بكر أبوبكر
الاهانات الشنيعة التي وجهتها بعض الأقلام، وعدد من الرسومات (كاريكاتورات) الأمريكية الاستعلائية للعرب عامة وللعادات العربية بشكل محدد ارتبطت بعادات اللبس والأكل...الخ، والمصافحة فيما راج بالآونة الأخيرة.
قضية الإهانة والسخرية من الآخرين عامة، وبشكلها الامبريالي الامريكي-الغربي من اللباس العربي (وبالبُعد الأعمق لكل ما يرتبط بالعرب والمسلمين كما عادة الشرائط=الأفلام الأمريكية) مرفوضة، ولا تستهويني لأنني لا أحبذ السخرية مطلقًا من أحد، فلا أقبل التشنيع أو إهانة طريقة أكل أولباس الهنود مثلًا أو الأفارقة أو الصينيين أو غيرهم. فلكل شعب عاداته التي يجب أن تُحترم لا أن يتم التشهير بها والسخرية منها كما تفعل الصحافة الأمريكية (الحرة؟!) طاعنين بأمة كاملة جريًا على عادة المستشرقين المستهترين بالأمة العربية والإسلامية، وما يتصل بها نفسيًا ودعائيًا بإكراه الناس على كراهية ذاتهم، مادامت مختلفة عن "النموذج الغربي"!، أو كما كان يردد الساسة الأمريكان "أنهم يحاربون طريقة أو أسلوب معيشتنا"؟!
لم يكن في يوم من الأيام أن تحل "البرغر" سيئة المذاق عندي أبدًا مكان المأكولات الشرقية الأصيلة والرائعة لا في أفغانستان ولا في إيران أو الجزيرة أو بلاد الشام أو مغربنا الجميل.
وما كان للعادات الجميلة لكل هذه القبائل العربية في طول وعرض المنطقة الا أن تكون مدرسة لأمثال أولئك الذين يقدمون أنفسهم "النموذج" الأوحد، والذين يتحيّنون أي فرصة للطعن في العادات والقيم والمباديء العربية والاسلامية دخولًا للعمق الديني، وتبجيلًا باليهودي واليهودية-الصهيونية المكوّن الفكري الأساس للمسيحية الصهيونية.
لو لم تكن العادات العربية الجميلة ذات شأن واحترام لما تواصلت حتى اليوم سواء بلباس مولانا وسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام وهو (الجلباب، الجلابية، الدشداشة أو الثوب..) أوبعمامته المقدسة، أو بالحطة (الغترة/الشماغ/الكوفية...) والعقال، وغيرها مما هو من السمات الخارجية الأصيلة لشخصيتنا الحضارية المتميزة، التي لا نقبل للآخرين اقتحامها كما يقتحمونها بإدخال مجموعة من القيم التي تحلل الشذوذ وتأجير الأرحام والزنا وغيرها من الفواحش، التي مهما شملوها بمسميات ملطّفة، فهي مكذوبة من حقوق الانسان ولا تمثل حضارتنا، ومعنا أمم المشرق الأخرى. ولهم في مساحتهم أوحضارتهم الغربية أن يفعلوا ما يشاؤون بعيدًا عنا.
لو كان الحوار عن التقانة (التكنولوجيا) والصناعة والزراعة والعلوم التجريبية أوالانسانية لقلنا أنه يتوجب علينا نشدانها من أي مكان شرقًا وغربًا نعم، لأن العلم بوابة يجب أن تكون مفتوحة بين الحضارات، ولكن المطاعن وفرض القيم والأخلاق والمباديء شيء آخر.
في الآونة الأخيرة كثرت السخرية بقضية (جعلوها قضية) هل سيصافح الرئيس الأمريكي ولي العهد السعودي أم لا؟ وهل سيتصور معه أم لا مشيرين لمصافحات سابقة بين رؤساء أمريكان وقادة سعوديين سابقين، ومنتقديها.
تقرير يورونيوز مع رويترز (11/7/2022م) المعنون: "هل سيتصور بايدن خلال مصافحة ولي العهد بن سلمان؟ تفاصيل بروتوكولية شائكة" يذكر أن: المسؤول السابق في وزارة الخارجية ونائب الرئيس الأول في مركز الدراسات الاستراتيجية جون بي ألترمان، يقول: أعتقد أن بايدن وبن سلمان سيكونوا في نفس الغرفة. لن يكونا متباعدين ( ) ويضيف "في مرحلة ما، من المرجح أن يأتي ولي العهد ويمدّ يده وستنتشر مثل هذه الصور".
مضيفًا:"عندما يحدث ذلك، من المؤكد أن بايدن سيواجه انتقادات من المعارضة الجمهورية التي تجادل بأن الرئيس يغازل حليفاً مشكوكاً فيه لتعزيز إنتاج النفط على حساب المنتجين المحليين ومن الديمقراطيين الذين حثوا بايدن على تأجيل أي اجتماع بسبب مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان"!؟
وسنعود لنقطة "حقوق الانسان" في كلام المذكور، ولكن التقرير يورد صورًا لمصافحات سابقة حيث: "أثارت صورة الرئيس جورج دبليو بوش وهو يمسك بيد العاهل السعودي الملك عبد الله أثناء نزهة في مزرعة الرئيس في تكساس عام 2005 دهشة الأمريكيين غير المرتاحين للعادات العربية المتمثلة في مسك الأيدي."؟! وصور أخرى، ثم مجموعة من الكاريكاتيرات القبيحة لرسامين مختلفين تسخر من لباس العرب وهكذا.
