بكر أبوبكر
يعيش الفلسطينيون على وقع أحداث يومية داهمة ما بين شهيد وأسير وجريح، فلا يكاد يمر يوم واحد الا ونُصدم بأسير أو شهيد أو جريح، وما الى ذلك من اعتداءات إرهابية صهيونية، وسرقة يومية للمتبقي من مساحة الأرض التي يقوم المستعمرون الإرهابيون باجتياحها بخطة انفلات لم يسبق لها مثيل تمكنهم من السيطرة على كل حدود "اتفاق أوسلو" أي على مساحات في المناطق المصنفة أ وب و ج، وما يعنيه ذلك من استقرار مقدرات وحكم المستعمرين الإرهابيين بزعامة "سموتريش وبن كفير" ورفقائهما الذين لا يجدون من أركان الحكومة الآخرين الا الدعم اوالتغطية أوالتغاضي.
فلسطين تعيش شبه انتفاضة منذ مدة طويلة بل ولشهور ما بين الخلخلة الحاصلة في ممارسة العمل الفدائي المسلح غالبًا غير المؤطر سياسيًا، مقابل العمل الجماهيري الكفاحي السلمي.
وحيث أن الأول يكرس إرادة الثورة والقوة والتحدي والإقدام و"يشفي الغليل" لدى الشباب مقابل تغول إرهابيي المستعمرين والجيش الصهيوني، فإن الثاني على أهميته وأولويته واتفاق الفصائل على ضرورته لا يلقى الدعم اللازم أبدًا لا من الحكومة ولا من الفصائل ذاتها، ولا من النقابات والاتحادات أو المنظمات غير الحكومية. حيث تستسهل الفصائل الأول لما فيه من فرقعة إعلامية وحصاد لذات الفصيل، رغم المردود المحدود في ظل هذا التصعيد الصهيوني وعدوانه المنفلت.
نحن في حالة شبه انتفاضة في فلسطين، ونحن في حالة مواجهة يومية يمكننا القول أنها ضد الإسرائيلي المعتدي بكل وضوح، وترى فيها الكامن المكبوت في النفوس لدى الشباب خاصة ما هو ردة فعل على عجز الفصائل كلها ومكونات المجتمع الأخرى، وضد شيخوخة قادة الفصائل الغائبة عن وعي اجتراح الحل الصحيح، ما يحتاج لأيدي تصافح وأكتاف متساندة وإشارة ياسر عرفات المرفوعة بالنصر.
حالة المواجهة والاشتعال في فلسطين ضد الاحتلال الصهيوني، مع الكامن المكبوت يقابلها عدد من التحركات الكبيرة في فلسطين وأبرزها حراك المعلمين وليس حراك اتحاد المعلمين الذي يحتاج لإعادة نظر وتأمل واعي من زاوية ضرورة وأساسية استخدامه في المواجهة والصمود، فالعلم سلاحٌ والمعلمون حملته ومنتجوه ومصدّروه، والعلمُ سلاح والطلاب هم المرغوب أن يكونوا من حملته أيضًا.
يجب ألا نكون في صراع داخلي ونزيف دائم تستنفد فيه قدرات الجماهير وتستهلك طاقتهم فقط في المطالبة بالحد الأدنى من المتطلبات المعيشية، لأن في ذلك حرف لحقيقة النضال والمواجهة المستمرة واتجاهها لا سيما وأننا مازلنا تحت احتلال-لمن لا يعلم- ونحتاج للعمال والقانونيين والفلاحين والمعلمين والطلاب وجميع الفئات يدًا واحدة وقوة صلبة مشارِكة في آليات النضال ومنها بالمواجهة أو المقاومة الشعبية كلّ بأسلوبه، وهل التعليم بأقل قوة وتأثير بالقضية الوطنية من الفصائل ذاتها؟
إن التعليم والمعلمين والطلاب سلاحٌ ماضٍ في مواجهة الإسرائيلي المعتدي والمحتل المقيم على صدورنا، فكل معلم لمجرد أنه يقوم بدوره التعليمي بكامل طاقته وبإيمان بالله سبحانه وتعالى وبعدالة قضية فلسطين، وبواجبه دون أي تحيّزات سياسية منحرفة فهو بذلك يرضي ربه وضميره ويكرس حقيقة المواجهة والكفاحية على صعيد ذاته هو، وعلى صعيد ما يغرسه بالطلاب ما يستلزم من الحكومة بالمقابل أن تبذل كل الجهد لتمتين وتقوية دور التعليم والمعلم، هذا إن آمنت أن المعلم في الصفوف الأولى للمقاومة والمواجهة، وهو كذلك.
