حسن حردان
بعد عملية حوارة جاءت العملية الفدائية التي استهدفت المستوطنين المتشدّدين، في كريات اربع بمنطقة الخليل، لتهزّ مرتكزات أمن كيان الاحتلال الإسرائيلي، وتصدم المسؤولين الصهاينة وتدفعهم إلى تقاذف الاتهامات بالمسؤولية عن هذا الفشل في مواجهة تصاعد عمليات المقاومة وتوسّعها لتشمل كلّ أنحاء الضفة الغربية من شمالها الى جنوبها… فيما ذهب رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو إلى اتهام إيران بالمسؤولية عن تزايد هجمات المق اومة. الأمر الذي أظهر إفلاس العدو في مواجهة المقاومة، وتخبّط المسؤولين الصهاينة، والذي عكسه ردّ فعل الوزيرة أوريت ستروك، بقولها: «القلب يصرخ، والرأس لا يستوعب، عملية دموية أخرى تقع بسبب غياب القرارات المطلوبة (…) وزير الحرب، القرار بيدك. اتّخذ القرار قبل العملية المقبلة».
لكن من خلال التمعّن جيداً في عملية الخليل، ولماذا أحدثت كلّ هذا الارتباك والتخبّط في الكيان الصهيوني، ولماذا ألقى نتنياهو بالمسؤولية على إيران، يمكن أن نخلص إلى النتائج التالية…
أولاً، شكلت عملية الخليل جنوب الضفة، بعد عملية حوارة قرب نابلس شمال الضفة، نقطة تحوّل جديدة في أداء المقاومة من حيث القدرة على التنفيذ وإيقاع الإصابات في صفوف المستوطنين، ومن حيث اتساع رقعة عمليات المقاومة وفعاليتها وتطورها…
ثانياً، أثبتت فشل العدوان الصهيوني الذي ينفذ في شمال الضفة منذ أكثر من سنة ونصف السنة، واستطراداً فشل «القبضة الحديدية» الإسرائيلية في محاولة كسر إرادة المقاومة وإخمادها أو إضعافها، أو محاضرتها وعزلها ومنعها من التمدّد والتوسّع…
ثالثاً، كشفت عجز وتخبّط كيان الاحتلال في مواجهة تنامي المقاومة وتأجّجها، واظهرت إلى أيّ مدى بات هذا الكيان الغارق في أزمته الداخلية يفتقد القدرة على توفير الأمن والاستقرار لمستوطنيه، مما اضطر أجهزة أمنه إلى الطلب من المستوطنين أخذ الحيطة والحذر خلال التجوال في مناطق الضفة الغربية.
وقد عبّر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو عن هذا العجز والفشل في مواجهة المقاومة، عندما حاول إلقاء المسؤولية على إيران واتهامها بالوقوف وراء تصاعد الهجمات في الضفة، وهي سياسة إسرائيلية طالما لجأ إليها المسؤولون الصهاينة لتبرير فشل سياساتهم العدوانية في وقف عمليات المقاومة، بالبحث عن دولة خارجية يحمّلونها مسؤولية فشلهم، في حين من المعروف انّ السبب إنما يكمن في تصاعد القمع والإرهاب والاستيطان الصهيوني والاعتداءات على أراضي الفلسطينيين ومقدساتهم، التي لا تترك خياراً للشعب الفلسطيني سوى تصعيد مقاومته رداً على هذه الاعتداءات الصهيونية…
رابعاً، هزت عملية الخليل كيان الاحتلال، لأنها جاءت من حيث المكان والزمان لتوجه ضربة شديدة القوة والتأثير لكلّ مرتكزات الأمن الصهيوني وخطط الاحتلال لاستعادة هذا الأمن عبر تشديد قبضته الأمنية في الضفة الغربية، وتصعيد اقتحاماته للمدن والمخيمات الفلسطينية لملاحقة الفدائيين واغتيالهم واعتقالهم، ولهذا فإنّ حصول عملية الخليل، جاء في وقت كان فيه قادة الاحتلال ما زالوا يعانون من صدمتهم بعد عملية المقاومة في حوارة، مما زاد من صدمتهم وارتباكهم من ناحية، ودفعهم إلى الزجّ بالمزيد من قواتهم العسكرية لمواجهة هذا التصاعد في هجمات المقاومة التي نجحت في توسيع دائرة عملياتها، في وقت كان يعتقد فيه قادة العدو انّ تصعيد عدوانهم سيؤدي إلى الحدّ من عمليات المقاومة.. على انّ الزجّ بقوات جديدة إلى ميدان المواجهة في الضفة سوف يزيد من أعباء الاحتلال، في حين أنّ اتساع دائرة عمليات المقاومة يؤدّي إلى تشتيت قوى وجهود الاحتلال..
أما اجتماع الحكومة الإسرائيلية الذي جرى تقديمه للبحث في هذا التطور الخطير في عمليات المقاومة، فلم يخرج بجديد سوى الإتيان بالمزيد من القوات العسكرية إلى الضفة وتصعيد الإجراءات التعسفية، التي تتسبّب اصلاً في تأجيج المقاومة، الى جانب اتخاذ المزيد من الإجراءات الانتقامية ضدّ الشعب الفلسطيني، والعقوبات بحق عائلات منفذي العمليات الفدائية في محاولة لامتصاص غضب المستوطنين وانتقاداتهم لفشل الجيش والأجهزة الأمنية في توفير الأمن والاستقرار لهم وحمايتهم من هجمات المقاومين.. ولهذا فإنّ المواجهة بين الشعب الفلسطيني ومقاومته، وبين جيش الاحتلال والمستوطنين مرشحة إلى مزيد من التصعيد…