الاسلام غير والجماعات الإسلاموية غير

نداء الوطن - كتب بكر أبوبكر

بكر أبوبكر

تستخدم الجماعات الاسلاموية الاسلام الحنيف بمنطق الاحتكار للفكرة واحتكار الصواب ومن ثم تقديس الفكرة وصوابها وقائلها وناشرها، ما يعني ذات الحزب أو الجماعة أو التنظيم، وبما ينسحب على قادة التنظيم ثم على أعضاء التنظيم أو الجماعة بغثّهم وسمينهم! وهو ما تسقطه غالب تنظيمات "الاخوان المسلمين" في روع ونفس المسلمين.

لم تشذ حركة أو فصيل "حماس" الفلسطينية في تعبئتها الداخلية الشديدة عن هذا المسار النخبوي المتبريء من الآخر، حيث هُم حصريًا العصبة أو الفئة المؤمنة أو حزب الله وغيرهم يعيشون في دياجير الظلام والكفر أو النفاق (أنظر خطاب المعسكرين أوالفسطاطين حيث فسطاط الخير وفسطاط الشر الدائم لعدد من قيادات الفصيل).

وعليه تقوم التعبئة الداخلية الفكرانية (الأيديولوجية) لدى فصيل "حماس" على تزكية ذاتها على الآخرين من ناحية دينية (وحديثًا من ناحية أنها المحتكِر الأوحد لمفهوم الثورة والمقاومة والكفاح) فتستعلِي على كامل المجتمع المسلم، بل والمتدين في فلسطين (وكل فلسطين بمسلميها ومسيحييها متدينون بطبيعتهم) وتقدم نفسها الممثل الوحيد للاسلام، وصاحبة التفسير الصحيح له، بمعنى أن احتكار الفهم يصبح هو ذات النص القرآني! وبما يعني أن معاداته هي نفسها معاداة الدين! لذا فالمجتمع كله يتم اقصاؤه عن دروب الحق بجميع المجالات، فما بالك بالفصائل السياسية الأخرى؟

إن عملية الخلط بين السياسي والمجتمعي، والفكري العقدي والانساني (الأمور السياسية السلطانية-الحياتية حسب الفقه الاسلامي) المتغير جعلت من تنظيم "الاخوان المسلمين" خاصة بطبعته المؤدلجة المفارقة يعادي أو ينبذ من لا يتبنى أفكاره، مهما حاول السياسيون الظهور بمظهر العملاني (البراغماتي) فإن تعبئتهم الداخلية لا تخلُ قط من اتهام الغير، وكأنهم تحولوا لفرقة دينية كتلك الفرق ال800 التي نشأت على هوامش الاسلام العظيم وعبر مئات السنين سادت في مساحات معينة ثم بادت.

خطورة استغلال وإقحام الفكر الديني العقدي الثابت بالمجال السياسي الإنساني المتغيّر أنه ينزع الصواب عن الغير بالمطلق، حتى لو كان الحق لدي الآخر أبلجًا، فهو لا يعترف بقرارة نفسه بالتعددية أصلًا، فالاسلام واحد ونحن فقط ممثلوه! وبهذا الفهم الحصري فهو يعطي الرأي السياسي لدى المنتمي للجماعة ورقة دخول الجنّة لمجرد أنه من هذه الجماعة أو تلك او التنظيم دونًا عن المسلمين.

كما هو الحال بتنظيمات كثيرة قديمة سادت ثم بادت كان منها الخوارج الذين اعتبروا من هو خارج فئتهم أو طريقتهم خارج الملّة، وهو مما يواجه به الفلسطيني أو المسلم عامة من فئات في "الاخوان المسلمين" ولدى تنظيمات اسلاموية اخرى، باعتبارهم الاسلام حصريًا.

إن مثل هذا الفهم المهتريء وغير الاسلامي (الاحتكاري الاستعلائي المقسّم للمسلمين) هو ما يجعل من كل مباذل ومفاسد واخفاقات أي من تيارات "الاخوان المسلمين" أو فصيل حماس الفلسطيني لا يؤاخذ عليها لأنها تمتلك ذات تقديس الفكرة وترفض قاعدة الرسول الأعظم أن كل ابن آدم خطّاء، وخير الخطائين التوابون.

لا اعتراف عند أصحاب هذا الفهم الفكراني (الأيديولوجي) بخطأ ولا فشل يحيط بهم، ولا تراجع فالمظلومية التي هي أساس خطاب "الاخوان" حين المحنة تدخل لتدافع عن انحسار او فشل سياسات التنظيم فيظل متعاليًا على الناس وعلى العقيدة في مكانة لا يبلغها بشر.

آن الأوان لكل التنظيمات الاسلاموية، ومنها "الاخوان المسلمين" بتيارتهم وتبايناتهم، أن تتخذ موقعها بين الفصائل والتنظيمات الوطنية (داخل الدولة الوطنية) الأخرى باعتبارها إما تنظيمًا دعويًا يقدم تفسيرا للدين ضمن سيل لا يتوقف من التفاسير. وإما تنظيمًا ورأيًا سياسيًا (او حزبا/تنظيمًا) يؤخذ بما يقوله من رأي-أي رأي- ويُرَد، وبفصل بيّن وواضح بين العقدي الثابت وهو ملك كل المسلمين (وللمسيحيين ما يملكونه بالمقابل) وبين السياسي الحياتي الإنساني المتغير، والا فإن وجودها بالمجتمع الحضاري المدني يصبح طامة عليه ووبالًا وما يؤدي بالضرورة لقمع الأفواه وكبت الحريات وما ينشأ عنه بالتجربة من التجريم والتخوين والتشهير والتكفير فلا يكون لديهم حين "التمكين" إلا السيف حلًا.

 

 

 

نداء الوطن