الجيش بأنها "متمردة" عقب اندلاع الاشتباكات.
وتشير التقارير على نطاق واسع الى أن مليشيا الدعم السريع (الجنجويد سابقًا) أنها الميليشيا المسؤولة عن جرائم حرب في دارفور، والمسؤولة عن تنفيذ مذابح خلال الانقلاب عام 2019. والى أن حميدتي يعد من الرجال الأغنياء في الدولة.
وبقول آخر فإن "قوات الدعم السريع هي مليشيا شبه عسكرية مشكّلة ومكوّنة من مليشيات "الجنجويد" التي كانت تقاتل نيابة عن الحكومة السودانية خلال الحرب في دارفور. وتُدير قوات الدعم السريع من قِبل جهاز المخابرات والأمن الوطني وهذا الأخير يقبعُ تحت قيادة القوات المسلحة السودانية. وتأتمرُ قوات الدعم السريع بأمرِ محمد حمدان دقلو المعروف أيضًا باسمِ حميدتي الذي برزَ بعدَ سقوط نظام البشير وصارَ في وقتٍ لاحقٍ نائب رئيس المجلس العسكري الذي ينوي قيادة البلاد في الفترة الانتقاليّة. خلال الاحتجاجات السودانية في عام 2019؛ وبعدَ الانقلاب العسكري الذي نفذه الجيش والذي مكّنه من الوصول للسلطة؛ صارَ لقوات الدعم السريع صلاحيات أكبر ولعبت الدور الأبرز فِي القمع العنيف للمتظاهرين المؤيدين للديمقراطية. إلى جانب قوات الأمن الأخرى؛ نفذت قوات الدعم السريع مجزرة القيادة العامة في يونيو/حزيران 2019 والتي راحَ ضحيّتها أزيد من 100 شخص من المُعتصمين العُزّل في العاصِمة."
ولنا إطلالة من زاوية نظر الكاتب عثمان ميرغني عن هذه المليشيا كالتالي:
1-قوات الدعم السريع هي ميليشيا قيادتها أسرية، وتكوينها عشائري في المقام الأول، وتخضع لنفوذ ومصالح وطموحات قائدها محمد حمدان دقلو (حميدتي) ونائبه وشقيقه عبد الرحيم. والذين يقولون إنهم يراهنون على حميدتي كمدافع عن الديمقراطية والحكم المدني ودولة القانون واهمون، ويغضون الطرف عمداً عن ماضيه الملطخ بالدماء من دارفور، حتى أحداث فض الاعتصام في الخرطوم.
2-الرجل ليست لديه مؤهلات ديمقراطية ولا عسكرية، كل همّه هو حماية مصالحه التي توسعت من نهب موارد البلاد، ونفوذه القائم كلياً على ميليشياته التي نمت حتى أصبحت قوة موازية للجيش، وطموحاته التي تضخّمت حتى بات يطمح لأن يكون الرجل الأول في البلاد والحاكم الفعلي.
3- يناور ويحاول الركوب على ورقة التحالف مع قوى مدنية لتحقيق أهدافه وطموحاته الخاصة بعدما تباينت المصالح بينه وبين الجيش ووصلت العلاقة إلى طريق مسدودة.
4- عندما تباينت المصالح والحسابات، بدأ يبحث عن تحالفات لإضعاف الجيش، وللالتفاف على مسألة دمج قواته في القوات المسلحة التي لم يكن يريدها، وإن صرح بغير ذلك إعلامياً، لأنها إن تمّت فستعني نهاية نفوذه وطموحاته (ومصالحه الاستثمارية).
5- ما حدث يوم السبت الماضي كان بوضوح محاولة انقلابية نفذتها قيادة قوات الدعم السريع وخططت لها جيداً، فجلبت مزيداً من قواتها ونشرتها في الخرطوم وحولها، واستأجرت منازل في مناطق متفرقة من العاصمة كمقار سرية.
6- سيتضح مع الوقت حجم التآمر الذي حدث في هذه الحرب والتخطيط المسبق لها، وأي جهات كانت ضالعة فيها سواء داخلية أو خارجية.
يقول الكاتب السوداني محمد عثمان عوض الله: ان قوات الدعم السريع تتميز بالخفة وسرعة الحركة وبعد المعركة عن ثقلها القبلي كما تتميز بخبرتها في حرب العصابات، ولكنه ينظر إليها باعتبارها ميليشيا انتهت مشروعيتها بانتهاء أسباب تكوينها أيام الحرب.
ويشير تقرير صحيفة الغد: الى أن سيطرة "الدعم السريع" على مقاليد الحرب، سيكون له أيضاً تأثيره السلبي البالغ على اللحمة الوطنية، وستظهر تناقضات إثنية بين مجموعات ما يسمى بـ"أولاد البحر" و"أولاد الغرب"، أي أبناء الشمال والغرب. وهذه النزعة ستخلف أوضاعاً غير مستقرة.
الجيش الرسمي والبرهان
وفق قاعدة "ميليتاري بالانس بلاس" للبيانات العسكرية، والمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ("آي آي أس أس")، يقدّر عدد الجيش بمئة ألف عنصر، بينما تضم قوات الدعم 40 ألفا.
لكن بعض الخبراء يقدّرون عديد قوات الدعم بزهاء 100 ألف، الا أنهم يبقون التفوّق العددي قائما لصالح الجيش. وبعد زهاء أسبوع من المعارك الضارية، لا يبدو أن أي طرف حقّق تقدما ميدانيا ملحوظا على حساب الآخر. ويرى الباحث في الشؤون الإفريقية "أليكس دو فال" أن للطرفين "الحجم ذاته والقدرة القتالية ذاتها".
1- يشير الكاتب السوداني محمد عثمان عوض الله للجيش بقوله: إن أكبر ما يقوي ويدعم قوات الشعب المسلحة «جيش السودان» هو السند الشعبي الكامل.
2-مضيفًا: أنه قوات الجيش تتميز أيضاً بطبيعتها كقوة راسخة في عقيدتها ومبادئها وأخلاقها ومشروعيتها، وفي نظمها الفنية من طرق الانتشار والإمداد..
3- أن جيش السودان يمتلك بنية تحتية فائقة ومصانع متكاملة وشاملة تنتج كل ما تحتاجه، كما تتميز بخبرتها الطويلة الممتدة وبامتلاكها لسلاح الجو كقوة ضاربة وسلاح المدرعات والقاصفات والراجمات.
4-"الجيش مهما قيل عن وجود ضباط من الإسلامويين في صفوفه، وهي حقيقة، فإنه في غالبيته العظمى جيش مهني قومي لا يمكن دمغه بشعارات هلامية مثل "الجيش جيش الكيزان (أي الإخوان)". فهو مؤسسة عريقة، وجودها يحفظ أمن الدولة في محيط مضطرب، وكسرها يعني تهديداً بالغاً للأمن القومي السوداني والعربي".
5- الإسلامويون كعادتهم كما يذكر ميرغني في مقاله بالشرق الاوسط "سارعوا إلى استغلال الوضع وركوب الموجة وكأنهم الجهة الوحيدة الداعمة للجيش، علماً بأن غالبية السودانيين تقف خلف الجيش في هذه المعركة، وهذه الغالبية ذاتها ترفض عودة النظام السابق، الذي عانت الويلات من حكمه".
التأثير الاقتصادي لحرب الجنرالين والانهيار
1-حسب التقارير: يضاعف الصراع المسلح خفوت أي فرص للتعافي على المدى القريب بحسب تقدير الخبراء، خاصة وأن السودان منخرط في أزمات متلاحقة على مدار عقود، وصلت بالبطالة إلى حدود العشرين بالمئة.
2-وضعت الحرب نصف سكان البلاد في دائرة الفقر، رغم أن السودان ثالث أكبر منتج للذهب في إفريقيا، وتبلغ صادراته من المعدن الأصفر نحو ملياري دولار سنوياً، إلا أن عوامل منها الأزمات الاقتصادية والسياسية والظروف المناخية والصراعات أفقرت البلد الغني بالموارد.
3- يقول الخبير الاقتصادي السوداني، الدكتور وائل فهمي بدوي: أنّ افتراضات صندوق النقد الدولي لم تشمل توقع وقوع الحرب الحالية، في البلد الذي تتجاوز ديونه نحو 189 بالمئة من ناتجه المحلي.
4- ويستطرد: "لا يمكن للتضخم أن ينخفض خلال الفترة القادمة، بل سترتفع معدلاته، ولعدد من الشهور القادمة، وذلك في إطار معالجة الآثار السلبية للصراع المسلح الحالي على الحياة العامة".
5-وجدير بالذكر إلى أن التضخم متغير انكماشي للنشاط الاقتصادي في حد ذاته، لأنه ضريبة غير مباشرة للدولة من ناحية، ويرفع تكاليف الإنتاج ومن ثم الأسعار التي تحدّ من الطلب على السلع بالأسواق.
6- تقول الباحثة الاقتصادية في جامعة الخرطوم، أسمهان إسماعيل، إنّ اندلاع الحرب في الوقت الحالي الذي يعرف بـ "زمن التحضير للموسم الزراعي القادم" سينعكس سلباً على توافر السلع المحلية.
8- الاحتجاجات والمظاهرات المتواصلة منذ أكتوبر 2021 أثرت سلباً على حركة البيع والشراء واستدامة الدخول للعمالة اليومية، مما أثقل كاهل المواطن السوداني وزاد معدل الفجوة الغذائية.
9- كما أوقف صندوق النقد الدولي تمويلاً بنحو 150 مليون دولار، بعد أن وافق في يونيو 2021 على برنامج قروض بقيمة 2.5 مليار دولار، وعلقت واشنطن مساعدات بقرابة 700 مليون دولار.
10- ونتيجة لذلك كله فقد الجنيه السوداني توازنه وتعرض لانهيار غير مسبوق ليصل بذلك الدولار إلى 447 جنيها، في مقابل 48 جنيهاً في العام 2018.
11- نحو 80 في المئة من السودانيين يعتمدون بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على القطاع الزراعي، بشقيه النباتي والزراعي في دخلهم، والذي تأثر سلباً نتيجة لعدم الاستقرار الأمني بالبلاد.
12-أن الصراعات المتكررة بإقليم دارفور ومنطقة النيل الأزرق والتي تعد جميعها مناطق تعتمد على الزراعة وتحتاج إلى الاستقرار، جعلتها من أكثر المناطق الجغرافية جوعاً وحاجة للمساعدات.
ويمكننا القول أنه في ظل الحرب الجديدة التي ستؤدي الى الانهيار الاقتصادي الواضح فإن مظاهر الحرب ونتيجة الاشتباكات وفقدان الأمان في كل مكان قد تؤدي الى بداية تفكك الدولة السودانية حيث اضطرت العديد من المستشفيات إلى إغلاق أبوابها بسبب نقص الكهرباء والمياه والإمدادات الحيوية، أو تعرضها لنيران أسلحة ثقيلة.
وتنتشر مظاهر الجوع في الخرطوم إضافة لعمليات نهب المنازل. وتجبّر خليط المليشيات المحلية سواء بالسوق أو بالناس معًا ما سيؤدي لأزمة اقتصادية وانسانية خانقة.
مخططات تقسيم الأمة العربية ومنها السودان
من أبرز ماطُرح علنًا من المخططات التقسيمية كان مخطط الكاره للعرب والحاقد على الإسلام والمسلمين "برنارد لويس ليفي" المفكر الصهيوني الذي شغل منصب مستشار الرئيس الأمريكي بوش الأب وهو الذي نشر مخطط كامل لتقسيم كافة الأقطار العربية وبينها السودان.
