ما المانع من أن يتوحد الفلسطينيون مجددا؟

فاضل المناصفة
بالتزامن مع الذكرى التاسعة والخمسون من تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية جددت حركة التحرير الفلسطيني " فتح " الدعوة لكل من حركتي حماس والجهاد الإسلامي بالانضمام لها والعمل بشكل جماعي وعلى أسس وطنية من أجل النهوض بها، في الوقت الذي تتعالى فيه بعض الأصوات لوضع منظمة التحرير الفلسطيني داخل المتحف، وتنسب لها الفشل والوهن الذي لحق بالقضية الفلسطينية بعد اتفاق أوسلو الذي يراه المنتقدون لها بمثابة الخطيئة الكبرى التي رهنت مشروع التحرير الكامل ومهدت لشق عصى الطاعة والخروج عن المنظمة، وان كانت أوسلوا سبب العلة في الأساس الا أنه لا يمكن تجاهل وجود خلافات عميقة في البرنامج والاتجاهات السياسية والعلاقات الخارجية، والفكر والاستراتيجية والأرضية العقائدية، وهي من بين أبرز المسائل التي تحول دون إتمام صفقة الاندماج الحمساوي الجهادي في المنظمة .
في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات، خاضت حركة حماس حوارات عديدة مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية لكنها لم تفضي الى انصهار الحركة في بيت المنظمة لأسباب تتعلق بتعارض الأيديولوجيات في نقاط أساسية منها مفهوم الدولة ومفهوم الكفاح ومفهوم الاستقلال فالمنظمة تطرح فكرة قيام دولة فلسطينية مستقلة قائمة على أسس ديمقراطية علمانية بينما ترى الحركة في ميثاقها الصادر سنة 1988 أنه لا يمكن استبدال إسلامية فلسطين الحالية والمستقبلية لنتبنى الفكرة العلمانية، ووضعت شرطا يقوم على تخلي منظمة التحرير الفلسطينية للفكر العلماني مقابل اتخاد الفكر الإسلامي كمنهج للحياة ولإدارة الدولة، ثم اتسعت هوة الخلاف بعد اتفاق أوسلو عندما اتجهت المنظمة الى خيار السلام بينما أصرت الحركة على أن فكرة التنازل عن أي جزء من الأرض هو مخالف للعقيدة الإسلامية، وبعد أن رفضت حماس المشاركة في انتخابات 1996، جاء إعلان القاهرة 2005 ليقدم من جديد فكرة تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينيّة وفق أسسٍ يتمّ التراضي عليها بحيث تضمّ جميع القوى والفصائل الفلسطينيّة بصفة المنظمّة الممثّل الشرعيّ والوحيد للشعب الفلسطينيّ، ولكن الخطأ الكبير قد كان في المرور الى انتخابات تشريعية دون الاتفاق على تلك الأسس والشروط الى وضعها اعلان القاهرة ...فحركة حماس المنتشية بشعبيتها المكتسبة من الفراغ الذي أحدثه تراجع منظمة التحرير الفلسطينية كانت ترى في الانتخابات فرصة لاكتساح المشهد ومن ثمة تعزيز موقفها في مقترح اصلاح بيت المنظمة وفق الشروط التي تراها مناسبة أو تمليها هي بعد ان تفضي معركة الانتخابات بتسيدها المشهد وتصبح المنظمة بحكم ما تفضيه النتائج محل نقاش لحلها لا لتعديلها ولكن ذلك المخطط قد فشل مع تطور الأحداث و مرور مسلسل الصراع على السلطة عبر حلقة الاقتتال الداخلي .
