بقلم الباحث الحقوقي/ عاهد جمعه
المقدمة
القضية الفلسطينية بما تمثل من بعد إنساني وتاريخي وسياسي وقانوني، تجعل أمر التعرض لها ولأي من مفرداتها وثوابتها مسألة بغاية من الخطورة، إن لم يكن هناك معرفة حقيقية ومعمقة بكل أبعادها، لذلك نؤكد أن هذه المحاولة للاقتلاع الجماعي لما يزيد عن ثمانين ألف لاجئ فلسطيني في لبنان كانت هذه الهيئة حصلت على تواقيعهم، وفقًا لما صرحت عنه، أمر بغاية من الخطورة، وعلى درجة عالية من التهديد للوجود الفلسطيني في لبنان، إذ يمثل هذا العدد ما لا يقل عن ثلث لاجئي هذا البلد، فعليه لا يمكن لأحد أن يتجرأ على هذه الثوابت الفلسطينية، التي حفرت بدماء عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى، وبمعاناة الآلاف من الأسرى، تحت أي من الذرائع الإنسانية أو الاجتماعية، فكان من الضرورة تناول هذه الهيئة ومشروعها المشبوه، وإبراز خطورته القانونية التي تمس وتطعن بالحق التاريخي الموروث، وتسقطه وتلغيه من أمام الأجيال القادمة، وذلك من خلال المحاور التالية:
المحور الأول: الحق في العودة، والتعويض
المحور الثاني: الحق في العودة، وإعادة التهجير بهدف التوطين
المحور الثالث: الحق في العودة، والوجود الكياني للأنروا
المحور الرابع: الحق في العودة، والتوكيل والتفويض
المحور الخامس: الحق في العودة، وإجراءات حمايته
المحور الأول: الحق في العودة والتعويض
لما كانت المواثيق والعهود الدولية كلها تؤكد على حق العودة وتثبته لكل من يغادر بلاده طوعًا أو هربًا، فإن أي تجاوز لهذا الحق يعتبر خارج إطار الشرعية الدولية، لا سيما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تاريخ 1948، واتفاقية جنيف الرابعة تاريخ 1949، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تاريخ 1966.
ولما كانت القرارات الدولية المتعلقة بحق العودة والتعويضات للاجئين الفلسطينيين على تعددها، إنما جاءت من رحم وفي سياق المواثيق والعهود الدولية، ومن أهم وأبرز هذه القرارات الدولية هي:
1– قرار الجمعية العمومية رقم 194 تاريخ 11/12/1948
جاء هذا القرار متضمنًا خمسة عشر بندًا، وكان أبرزها اﻟﺒند اﻟﺤﺎدي ﻋﺸﺮ اﻟﺨﺎص ﺑﺎﻟﻼﺟﺌﯿﻦ الفلسطينيين، مفاده: "تقرر وجوب السماح بالعودة في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم وعن الخسارة أو الضرر اللاحق بالممتلكات، عندما يكون من الواجب وفقًا لمبادئ القانون التعويض عن ذلك الفقدان أو الضرر من قبل الحكومات أو السلطات المسؤولة.
- وتصدر تعليماتها إلى لجنة التوفيق بتسهيل إعادة اللاجئين وتوطينهم من جديد، وإعادة تأهيلهم الاقتصادي والاجتماعي، وكذلك دفع التعويضات، وبالمحافظة على الاتصال الوثيق بمدير إغاثة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين، ومن خلاله بالهيئات والوكالات المتخصصة المناسبة في منظمة الأمم المتحدة".
2– قرار الجمعية العمومية رقم 273 تاريخ 1949
أصدر مجلس الأمن قراره رقم 69 لسنة 1949 بالتوصية بقبول عضوية "إسرائيل" في الأمم المتحدة، وبناء عليه أصدرت الجمعية العمومية قرارها رقم 273 ما نصه: "إن الجمعية العامة، وقد تسلمت تقرير مجلس الأمن بشأن طلب إسرائيل الدخول في عضوية الأمم المتحدة.
وإذ تلاحظ أن إسرائيل، بحسب تقدير مجلس الأمن، دولة... قادرة على تحمل الالتزامات الواردة في الميثاق، وراغبة في ذلك...