ومخطط "عوديد بينون" –الباحث الإسرائيلي- عام 1982 وكلاهما اتفقا على أن مستقبل السودان هو التقسيم. واقترح الأول تقسيمها لأربعة أقسام "دولة النوبة عاصمتها أسوان، دولة السودان في الوسط، دولة دارفور، ودولة جنوب السودان". وعوديد كان لديه نفس السيناريو ولكن بدون دولة دارفور. ومع وجود مخططات التقسيم للأمة عامة فان المنطقة التي شهدت نجاح لتلك المخططات كانت السودان عبر انفصال جنوب السودان عن شماله بدعم الموساد الصهيوني وهو الذي بنى علاقة مع الصديقين اللدودين لاحقًا أي البرهان وحميدتي.
ولا يعني وجود المخططات أن تبنيها تلقائي من قبل الدول الغربية الاستعمارية وعلى رأسها أمريكا وحليفتها بالمنطقة "إسرائيل"، وإنما يعني أن الفكرة أوالخيار قائم دومًا، وموضوع على طاولة القيادة، ويدلل على طريقة تفكير الغرب بمصير المنطقة التي ما إن يجدوا فيها ثغرة أوضعفًا أو ميلًا إلا ويستغلونها في مزيد من النهب للثروات الاقتصادية من جهة في مقابل مزيد من التدمير والتخريب للبلاد حتى على المستوى الثقافي والوطني والقومي، وإن كانت شعاراتهم الزائفة تلتف حول علم الديمقراطية الزائف أو حقوق الانسان.
التداخلات الإقليمية والدولية
مما لا شك فيه أن التداخلات الإقليمية الإيجابية أو السلبية الأشد، كثيرة في الشأن السوداني منذ ما قبل الاستقلال، ولعدد من الدول مصالح كثيرة في هذا البلد الغني بثرواته وحضارته.
ولكن الأيادي العابثة باستقرار البلد ووئامه وحضارته، والتي أدت لزرع بذور الحروب فيه كانت واضحة منذ الاحتلال البريطاني المريض بتفوقه الأبيض، ودوره كما أشرنا في الورقة وصولًا لعدد من المخططات الدولية الامريكية والإسرائيلية مما أشرنا لها أيضًا.
ودعنا أولًا نأخذ إطلالة على التدخلات الخارجية بعمومية حيث يقول المحلل السياسي رضوان خالد: أن صراع النفوذ بين البرهان والجيش من جهة، وحميدتي والدعم السريع من جهة أخرى، أخذ أبعاداً خطيرةً ذات طابع دولي، إذ يمتلك حميدتي علاقات وثيقةً بروسيا، وهو أمر يريد أن يوازنه البرهان بعلاقات مع "إسرائيل" والغرب.
قالت مصادر محلية في وقتٍ سابق، إن تشاد أبلغت البرهان في زيارته الأخيرة عن قلقها من انتشار قوات الدعم السريع في الشريط الحدودي بينها وبين السودان وإفريقيا الوسطى، شاكيةً من علاقات الدعم السريع ومرتزقة "فاغنر" الروس.
وتتهم تقارير إعلامية غربية، حميدتي بالضلوع في تهريب الذهب السوداني إلى روسيا، لتمويل غزوها أوكرانيا، كما كان حميدتي حاضراً في روسيا بالتزامن مع دخول جيوشها إلى أوكرانيا العام الماضي.
وبالتركيز على التدخل الإسرائيلي فلقد أعطت المخططات الصهيونية في السودان أكُلها، حيث صرخ مندوب الموساد حين حصول الانفصال الجنوبي بقوله "لقد حققنا الحلم الإسرائيلي"!
لكن بعد الانفصال لم تهدأ الأوضاع فتواصل صراع الأخوة المدمّر، على مركب الأيديولوجية والحزبية حينًا، وعلى المدني مقابل العسكري حينًا آخر وصولًا لصراع الذات والنفوذ الشخصي والمصلحي.
سنحاول هنا أن نضيء على العلاقات الإسرائيلية- السودانية حيث اكتشفنا أن كلا طرفي الصراع الحالي أي حميدتي والبرهان أقاما علاقات حسنة مع الاحتلال الصهيوني!
ولم يكن حمدوك برافض لهذه العلاقة، حيث منعه الانقلاب من اقامتها،"إذ كان رئيس الوزراء السوداني السابق عبدالله حمدوك يستعد للسفر من أجل التوقيع على اتفاق التطبيع مع "إسرائيل" لكن اعتقاله في انقلاب نفذه البرهان في 2021 أقصى بموجبه الشركاء المدنيين من الحكم، حال دون ذلك"
فيما يشير حميدتي أن البشير ذاته الذي انقلب هو والبرهان عليه قد كلّمه بشأن إقامة العلاقات مع الكيان الصهيوني!
إن تصارع كل مكونات السلطة الحاكمة على خطب ودّ الكيان الإسرائيلي تضعهم جميعًا في مربع واحد في نظرتنا لهم، إلا إن أردنا التفصيل كم لهذا أو ذاك من حظوة عند الجهاز الصهيوني الفلاني أو ذاك عند الجهاز الآخر في صراع اليوم المدمر الذي في حقيقته على النفوذ الشخصي والأموال والامتيازات والسلطة وكما يظهر من تحوطات الاتفاق الإطاري الهامة.
الكيان الصهيوني وافريقيا والسودان
في دراسة هامة للكاتب عبدالغني سلامة منشورة لدى مركز الأبحاث الفلسطيني يذكر عن العلاقات الإسرائيلية الإفريقية، ومع السودان ما نوجزه بالتالي
بدأ مخطط التسلل الإسرائيلي إلى أفريقيا منذ وقت مبكر بعد تأسيس الدولة العبرية، مستخدمة الأسطورة التوراتية وخرافة "شعب الله المختار" تارة، والوعود بتقديم المساعدات تارة أخرى، مستغلةً فَقر القارة الإفريقية وافتقارها إلى النظم التقانية والعلمية الحديثة.
2-كان يظهر الوجه الحقيقي لدوافع هذه السياسة بسعيها للسيطرة على المواقع الحيوية وإقامة محطات للتجسس، وإثارة الفتن والقلاقل، وتشجيع نزعات الانفصال وصفقات السلاح وتجارة الماس المشبوهة.
3-كانت بداية التسلل من غرب القارة، ثم امتد لوسطها وانتقل إلى شرقها، خاصة بعد فتح خليج العقبة أمام الملاحة “الإسرائيلية” عام 1957، والذي استفادت منه “إسرائيل” في تسيير خطوط ملاحية بحرية منظمة ربطتها بإفريقيا وآسيا.
4-في الفترة من العام 1963 وحتى 1967، ركزت "إسرائيل" على منطقتي القرن الإفريقي والبحر الأحمر باعتبارهما المخرج الجنوبي الوحيد لها الذي يصلها بجنوب وشرق الكرة الأرضية، وباعتبارها منطقة استراتيجية من الناحية الأمنية والعسكرية والاقتصادية؛ فسعت "إسرائيل" إلى إيجاد نفوذ لها على طول الساحل عبر علاقتها المتميزة مع أثيوبيا في زمن "هيلاسيلاسي"، (عندما كانت تحتل أرتيريا). وبالفعل نجحت في إنشاء مراكز عسكرية لها في جزر فاطمة ودهلك وحالب على الساحل الإرتيري، حيث احتفظت بمراكز رصد معلومات وقوات كوماندوز وقطع بحرية صغيرة على تلك الجزر.
5-في المجال الاقتصادي كان الهدف الإسرائيلي الأساسي هو اقتناص الأسواق الإفريقية الواسعة، والأقرب إلى "إسرائيل". وعمدت إلى افتتاح مكاتب تجارية وإنشاء شركات في إفريقيا في الصناعات الزراعية، وإقامة مزارع للدواجن والماشية، وإنشاء مراكز التدريب والإرشاد الزراعي، وشركات للنقل البحري. وفي هذا الصدد تُعد تجارة الماس والأسلحة والخدمات الأمنية من أهم الاستثمارات الإسرائيلية في إفريقيا.
6-كان لمصر والسودان النصيب الأكبر في الاستراتيجيات الإسرائيلية؛ والسودان لموقعه وثرواته وإمكاناته، حيث أن حدوده هي حدود العروبة في قلب إفريقيا، وإمكاناته هي إمكانات الأمة جمعاء، وتقدمه يعني تقدمها وضعفه هو ضعفها، فهو سلة الغذاء العربي، وهو مجرى النيل، وفيه أخصب أراضي العالم، وطالما أنه مشغول بالمجاعات والحروب الأهلية ومشاريع الانفصال فلن تقوم له وبالتالي للأمة قائمة، وقد ظهرت أدلة متزايدة تؤكد أن المطالبة بفصل جنوبه عن شماله كانت تأتي في سياق مخطط أميركي إسرائيلي يهدف إلى إتباع تكتيك مختلف في الحرب على المنطقة العربية؛ أي بتقسيم الدول العربية وتجزئتها بدلا من خوض الحروب التقليدية معها، بحيث يسهل على أمريكا التحكم بتلك الدول ونهب ثرواتها، ويسهل على "إسرائيل" فرض هيمنتها عليها.
7-في السودان كان الهدف الأميركي واضحًا: السيطرة على مواقع استراتيجية جديدة في القارة الإفريقية، واستغلال مواردها الطبيعية، وتحديداً النفط؛ وقد أشار وزير الأمن الإسرائيلي، "آفي ديختر" في محاضرة نشرها معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، إلى أن "لدى إسرائيل موقفا استراتيجيا ثابتا تجاه السودان، يهدف إلى حرمانه من أن يصبح دولة مهمة بالمنطقة". وكانت "جولدا مائير" قد أكدت بعد نكسة حزيران 1967م، أن تقويض الأوضاع بالسودان والعراق يقتضي استغلال النعرات العرقية فيهما؛ ما يعني أن استهداف وحدة البلدين -من وجهة نظرها- سيجعل العمق الاستراتيجي لدول المواجهة العربية مكشوفا في أية حرب مع "إسرائيل".
8-ولا شك أن موطئ القدم الذي تسعى له الدوائر المعادية في دولة "السودان الجنوبي" يعني التحكم في مجرى النيل، وبالتالي وقوع مصر والسودان في القبضة المتحكمة فيه، وهي على الأكثر أمريكا و"إسرائيل"، وهذا يعني تهديد أمنهما القومي في عصب الحياة وشريانها الأهم، بكل ما يعنيه من مياه للشرب والري والصناعة والزراعة والطاقة الكهربائية.
9-في الثامن من يوليو/تموز 2016، كان رئيسُ الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو يُنهي جولةً إفريقيّةً استثنائيّةً شمِلَت كينيا وأوغندا وإثيوبيا ورواندا. كانت تلك الجولة الأولى من نوعها لرئيس وزراءٍ إسرائيليّ بعد سنواتٍ طويلةٍ من العلاقة الفاترة بين القارة الإفريقيّة ودولة الاحتلال.
10-لدى "إسرائيل" حاليًّا علاقات دبلوماسية مع 46 من 55 دولة عضوًا في الاتحاد الإفريقي. والقرار الأخير من قبل الاتحاد الإفريقي بمنح "إسرائيل" صفة مراقب لم يكن سوى خطوة جديدة لتلميع صورتها ومحاولة لتعزيز علاقاتها مع القارة مرة أخرى.
ما الذي يريده الكيان الصهيوني من السودان؟ أو لنقل من أي دولة عربية، قد يبدو الرد واضحًا فيما طرحه الباحث عبدالغني سلامة أعلاه، وقد يراه الكثير منا الى ما سبق سعيًا لجرّالأمة للمستنقع الصهيوني عبر "التتبيع" كهدف كبير، تمزق به شمل الأمة من حول القضية المركزية قضية فلسطين.
إن الهدف الصهيوني الأسمى أيضًا هو تنفتيت الأمة (العربية والاسلامية) وتدمير جيشها كليًا، وتدمير مقدراتها الزراعية والاقتصادية والفكرية والصناعية والتقانية، واختراق حضارتها المتميزة، وتكبيل اقتصاداتها والطعن في روايتها الحضارية الجامعة هي كلها وغيرها ما يتقاطع مع محاربة اللغة العربية والانتشار للفكر النضالي الجهادي الثائر ضد الظلم والاحتلال و"الأبارتهايد" وحدة واحدة.