قد يتفق البعض معي في أن اتفاق أوسلوا كان أصل الانقسام الفلسطيني، أما انتخابات 2006 فقد كانت بوادر ظهور الأعراض و العلل بشكل ملموس والواضح أيضا أنه قبل أن يكون انقساما وصراعا على السلطة قد كان في الأساس صراعا أيديولوجيا بين أفكار متناقضة واتجاهات لا يمكن أن تلتقي سوى في فكرة أن النكبة تعم الجميع وأن سفينة الوطن وان غرقت فإنها ستغرق بجميع الفلسطينيين على اختلاف اطيافهم، واستثمرت إسرائيل في ذلك الصراع الأيديولوجي ايما استثمار اذ أصبح بإمكانها الاطمئنان على فشل حل الدولتين في ظل وجود سلطتين متحاربتين من الصعب ان يتحدا ضد الاحتلال في مشروع يوحد الجبهات ويجمع ما بين الضفة وغزة، ومع ان حماس قد عدلت من ميثاقها في وثيقة 2017 وأبدت قبولا لإقامة دولة فلسطينية على خطوط الرابع من حزيران/ يونيو 1967 وهو قرار صادر من مجلس الامن الدولي تحت رقم 242 واسقطت تهمة " الخيانة " في حق من جلس على طاولة المفاوضات من اجل تحقيق سلام يفضي ببناء دولة فلسطينية، الا أنها أصرت على اعتبار اتفاق أوسلوا مخالفا لقواعد القانون الدولي أي خطيئة ارتكبتها منظمة التحرير الفلسطينية أفضت الى إعطاء الاحتلال الشرعية لإقامة كيانه على أراض فلسطينية، وهو موقف مناقض لنفسه اذ انه يتهم المنظمة بقبول قرار أدى الى خسارة الأرض ولكنه يقبل في نفس الوقت بإقامة دولة فلسطينية وفق القرار ذاته صيغة توافقية وطنية مشتركة.
تشترك حماس والجهاد الإسلامي في مطالب تعديل ميثاق المنظمة الذي حذفت منه الفقرات التي تدعو للكفاح المسلح والعداء لإسرائيل، كما تشتركان في الآلية التي ستحدد نسب المشاركين في المنظمة. وفيما تعتبر حركة الجهاد الإسلامي المطلب الثاني أقل إلحاحا بالنسبة لها، بسبب صغر حجم وجودها الشعبي، ترى حماس بوجوب تناسب تمثيلها في المجلس الوطني مع ما حققته من نتائج في الانتخابات البلدية في قطاع غزة والضفة الغربية في 2006، كما ترى أنه من الضروري تغيير القيادة الحالية للمنظمة، وتشكيل قيادة مؤقتة حتى إجراء الانتخابات وهو يجعلنا نرى صعوبة الوصول الى توافقات حتى وان تخطينا الخلافات الأيديولوجية الموجودة بين الحركة والمنظمة فان الحسابات السياسية بين فتح وحماس قد أصبحت جزءا من المشكلة بل انها أساس تعطيل الوصول الى توافق ومع ان فتح قد تقدمت باليد الممدودة للحركة في مناسبات عديدة كانت آخرها ما جاء في بيان الذكرى السنوية 59 لتأسيس منظمة التحرير الا أن الرد على هذا البيان لم يأتي بعد من قبل حماس ولا الجهاد الإسلامي وهو ما يكون عدم الرد جوابا في حد ذاته على تلك الدعوة التي قد تحتاج في الى اتصالات مع حلفاءهما للحصول على توافق حول هذه الخطوة على اعتبار أن قطر وايران طرفان فاعلان في غزة ومن الواجب أن لا تتسبب أي خطوة في خلط الحسابات معهما .
في هذا الوقت العصيب على فلسطين والفلسطينيين ومع دخول قضيتهم مرحلة خطيرة مع وجود حكومة إسرائيلية الأكثر تطرفا في تاريخ الصراع والتي تسعى الى تصفية القضية ما تبقى من حل الدولتين، فانه لا مناص من ترك الخلافات الأيديولوجية والسياسية جانبا وتغليب المصلحة العامة وعدم تضييع فرصة جديدة لإنهاء الانقسام وتوحيد الجبهة الداخلية في وجه التحديات المصيرية، غير ذلك سيبقى الفلسطينيون لقمة صائغة للمحتل وسيترتب عن استمرار الانقسام المزيد من المساحة التي تسمح لإسرائيل بالمناورة مستغلة ضعف الموقف الفلسطيني داخليا وخارجيا.

 

نداء الوطن