كتب بكر ابو بكر هل الله يزع ويردع بالسلطان مالا يردع بالقرآن؟

نداء الوطن - كتب بكر ابو بكر

كثيرًا ما تتردد مقولة شهيرة ومتداولة بكثرة ينسبها البعض للرسول صلى الله عليه وسلم، وينسبها الآخرون للخليفة عثمان بن عفان واحيانًا لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما وأحيانًا عن عمر بن عبد العزيز بل وطال الأمر الحسن البصري، ويتم استخدامها بإسفاف وفي غير موضعها الذي جاءت فيه، إنها مقولة "إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن".

 

وللغرابة أيضًا أن المقولة رويت بصيغة أشد هي «إن الله ليزع بالسلطان أكثر مما يزع بالقرآن»![1] ويزع هنا بمعنى يردع ويكف ويدفع ويمنع.

 

تستخدم هذه المقولة في غير موضعها باعتقادي مما أشرت به لأحد خطباء المساجد في منطقتنا، وظل الرجل متشككًا حتى أتيت له بالدليل من تخريجات علماء المسلمين، فاستبشر وتهلل وشكرني على تصحيح معلومته حيث الاستخدام العام الطاعن فليس من شأن السلطان أن يكون رادعًا لكل الناس، فالقرآن والإيمان والضمير للمؤمن هو الرادع الأكبر، وهو ما يريده الله سبحانه وتعالى من الانسان المؤمن.

 

في البداية ثبت أنها ليست حديثًا من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ولكنها منسوبة للخليفة الثالث (على الأغلب الأصح) وفي موضع محدّد يجوز الاستشهاد بها في موضعها فقط.

 

وفي نقاشي للمقولة مع الخطيب وتحرّجه من رفض المقولة على إطلاقها، كان قد قال أن للسلطان سطوة على القرآن! وهذا لا يتفق أن يقوله الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ كيف يكون ذلك وهو صاحب الرسالة التي هي بقوتها الذاتية ثم بقوة حامليها والمؤمنين بها فتحوا الدنيا ولم يفتحوها بقوة السلطان أو السيف فقط، وإنما بما وقر بالنفوس وبين الأضلع.

 

لذا فأن يُنسَب الأمر ضمن مقارنة مع القرآن الكريم فإن فيه اجحاف ولا يتفق البتة، ولكن أن يقال الأمر في حادثة فتنة معينة أو في ظل صراع سياسي شديد، أو لتكريس فكرة أهمية القيادة والخلافة والإمارة، أو وفي مواجهة مجموعة فوضوية محددة يتفق فعلًا . بمعنى أن السلطان يردع الفئة الباغية أو الظالمة من المسلمين لأن نفوسهم ضعيفة الايمان بالقرآن الكريم، وهنا يتضح المعنى المقصود. مع الاخذ بالاعتبار ضرورة أولوية زرع الروادع القرآنية ليكون المجتمع ذو قيم وأخلاق وضمير.

 

يقول الكاتب رضا البطاوي في رفض المقولة كليًا التالي: "أما كون السلطان أى الملك يخيف أكثر مما يخيف القرآن فهذا كلام غير صحيح كالتالى:المسلمون دوما يخيفهم عذاب الله فى القرآن كما قال تعالى :"الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق والذين يصلون ما أمر الله به يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب" وقال: "ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا"وقال:"يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا"، المسلمون إذا لا يزعهم الحاكم وإننا يزعهم خوفهم من عذاب الله كما قال القرآن" مضيفًا ما نتفق أيضًا معه فيه أن المقولة محقة في موقعها أي ضد الأشرار والظلمة والمجرمين وأصحاب الفتنة والخيانة.