فحيث ابتعد العربُ عن القضية المركزية الجامعة قضية فلسطين، وحيث ابتعدوا عن القيم الثقافية والحضارية الجامعة والمميزة للأمة، وحيث استقر الشقاق والخلاف بين العرب عوضًا عما سبق، وداخل كل دولة، تصبح القبضة الاستعمارية والرأسمالية المتوحشة والدولة الصهيونية و"الموساد" الإسرائيلي خاصة قد حققت مطالبها التي لا تنكرها، كما لم يُنكرها رؤوساء الوزارة الإسرائيلية المتعاقبين على رأس الكيان.
إن الذي تريده "إسرائيل" من السودان اليوم هو -فيما ننظر له من زاوية رؤية الكيان برأينا مما يحصل اليوم في السودان، وتواصل استهدافه- كالتالي:
1-الدولة الديمقراطية الوحيدة: تخادع آلة الاعلام الصهيونية العالم والمتحاربين في دعوتها لاجتماع الرجلين المتصارعين، في داخل الكيان! وكأن هذا الكيان الاحتلالي الاحلالي "الأبارتهايدي" واحة الديمقراطية كما تدعي في منطقة الاضطراب بالشرق الاوسط. فتواصل بذلك عملية تغطية وجهها بالمساحيق.
2-إضعاف واستقطاب: يريد الإسرائيلي أن يُخرِج السودان تماماً من الفلك المعادي لها، وإن كانت بالحقيقة هي المعادية للحقيقة والعدالة، وأن يصبح بلداً ضعيفاً يمكن أن تعمل فيه وفق مصالحها الخاصة بكل أريحية.
3- محرّك للصراع: ربما تكون "إسرائيل"، مثلها مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، جزءاً من هذا الصراع، أو جزءاً من تحريكه. ليس هناك أمر بريء في دولة لديها سفارة أميركية أو تقيم علاقات مع "إسرائيل". كما يقول المحلل السياسي في فضائية الميادين عبدالرحمن نصار.
4- مصلحة "إسرائيل" إضعاف السودان وتفكيكه: "إسرائيل" لديها علاقات قوية مع إثيوبيا، فمصالح الإثيوبيين تتعارض مع مصالح السودان وتتقاطع مع "إسرائيل"، التي من مصلحتها أيضاً أن تظهر نفسها في مظهر المنقذ والمُصلح والطرف "الذي سيحمل الخير للسودان!".
5-العبث بجميع الأطراف: حيث أنها حسب المحلل عبدالرحمن نصار"في وقت الحروب، تُمرّرسلاحاً ومعلومات استخبارية للطرفين.أما في السلم، فهي تأتي بمشاريع واستثمارات مختلفة كالأعمال الزراعية، وتستفيد من اليورانيوم، لأنّ ملف اليورانيوم مهم لديها، ولا سيّما في أفريقيا، ضمن مجموعة أخرى من الأطماع".
6-التطبيع مع الأقوى: يشير المحلل السياسي د.ثابت العمور لمصلحة الاحتلال من حيث أنه الصراع الحالي في السودان ربما يفضي إلى "ظهور قادة سودانيين جُدُد في المشهد، وبالتالي العودة إلى تمرير التطبيع-التتبيع من جديد".
7-تعويض الاتفاق السعودي-الإيراني: ووفق نصار فإن "إسرائيل" لا ترغب في تأخير التطبيع مع السودان، وخصوصاً بعد الخسائر السياسية التي شهدتها في الفترة الأخيرة، من ضمنها الاتفاق السعودي الإيراني. لذلك، كانوا معنيين بتعويضها في دول عدّة.
8-يجب ألا تفلت الامور من أيديهم:"اليوم، انتقلت التوجهات الإسرائيلية نحو النيجر وموريتانيا لانشغال السودان بالصراع الداخلي، لكن هذا الملف لم يعد فعّالاً كما كان في السابق، فالمهم بالنسبة إلى الإسرائيليين هو ألا تفلت الأمور في السودان إلى حدٍ لا يستطيع أحد السيطرة عليه، فيصبح البلد ساحة غير آمنة للعمل". حسب المحلل السياسي عبدالرحمن نصار. لذا فالعلاقات الإسرائيلية مع المكوّنات السياسية، ومع العسكرية ستتواصل وبقوة.
9- مصلحة سياسية آنية: التطبيع بين السودان و"إسرائيل" يبدو حالياً حاجةً ل"نتنياهو" الذي يغرق في أزماتٍ داخلية تعصف بحكومته وبكيان الاحتلال، ويريد إنجازاً لتقديمه للرأي العام الإسرائيلي.
10-الاختراق الأسود، ومواجهة القوى الأخرى: يشكل التطبيع-التتبيع في السودان اختراقًا للقارة الأفريقية ما يؤمن موضع قدم للاحتلال الإسرائيلي في منطقة إستراتيجية مهمة جداً تضمن تمدّداً إسرائيلياً في أفريقيا، خاصة أن السودان باتت تشكل بوابة "إسرائيل" إلى القارة الأفريقية، إضافةً إلى قلقها من الوجود الإيراني والروسي والصيني في السودان والقارة الأفريقية، ولكونه طريق إمداد لوجستي لدعم المقاومة الفلسطينية، وهذا ما تريد "إسرائيل" منعه.
11-استثمار وسوق وجغرافيا سياسية: وحسب العمور فإنه من الناحية الاقتصادية يعتبر السودان منطقة استثمار جديدة بالنسبة إلى "إسرائيل"، وسيكون أيضاً سوقاً جديدة وكبيرة لها. ومن الناحية الجيوسياسية، فإنّ حضور "إسرائيل" في السودان يعني الحضور في البحر الأحمر بشكلٍ معلن ودائم.
12- محاصرة مصر والنيل: كذلك، من الممكن أن تستخدم "إسرائيل" السودان ورقة للضغط على القاهرة، وربما لابتزازها في قضية مياه نهر النيل، ما يعد تحدّياً أمنياً قومياً، لا لمصر فحسب، ولكن للمنطقة العربية أيضاً.
13-ترحيل الأفارقة من "إسرائيل": وهناك سبب آخر يتمثل بأن التطبيع سيكون فرصة لترحيل أغلب اللاجئين الأفارقة المقدّرين بـ150 ألفاً إلى السودان.
الأصابع الصهيونية وحربُ الجنرالين (برهان وحميدتي يخطبان ود الإسرائيلي)
من الواضح من مختلف المصادر أن الحكم في السودان سواء المدني السابق (حمدوك) أوالانقلابي العسكري قد قرر أن يقيم علاقاته "المثمرة" مع الكيان الصهيوني فهما معًا يتفقان ضد الحكم المدني مما هو واضح ويتفقان على تقاسم النفوذ وحين يتنازعان لا تتأثر علاقة أي منهما بالإسرائيلي، فلكل منهما خطّه الإسرائيلي، ولكل منهما مصالحه الخاصة.
حميدتي والموساد الصهيوني:
"بعد فشله في حشد دعم كلّ من تركيا وروسيا للحفاظ على قوات "الدعم السريع" مستقلةً عن الجيش، لجأ قائد هذه الميليشيا، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، إلى حليف آخر يتقوّى به ويساعده على الاحتفاظ بقواته وسلطته عليها، فوقع خياره على "إسرائيل"، وتحديداً "الموساد" الذي أوفد عملاء له إلى الخرطوم، للقاء حميدتي، في خطوةٍ أثارت غيظ بعض المسؤولين السودانيين الذين اعتبروها بمثابة محاولة لتقويض سلطة رئيس "مجلس السيادة"، عبد الفتاح البرهان، كونه هو من بادر، بدايةً، إلى الحوار مع العدوّ"
و"في هذا الإطار، يعتقد بعض المراقبين أن التواصل بين قائد ميليشيا "الدعم السريع" و"الموساد"، تمّ بمبادرة شخصية من حميدتي-الذي قاتلت قواته في حرب اليمن ضد الحوثيين- فيما يستبعد هؤلاء أن يكون للإمارات، دور في عملية التواصل، خصوصاً بعد التسريبات التي تحدّثت عن خلافات مالية نشبت بين قائد الدعم السريع وأبو ظبي التي أخرجت، من جهتها، كشْفَ حساب لكلّ المعاملات والصفقات - عسكرية كانت أم تجارية - التي تجمع الطرفين، والتي خرج حميدتي على إثرها صفر اليدين".
يشار للعلاقات المتسارعة بين حميدتي والموساد الصهيوني حيث زار حميدتي (أو أخوه في إشارة أخرى) فلسطين المحتلة، بينما رئيس الموساد يوسي كوهين هبطت طائرته عدة مرات أرض السودان بعد أن قرر الحكم التطبيع مع الإسرائيلي، وقبلها في روايات أخرى، محملًا معه بالطائرة مسؤولين بالجهاز.
في منتصف 2021، كما يشيرتقرير القدس العربي عقد « حميدتي» لقاء مع مسؤولين في الموساد في إسرائيل، إذ نقل موقع «أكسيوس» الأمريكي عن مصادر أن مسؤولين سودانيين أبدوا انزعاجهم آنذاك من الزيارة، معتبرين إياها محاولة إسرائيلية لتقويض البرهان. وأضاف الموقع أن «حميدتي» كان يحاول "إنشاء علاقة مستقلة مع الإسرائيليين من أجل تعزيز أجندته السياسية المحلية في السودان".
ورغم أن "إسرائيل" تحرص على أن تكون علاقاتها الرسمية مع البرهان، لكنها توفر دعمًا لمنافسه "حميدتي". وهما معًا لايملان التنافس على إبقاء هذه العلاقة!
حيث أنه منذ بدء التطبيع (التتبيع للإسرائيلي) بحث حميدتي عن قنوات اتصال مع الاحتلال فالتقى مع كبار مسؤولي الموساد في أغسطس 2020 ما دفع شريكه بالتطبيع (التتبيع) برهان مرات للشكوى من ذلك لنتنياهو كما أسفنا؟!
ويشار أن قوات "حميدتي" تلقت في مايو/أيار الماضي، شحنة عبارة عن تقنيات تجسس متطورة من نوع (بريداتور) من الشبكة الإسرائيلية، تسمح بالتنصت على الهواتف المحمولة بالصوت والصورة. وقد هرّبت قوات الدعم السريع تلك الشحنة إلى معقلها في دارفور لمنع الجيش السوداني من الاستيلاء عليها.
وفي إطار التنافس بين الجنرالين على حُب "إسرائيل" يقول د.هاشم بابكرأن : ""اسرائيل" وجدت نموذجين الأمر الذي جعلها أمام خيارين…!!؟ برهان قائد لجيش قوي وذلك الجيش لن يرضي بعلاقات مع "اسرائيل"،أما حميدتي فهو قائد مليشيا ليس له في السياسة باع يذكر، لم ينتظر دعوة "اسرائيل" لزيارتها بل باغتها بزيارة أخيه نيابة عنه،فوقع عليه الخيار…!!؟ وقع الخيار علي حميدتي، فهو شبه أمّي يطمح أن يكون حاكمًا للسودان، بلا مؤهل سياسي أو علمي،وقد استعاض عن ذلك بالمال،ويساعده في ذلك آخرين من محيط خليجي…!!؟"
يتساءل د.بابكر "هل سأل برهان عن أجهزة الاتصالات التي صادرتها المخابرات العسكرية والتي كانت مرسله للدعم السريع…!!؟ وهل استفسر عن جهاز التنصت المرسل من شركة "بيقاسوس" الاسرائيلية وهو من أخطر أجهزة التنصت الحديثة؟ هذا الجهاز الخطير قيل أنه تم نقله الي دارفور…!؟ والجهاز الأخير تم استلامه قبل حوالي شهر من اشتعال الاحداث الرمضانية…!؟" ليخلص في مقاله بصحيفة الانتباهة بالقول: "هذه هي علاقة حميدتي ب"إسرائيل" فحميدتي ليس سياسيا وليس عسكريا درس الاستراتيجيات العسكرية. هو مجرد قائد مليشيا. والصراع السياسي له أسسه وقوانينه والتي ليس من بينها استخدام قوة السلاح،والحرب أيا كانت أهلية او اقليمية أو عالمية تنشب حين تفشل السياسة وفي حالة حميدتي لم تكن السياسة موجودة أصلاً حتي يحتكم اليها…!!؟"
بينما تشير الكاتبة السودانية شمائل النورفي صحيفة السفير اللبنانية عام 2022م بوضوح الى أن هناك تفاهمات بين قيادة "الدعم السريع" والوفد الإسرائيلي الزائرللسودان (حينها) حول مشاريع اقتصادية. وعادةً ما تكون مثل هذه المشاريع واجهات لعلاقات تعاون أمنية وعسكرية. وبالمقابل، تُخطِّط "قوات الدعم السريع" لإنشاء أكبر مسلخ لصادرات اللحوم في المنطقة، بشراكة إسرائيلية. وتفيد بعض المعلومات أن العمل الفعلي بدأ في المصنع بنصب الماكينات بمنطقة أم درمان.
