عبد الباري فياض كاتب صحفي فلسطيني
أظهرت الحرب على غزة رغم بشاعتها موقف الأمة العربية تجاه القضية الفلسطينية، فهناك دول قدمت الغالي والنفيس للشعب الغزاوي فيما وقفت دولًا أخرى مكتوفة الأيدي واقتصر دورها على بيانات الشجب والإدانة لما فعلته الممارسات الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني.
إلا أن المملكة العربية السعودية كانت من أبرز الدول الداعمة وبقوة للشعب الفلسطيني، إذ ساهمت الحرب في التقارب بين المملكة والسلطة الفلسطينية بشكل كبير، وكان أبرز هذه الدلائل هو إيداع السعودية 60 مليون دولار في حساب السلطة الفلسطينية لصالح إعادة إعمار غزة بعد عودتها إلى السلطة مجددا بعد انتهاء الحرب.
اللافت هنا أن هذه المبادرة السعودية بمثابة دفعة كبيرة وقوية للشعب الفلسطيني قبل السلطة الفلسطينية، وهذا يشير إلى أن المملكة تراهن بشكل كبير على نجاح السلطة في تولي شؤون قطاع غزة بعد الحرب، حيث قد يتم ضخ هذا المبلغ في عملية إعادة بناء غزة وإحياء عملية السلام لنصرة للشعب الفلسطيني.
ما سبق يؤكد على دور السعودية المهم في دعم قيام الدولة الفلسطينية ورفض تقسيمها كما يبرهن على عدم وجود أي محاولة للتطبيع مع الكيان المحتل على حساب حق الشعب الفلسطيني، فهذا موقف واضح وصريح ولا يحتاج إلى تكهنات فالسعودية قالتها بصريح العبارة أنها ضد أي صفقة تطبيع تأتي على حساب الفلسطينيين، كما أن المملكة بثقلها السياسي الوازن في الساحة العربية الإقليمية من الممكن أن تعيد الدعم العربي والغربي للسلطة الفلسطينية وتحيي آمال الشعب في حل الدولتين وقيام دولة فلسطينية مستقلة.
وبالنظر إلى تاريخ الدعم السعودي للسلطة الفلسطينية فهو قديم وممتد، فبعد أن حوّل الصندوق السعودي للتنمية مبلغ 60 مليون دولار إلى حساب وزارة المالية الفلسطينية، فتفكر المملكة في استمرار هذا الدعم للقضية الفلسطينية على الصعد كافة، كما حرصت منذ يناير 2013 على زيادة حصتها في ميزانية السلطة الفلسطينية من 14 مليون دولار إلى 20 مليون دولار شهريًا.
من الواضح أن سياسة المملكة العربية السعودية تهدف في المقام الأول إلى حفظ حقوق الشعب الفلسطيني وقضيته، فهي ليست شو إعلامي أو مزايدات سياسية لكنها شيء من الثوابت المهمة لنصرة الشعب الفلسطيني، وكانت هذه هي سياسة المملكة منذ تأسيسها على يد الملك عبدالعزيز الذي كان المناصر الأول للشعب الفلسطيني، وتواصلت المواقف المشرفة للملكة تجاه القضية الفلسطينية حتى عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان.
وبلغة الأرقام، فقد قدمت المملكة تبرعاً سخياً في مؤتمر القمة العربية في الخرطوم عام 1967م، كما قدمت في قمة بغداد عام 1978م دعما ماليا سنويا للفلسطينيين قدره مليار وسبعة وتسعين مليوناً وثلاثمائة ألف دولار، وذلك لمدة عشر سنوات (من عام 1979م وحتى عام 1989م)، وفي قمة الجزائر الطارئة عام 1987م قررت المملكة تخصيص دعم شهري للانتفاضة الفلسطينية مقداره 6 ملايين دولار، كما قدمت أيضا في الانتفاضة الأولى عام 1987م تبرعاً نقدياً لصندوق الانتفاضة الفلسطيني بمبلغ مليون وأربعمائة وثلاثة وثلاثون ألف دولار، وكذلك قدمت مبلغ مليوني دولار للصليب الأحمر الدولي لشراء أدوية ومعدات طبية وأغذية للفلسطينيين.
أيضا رفعت المملكة مساهماتها الشهرية لدعم ميزانية السلطة من 7.7 مليون دولار إلى 20 مليون دولار، استجابة لقرار القمة العربية التي عقدت في البحر الميت بالأردن في عام 2017م، وبزيادة رأسمال صندوقي الأقصى والقدس بقيمة 500 مليون دولار، وتبرعت المملكة بمبلغ 50 مليون دولار لدعم الأوقاف الإسلامية بالقدس، وكذا الأمر بمبلغ 50 مليون دولار لوكالة الأمم المتحدة "الأونروا" دعما ً للقدس والقضية الفلسطينية، بحيث بلغت المساعدات المقدمة من المملكة لفلسطين 7 مليارات دولار خلال الفترة من 2000م -2019م، كما تواصل الآن دعم الشعب الفلسطيني بمبلغ 20 مليون دولار شهريا يضخ في حساب السلطة الفلسطينية.
تلك المواقف تؤكد على وقوف الشعب السعودي بجانب شقيقه الشعب الفلسطيني لنيل حقوقه المشروعة في حياة كريمة، وتحقيق آماله وطموحاته في الحرية والسلام العادل والدائم.
ومن جهة ثانية، تحاول السعودية إحياء عملية السلام بوقوفها في صف الفلسطينيين، ومن الواضح أن الإجراءات الاقتصادية ستسهم بشكل كبير في استقرار الاقتصاد الفلسطيني، وقد تؤدي إلى زيادة الدعم المالي للسلطة الفلسطينية من قبل الدول العربية بسبب الدعم السعودي هذا، كما تفسح المجال للسلطة الفلسطينية لإثبات كفاءتها في إعادة إعمار غزة في حالة عودتها إليها بعد انتهاء الحرب.