بيان صالح
اخصائية في العلاج الأسري ومعالجة الأسر
ساسلة مقالات من الوقع المهني كمعالجة و مرشدة اسرية 1
ما هو التمثيل العقلي؟
التمثيل العقلي هو القدرة النفسية على إدراك وتفسير الأفكار والمشاعر والنوايا الكامنة وراء سلوكنا وسلوك الآخرين.
من خلال هذه المهارة، يمكننا أن نضع أنفسنا مكان الآخر، ونتساءل مثلًا: "ما الذي قد يشعر به هذا الشخص الآن؟" أو "لماذا أتفاعل بهذه الطريقة القوية؟" التمثيل العقلي لا يقتصر على فهم السلوك الظاهر، بل يساعدنا على استكشاف العالم الداخلي الذي يقف خلف الأفعال والانفعالات، مما يعزز من قدرتنا على بناء علاقات صحية وتواصل فعال.
مثال من الحياة اليومية:
إذا انزعج صديقك- صديقتك لأنك تأخرت لخمس دقائق، قد تقول لنفسك تلقائيًا: "إنه يبالغ او تبالغ في ردة فعله -فعلها.
لكن باستخدام التمثيل العقلي، يمكنك أن تفكر-ي: "ربما مر-ت بيوم صعب أو يشعر-تشعر أنني لا أقدّره –ها بما يكفي."
هذا التحول من رد الفعل إلى الفهم يساعد في تقليل سوء التفاهم ويعزز من جودة العلاقة.
التمثيل العقلي في العمل الأسري و الارشاد الاسري
أهمية التمثيل العقلي في الإرشاد الأسري:
في مجال عملي كمعالجة اسرية، اعتبر التمثيل العقلي أداة حيوية وأساسية، خاصة عند التعامل مع عائلات تمر بأوقات عصيبة، مثل الصدمات النفسية، أو العلاقات المتوترة، أو التحديات اليومية. إن مساعدة أفراد الأسرة على فهم بعضهم البعض على مستوى أعمق, بحيث يسهم في تخفيف الصراعات وبناء روابط أكثر صحية ومتفهمة.
أمثلة على تطبيق التمثيل العقلي في العمل الأسري:
• فهم سلوكيات الأطفال:
عندما يصرخ طفل –ة أو يتصرف-تتصرف بعدوانية، قد لا يكون ذلك تعبيرًا عن "سلوك سيئ"، بل عن مشاعر داخلية مثل التوتر، أو الخوف، أو الشعور بعدم الفهم.
التمثيل العقلي يساعدنا على رؤية هذا البُعد الخفي.
• دعم الوالدين في فهم أطفالهم:
عبر طرح أسئلة مثل: "ما الذي تعتقد- تعتقدين أنه شعر به في تلك اللحظة؟"، يمكننا تعزيز قدرة الوالدين على قراءة مشاعر أبنائهم من الداخل، وليس فقط من خلال سلوكهم الخارجي.
• التعامل مع المقاومة بانفتاح:
عندما يُظهر أحد الوالدين سلوكًا دفاعيًا أو مقاومًا، فإن التمثيل العقلي يمكن أن يساعد المعالج-ة على التفكير: "ما الذي يمر به الآن؟" بدلًا من تفسير السلوك كتحدٍ شخصي.
• أن تكون نموذجًا للتفكر العقلي:
يلعب المعالج-ة دورًا مهمًا في إظهار هذه المهارة من خلال أسلوبه-ها في الحديث، تعبيرات وجهه-ها، ونبرة صوته-صوتها. بذلك، يتعلم أفراد الأسرة مهارة التمثيل العقلي بشكل غير مباشر من خلال التفاعل العلاجي.
لماذا يُعتبر التمثيل العقلي مهارة ضرورية؟
لجميع الأفراد:
• يساهم في تحسين جودة العلاقات من خلال الفهم العميق والتعاطف.
• يساعد على ضبط المشاعر والانفعالات في المواقف الصعبة.
• يعزز من قدرتنا على التواصل بوضوح وهدوء.
للمعالجين والمتخصصين:
• يقلل من فرص الوقوع في سوء الفهم أو الأحكام المتسرعة.