والمثير في الأمر حسب موقع دارفور 24 هو تعاون كل من الحليفين-العدوين لنهب ثروات البلد حيث يقول الموقع: "تنشط "قوات الدعم السريع" بجانب الجيش في تصدير اللحوم، وتسيطر المؤسسات العسكرية والأمنية في السودان على قطاع الصادرات مثل المعادن والثروة الحيوانية. وفي وقت سابق قالت وزارة الثروة الحيوانية إن 70 في المئة من عائد صادرات الثروة الحيوانية لا يجد طريقه إلى خزينة الدولة."!
تناقلت كافة الوكالات تصريحات حميدتي خاصة حول "التطبيع" ولننظر في بعضها:
"أكد نائب رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول محمد حمدان دقلو(حميدتي) عام 2020م، أن بلاده تتطلع لإقامة علاقات مع كافة دول العالم بما فيها "إسرائيل"، معتبراً أنه آن الأوان للشعب السوداني الذي عاش عزلة لثلاثين عاماً أن يتطلع إلى مصالحه، ومضيفا أن العلاقة مع "إسرائيل" ستستمر حتى التطبيع"، وأضاف متسائلًا:" ما مشكلتنا مع "إسرائيل"، لسنا أول دولة تطبع"
وحينها عدّد حميدتي ما أسماها الفوائد المرجوة للسودان من إقامة علاقات مع "اسرائيل"، وأولها فك العزلة، فضلاً عن تطلعهم للتعاون في كافة المجالات، السياسية والأمنية (؟!) والاقتصادية خاصة الاستفادة من التقانة الاسرائيلية في الزراعة والتي يحتاجها السودان بشدة.
وقال حميدتي في تمهيد للتتبيع كما ينقل راديو دبنقا عام 2020 "إنه أتضح لهم إن الخروج من القائمة السوداء يتطلب إقامة علاقة مع "إسرائيل"، مشيرًا إلى تنفيذهم كل الإشتراطات التي وضعتها الإدارة الأمريكية في سبيل رفع اسم السودان من قائمة دعم الإرهاب."
ومن لقاء له في صحيفة الشرق الأوسط قال: "عانينا من العزلة الدولية لأكثر من 27 عاماً، بسبب إدراجنا في قائمة الإرهاب الأمريكية... لذلك نسعى للتصالح مع العالم". وقال: "إسرائيل" جزء من العالم، والسلام معها يحقق مكاسب لنا". وأضاف: نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني محمد حمدان دقلو (حميدتي)، أن "90% من السودانيين يدعمون إقامة علاقات مع إسرائيل (؟!!) في الوقت الذي يقفون فيه إلى جانب حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة".
ويذكر أن وفدًا برئاسة مدير الاستخبارات العسكرية السودانية، محمد صبير، ومستشار البرهان لشؤون الأمن القومي، مبارك عبد الله بابكر، زار "تل أبيب" مطلع نيسان/أبريل للعام 2022م.
وأبلغ الوفد الزائر المسؤولين الإسرائيليين "اعتراضه على التواصل المباشر لقيادات إسرائيلية مع الدعم السريع دون علم بقية أجهزة الدولة الرسمية".
وهدّد الوفد بـ"وقف أي تعاون رسمي مستقبلاً إذا ما استمر تواصل الموساد مع قوات الدعم السريع".
البرهان والكيان الصهيوني
كان البرهان بحسب الكاتب د.هاشم حسين بابكر في صحيفة الانتباهة السودانية قد تمنى أن تدعوه "إسرائيل" لزيارتها! وهو الذي اجتمع مع نتنياهو في يوغندا، كما يشار لزيارة الوفد الإسرائيلي للتصنيع الحربي في السودان وكشف كل أسراره، وقد ساعد في ذلك رئيس الوزراء السابق حمدوك كما يورد د.بابكر
ويعتبر برهان هو عرّاب العلاقات الجديدة مع الكيان الصهيوني حيث يذكر الكاتب محمد نجم الدين ملخص الحكاية فيقول أنه: "على عجالة، التقى البرهان برئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في عنتبي الأوغندية في شباط/ فبراير 2020، ليبدأ خطى السلام مع "إسرائيل"، ولكن جهوده تلك جرى كبحها و"فرملتها" من قبل السلطة المدنية في الحكومة الانتقالية، التي لم تمانع -صراحةً- التطبيع، لكنها رأت أن البت فيه رهين بحكومة منتخبة.
وبعد الإطاحة بالمدنيين في تشرين الأول/ أكتوبر 2021، عاد قائد الجيش لمد جسور التواصل مع "إسرائيل"، بحيث كثُرت حركة الوفود والتعاون الأمني بين البلدين، إلى أن وصل إيلي كوهين –وزير الخارجية الصهيوني قبل أيام بمسودة اتفاق سلام (تطبيع)، من المفترض أن يتم توقيعها في واشنطن العام الجاري".
إلا أن العلاقات طالت الجنرالين كل بشكل منفصل، وعندما اشتكى البرهان (فعلها قبله حمدوك) من علاقات حميدتي المنفصلة مع الإسرائيليين. وحيث "أفاد مسؤولون إسرائيليون أنه في أعقاب الشكوى السودانية، طلبت حكومة بايدن من "إسرائيل" البدء باتصالات مع الحكومة المدنية في السودان كجزء من مسار اتفاق التطبيع بينهم، وعدم الاقتصار على التواصل مع الجناح العسكري من الحكومة السودانية." أي لم ترفض العلاقات مع العسكر وإن كل على حدة البتة!
اما لماذا (زعل) البرهان من منافسة صديقه على ودّ الإسرائيلي فيقول المحللون لأن البرهان يحاول تقديم نفسه للغرب عبر بوابة "إسرائيل"، ولا يريد منافساً له، وكذلك يريد احتكار التعامل الأمني مع "إسرائيل" التي يعمل حميدتي على مد جسور التواصل معها سراً(أصبحت علانية).
في أعقاب زيارة "إيلي كوهين" وزير الخارجية الصهيوني، في فبراير الماضي 2023، إلى الخرطوم، ولقائه مع البرهان، أكد الجانبان على "المضي قدما في تطبيع العلاقات بين البلدين، والتأسيس لعلاقات مثمرة وتعاون مشترك في عدة مجالات أبرزها الأمنية والعسكرية". غير أن "حميدتي" قال إنه لم يعلم بالزيارة، ولم يلتقِ الوزير الإسرائيلي، والوفد المرافق له.
تشير التقارير أن المُعلن صهيونيًا هو أن الخارجية الإسرائيلية تميل إلى دعم عبد الفتاح البرهان بصفته ممثلاً للجيش السوداني، ولكون توقيع التطبيع تمّ بشكلٍ مباشر معه، فيما يميل "الموساد" إلى محمد حمدان دقلو "حميدتي"، لكونه قدّم مجموعة من الخدمات المباشرة لـ"إسرائيل" عبر الإمارات، لكن هذا التباين لا يعدّ اختلافاً جوهرياً حول الطرفين، لأنّ "إسرائيل" أعلنت منذ البداية أنّ فوز أي منهما يصبّ في مصلحتها.
وتشير صحيفة السفير في تقريرها أنه: "وعلى الرغم من أن قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان يُنظر إليه كمؤسس لتطبيع العلاقات مع "إسرائيل"، لكن تلك العلاقات تطورت في الفترة الأخيرة بشكل لافت بينها وبين قوات "الدعم السريع"، ومضت نحو نشاط اقتصادي مشترك بين الجانبين، وهو ما يُشير إلى تنافس لم يعد خفياً بين البرهان ونائبه حميدتي للفوز بدعم "إسرائيل"".
ولتختم الصحيفة تحليلها بالقول ما نتفق معها فيه: "على العموم فإن جنرالات السودان يسيرون على درب المخلوع عمر البشير، وقع الحافر على الحافر: التعويل على العامل الخارجي والاستقواء به، غاضّين الطرْف تماماً عن حجم السخط الشعبي. ويبقى سؤال جوهري: هل الشارع الرافض للبرهان يُمكن أن يقبل بحميدتي كجزء من أي مشهد قادم، أو بأيٍ من عناصر المكون العسكري الموجود حالياً على رأس السلطة؟ الطبيعي أن الجواب هو "لا". لكن وأيضاً، وإلى درجة كبيرة، فإن الفيصل في مسألة القبول والرفض هو نتائج تحقيق لجنة فض اعتصام القيادة، والتي لا تزال معلقةً بعد حل الحكومة المدنية صبيحة الانقلاب"
الشعب السوداني ضد "التطبيع"
لا يجوز أن نقفز في ظل هذا العرض بين الجنرالين الصديقين والعدوين اللدودين بنفس الوقت عن موقف الشعب السوداني الأصيل من التتبيع مع الكيان الصهيوني. فلقد رفضته عديد التنظيمات الوازنة والقوى الشعبية بإباء وعنفوان: وفي ذلك قال حزب الأمة بزعامة الامام الصادق المهدي (عام 2020م) أن قضية التطبيع مع "إسرائيل" التي طُرحت الآن في الساحةِ السياسيةِ دون مسوغاتٍ موضوعيةٍ وبطريقةٍ إبتزازيةٍ غير مقبولة تُلخِصُ الموقف بأنه مساومةٍ بمقابلٍ ماديِّ – علي وضاعتهِ لن يتحققْ – على حد تعبير بيان صادر من الحزب .
وأكد حزب الأمة في بيان لمكتبه أن موقفهُ من التطبيع مبدئيٌ وغير منطلق من الموقف العربي مع إحترامنا له ولكنّهُ يشابهُ موقفنا من نظام الفصلِ العنصري في جنوبِ إفريقيا الذي عارضناهُ إحقاقاً لمبدأ العدالة وليس لأفريقانيةِ القضية.
وأكد حزب الأمة في بيانه أن مثل هذه المواقف تعرّض بلادنا لمخاطر تطرف الجماعات الإسلامية في شرق وغرب القارة، وهنا نشيد بموقف رئيس الوزراء في إسناده لمثل هذه القرارات للحكومة المنتخبة.
ورفضت التيارات العروبية (البعث، الناصري)، والإسلامية (الشعبي، الحركة الإسلامية)، التطبيع وطالبت الجماهير بالخروج إلى الشوارع للتعبير عن هذا الرفض.
لماذا هذه الحرب تعد الأخطر على السودان؟
في تقرير هام لصحيفة الغد الأردنية تذكر مخاطر هذه الحرب عما سبقها بما نوضحه كالتالي:
1- حسب الخبراء والاستراتيجيين. فهي أول حرب تنطلق من مركز القوة في العاصمة الخرطوم، ومدن شمالية أخرى كانت بعيدة عن نيران الحرب، بينما كانت الحروب الأخرى تنطلق من الأطراف.