إذا كانت عادات الغرب الأمريكي المتوحش حتى اليوم لا تستسيغ المصافحة العربية والاسلامية، أومسك الأيدي وتنهال بالاتهامات على الأمة بما تشاء من اتهامات فلها ألا تصافح.
لكن وبالاتجاه الآخر بعيدا عن الصحافة الأمريكية الموجّهة دومًا، والساخرة باحتقار، وبعيدًا عن العادات الأمريكية غير المحترمة الكثيرة جدًّا، فإن حقوق الانسان لدى الأمريكي كما الإسرائيلي تمامًا لا تعني إلا شيئًا واحدًا هو حقوق انسانهم المبجل دون خلق لله!
لذلك فإن الملايين الذين قتلتهم أمريكا عبر عشرات السنين-وحصّنت معهم القتلة المجرمين من الأمريكان- لا قيمة لهم لأنهم خارج نطاق التغطية! فهم ليسوا من ملّتهم، فلا حقوق انسان إلا لمن يتبع "اسلوب معيشتنا"! ويخنع ويخضع ويركع لنا، ولا حقوق انسان لمن يقاوم "حضارتنا-النموذج" الأوحدية التفكير والاتجاه وحتى اللبس والأكل...، وشكل المصافحة، التي لا تقبل التعددية وحوار الحضارات كما لاتقبل الشراكة!
بكل بساطة فإن الرئيس الأمريكي الذي يقدِم الى المنطقة (لا أهلًا ولا سهلًا به) مضطرًا ليحافظ وكما قال (بعظمة لسانه) على عظمة بلاده وعظمة إسرائيله، أو حاملة طائراته، يواجه حالة انهيار امبراطورية متسارعة الى الحضيض، قد يضطر وهو الذي بعنق نظامه الامبريالي ملايين الضحايا من الشهداء في كل القارات قد يضطر لمصافحة لا يبتغيها استنادًا لتهمة يلصقها بغيره وهو ونظامه الاستكباري أولى بها؟!
أليس هذا قمة الاحتقار للقيم والمبادئ، بل والمصالح "المشتركة"!؟ وهذا "البايدن" وأسلافه الذي يصافح كل قادة الكيان الصهيوني الملطخة أيديهم ويديه بالدماء الذين ارتكبوا ويرتكبون كل المجازر اليومية منذ ما قبل النكبة حتى اليوم!
"بايدن" الذي اتهم بلدًا عربيًا كاملا وعبر قيادته بأنه "المنبوذ"! لم يخجل حتى اليوم أن يذكر في مقاله في واشنطن بوست بما معناه أنه سيتملص من المصافحة! وكأن الدنيا تقوم وتقعد لهذه اليد "الشريفة" الملطخة بدماء الملايين؟
عند وصول بايدن الى فلسطين المحتلة قام في المطار بالتربيت على كتف رئيس الوزراء الإسرائيلي، ووضع يده على وسط الرئيس الصهيوني!؟ فهل هذا يخالف أم لا يخالف العادات الامريكية "النموذج"! أم لأن "العلاقة بين الشعب الأمريكي واليهودي علاقة تصل حتى النخاع" كما صرح بايدن هناك في 13/7/2022م، فذلك مقبول!؟ لا سيما وأن بايدن قال أيضًا أنه يتشرف ب"الوقوف بين الأصدقاء في دولة "إسرائيل" اليهودية المستقلة"!
عمومًا وإن خرجنا قليلًا عن العادات والمصافحة وحقوق الانسان فإن لإسرائيلي لم يترك الفرصة تفلت من يده حيث قال للأمريكي بالمطار: "قد وصفت نفسك سابقا بأنك صهيوني. وقلت إنه لا ضرورة لأن تكون يهوديا لكي تكون صهيونيا. ولك الحق فيما قلتها علما بأنك تشكل شخصية صهيونية مرموقة وأحد خير أصدقاء "إسرائيل" عبر تاريخها".
لن ينسى العرب ولا المسلمون، ولا المسيحيون المشرقيون، ولن ينسى الفلسطينيون "فضل"! بريطانيا العظمى التي أضحت بلا عظمة، ولن ينسى "فضل" أمريكا "العظمى" التي قريبًا ستفقد عظمتها، لمصافحتهم الدائمة للكيان الصهيوني المزروع من قِبَلهم في قلب الامة العربية والإسلامية.
ألا تبًا ل"بايدن"، ولقيَمِهِ وأسلوب معيشته ولمصافحته الباردة التي لا تمثلنا بتاتًا، ولما يحمله هو وأمثاله من قيم وأفكار فاسدة تحتقر الآخرين بعاداتهم وأفكارهم، وبكيل الاتهامات لهم، أو معاملتهم بوجهين وجه جميل حيث الانسان إنسانهم فقط، ووجه قبيح حيث تغيب الإنسانية كليًا، ويتلطخ وجه الزمان باللون الأحمر.