• يتيح بناء علاقات علاجية قائمة على الثقة والاحترام المتبادل.
• يوفر أساسًا متينًا للتعاون في الظروف العاطفية الصعبة.
التمثيل العقلي والصحة النفسية
تنمو القدرة على التمثيل العقلي منذ الطفولة. عندما يعبّر مقدم-ة الرعاية عن مشاعر الطفل بكلمات مثل: "تبدو حزينًا، هل تفتقد أمك- والدك؟"، فإن الطفل-ة يبدأ-تبدا تدريجيًا في إدراك حالاته-حالتها الداخلية وفهمها.
لكن، في حالات الإهمال أو الصدمة النفسية أو الضغط العاطفي الشديد، قد تتأثر هذه القدرة سلبًا، مما يؤدي إلى ضعف في فهم الذات والآخرين.
كيف أعرف أنني أستخدم التمثيل العقلي؟
أنت تمارس-تمارسين التمثيل العقلي عندما:
• تتساءل-تتساءلين عن الأسباب العاطفية خلف تصرفاتك أو تصرفات الآخرين.
• تدرك-تدركين أن كل شخص قد يرى الموقف من زاوية مختلفة.
• تتجنب-تتجنبي إطلاق الأحكام الفورية على السلوكيات.
• تتفاعل-تتفاعلين بفضول واهتمام مع مشاعرك ومشاعر الآخرين.
متى يفشل التمثيل العقلي؟
في المواقف العصيبة مثل الشجارات أو التوترات الشديدة، قد نصبح أقل قدرة على استخدام التمثيل العقلي.
حينها نميل إلى ردود فعل تلقائية، وتفسير الأمور بطريقة سلبية، ونفقد الرؤية المتوازنة للآخرين.
أنماط شائعة للفشل في التمثيل العقلي:
• التفكير السطحي (التليولوجي): " مثال لو كنت تحبني، لفعلت كذا." – أي ربط المشاعر بالأفعال فقط.
• التمثيل العقلي الظاهري: استخدام كلمات تبدو متفهمة دون الشعور الحقيقي بها.
• التمثيل العقلي التلقائي: إطلاق افتراضات سطحية دون تفكير عميق.
كيف يمكن تنمية مهارة التمثيل العقلي؟
• التفكير قبل الرد: خذ – خذي لحظة لتسأل نفسك: ما الذي أشعر به؟ وما الذي قد يشعر به الآخر؟
• الاستماع بفضول: حاول- حاولي أن تصغي دون أن تتسرع-تتسرعي في إصدار الأحكام أو تقديم الحلول.
• البحث عن علاقات آمنة: ينمو التمثيل العقلي بشكل أفضل في علاقات نشعر فيها بالقبول والتفهّم.
• التدريب العملي في الجلسات العلاجية: سواء عبر التمارين الذهنية أو المواقف التخيلية، يمكن تعزيز هذه المهارة بشكل ممنهج.
تمرين بسيط:
في المرة القادمة التي تواجه-تواجهين فيها موقفًا صعبًا، جرّب-جربي طرح الأسئلة التالية:
• ما الذي أشعر به الآن؟
• ما الذي قد يشعر-تشعر به الآخرين؟
• ما هي الأفكار التي تراودني؟ ولماذا؟
• هل هناك تفسيرات أخرى ممكنة لهذا الموقف؟
في النهاية :
التمثيل العقلي ليس مجرد مهارة نفسية، بل هو حجر الأساس في بناء علاقات إنسانية متماسكة وصحية. سواء في حياتنا الشخصية أو المهنية، فإن تطوير هذه القدرة يساعدنا على فهم أعمق للذات والآخر، ويمنحنا أدوات فعالة للتعامل مع التحديات العاطفية والتواصل بمرونة ايجابية.
**************************************
المصادر
-"Mentalisering i pædagogisk praksis" – af Camilla Lauritzen & Jan
-"Mentalisering – at være opmærksom på mentale tilstande hos sig selv og andre"
Artikel af Peter Fonagy og Jon G. Allen
-"Mentalization-Based Treatment for Personality Disorders" – by Anthony Bateman & Peter Fonagy