2- وهي حرب مدن وشوارع، وبالتالي فإن خسائرها بين المدنيين والممتلكات ستكون باهظة. ولا غرو أن حصاد اليوم الأول لها كان 59 قتيلاً من المدنيين، وتدمير ممتلكات وبنايات
3-خطورتها أنها انطلقت في ساعة صفر واحدة في عدة مدن؛ الخرطوم، ومروي (شمال)، الفاشر ونيالا (غرب)، الأُبيِّض (وسط)، والقضارف وكسلا وبورتسودان (شرق)، وما زالت كرتها تتدحرج شرقاً وغرباً ويميناً وشمالاً.
4-وأحلى سيناريوهاتها مرّ. إنها حرب لا منتصر فيها، فالكلُ خاسر كما يؤكد اللواء المتقاعد كمال إسماعيل قائلاً "سواء كانت اليد الطولى فيها للجيش أو للدعم السريع، أواستمرت دون حسم… فالكل مهزوم فيها… لن تنتهي بانتصار".
5-كما"انها ستستمر طويلاً، وستكون لها تداعيات جسيمة… على المدنيين والبنية التحتية… إضافة إلى تداعيات أخرى على حياة الأطفال النفسية والصحية وعلى مستقبلهم".
6- يشير اللواء إسماعيل إلى وجود أنواع كثيرة من الحروب… لكن أسوأها وأقساها تدميراً تلك التي تجري في المدن، والمناطق المبنية… غير تلك التي تجرى في أماكن مفتوحة حيث يتأثر فيها الجنود فقط.
7- الجميل الفاضل، المحلل السياسي السوداني البارز، يؤكد هذا الاتجاه أيضاً، فهو يرى أنها تفتح المجال لخروج مناطق، وربما إقليم، من سيطرة الوطن في حالة توسعها. ويعدها قدراً مقدوراً، ربما يكون فيها خير إذا طال مداها وزمنها، فهي "إنهاك للطرفين، وهزيمة في خاتمة المطاف للسلاح في مجال السياسة".
8- سيناريوهات أخرى أسوأ تتمثل في وجود عدد من جيوش المجموعات المسلحة، التي كانت تقاتل نظام البشير السابق، ويزيد عددها عن 8 جيوش موجودة حالياً داخل الخرطوم، تنتظر ترجح كفة على أخرى للاصطفاف.
9- وهناك جيوش جهوية أخرى تشكلت أخيراً، مثل درع الشمال، وأبو عاقلة كيكل، والصوارمة خالد سعد، وهذه قد تدخل أيضاً دائرة الصراع، فتصير الخرطوم مثل بيروت زمن الحرب الأهلية، كلّ جيش يتمركز داخل حيّ أو منطقة، يتحكم في مصيرها ويمنع دخول الآخرين لها.
10- ويتخوف إسماعيل من تحول الحرب إلى حرب عنصرية وقبلية تصعب السيطرة عليها، في ظل أن السودان قبل إطلاق الرصاص، هو بيئة خصبة للعنصرية ولإشكاليات مجتمعية… "هذه الحرب ستزيد هذه الوتيرة… وسينفرط العقد الاجتماعي".
11- وتشير التقارير إلى وجود ميداني كبير لكتائب الظل الإسلاموية والأمن الشعبي والدفاع الشعبي وهيئة عمليات جهاز الأمن التي تتبع الحركة الإسلاموية (عناصر النظام السابق)، حيث تعمل على الأرض بشكل واضح، حسب الفاضل: "كذراع مساندة للجيش، وهي معاونة لن تكون مجانية في حال كانت اليد الطولى للجيش في الحرب الدائرة الآن. ما يعني أيضاً عودة النظام المؤدلج، للسلطة بثبات تام"
12- وحسب المحلل السياسي، فإن "جنرالات الجيش ربما شعروا بأنهم في حاجة إلى تدعيم صفوفهم بقوى احتياطية جاهزة… وهي قوى (الإخوان). وترمي هذه القوى بثقلها على هذه المعركة، لأن عودة العملية السياسية تعني النهاية الحتمية لها، لذلك فهي تخوض معركة وجودية ومعركة حياة أو موت".
13-وفي اتصال لنا مع المحلل والصديق الإعلامي والمفكر د.محمد حمزة (سمير غطاس) عبر عن خشيته المتعاظمة من مآل هذه الحرب المجنونة وانتقالها لتتحول الى حالة تقسيم فعلي للسودان كما يريد أعداء الأمة.
الخاتمة:
بعد أن استعرضنا أعمال الهدم والتصدع والشرخ والتفتيت الذي بدأته الإمبراطورية البريطانية -الآفلة عنها الشمس اليوم- في جسد السودان العظيم، وما تلاها من قوى امبريالية خاصة أمريكية-صهيونية، نستدل على أن هذه العقلية الاستعمارية التدميرية للآخر هي ذاتها التي فعلت فعلها الاستعماري ذاته وإن بشكل آخر في فلسطين، وفعلت أفعالها الإجرامية المشينة في كل مكان احتلته سواء في إفريقيا أو أمريكا أو أسيا. ما هو شأن كل الدول الاستعمارية وإن تميزت بذلك بريطانيا فترة تمددها الامبراطوري.
إن السودان الذي منحه الخالق موقعًا هامًا، وثروات كثيرة، وشعب أصيل تعرض عبر السنوات لمخططات عديدة هدفت لإفقاده وحدته وتنوعه القبلي، ولإفقاده تواصله وجمال صِلاته ببعضه البعض شمال وجنوب وشرق وغرب.
وكان من الحكام بصراعاتهم المختلفة سواء الأيديولوجية أو الفصائلية أوالمناطقية أو بجهل بعضهم أو قلة وعيهم وعماهم وانخراطهم في مستنقع الاقتتال، وبحروبهم الستة التي دامت 57 عامًا من عمر البلد (آخرها حرب العسكر الحالية بين البرهان وحميدتي) أن تم استنزاف هذا البلد الجميل، الذي يُعدّ سلة الأمة بأكملها الغذائية غير ما يمتلكه من ثروات معدنية ونفط وموقع استراتيجي بحري مميز، والى ذلك من شعب أصيل.
تفتحت عيون الكيان الصهيوني على السودان منذ قيامه عام 1948م فدخلوا على إفريقيا والسودان من زاوية المساعدات الإنسانية والإغاثية ثم الاستخبارية والأمنية والتقانية، فكان لهم موطيء القدم بدءًا من غرب القارة الى الشرق والجنوب.
استطاع الموساد الصهيوني أن ينفذ الى السودان خاصة الجنوبي، ودعم الانفصال بقوة، ما قبل عهد النميري ثم بدعمه وما حصل مع "يهود الفلاشا". وما أدى لاحقًا الى انفصال الجنوب ليعبر رئيس القوة الاستخبارية الصهيونية هناك "ديفد عوزيئيل" عن فرحه الغامر حين وقع الانفصال الذي اعتبره "تحقيقًا للحلم الإسرائيلي".
لم يتوقف التدخل والعبث واللعب بمصائر الشعوب الى أن كانت "الاتفاقات الابراهامية" الموهومة المزايا لموقعيها سوى التسيد الصهيوني، و"التتبيع" مسارًا اتخذ من ضعف الحكم السوداني ووقوعه تحت طائلة العقوبات الأمريكية-الدولية الظالمة مطيّة ليركبها في عهد الرئيس البشير، ولتتحقق مرامي "التتبيع" في عهد الضابطين (الجنرالين) المتحاربين اليوم والمتنافسين في آن واحد على خطب ودّ الإسرائيلي.
إن للإسرائيلي -وبعد أن تحقق الانفصال وبدأت الدولة بالتهاوي- الكثير من المصالح المستهدفة في السودان من ثروات وموقع استراتيجي ونفوذ وسوق ومياه...الخ.
وأن للضابطين الكبيرين المتحاربين مصالح خاصة لكل منهما بعيدة عن مصالح الشعب السوداني ذاته، وهو الشعب البطل الذي أثبت في أكثر من مناسبة نضاليته وحريته وما يزال كذلك رغم عميق الألم.
الجنرالان المتحاربان اليوم رغم تعارضهما مصلحيًا لا يختلفان على التنافس والتبارز في الالتحاق بالإسرائيلي. وكأنه مركب الهدى الذي سينقذ الغريق من البحر! فيما هو بالحقيقة (أي الإسرائيلي) ينتظر من سيسبح الى الشط ان استطاع ليبني معه العلاقة وصولا للاستتباع الكامل.
كان يقال "كانت القاهرة تكتب، وبيروت تطبع، والخرطوم تقرأ"، وهذه مقولة لها حظ كبير من الصدق، وتجسّدت هذه المكونات الثلاث في الفيلسوف والعبقري السوداني والمناضل محمد أبوالقاسم الحاج حمد والملقب "فيلسوف السودان" الذي رأى أن الثقافة هي الكفيلة برأب الصدع بين الشمال والجنوب وباقي أقاليم السودان، فهو صاحب كتاب "العالمية الإسلامية الثانية" والقراءة بالله والقراءة بالقلم (قراءة الطبيعة) ويكون الجمع بين القراءتين هو منبع بعْث العالمية الإسلامية مرة أخرى.
إن "الحاج حمد" هوالرجل بعيد النظر الذي فهم السودان وتنوعه وشموليته وسلاسة العمق العروبي والإسلامي في إطار كافة المكونات الأخرى والذي فيه يظهر الشعب السوداني الحقيقي.
إن الشعب السوداني المعطاء والحقيقي هو أيضًا شعب البطل المرحوم الفريق عبدالرحمن سوار الذهب طيب الله ثراه الذي عندما طلب منه في كلية "سانت هيرست" البريطانية وضع خطة لاحتلال الخرطوم، ما كان منه إلا أن وضع لهم بعنفوان وإباء خطة محكمة لاحتلال لندن…!!؟
إن الشعب السوداني المناضل والبطل الذي مرّغ أنف الامبراطورية البريطانية بالتراب وهزمها حين هلك في بلاده ثلاثة وثلاثون جنرالًا من جملة خمس وثلاثين جنرالًا بريطانيًا أخضعوا العالم لها، وأعظمهم كان الجنرال قوردون أو غردون كما يحلو للسودانيون تسميته..!؟ هو الشعب المناضل ذاته الذي سيخرج من تحت الرماد ليعلن قيامته وانتصاره.
نشر
مركز الناطور للدراسات والأبحاث
بالتعاون مع
مركز الانطلاقة للدراسات
ومع
منتدى القوميين العرب.
2023م
ملحق: نص الاتفاق الإطاري بين القوى المدنية والعسكر في السودان (وثيقة)
5/12/2022م
وقّع المكون العسكري في السودان الإثنين، مع قوى مدنية بارزة في مقدمتها إعلان الحرية والتغيير (الائتلاف الحاكم سابقا)، اتفاقا إطاريا لحل الأزمة السياسية في البلاد.
وفيما يلي تنشر الأناضول نص الاتفاق وفقا لنسخة نشرها حزب المؤتمر السوداني (بقيادة عمر الدقير) أحد أحزاب قوى إعلان الحرية والتغيير.
"بسم الله الرحمن الرحيم
مشروع الاتفاق السياسي الإطاري
ديباجة
أولا: المبادئ العامة
1- وحدة وسيادة السودان ومصالح البلاد العليا تسود وتعلو على أي أولويات أخرى.
2-السودان دولة متعددة الثقافات والإثنيات والأديان واللغات تتأسس هويته على مكوناته التاريخية والمعاصرة وأبعاده الجغرافية وإرثه الحضاري المميز والممتد لسبعة آلاف عام شكلت تنوعه ومصدر ثرائه.
3-السودان دولة مدنية ديمقراطية فيدرالية برلمانية، السيادة فيها للشعب وهو مصدر السلطات، ويسود فيها حكم القانون والتداول السلمي للسلطة عبر الانتخابات الحرة والنزيهة والتقسيم العادل للثروات والموارد.