وإذ تلاحظ أيضًا تصريح دولة إسرائيل بأنها تقبل، دون تحفظ، الالتزامات الواردة في ميثاق الأمم المتحدة منذ اليوم الذي تصبح فيه عضوًا في الأمم المتحدة.
وإذ تشير إلى قراريها الصادرين في 29 تشرين الثاني 1947 وفي 11 كانون الأول 1948.
وإذ تأخذ علمًا بالتصريحات والإيضاحات التي صدرت عن ممثل حكومة إسرائيل أمام اللجنة السياسية الخاصة فيما يتعلق بتطبيق القرارات المذكورة...
فإن الجمعية العامة، عملاً بتأدية وظائفها المنصوص عليها في المادة 4 من الميثاق والقاعدة 125 من قواعد الإجراءات:
تقرر أن إسرائيل... راضية بالالتزامات الواردة في الميثاق، قادرة على تنفيذ هذه الالتزامات، وراغبة في ذلك.
وتقرر أن تقبل إسرائيل في الأمم المتحدة".
ووفقًا لهذا القرار فإن قبول الكيان الصهيوني المحتل عضوًا في الأمم المتحدة كان أول قبول شرطي لدولة عضو، وهو الوحيد حتى الآن، فقد جعلت هذه العضوية مرهونة باحترام الدولة الصهيونية لقرارات الأمم المتحدة، لا سيما القرار رقم 194 المتعلق بحق العودة للشعب الفلسطيني المهجر، والتعويض عليه، لذلك يعتبر هذا القرار الذي تضمن ضررورة تنفيذ القرارات الدولية لا سيما القرار 194 إنما جاء أيضًا ليثبت الحق في العودة.
3- قرار الجمعية العمومية رقم 513 تاريخ 1952
كما أن القرار 513 الصادر عن الجمعية العمومية لعام 1952 جاء ليؤكد على حق العودة بالنص الآتي: "نلاحظ بأسف أن اللجنة كما وردت الفقرة 87 من التقرير لم تستطع أن تتم مهمتها بمقتضى قرارات الجمعية العامة وأن القرارات المشار إليها لم تنفذ بعد ولا سيما بالنسبة إلى إعادة اللاجئين الراغبين في العودة إلى دورهم وبالنسبة إلى تقدير التعويض العادل المناسب لممتلكات اللاجئين الذين لا يرغبون في العودة".
ولما كان القرار رقم 194 في البند الحادي عشر منه وما تبعه من قرارات ارتكزت عليه وأكدته، جاء ليقرر ويثبت الأمور التالية:
- حق اللاجئ الفلسطيني في العودة إلى الديار.
- حق اللاجئ الفلسطيني في التعويض عن ممتلكاته إذا ما قرر عدم العودة إلى الديار.
- حق اللاجئ الفلسطيني في التعويض عن الممتلكات التي خسرها أو التي تكون مصابة بضرر.
بناء على ما تقدم نلحظ أن حق التعويض، بات محصورًا ومحددًا لمن لا يريد العودة إلى الديار، ومرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بها، وإن كنا نعتبر وفقًا لمبادئ القانون الدولي أن حق التعويض قائم وأن اختيار العودة لا يسقط هذا الحق، ولكن اختيار التعويض بهذه الطريقة يعطي الذريعة للكيان الصهيوني، وذلك من شأنه أن يهدد بسقوط هذا الحق وبزواله.
ولما كانت الهيئة الشبابية للجوء الإنساني المزعومة، فوضت محاميًا... تفويضًا مفاده: "... نفوض تفويضًا غير قابل للنقض أو الرجوع المحامي (...) للقيام بكل الإجراءات القانونية لدى أي قضاء دولي للاستحصال على تعويضات لنا ولما نمثل من أفراد عائلاتنا عن الضرر الحاصل والأملاك المحتلة المسجلة في دائرة أملاك الغائب وفقًا للبند رقم 11 في القرار 194 الصادر عن الأمم المتحدة، وبكل الإجراءات الدبلوماسية الدولية لتأمين اللجوء الإنساني في أي مكان جغرافي أو تاريخي انطلاقًا من الضرر العيني التاريخي اللاحق بنا...". كما وطلب المحامي (...) أن يُرفق التفويض بالآتي:
- عدد أفراد الأسرة - رقم كرت الإعاشة - البلدة الأصلية في فلسطين - صورة عن كرت الإعاشة - سند الملكية إن وجد.
