معضلة الموازنة بين الانضباط الذاتي والانضباط الموضوعي
من محمد قاروط أبو رحمه.
التعريفات
الانضباط الذاتي هو الانضباط لما أنت مؤمن به، والعمل بما تؤمن به
والانضباط الموضوعي هو الانضباط للجماعة التي انتسبت إليها طوعا، والعمل باوامرها.
أما قبل:
قبل 50 عاما كنت في متوسط أعماركم عندما التحقت فدائيا في قوات العاصفة. وبعد ثلاثة سنوات التحقت بالكلية العسكرية. وبعد سنتين التحقت بدورة ضباط الأسلحة والتكتيك في الباكستاني (دورة الأركان الصغرى). شاركت بكل المراحل النضالية لقوات الثورة الفلسطينية وحتى ألان. في العام 1975 كنت مسئولا عن فصيل في محمور ترشيش زحلة وخالفت أوامر اللواء الشهيد موسى عرفات وأمر بحجزي.
تدرجت بمواقع المسؤولية وكنت قائدا لقلعة الشقيف عام 1981، وسكرتير اللجنة العسكرية في لبنان عامي 1984_ 1985. وعملت في التنظيم والتعبئة الفكرية والتدريب، ولا زلت على هذا الحال. وأنا من عائلة شهداء ومنهم والدي.
أما بعد:
عندما التحقت بقوات العاصفة كان التحاقي بها تعبيرا عن الشعور بالمسؤولية تجاه شعبنا وأرضنا، وكان العمل من اجل تحرير بلادنا هو هم جيلي. كانت المعضلة الأولى التي واجهتني هي تحول حياتي المدنية إلى حياة الفدائيين، والثانية هي الانضباط والالتزام بالجماعة (القوانين والأنظمة والتعليمات).
كنت اعتقد ان الفدائي يمكنه فعل ما يريد، ويتصرف بحسب تفكيره، وخاب هذا الاعتقاد.
في الأساس فان العمل من اجل دحر الاحتلال هي مسؤولية فردية يتحملها الفرد طواعية، لكن إذا التحق الفرد بالجماعة (قوى ألان الفلسطيني) طواعية وبإرادته فان إرادته الحرة تصبح جزءا من إرادة الجماعة وليست منفصلة عنها.
كان الانضباط للقيادة امرأ ليس سهلا، بل صعبا، وأول اختبار حقيقي لي في هذا المجال كان في نيسان عام 1974، كان الجيش اللبناني يحاول اقتحام منطقة القيادة في بيروت (منطقة الفكهاني)، وكنت أتفلت للذهاب هناك. كان قائد المعسكر يوضح لي ولزملائي أننا جميعا ملتزمون بما تقرره القيادة إضافة إلى أن علينا مهمات أخرى.
بعد أسبوع من انتهاء اشتباكات نيسان تدفق المئات لمعسكرات التدريب، وكنت احد المدربين.
وعندما توليت المسؤولية كان اكبر همي كيف اقنع المنتسبين الجدد بالانضباط للأوامر.
ثم تطورت تجربتي فأصبحت في وعي كامل أن الانضباط للقيادة أهم شروط الانتصار، وان المبادرات الفردية الناتجة عن الانضباط الذاتي لما أنا مؤمن به إن لم تكن في إطار توجهات القيادة فإنها تضر وقد يكون الضرر صعبا بحيث يمكن أن نفقد زملاء لنا.
ومن حلال تطور التجربة والتعلم المستمر أدركت أن الشرطة المدنية والشرطة العسكرية، والضابطة الجمركية، والخدمات الطبية والخدمات اللوجستيكية والإعلام والعمل في السلك الدبلوماسي لا تقل أهمية عن الفدائي المقاتل، ويشمل ذلك قوات الاحتياط. لقد خضنا معارك كبيرة لم تشارك بها قوات الاحتياط ولولا ثقتنا بأنها موجودة لم نكن لنقاتل ونحن مرتاحين.
الأبناء الأعزاء
قوى الأمن الفلسطيني عليها ضغوط هائلة من العدو والخصوم وكذلك من أبناء شعبنا قليلي الوعي، فلا يغرنكم من يقول عن نفسه مقاوم، ولا يستدرجكم احد للقيام بأية أعمال عاطفية.
نحن نؤمن بانضباطكم الذاتي والتزامكم بالعمل من اجل فلسطين، ولا يستقيم العمل من اجل فلسطين إلا بالالتزام بقرارات القيادة.
الفوضى ومخالفة الأوامر والعمل الفردي لا يحقق نصرا، قد يفرغ طاقتك وعواطفك لكن سندفع جميعا ثمن أي مخالفة للأوامر.
في الختام:
عمر 67 عام ولازلت أمر بأحداث تتطلب قرارات صعبة، ولا زلت أصارع نفسي بين اتخاذ القرار على أساس الانضباط الذاتي او الموضوعي. هل اتخذ القرارات والحوار مع الآخرين على أساس عاطفي أم عقلي؟. هل انتصر لذاتي أم لوطني عبر قيادة الشعب الفلسطيني؟.
سيبقى الحوار الداخلي حول الانضباط والالتزام موجود ولن ينتهي أبدا، وهذا صحي جدا ويعبر عن روح المسؤولية.
الأبناء الأعزاء:
بدون الانضباط والالتزام منا جميعا لقرارات القيادة وخاصة قوى الأمن الفلسطيني بقيادتها لن يكون لنا دولة، ولا اقتصاد ولا امن وستسود الفوضى وسنقاتل بعضنا بعضا.
انضباطكم والتزامكم بقرارات قيادتكم ضرورة وطنية.
مع خالص المحبة والتقدير