4-المواطنة هي أساس الحقوق والواجبات وتقوم على المساواة بين المواطنين/ات دون تمييز نوعي ديني ثقافي إثني لغوي جهوي أو بسبب الوضع الاجتماعي والاقتصادي والإعاقة أو أي شكل من أشكال التمييز.
5- تضمن الدولة وتدعم وتحمي حرية المعتقد والممارسات الدينية والعبادة لكل الشعب السوداني وتقف الدولة على مسافة واحدة من الهويات الثقافية والإثنية والجهوية والدينية وأن لا تفرض الدولة دينا على أي شخص وتكون الدولة غير منحازة فيما يخص الشؤون الدينية وشؤون المعتقد والضمير.
6- كفالة الحريات والالتزام بمواثيق حقوق الإنسان الدولية خاصة مواثيق حقوق النساء والعدالة الدولية وحماية المبادئ الداعمة لحريات العمل النقابي والطوعي وحريات التجمع السلمي والتعبير والحصول على المعلومات والإنترنت والإعلام.
7- ترسيخ مبدئية العدالة والمحاسبة بما فيها آليات العدالة الانتقالية ووضع حد لظاهرة الإفلات من العقاب والمحاسبة على اقتراف الجرائم الجسيمة والإبادات الجماعية وانتهاكات القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان.
8- تعزيز حق جميع المواطنين في المشاركة المدنية وتقويم كافة مستويات الحكم الانتقالي.
9- استقلالية ومهنية مؤسسات الدولة القومية مثل القضاء والخدمة المدنية والتعليم العالي والمفوضيات القومية والمتخصصة والقوات النظامية.
10- التأكيد على جيش مهني قومي واحد ملتزم بالعقيدة العسكرية الموحدة وقائم بواجباته في حماية حدود الوطن والدفاع عن الحكم المدني الديمقراطي.
11-الالتزام بمبدأ العمل السياسي السلمي ورفض وإدانة وتجريم كافة أشكال اللجوء إلى العنف والتطرف والانقلابات العسكرية أو الخروج على الشرعية الدستورية وتقويض النظام الديمقراطي.
12- اعتماد سياسة خارجية متوازنة تلبي مصالح البلاد العليا وتجنبها الانحيازات وتدعم السلم والأمن الإقليمي والدولي وتقوم على محاربة الإرهاب وحسن الجوار.
13-مكافحة الفساد وإرساء مبادئ الشفافية والمحاسبة.
14-السلطة الانتقالية سلطة مدنية ديمقراطية كاملة دون مشاركة القوات النظامية.
15- يعتبر اتفاق جوبا للسلام (أكتوبر 2020) جزءا لا يتجزء من الدستور الانتقالي.
ثانيا: قضايا ومهام الانتقال
1- الإصلاح الأمني والعسكري الذي يقود إلى جيش مهني وقومي واحد يحمي حدود الوطن والحكم المدني الديمقراطي وينأى بالجيش عن السياسة ويحظر مزاولة القوات المسلحة الأعمال الاستثمارية والتجارية ما عدا تلك التي تتعلق بالتصنيع الحربي والمهمات العسكرية تحت ولاية وزارة المالية وينقي الجيش من أي وجود سياسي حزبي ويصلح جميع الأجهزة النظامية وتقتصر مهام جهاز المخابرات على جمع المعلومات وتحليلها وتقديمها للجهات المختصة ولا تكون له سلطة اعتقال أو احتجاز ولا يحتفظ بمرافق لذلك الغرض.
2-إطلاق عملية شاملة تحقق العدالة والانتقالية تكشف الجرائم وتحاسب مرتكبيها وتنصف الضحايا وتبرئ الجراح وتضمن عدم الإفلات من العقاب وعدم تكرار الجرائم مرة أخرى.
3-الإصلاح القانوني وإصلاح الأجهزة العدلية بما يحقق استقلاليتها ونزاهتها.
4-إيقاف التدهور الاقتصادي، والإصلاح الاقتصادي وفق منهج تنموي شامل ومستدام يعالج الأزمة المعيشية وينحاز للفقراء والمهمشين ويحقق ولاية وزارة المالية على المال العام ويعمل على محاربة كافة أنواع الفساد.
5-إزالة تمكين نظام 30 يونيو 1989 وتفكيك مفاصله في كافة مؤسسات الدولة واسترداد الأموال والأصول المتحصل عليها بطرق غير مشروعة ومراجعة القرارات التي بموجبها تم إلغاء قرارات لجنة تفكيك النظام الثلاثين من يونيو.
6-تنفيذ اتفاق سلام جوبا مع تقييمه وتقويمه بين السلطة التنفيذية والموقعين على الاتفاق السياسي وأطراف اتفاق سلام جوبا ومباشرة السلطة التنفيذية لمهام التفاوض والوصول لاتفاقات سلام نهائية مع الحركة الشعبية بناء على إعلان المباديء مارس 2021 والتفاوض مع حركة وجيش تحرير السودان وبقية حركات الكفاح غير الموقعة.
7- الإصلاح المؤسسي لكل مؤسسات الدولة بما فيها إصلاح الخدمة المدنية.
8- إطلاق عملية شاملة لصناعة الدستور تحت إشراف مفوضية صناعة الدستور للحوار والاتفاق على الأسس والقضايا الدستورية وبمشاركة كل أقاليم السودان.
9-تنظيم عملية انتخابية شاملة بنهاية الفترة الانتقالية على أن يتم تحديد مطلوباتها والتحضير لها في الدستور الانتقالي لتكون ذات مصداقية وشفافية وتتمتع بالنزاهة.
10- انتهاج سياسة خارجية متوازنة تحقق المصالح الوطنية العليا للدولة وتعمل على تحسين علاقات السودان الخارجية وبنائها على أساس الاستقلالية والمصالح المشتركة بما يحفظ سيادة البلاد وأمنها وحدودها.
ثالثا: هياكل السلطة الانتقالية
تتكون هياكل السلطة الانتقالية من:
1- المجلس التشريعي الانتقالي.
2- المستوى السيادي الانتقالي.
3- مجلس الوزراء الانتقالي.
4-المجالس العدلية والمفوضيات المستقلة.
1-المجلس التشريعي الانتقالي القومي يحدد الدستور مهامه وعدد مقاعده ونسب ومعايير الاختيار وبما يضمن مشاركة النساء بنسبة 40% والشباب ولجان المقاومة وذوى الاحتياجات الخاصة. ويتم تكوينه بواسطة القوى الموقعة على الإعلان السياسي.
2-تكوين المجالس التشريعية الإقليمية أو الولائية والمحلية وتحديد مهامها وصلاحياتها في دساتيرها وعدد مقاعدها ومعايير اختيار أعضائها وعضواتها.
3- في المستوى السيادي تقوم قوى الثورة الموقعة على الإعلان السياسي بالتشاور لاختيار مستوى سيادي مدني محدود بمهام شرفية يمثل رأسا لدولة ورمزا للسيادة وقائدا للأجهزة النظامية.
4-تقوم قوى الثورة الموقعة على الإعلان السياسي باختيار رئيس/ة الوزراء الانتقالي وذلك وفقا لمعايير الكفاءة الوطنية والالتزام بالثورة والإعلان السياسي ومهام وقضايا الانتقال.
5-يتشاور رئيس/ة الوزراء الانتقالي مع الأطراف المدنية الموقعة على الإعلان السياسي لاختيار الطاقم الوزاري وحكام الولايات أو الأقاليم من كفاءات وطنية ملتزمة بالثورة والإعلان السياسي ومهام وقضايا الانتقال دون محاصصة حزبية ودون استثناء لأي طرف من أطراف الإعلان السياسي.
6-تعيين الحكومات الإقليمية أو الولائية والمحلية بالتشاور مع القوى الموقعة على الإعلان السياسي.
7-مجلس الأمن والدفاع برئاسة رئيس الوزراء وعضوية الوزارات ذات الصلة وقادة الأجهزة النظامية و6 من حركات الكفاح المسلح الموقعة على سلام جوبا لسلام السودان على أن تحدد مهامه وصلاحياته وفق الدستور الانتقالي.
8- مجلس عدلي مؤقت من 11 عضوا من الكفاءات الوطنية القانونية بواسطة الأطراف الموقعة على الإعلان السياسي لاختيار رئيس القضاء ونوابه، والنائب العام ومساعديه، ورئيس وأعضاء المحكمة الدستورية، يعتبر محلولا بانتهاء مهمته.
9-ينشأ مجلس القضاء العالي ويحدد القانون عضويته وضمان استقلاليته ونزاهته.
10- ينشأ المجلس الأعلى للنيابة العامة ويحدد القانون عضويته وضمان استقلاليته ونزاهته.
11- يعين رئيس الوزراء المفوضيات المستقلة والمتخصصة من ضمن قائمة المرشحين المقدمة إليه من القوى الموقعة على الإعلان السياسي.
12-التزام القوى الموقعة على الإعلان السياسي بتمثيل النساء بنسبة عادلة في المجلس التشريعي ومجلس الوزراء والأقاليم أو الولايات وبالمشاركة العادلة في بقية مؤسسات السلطة الانتقالية مع الالتزام بالقرار 1325
13-الفترة الانتقالية 24 شهرا تبدأ من تاريخ تعيين رئيس الوزراء.
رابعا: الأجهزة النظامية
الأجهزة النظامية في جمهورية السودان هي:
1- القوات المسلحة.
2- قوات الدعم السريع.
3-الشرطة.
4- جهاز المخابرات العامة.
القوات المسلحة
(1) القوات المسلحة مؤسسة نظامية قومية احترافية غير حزبية مؤلفة ومنظمة هيكليا طبقا للقانون وتضطلع بواجب حماية الوطن ووحدته وسيادته والحفاظ على أمنه وسلامة أراضيه وحدوده.
(2) تتخذ القوات المسلحة عقيدة عسكرية تلتزم بالنظام الدستوري وبالقانون وتقر بالنظام المدني الديمقراطي أساسا للحكم ويكون رأس الدولة قائدا أعلى للقوات المسلحة.
(3) يحدد القانون الحالات التي يجوز فيها لمجلس الوزراء أن يلجأ الي إشراك القوات المسلحة في مهام ذات طبيعة غير عسكرية.
(4) تتكون القوات المسلحة من مكونات الشعب السوداني المختلفة بما يراعي قوميتها وتوازنها وتمثيلها دون تمييز أو إقصاء وتخضع لمؤسسات السلطة الانتقالية ولا تستخدم ضد الشعب السوداني ولا تتدخل في الشؤون السياسية.
(5) يحظر تكوين مليشيات عسكرية أو شبه عسكرية ويحظر مزاولة القوات النظامية الأعمال الاستثمارية والتجارية ما عدا تلك التي تتعلق بالتصنيع الحربي والمهمات العسكرية وفقا للسياسة التي تضعها الحكومة الانتقالية، وتؤول لوزارة المالية والتخطيط الاقتصادي جميع الشركات الحكومية والمملوكة للقوات النظامية المختلفة وجهاز المخابرات والتي تعمل في قطاعات مدنية، وتخضع بقية الشركات المملوكة للقوات النظامية والتي تعمل في قطاعات عسكرية وأمنية لإشراف وسلطة رقابة وزارة المالية في الجوانب المالية والمحاسبية وسلطة ديوان المراجع القومي.
(6) تكون مهام القوات المسلحة في الفترة الانتقالية إضافة إلى ما ورد في قانونها هي:
(أ)- الالتزام بالنظام الدستوري واحترام سيادة القانون والحكومة المدنية الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة البلاد وحماية حدودها أمام أي عدوان خارجي.
(ب)- احترام إرادة الشعب السوداني في حكومة مدنية تعددية ديمقراطية والعمل تحت إمرتها.
(ج)- تنفيذ السياسات المتعلقة بالإصلاح الأمني والعسكري وفق خطة الحكومة الانتقالية وصولا لجيش قومي مهني احترافي واحد.