ولما كانت هذه الهيئة المزعومة، تطالب بالتعويض مستندة على البند الحادي عشر من القرار 194، معللة طلب التعويض بالأضرار التي وقعت دون أن يكون حق العودة قد تحقق، مما يجعل هذا المطلب غير صحيح، ويخلق ثغرة خطيرة، تمكن الكيان الصهيوني الولوج منها لإسقاط الحق في العودة على قاعدة الحصول على التعويض (تحقق شرط التعويض) في إطار التفسير الضيق لنص القرار، وبذلك يكون هذا المشروع قاد الأفراد الذين فوضوه نحو فخ التعويض مقابل التنازل عن حق العودة، ومن أهم المؤشرات التي تؤكد أن هذه الهيئة بمشروعها يقع في الإطار المشبوه، هو أن المطالبة بالتعويض اقترن بسندات الملكية وبطاقات الإعاشة واسم البلدة في فلسطين.
وبناء عليه يعتبر عمل هذه الهيئة غير مشروع، لجهة مطالبتها بالتعويض الذي يمس وفقًا لما تقدم، بأهم الثوابت الوطنية، ألا وهو حق العودة إلى الوطن.
المحور الثاني: الحق في العودة وإعادة التهجير بهدف التوطين
لما كان التوطين، أو إعادة التوطين وفقًا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين "هي عملية نقل اللاجئين من دولة اللجوء إلى بلدٍ آخر يوافق على السماح لهم بالدخول، ويمنحهم الإقامة الدائمة في نهاية المطاف".
ولما كانت لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني عرفت التوطين بأنه "إعطاء اللاجئين الفلسطينيين في لبنان الجنسية اللبنانية بشكل جماعي، بعضهم أو كلهم، من خارج السياق القانوني، بموجب قرار سياسي مفروض في سياق تسوية إقليمية أو دولية، خلافاً للدستور، سواء تم ذلك دفعة واحدة أو بالتدرج".
ولما كان الكيان الصهيوني منذ الأشهر الأولى لاحتلاله فلسطين بدأ في البحث عن توطين اللاجئين الفلسطينيين في الأقطار العربية، فتألفت لهذا الغرض بعثة برئاسة الخبير كلاب (Klapp)، وأصدر المركز الملكي في لندن دراسة بعنوان "اللاجئون العرب، مسح لإمكانات التوطين"، وتبعها الكثير من المشاريع التي كان هدفها توطين الفلسطينيين، مثل مشروع جونسون 1953-1955، ومشروع الأمين العام السابق للأمم المتحدة همرشولد في عام 1975، وغيره من المشاريع التي كانت تهدف إلى القضاء على حق العودة الذي هو ثابت من الثوابت الفلسطينية، وحق من حقوقه الإنسانية والسياسية والقانونية والتاريخية.
ولما كانت الهيئة الشبابية المزعومة، تدعو وبكل وضوح جميع أبناء شعبنا المهجر واللاجئ في لبنان، للهجرة والتشتت مرة ثانية، مستغلة ظروفه الإنسانية والاجتماعية الصعبة، مستخدمة عبارة "تأمين اللجوء الإنساني" التي تهدف من ورائه إلى الآتي:
إبعاد وإعادة تهجير أكبر عدد ممكن من شعبنا عن حدود الوطن.
خلق مزيد من التشتيت والإذابة الجماعية في دول أوروبا وغيرها.
تحقيق الغاية والمطلب الصهيوني وهو التوطين.
وهذا واضح وضوح الشمس، من خلال شعاراتهم وهتفاتهم التي يرفعونها ويطلقونها في تجمعاتهم وحراكهم، ولا تخفى على أحد، فهي مسجلة ومنشورة على صفحاتهم ومواقعهم الإلكترونية، ومن هذه الشعارات على سبيل المثال لا الحصر: "نعم للتوطين في أستراليا، أمريكا، كندا"، "لا نريد أن نبقى لاجئين مدى الحياة".