إن المعلمَ قلمٌ مؤمن بواجبه يخط على اللوح بالفصل ما يفيد الأجيال، وحجرٌ يلقيه في مواجهة المعتدين الصهاينة على قريته وبلدته، وإن الطالب كتابٌ يُقرأ وصدرٌ عارية في مواجهة المستعمرين (المستوطنين) الفاشيين، لذا تتكامل فعاليات الدراسة باعتبارها بحد ذاتها مواجهة، مع المواجهة الميدانية الشعبية ضد المحتل.
إن المشاكل المتراكمة في داخل اتحاد المعلمين الفلسطينيين، وإهمال الوطني النضالي على حساب المطلبي، أو تضخيم المطلبي المُحق ولكن مع إهمال النضالي لدى بعض الفئات ضمن المعلمين -أو غيرهم- من الشرائح يجب ألا يرتبط بمخططات بعض الفصائل التفريقية الفتنوية أبدًا أو إرادة استبداد بعض الشخصيات المهيمنة ذات المصالح الذاتية، بل من المتوجب على المعلمين عمومًا وعلى اتحاد المعلمين، أن يفهم جليًا أن الصهيوني المحتل هو فقط التناقض الرئيس، وهذه هي مصلحة فلسطين التي هي فوق الجميع.
ويجب أن نفهم جميعًا أن من مصلحة فلسطين دعم صمود المعلمين قطعًا. وفي أقله معيشتهم الواجبة. وهنا بغض النظر عمن هو المخطيء أو المصيب بالاتفاقيات المعقودة مع الحكومة، فإن الأطراف كلها في ظل استمرار الأزمة لم تعد تمثّل لدى الجماهير الثقة المطلوبة حيث نرى تبادل الاتهامات والتهديدات المعيبة والتشويهات العجيبة بل والشتائم مِن أفواه بعض مَن هم قدوة نظريًا، ونتيجتها تشريد الطلاب الى الشوارع –فيما حصل سابقًا-ما لا يتفق بتاتًا مع أسلوب المتحاورين الملتزمين بآداب التخاطب والحوار في الإطار الديمقراطي الذي يعني حوار والتزام.
إن توفير مقومات الصمود للجماهير هو ما يتفق تمامًا مع فكرة تصعيد المواجهة أوالكفاح أوالمقاومة أو الثورة الشعبية السلمية، لذا فأن تتمكن السلطة الوطنية في فلسطين من توفير الحد المقبول من مقومات المعيشة أو ما يُتفق عليه مع الفئات أو الشرائح فإنه سبيل لا شك فيه لدعم ما كان يوصف (بحرب الشعب طويلة النفس) أو المواجهة الشعبية طويلة الامد في مواجهة المحتل.
إن من أبرز قواعد الثورة والثبات والرباط على أرضنا هو الاهتمام بحاجات الناس وتطلعات الجماهير، واحترام الجماهير ومحبتها والتعلم منها.
فالقائد الذي يريد أن يحقق الصمود على أرض الوطن يعلم أن عليه توفير أبسط امكانيات الصمود للجماهير بكل فئاتها من عمال وموظفين وطلاب وحقوقيين ومعلمين...الخ، مع توفر الشروط الخمسة من: التفهم والاحتضان والعقلانية والتوازن والمصداقية، ضمن الثقافة الديمقراطية التشاركية، وفي إطار فهم طبيعة التناقض الرئيس وحدود الامكانيات في ظل المواجهة المستمرة ضد المحتل حتى تحقيق استقلال دولة فلسطين القائمة بالحق الطبيعي والقانوني والتاريخي والسياسي، وتحقيق النصر بإذن الله.