 

في هذه المقولة يقول القاضي ابن عربي[2] ما نتفق معه فيه، وما جادلنا به حيث أورد: "وقد جهل قوم المراد بهذا الكلام، فظنوا أن المعنى فيه أن قدرة السلطان تردع الناس أكثر مما تردعهم حدود القرآن. وهذا جهل بالله وحكمه وحكمته ووضعه لخلقه، فإن الله ما وضع الحدود إلا مصلحة عامة كافة قائمة بقوام الحق، لا زيادة عليها ولا نقصان معها، ولا يصلح سواها، ولكن الظلمة خاسوا بها، وقصروا عنها، وأتوا ما أتوا بغير نية منها، ولم يقصدوا وجه الله في القضاء بها؛ فلذلك لم يرتدع الخلق بها. ولو حكموا بالعدل؛ وأخلصوا النية، لاستقامت الأمور، وصلح الجمهور"[3]

 

وفي تعليق ابن تيمية على المقولة يقول: "فإن من يكون من المنافقين والفجار فإنه ينزجر بما يشاهده من العقوبات وينضبط عن انتهاك المحرمات فهذا بعض فوائد العقوبات السلطانية المشروعة." وقال ابن عثيمين "أن من الناس من لا يصلحه إلا قوة السلطان، ومن الناس من يصلحه القرآن، إذا قرأ القرآن اتعظ وانتفع، ومن الناس من هو شرير لا يصلحه إلا السلطان".

 

وفي إشارة أخرى حول المقولة المنسوبة الى عثمان بن عفان رضي الله عنه الواردة في تاريخ المدينة لابن شبه النميري[4] أن عثمان قال "ربما يزع السلطان الناس أشد مما يزعهم القرآن". وهذه (الربما) ذات قيمة فعلية هنا فهو يطرحها ليؤكد مقولته (من المحتمل) وهي الأقرب للصواب برأينا لأن الاحتمالية هنا ترتبط بالحالة والوضع والموقف، وتربط بالشخص فمن حيث الحالة فهي أي قوة الردع السلطوية في حال الفتنة وتشتت الناس تكون بالفعل أقوى، ولربما قالها في موضع الفتنة فعلًا (ما لم نتيقن تاريخيًا حسب الحوادث منه)، وتكون روادع السلطان أقوى أيضًا لدى المنافقين والمفترين والظلمة والمفسدين.

 

إذن يمكننا القول "إن الله يزع بالقرآن ما لايزع بالسلطان" وهو القول الحق، فالقرآن لقلب المؤمن هو الرادع الأكبر عن فعل المنكر وفعل الخبائث. حيث نرى أنه حين غياب الردع وعيون السلطة أو الحكومة أو قوات الشرطة والأمن في أي بلد ، فلا يكون للانسان العادي أي رادع مادي له حينها الا نفسه ومقدار إيمانه. وعليه يتربع القرآن الكريم في ربيع القلوب وقوة الردع معًا.

الحاشية:

[1] ويروى عن الحسن بن علي رضي الله عنه قوله: "لا بد للناس من وازع" ، أي من سلطان/حاكم يكفهم.

2 المقصود القاضي أبو بكر بن العربي، وقد ورد النص في كتاب من درر تفسير القرطبي بصيغة (ما يزع الإمام أكثر مما يزع القرآن؟)

3 ولمراجعة ورقة ابراهيم المديهش على تخريج المقولة. وكتاب ابن عربي المعنون: أحكام القرآن.

4 تاريخ المدينة - ابن شبة النميري - ج ٣ - الصفحة ٩٨٨


[1] ويروى عن الحسن بن علي رضي الله عنه قوله: "لا بد للناس من وازع" ، أي من سلطان/حاكم يكفهم.

[2] المقصود القاضي أبو بكر بن العربي، وقد ورد النص في كتاب من درر تفسير القرطبي بصيغة (ما يزع الإمام أكثر مما يزع القرآن؟)

[3] ولمراجعة ورقة ابراهيم المديهش على تخريج المقولة. وكتاب ابن عربي المعنون: أحكام القرآن.

[4] تاريخ المدينة - ابن شبة النميري - ج ٣ - الصفحة ٩٨٨

 

نداء الوطن