وبناء عليه، فإن تصرفات هذه الهيئة وطرحها ومطالبتها بالتهجير المؤدي إلى التوطين، جد خطير، ويمس بدرجة عالية حقًّا من الحقوق الوطنية النضالية الفلسطينية، الذي يمثل الركيزة وحجر الزاوية في العملية الكفاحية، بل يمس حقًّا من الحقوق الجماعية التي لا يمكن لأي إنسان أن يتصرف أو يعبث فيه، ألا وهو حق العودة.
المحور الثالث: الحق في العودة والوجود الكياني للأنروا
لما كان قرار إنشاء وكالة الأنروا رقم 302 الصادر عن الجمعية العامة بتاريخ 1949، مرتبطًا منذ البداية بالفقرة 11 من القرار 194، إذ تؤكد الفقرة الخامسة منه، أي من القرار التأسيسي للأنروا ما نصه: "بأنه من الضروري استمرار المساعدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين بغية تلافي أحوال المجاعة والبؤس بينهم، ودعم السلام والاستقرار، مع عدم الإخلال بأحكام الفقرة 11 من قرار الجمعية العامة، رقم 194"، فهذا يقودنا نحو ضرورة التمسك بالأنروا واستمراريتها، لحين تحقيق العودة إلى الديار.
لا بل إن أية محاولة لتقليص خدمات الأنروا يجب أن تواجه بالاستنكار والرفض، لاعتبار أن وجودها واستمراريتها مرتبط بتنفيذ البند 11 من القرار 194، فإن زوالها وعدم استمراريتها يهدد قوة وموضوعية البند الحادي عشر من القرار السابق الذكر.
ولما كانت الهيئة الشبابية المزعومة، تطالب بوقف الدعم عن الأنروا، وتشهر بفسادها بطريقة غير موضوعية، مما يساهم ويساعد الكيان الصهيوني لإيجاد الذريعة والحجة من أجل التأثير على الدول المانحة، لوقف التمويل، وبالتالي إنهاء عمل الأنروا وتصفيتها.
بناء عليه، إن مشروع الهيئة المزعومة، المرتكز على الهجوم على الأنروا بهذه الطريقة، وتحت شعار: "أوقفوا الدعم عن الأنروا الفاسدة"، إنما يأتي ليضعف ويهز حق العودة، المرتبط والموثق ببقاء الأنروا لحين تحققه، أي إن فقدان وكالة الغوث وزوالها يؤدي إلى زوال أهم شاهد دولي على جريمة الاحتلال من ناحية، وكذلك يفقد حق العودة أبرز روافعه، لارتباط وجود وكالة الأنروا بتحقق العودة إلى الديار، وفقًا لقواعد ومبادئ القانون الدولي.
المحور الرابع: الحق في العودة والتوكيل والتفويض
لما كان قانون الموجبات والعقود اللبناني نص في المادة 769 منه بأن "الوكالة عقد بمقتضاه يفوض الموكل إلى الوكيل القيام بقضية أو بعدة قضايا أو بإتمام عمل أو فعل أو جملة أعمال أو أفعال، ويشترط قبول الوكيل، ويجوز أن يكون قبول الوكالة ضمنيًّا وأن يستفاد من قيام الوكيل بها"، وذكر في المادة 772 منه بأنه "لا تصح الوكالة إلا إذا كان الموكل نفسه أهلاً للقيام بموضوعها، ولا تطلب هذه الأهلية من الوكيل، بل يكفي أن يكون من ذوي التمييز"، وكذلك أكد في المادة 773 منه بأنه "تكون الوكالة باطلة:
أولاً- إذا كان موضوعها مستحيلاً أو غير معين تعيينًا كافيًا.
ثانيًا- إذا كان موضوعها إجراء أعمال مخالفة للنظام العام أو للاداب أو للقوانين".
وكذلك من المبادئ القانونية العامة أن الوكالة يحكمها القاعدة التالية، وهي: "كل ما جاز للإنسان التصرف فيه، جاز له أن يوكل أو يتوكل فيه".
ولما كان حق العودة، يحمل بجوهره الصفات والسمات الآتية:
الصفة الجماعية، فهو حق عام مرتبط بكافة اللاجئين الفلسطينيين.
الصفة الإنسانية، فهو حق طبيعي ذو بعد إنساني، غير قابل للتصرف.