ويتضمن ذلك:
- تنفيذ الترتيبات الأمنية الواردة في اتفاق جوبا لسلام السودان والاتفاقيات التي تأتي لاحقا بخصوص قوات الحركات.
- دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة وفق الجداول الزمنية وقوات حركات الكفاح المسلح.
(ذ) مراجعة شروط القبول للكلية الحربية ومراجعة المناهج العسكرية، بما يتماشى مع متطلبات العدالة والمواطنة المتساوية والعقيدة العسكرية الديمقراطية.
(7) يتم تنفيذ مهام القوات المسلحة وبرنامج الإصلاح المتفق عليه في الدستور الانتقالي بواسطة قيادة القوات المسلحة.
قوات الدعم السريع
(1) قوات الدعم السريع قوات عسكرية تتبع للقوات المسلحة ويحدد القانون أهدافها ومهامها ويكون رأس الدولة قائدا أعلى لقوات الدعم السريع.
(2) ضمن خطة الإصلاح الأمني والعسكري والذي يقود إلى جيش مهني قومي واحد يتم دمج الدعم السريع في القوات المسلحة وفق الجداول الزمنية المتفق عليها.
قوات الشرطة
(1) قوات الشرطة قوات نظامية مدنية مهنية قومية وفيدرالية تعمل على إنفاذ القانون وتختص بحماية المواطنين وحرياتهم وخدمتهم وحفظ الأمن وسلامة المجتمع وتخضع لسياسات وقرارات مجلس الوزراء وفقا لما ينظمه القانون في مجتمع ديمقراطي.
(2) ينشأ جهاز للأمن الداخلي ويتبع لوزارة الداخلية فنيا وإداريا وفقا للإجراءات القانونية السليمة.
(3) يحظر تشكيل قوات شرطية خاصة أو إنشاء وحدات تحد من الحريات العامة وحقوق الإنسان.
(4) إصلاح قوات الشرطة وإزالة التمكين فيها وتحديثها بما يحقق كفاءتها وقوميتها.
(5) يحظر على قوات الشرطة ممارسة أي أعمال استثمارية أو تجارية.
جهاز المخابرات العامة
(1) جهاز المخابرات العامة جهاز قومي نظامي مدني يختص بالأمن القومي وتقتصر مهامه على جمع المعلومات وتحليلها وتقديمها للجهات المختصة ولا تكون له سلطة اعتقال أو احتجاز ولا يحتفظ بمرافق لذلك الغرض.
(2) يحظر الجهاز من ممارسة العمل التجاري والاستثماري إلا في إطار أدائه لمهامه.
(3) يتبع الجهاز لرئيس الوزراء ويحدد القانون واجباته ومهامه وميزانيته وفقا لما يتطلبه النظام الديمقراطي.
(4) يعين رئيس الوزراء المدير العام للجهاز ونوابه.
(5) تتخذ الحكومة الانتقالية الإجراءات والتدابير اللازمة لإصلاح وتحديث جهاز المخابرات العامة بحيث يزال فيه التمكين ويؤسس على عقيدة حماية أمن الوطن والمواطن.
قضايا الاتفاق النهائي
يتم تطوير الاتفاق الإطاري بمشاركة جماهيرية واسعة من أصحاب المصلحة والقوى الموقعة على الإعلان السياسي وقوى الثورة في 4 قضايا رئيسية تحتاج لمزيد من التفاصيل وهي:
1-العدالة والعدالة الانتقالية: وهي قضية تحتاج لمشاركة أصحاب المصلحة وأسر الشهداء على أن تشمل كافة اللذين تضرروا من انتهاكات حقوق الإنسان منذ عام 1989 وحتى الآن.
2-الإصلاح الأمني والعسكري: وهي من أمهات القضايا التي تجابه بلادنا فبدون بناء وإصلاح جيش واحد مهني وقومي وفق ترتيبات أمنية متفق عليها فإن بلادنا لن تستطيع أن تحقق الديمقراطية أو السلام أو التنمية.
3- اتفاق جوبا لسلام السودان وإكمال السلام: ثورة ديسمبر (2018) دفعت بأجندة السلام إلى المقدمة مما أدى إلى التوصل لاتفاق جوبا لسلام السودان، وعليه نرى تنفيذ اتفاق سلام جوبا مع تقييمه وتقويمه بين السلطة التنفيذية والموقعين على الاتفاق السياسي وأطراف اتفاق سلام جوبا مع التزام صميم بالحفاظ على مكتسبات المناطق المتأثرة بالنزاع والنساء التي تضمنها اتفاق جوبا لسلام السودان.
4- تفكيك نظام 30 يونيو: نظام الـ30 من يونيو اختطف الدولة السودانية ومؤسساتها. ولبناء دولة مهنية تخدم مجتمعنا دون تمييز أو تعدي لابد من تفكيك بنية نظام 30 يونيو على نحو يلتزم بسيادة حكم القانون واحترام الحقوق الأساسية.
5-الالتزام بحل أزمة الشرق بوضع الترتيبات المناسبة لاستقرار شرق السودان بوضع الترتيبات المناسبة لاستقراره وبما يحقق السلام العادل والمشاركة في السلطة والثروة والتنمية ضمن الحقوق الدستورية لمواطني الإقليم ومشاركة جميع اصحاب المصلحة في شرق السودان ضمن العملية السياسية الجارية".
الحواشي:
[1] بكر أبوبكر كاتب وباحث ومفكر عربي مقيم في فلسطين، وهو عضو المجلس الاستشاري لحركة فتح، رئيس اكاديمية الشهيد عثمان أبوغربية الفكرية، وعضو مجلس الامناء في مركز الناطور للدراسات، ومركز الانطلاقة للدراسات. له ما يقارب ال30 كتابًا في السياسة والفكر والتنظيم والتدريب وفي الادب والقصص، ونظم وأشرف ونفذ مئات الدورات والحوارات والندوات في فلسطين وخارجها.
[2] لمراجعة تقرير صحيفة الغد في 17/4/2023م alghad.com وفي مرجعيتها من الوكالات المختلفة، وتحت عنوان: السودان: سيناريوهات الحرب الخامسة… ماذا تخبئ وراءها؟
[3] كانت هذه الحركة مدعومة من الموساد الصهيوني، كما الحال فيما تلاها.
[4] لمراجعة يونان لبيب رزق، (27 أكتوبر 1933- 15 يناير 2008) مؤرخ مصري معاصر، رأس قسم التاريخ الحديث في كلية الأداب بجامعة عين شمس، له صفحة خاصة في جريدة الأهرام بعنوان الأهرام ديوان الحياة المعاصرة وله العديد من المؤلفات والكتب كما انه عضو لجنة التاريخ بالمجلس الأعلى للثقافة، وعضو مجلس الشوري، والمجلس الأعلي للصحافة. ولمراجعة كتابه المعنون: السودان في عهد الحكم الثنائي الاول 1899- 1924. ولمراجعة صفحة المعرفة تحت عنوان مشكلة جنوب السودان.
[5] نظراً لسوء أحوال السودان نتيجة ظلم وتجبرالحكام والانجليز، والشعور به، ولأسباب أخرى قام محمد أحمد المهدي صاحب الدعوة الإسلامية المهدوية الطابع (رغم آراء كثيرة بشأنها) في السودان بإشعال الثورة ضد القوات الإنكليزية الغازية الموجودة في السودان ومرغ أنف الانجليز بالأرض، ودخل رجاله الخرطوم (عام 1885م) وقتلوا الحاكم الإنكليزي –الذي يعد من أبطال الاستعمار الانجليزي-غوردون/غردون، وسيطروا على معظم مناطق السودان. (وللنظر في كتاب: السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية، للكاتب عبد الله حسين، والصادر لأول مرة عام 1935م، والذي قامت مؤسسة هنداوي بإعادة طباعته الكترونيًا).
[6] يذكر الكاتب السوداني د.هاشم حسين بابكرفي حديث الفخر بالشعب السوداني العظيم أن: بريطانيا كان لها خمسة وثلاثون جنرالا أخضعوا العالم لها، هل تعلم أن ثلاثة وثلاثون جنرالا من جملة خمس وثلاثين جنرالا لقوا حتفهم في السودان…!؟ وأعظمهم كان الجنرال قوردون أو غردون كما يحلو للسودانيون تسميته..!؟ وقوردون هذا أخضع الصين حين كانت امبراطورية ذات شأن..!!
[7] الاحصائية حسب تقرير في بي بي سي حتى تاريخ 2021م.
[8] د.هبة جمال الدين في دراسة لها صادرة عن المركز العربي للبحوث والدراسات، 20 ابريل 2020م. تحت عنوان: إسرائيل والسودان من برنارد لويس للولايات السودانية المتحدة .. فصل آخر من صفقة القرن.
[9] في لقاء للمذكور "ديفيد بن عوزيئيل"، مع الكاتب في القناة الإسرائيلية السابعة التابعة للمستوطنين "شمعون كوهين"، وترجمها موقع عربي21 ضمن تقرير عدنان أبوعامر، وتم النشر في عام 2021م.
[10] ويشير كتاب "مبعوث الموساد للسودان1969-1971" لدورهم في تنصيب جعفر النميري إثر دعم انقلابه ضد الحكومة الديمقراطية، والذي رد لهم الجميل لاحقًا بالمساعدة في تهريب يهود الفلاشا من أثيوبيا الى داخل الكيان.
[11] جعفر النميري هو الذي ساعد الاحتلال الإسرائيلي في الثمانينيات من القرن العشرين قبل خلعه بنقل اليهود الأثيوبيين المتسمّين فلاشا الى داخل فلسطين المحتلة "الى كيان الاحتلال". وهو قائد الانقلاب الناجح عام 1969 (بدعم الموساد كما ظهر لاحقًا) ضد حكومة الرئيس إسماعيل الأزهري، وقع الانقلاب على نهاية العهد الديمقراطي الثاني في السودان، وشهد بداية حكم النميري الذي دام 16 عاما. تقلب عهد النميري بين الحروب والتمردات والمجازر، وتذبذب الرجل وتنقلّه من اليسار الى اليمين الديني ودعمه للحركات الإسلاموية خاصة "الاخوان المسلمين". وهو من أصدر ما سمّي "قوانين الشريعة الإسلامية"، وليقوم بإعدام من خالفها.الى أن انحاز وزير الداخلية الفريق سوار الذهب الى الشعب إثر انتفاضته الشعبية على الحكم، وتم خلع النميري.
[12] بعد وفاق وتحالف نشب خلاف بين المفكر د.حسن الترابي وبين الرئيس عمر البشير حول الحكم، وتطور حتى وقع انشقاق فى كيان النظام 1999، فتم خلع الترابي من مناصبه الرسمية والحزبية، وحيث ترك الترابى الحزب والحكومة، وسلك طريق المعارضة ليؤسس عام 2001 "المؤتمر الشعبى"، وسجن عدة مرات فى حسن البشير كما عهد جعفر النميرى حتى توفي عام 2016م.
[13] نقلًا عن موقع بي بي سي مع التصرف.
[14] الوثيقة مرفقة كملحق في ختام هذه الدراسة.
[15] محمد عثمان عوض الله في مقاله المعنون ما أسباب الصراع في السودان المنشور في صحيفة الوطن بتاريخ 16/4/2023م.
[16] في تقرير يورونيوز تحت عنوان: ما هي أسباب الصراع في السودان؟ المنشور علىى موقعها في 21/4/2023م.
[17] القضايا الانتقالية الخمس حسب اتفاق الإطار-نصًا- هي: 1-العدالة والعدالة الانتقالية، 2-الإصلاح الأمني والعسكري، 3- اتفاق جوبا لسلام السودان وإكمال السلام، 4- تفكيك نظام 30 يونيو، 5-الالتزام بحل أزمة الشرق بوضع الترتيبات المناسبة لاستقرار شرق السودان.