الصفة القانونية الآمرة، فهو يتسم بصفة القاعدة القانونية الآمرة التي لا يجوز مخالفتها، بعدما أكدته إعلانات ومواثيق وقرارات دولية، تعتبر رأس الهرم القانوني وفقًا لمبدأ تسلسل القواعد القانونية.
الصفة الترابطية، فهو متلازم ومترابط مع حق تقرير المصير الذي يعتبر من القواعد القانونية الدولية العليا، المؤكدة بميثاق الأمم المتحدة لا سيما في المادة الأولى الفقرة الثانية منه، فهو بذلك يدخل في إطار مفهوم حق الشعوب في تقرير مصيرها وأبعاده، ليسمو، أي حق العودة، إلى مرتبة أنه لا يمكن لأي جيل أن يتنازل عنه، أو أن يتصرف به، لأنه أيضًا من حق الأجيال القادمة.
ولما كان التفويض الجماعي الذي دعت إليه الهيئة الشبابية المزعومة، اشتمل على المسألتين التاليتين:
1- المطالبة في التعويض.
2- التهجير المؤدي إلى التوطين.
وكنا قد أثبتنا وبإسهاب أن أيًّا من كلتا المسألتين إذا ما تحقق، سيؤدي حتمًا إلى المساس بحق العودة وضياعه.
فبناء عليه، إن التفويض والتوكيل المدعو إليه من قبل الهيئة المزعومة مخالف للمادة 772 وكذلك للمادة 773 من قانون الموجبات والعقود اللبناني، إذ إن المادة 772 اشترطت الأهلية لدى الموكل للتصرف بموضوع الوكالة، والمادة 773 اشترطت أن لا يكون موضوع الوكالة مخالفًا للنظام العام والقوانين، بالتالي فإن هذا التوكيل باطل لسببين:
الأول: لعدم توافر الأهلية، في التصرف بمثل هذا الحق القائم على القاعدة الآمرة الجماعية الإنسانية المصيرية.
الثاني: لمخالفة النظام العام والقوانين، إذ إن هذا التفويض يمس حق العودة وفقًا لما أسلفنا، وهو المحمي والمصان بالمواثيق والقرارات الإقليمية والدولية لا سيما القرار 194، وأي مساس به يعتبر مساسًا ومخالفة للنظام العام.
المحور الخامس: حق العودة وإجراءات حمايته
إذا كان حق العودة هو حق جوهري ومصيري وفقًا لما تقدم، بحيث لا يمكن لأي جهة أن تسقطه حتى وإن خضع للاستفتاء العام، لارتباطه بالأجيال السابقة التي ثبتته وكرسته، والأجيال اللاحقة التي اكتسبته، فهو حق مصيري بامتياز، متجزر في الماضي، ومتأصل في الحاضر، وممتد إلى المستقبل. من هذا المنطلق جاءت الضرورة النضالية الوطنية للدفاع والزود عن هذا الحق، للحيلولة دون الاعتداء عليه أو المساس به، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، من خلال المسلكين التاليين:
المسلك الأول: المسلك السياسي:
لما كان الدستور اللبناني في مقدمته، الفقرة (ب) أكد على أن "لبنان عربي الهویة والانتماء، وهو عضو مؤسس وعامل في جامعة الدول العربیة وملتزم مواثیقها، كما هو عضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة وملتزم مواثیقها والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتجسد الدولة هذه المبادئ في جمیع الحقول والمجالات دون استثناء.
ولما كانت جميع اﻟﺘﺼﺮﻳﺤﺎت واﻟﺒﯿﺎﻧﺎت اﻟﺼﺎدرة ﻋﻦ ﻛﺒﺎر اﻟﻤﺴﺆوﻟﯿﻦ وأﺳﻤﻰ الهيئات واﻟﻤﺆﺳﺴﺎت اﻟﺮوﺣﯿﺔ ﻓﻲ ﻟﺒﻨﺎن، أكدت على ضرورة تقيد والتزام الكيان الصهيوني بتنفيذ القرار 194 المرتبط بحق العودة للاجئين الفلسطينيين، ورفض جميع أشكال التوطين، وكان ذلك انسجامًا مع المواثيق الدولية والمقررات العربية الداعية إلى الحق الفلسطيني في العودة وتقرير المصير.
فبناء عليه واستنادًا إلى عروبة لبنان والتزامه بقرارات ومواثيق الجامعة العربية ومنظمة الأمم المتحدة ومقرراتها، لا سيما القرار 194، نوصي بضرورة تشكيل وفد رفيع المستوى يمثل كافة الفصائل الفلسطينية، ليلتقي بالهيئات السيادية اللبنانية، من أجل وضعهم بخطورة مشروع الهيئة الشبابية المزعومة وانعكاساته المؤدية إلى إسقاط حق العودة والوقوع في أفخاخ التوطين، لا سيما أن هذا المشروع طرح شعار لا للتوطين، قاصدًا دغدغة المشاعر اللبنانية المحلية، ليحقق بذلك الحرية في التحرك على الأراضي اللبنانية، للوصول إلى التوطين الخارجي، إلا أنه ومهما كانت أساليبه لا بد من التأكيد على المراجع اللبنانية، بضرورة الالتزام بالقرارات والمواثيق العربية والدولية، وخصوصًا تلك المتعلقة بالقضية الفلسطينة وثوابتها الوطنية، وعلى رأسها حق العودة ورفض التوطين في أي بقعة من بقاع الأرض، لذلك فهي مطالبة، أي المراجع اللبنانية، باتخاذ الإجراءات اللازمة لإسقاط هذا المشروع الذي يتخذ من لبنان ساحة له.
ثانيًا: المسلك القانوني:
لما كانت المادة 29 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حددت بأن الحرية يجب أن تكون ضمن مقتضيات النظام العام ومقاصد ومبادئ الأمم المتحدة.
ولما كانت المادة 25 من قانون المطبوعات اللبناني أكدت على أنه:
"إذا نشرت إحدى المطبوعات... ما كان من شأنه... تعكير السلام العام، أو تعريض سلامة الدولة أو سيادتها أو وحدتها أو حدودها أو علاقة لبنان الخارجية للمخاطر، يحق للنائب العام الاستئنافي أن يصادر أعدادها، وأن يحيلها إلى القضاء المختص. وللمحكمة في هذه الحالة أن تقضي بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات، وبالغرامة من /50/ خمسين مليون إلى /100/ مئة مليون ليرة لبنانية، أو بإحدى هاتين العقوبتين. ولا يجوز في أي حال أن تقل عقوبة الحبس عن شهرين والغرامة عن حدها الأدنى...".
ولما كانت هذه الهيئة المزعومة بترويجها للتوطين الخارجي، والتعويضات المتلازمة في الكثير من الأحيان بسندات الملكية، وبهجومها على الأنروا بشراسة بقصد الحل والإنهاء، جميعها يدخل ضمن المشروع الصهيوني الذي يحاول جاهدًا تحقيق التوطين وتكريسه منذ العام 1949، وهذه الأفعال كلها تندرج تحت أحكام المادة 25 من قانون المطبوعات، وبالتحديد تحت عبارة (... ما من شأنه أن يعكر السلام العام)، وكذلك تحت عبارة (... ما من شأنه تعريض علاقة لبنان الخارجية للمخاطر)، وهذا ما يؤكده الإعلان العالمي بوصفه وثيقة دولية موقعًا عليها لبنان، وهي أعلى وأسمى من القانون العادي، فالسلام العام وسلامة علاقات لبنان الخارجية (قانون المطبوعات) جاء في إطار النظام العام ومقاصد ومبادئ الأمم المتحدة (الإعلان العالمي) الذي هو بدوره وفي هذه الجُزئية يقوم على القرار 194 المتعلق بحق العودة.
فبناء على ما تقدم، يجب ملاحقة هذه الهيئة بمشروعها المشبوه بجرم إساءة استعمال حرية الرأي والتعبير، أمام محكمة المطبوعات بشخص الأفراد الذين يمثلونها ويُسوقون مشروعها، استنادًا للمادة 25 من قانون المطبوعات.