[18] أنظر ما يقول "الاتفاق الإطاري" في البند 5 المتعلق بالقوات المسلحة: يحظر تكوين مليشيات عسكرية أو شبه عسكرية ويحظر مزاولة القوات النظامية الأعمال الاستثمارية والتجارية ما عدا تلك التي تتعلق بالتصنيع الحربي والمهمات العسكرية.
[19] لاحظ البند الثاني المتعلق بالقوات المسلحة بالاتفاق الإطاري: تتخذ القوات المسلحة عقيدة عسكرية تلتزم بالنظام الدستوري وبالقانون وتقر بالنظام المدني الديمقراطي أساسا للحكم ويكون رأس الدولة قائدا أعلى للقوات المسلحة.
[20] قوى إعلان الحرية والتغيير في السودان هيَ مكوّنات سياسيّة سودانية تتشكّل من تجمّع المهنيين، الجبهة الثورية وتحالف قوى الإجماع الوطني وكذا كتلة التجمع الاتحادي المُعارِض وكتلة قوى نداء السودان. تأسّست قوى الحرية في كانون الثاني/يناير 2019 خِلال الاحتجاجات السودانية 2018-2019، حيثُ قامت هذه القوى بصياغة "إعلان الحرية والتغيير" و"ميثاق الحرية والتغيير" الذي دعا إلى إقالة الرئيس عمر البشير من السلطة وهو ما حدث بعد عدة أشهر من الاحتجاج وذلك عقبَ الإطاحة به من قبل قيادة الجيش السوداني التي انحازت إلى ثورة الشعب السوداني وأعلنت انتهاء نظام الرئيس البشير نيسان/أبريل من عام 2019. وحسب الموسوعة الحرة واصلت قوى إعلان الحرية والتغيير تنسيق الاحتجاجات في وجهِ المجلس العسكري الذي حكمَ البلاد نظريًا بعد سقوط نظام البشير ثمّ دخلت في مرحلة مفاوضات مع المجلس حتى توصّلت معهُ في 17 تموز/يوليو 2019 إلى خطة لتقاسم السلطة. وفي العام 2022م وقّع المكون العسكري في السودان مع قوى مدنية بارزة في مقدمتها إعلان الحرية والتغيير (الائتلاف الحاكم سابقا)، اتفاقا إطاريا لحل الأزمة السياسية في البلاد.الى أن بدأت حرب الجنرالان.
[21] صحيفة الشرق الأوسط اللندنية-الجمعة - 1 شوال 1444 هـ - 21 أبريل 2023 مـ رقم العدد [ 16215]
[22] من تقرير عربي21.
[23] الكاتب محمد مهاجر في مقاله الجهادية والجنجويد والحروب الاهلية، عام ٢٠١٤ في موقع الحوار المتمدن وكان قد قال أيضًا: "تستخدم الحكومة السودانية كتائب المجاهدين المسماة بالجنجويد، لدعم الجيش الرسمى وجهاز الامن والاستخبارات. وعندما انتقد السيد الصادق حفيد المهدى هذه الكتائب وطالب بحلها أدخل الى السجن وينتظر محاكمة قد تصل العقوبة فيها الى الاعدام. والجنجويد هم فى الاساس عصابات مسلحة فى دارفور تقوم بالنهب وقطع الطرق وتشن الغارات على المتمردين والقرى التى يسكنها من يشتبهون فى تأييده لهم. وقد ساعدت عدة عوامل على انشاء هذه الميليشيات وتعزيزها، منها الحروبات الكثيرة فى دول الجوار الغربى مثل تشاد والنيجر ومالى وافريقيا الوسطى، وتدفق اللاجئين الى السودان، وعدم استتباب الامن فى دارفور وسهولة الحصول على السلاح."
[24] مقال العلاقة الوثيقة بين حميدتي والموساد تجر السودان إلى الضياع، المنشور في موقع عكا للشؤون الاسرائيلية-أمير بوخبوط/ والا– بتاريخ 24/06/2021
[25] للنظر في الموسوعة الحرة على الشابكة ومصادرها بالانجليزية حول قوات الدعم السريع.
[26] النقاط الست استفادة من مقال الكاتب السوداني عثمان ميرغني في صحيفة الشرق الأوسط اللندنية.
[27] من تقرير يورونيوز.
[28] النقاط الثلاث للكاتب محمد عثمان عوض الله في صحيفة الوطن القطرية.
[29] من مقال عثمان ميرغني في صحيفة الشرق الأوسط.
[30] «الدعم السريع» نشأ أصلاً في كنف الحركة الإسلاموية، وبفقدانه دعمهم لم يعد أمامه سوى القوى الديمقراطية. يقول «حميدتي» وهو المراوغ إن «شباب (الدعم) يموتون الآن من أجل الديمقراطية»، وإنه لم يدخل هذه الحرب «إلا بعد أن كان هناك معسكر ديمقراطي، وآخر انقلابي».
[31] أنظرتقرير: السودان.. كيف أجهضت الحرب الدائرة بدايات التعافي؟، سكاي نيوزعربية، 19 أبريل 2023.
[32] تشير د.هبة جمال الدين بدراستها المذكورة وضمن رأيها الى أن "إسرائيل" ترغب في تفتيت كل دول المنطقة العربية ثم الافريقية وتقسيمها لتكون دولة الاقليات الاولي في المنطقة لتجمعهم تحت اتحاد يسمى بـ "الولايات المتحدة الإبراهامية"، ولتستولي على الموارد الابرز المستهدفة على سبيل الذكر لا الحصر "النفط- الماء- الغاز" وسنكون جميعا عبيد وخدام لدي الصهيوني، ليتحكم في مصيرنا وأولويات حياتنا. (وهي تضيف دور تركيا أيضًا في مخطط التفتيت هذا).
[33] لمراجعة تقرير رصيف 22 لمحمد نجم الدين.
[34] من تقرير ميدل إيست أونلاين المعنون: الصراع في السودان يبدد آمال “إسرائيل” في تطبيع العلاقات بتاريخ 20/4/2023.
[35] دراسة الباحث عبدالغني سلامة في مركز الأبحاث الفلسطيني المعنونة: “اسرائيل” على الجبهة الإفريقية دراسة في العلاقات الإسرائيلية-الإفريقية.(النقاط من 1 الى 8)
[36] عندما اعترفت "إسرائيل"، في عام 1957، باستقلال غانا.
[37] في حوار مع د.حسن الترابي ذكر استهداف السودان مقرونًا بالعربية التي تحمل في طياتها انتشار الاسلام من أمثال الأفارقة حتى بالشكل أي سُمر أو سود البشرة الافارقة السودانيين المسلمين الى إفريقيا. وطرح فيلسوف السودان الكبير محمد أبو القاسم حاج حمد: أن الوجود العربي في السودان لم يكن نتيجة فتح أو حد سيف بقدر ما هو امتداد طبيعي للوجود العربي في مصر وجزيرة العرب، وبالتالي فهو تدريجي بطيء وليس طارئا متفاجئا، وهو إلى ذلك لم يكن في قمة أوج العرب، بل كان على سفوح أفولهم، وبالتالي لم تصطبغ الأمة السودانية باللون العربي كأمة، وإنما اقتصر وجود العرب على شكل قبائل منفصلة في مجتمع متعدد.والى ذلك في كتابه "السودان والمأزق التاريخي"تنبأ بانفصال جنوب السودان، وحذّر من أن تحذو أقاليم أخرى حذو الجنوب، ولذلك فقد طرح فكرته الجريئة في توحيد كل القرن الأفريقي في شكل كونفدرالية متكاملة اقتصاديا وعسكريا وحضاريًا، يعضدها إرث ضارب في أعماق التاريخ.
[38] "آفي ديختر" تولى في حكومة إيهود أولمرت 2006- 2009 حقيبة وزير الأمن الداخلي، وانتخب ديختر مرّة أخرى في انتخابات 2009، و كان نائب معارضة، وفي العام 2011 كان المبادر الأول في الكنيست لطرح قانون "دولة القومية اليهودية"، بصيغته الأشد تطرفا، وهي الصيغة التي تحدثت بوضوح عن الغاء مكانة اللغة العربية، كمؤشر إلى عمق توجهات القانون، الذي جرت صياغته في "المعهد الاستراتيجي الصهيوني"، وهو مركز تابع لليمين المتطرف.
[39] النقطة 10 من تقرير لمركز الجزيرة للدراسات.
[40] لاحظ: بدلًا من أن تكون بوابة الامة العربية والإسلامية الى إفريقيا!
[41] حول هذه النقاط الهامة لمراجعة ورقة ما الذي تريده "إسرائيل" من السودان؟ بقلم حنان صندوق المنشور على موقع: الميادين نت في 25 نيسان 2015م. ونحن أضفنا العناوين الجانبية لكل النقاط مع التحرير والإضافة حيث وجب برأينا.
[42] من تقرير مي علي في صحيفة الأخبار اللبنانية تحت عنوان: السودان | "إسرائيل" على خطّ الخلاف الداخلي: «حميدتي» يطلب مساعدة «الموساد» بتاريخ 26 حزيران 2021.
[43] المصدر السابق، الأخبار اللبنانية.
[44] من مقال د.هاشم حسين بابكر في صحيفة الانتباهة السودانية تحت عنوان: برهان وحميدتي وبينهما "اسرائيل"
[45] تقرير القدس العربي في 5/2/2023م المعنون البرهان ـ حميدتي: تباين حول «الإطاري» وتنافس على العلاقة مع "إسرائيل".
[46] شمائل النور بمقالها بالسفير المعنون: الاستقواء ب"إسرائيل"…سباق محموم بين جنرالات السودان!
[47] موقع راديو دبنقا-الخرطوم في المقال المعنون: مواقف حميدتي والصادق المهدي.
[48] كلام مرسل لا يعبر الا عن رأي الرجل.
[49] من تقرير للقدس برس عام 2022 تحت عنوان: السودان.. "إسرائيل" توافق على طلب باعتقال "حميدتي".
[50] يروي تحقيق صحافي نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" عام 2019م تفاصيل كثيرة عن عملية ترحيل اليهود من إثيوبيا كحلقة جديدة في مسلسل المهاجرين اليهود إلى فلسطين عام 1985، بفضل علاقات الصداقة المتينة بين جعفر النميري حاكم السودان آنذاك، وبين الولايات المتحدة والصهاينة.ويشير التحقيق الذي أجراه محرر الشؤون الاستخباراتية في الصحيفة، رونين بيرغمان، إلى أن النميري وافق قبل سنة من الإطاحة به على طلب الموساد بالسماح بمرور آلاف اليهود الفلاشا والإقامة داخل معسكر لاجئين أقامته "إسرائيل" على الحدود بين السودان وبين إثيوبيا، قبل نقلهم إلى الخرطوم ومنها إلى تل أبيب عبر مطارات أوروبية.
[51] محمد نجم الدين في موقع الرصيف22 عام 2023،
[52] مصدر سابق من موقع عكا.
[53] حسب تقرير حنان صندوق للميادين في 25/4/2023م. ومنسوبًا لموقع أكسيوس الامريكي أيضًا.
[54] من تقرير الكاتبة السودانية شمائل النور في صحيفة السفير عام 2022م.
[55] عن راديو دبنقا السوداني في مصدر سابق. لكن الى ذلك كان مبارك الفاضل المهدي وحركة تحرير السودان الثورة الثانية بقيادة أبوالقاسم امام، وجبهة الشرق أعلنا في مؤتمر صحفي مشترك بالخرطوم تأييدهما الصريح للتطبيع مع "اسرائيل" ودعوا رئيس مجلس السيادة لقبول العرض الأميركي بالتطبيع، مقابل رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
[56] تقرير صحيفة الغد الأردنية في 17/4/2023م تحت عنوان: السودان: سيناريوهات الحرب الخامسة… ماذا تخبئ وراءها؟
[57] نص "الاتفاق الإطاري"عن وكالة الأناضول في 5/12/2022م. ومحدثًا في اليوم التالي.