الخاتمة
بعد كل ما تقدم، لا بد من الإشارة إلى مسألة مهمة، وهي أن على كل فلسطيني لاجئ أن يعي حقيقة ما تحاك له من مؤامرات، وحقيقة المشروع سالف الذكر، الذي يهدف في كل أوجهه ومساراته إلى ضياع الحق في فلسطين، وأيًّا كانت النيات فإنه مجرد الوقوع في أوحال هذا المشروع، ستكون النتيجة التخلي عن فلسطين، فأمام هذا المشروع الذي يأتي في سياق مجموعة من المؤامرات، التي أحيكت وستحاك ضد فلسطين والقضية الفلسطينية، لا بد لكل لاجئ فلسطيني أن يحدد مساره وأن يختار، واحدًا من مشهدي اللجوء:
المشهد الأول: شريحة من اللاجئين الفلسطينيين، تعاني شظف العيش، وتتجرع بشهيقها وزفيرها مرارة اللجوء وقساوته، لكنها واعية ومدركة تمامًا، خطورة الاقتلاع والتهجير الجماعي للمرة الثانية، وإذابة اللجوء الفلسطيني من خلال التوطين الخارجي، الذي سعى ويسعى إليه المشروع الصهيوني منذ العام 1949، فهي متمسكة بما تمسك به الآباء والأجداد، لحظة تهجيرهم القصري واقتلاعهم من فلسطين، بأنهم عائدون، ومدركة تمامًا أن العزة والكرامة، لن تكون على أرض نتسولها غير أرض الوطن، وأن المستوى المالي والمعيشي لأية شريحة من شرائح اللجوء، لن يكون يومًا البوصلة التي تحدد وتفرز من يتمسك بحق العودة ومن يتخلى عنه، إنما الوعي والثبات واليقين، أيًّا كانت الظروف المعيشية، هو الذي يحدد الموقف ويرسم الطريق، دون أن يكون للشريحة الاجتماعية التي ننتمي إليها أي اعتبار، فالهدف والاتجاه، فقط نحو فلسطين، وليست الظروف المعيشية والاقتصادية والاجتماعية هي التي تحدد الاختيار.
المشهد الثاني: شريحة من اللاجئين الفلسطينيين، أضاعت البوصلة وأصبحت قبلتها أرض اللبن والعسل، وأهدافها فقط مادية محض، تريد الخلاص المادي والاقتصادي والاجتماعي، وتكفر بكل المبادئ الثورية، وترمي بكل الثوابت الوطنية، مترنحة بكأس الحرمان والعذابات، لتنسج حلمًا يبحث عن عزة وكرامة في أرض وطن، غير الوطن، فسقطت ثوابتها وقيمها إلى مستوى الحاجات المادية والاقتصادية الضيقة، عبثا تحاول التبرير، تخلت عن وصية الآباء والأجداد، بأننا وإن كبرنا ومتنا فإياكم أن تنسوا.
فاللاجئ الفلسطيني أمام هذا المشروع، في تحدٍّ جديد، إما أن يكون ويبقى فلسطينيًّا على الطريق، وإما أن يكون، كان فلسطينيًّا، ولم يبقَ فلسطينيًّا.
الباحث القانوني
أمين سر المكتب الحركي للحقوقيين في لبنان
عاهد جمعه
مراجع الدراسة
- الدستور اللبناني.
- قانون الموجبات والعقود اللبناني.
- مجلة الدفاع الوطني اللبناني، العدد 38، تشرين الأول 2001.
- حق العودة للشعب الفلسطيني ومبادئ تطبيقه، رمضان بابارجي وآخرون، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1997.
- قرارات الأمم المتحدة بشأن فلسطين والصراع العربي الإسرائيلي، المجلد الأول، ص 197، منشورات مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1993.
- مجلة "شؤون الأوسط"، العدد 92، سنة 2000، تحت عنوان "اللاجئون الفلسطينيون بين الضمانات الدولية والمخاطر التعاقدية".
- مؤسسة فلسطين للثقافة، نحو إعادة الاعتبار للثوابت الوطنية الفلسطينية، إعداد مجموعة من المنظمات المعنية بحق العودة.
- دليل حق العودة،
https://www.palestineremembered.com/Acre/Right-Of-Return/Story2254.html.
- قرارات دولية خاصة باللاجئين، https://www.aljazeera.net/.
- مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الصكوك الدولية، https://donatenow.ohchr.org/.
- موقع المجموعة 194.
- جنوبية، https://janoubia.com/، فلسطينيون بعد "نكبة" لبنان.. رحلة البحث عن لجوء جديد، 7/11/2020.
- الصفحة الرسمية للهيئة الشبابية للجوء الإنساني،
https://www.facebook.com/palestinianrefugeeinlebanon.