يَوَمْ المُعَلِّمْ الَعَربِّيِ الفَلسَطِّيِنيِ

نداء الوطن - جمال عبد الناصر محمد عبد الله أبو نحل

 

إن المُعلم، والتعليم المفُيد ذو جَمالٌ، وجلالٍ جميل، وعَطاءٍ جزيلٍ، ونبيل، وأَوصَالَ المُعلم في الدُنيا، والأخرة خالدة، وجليلة، ونبيلة، وكبيرة، وتبقى أثارهُ الطيبة باقية عاطرة؛ وإن التربية، والتعليم ليست مهنة مُهِّمَة فقط، بل إنها بالغة الأهميةَ، فالمُعلِم صاحب رسالة سامية، وعظيمة، وعالية، وغالية، وعَالميَّة هي رسالة الأنبياء، والمُرسلين؛ فِالعِّلمُ نُور، والجَهَل ظَلامٌ، وَظَلَالَ؛ فالمُعلم النَابغ النَافع، اليَافعُ، المُبدِعَ، الخَلُوقَ، السَمق البَاسِق، البَاشِّق، هو المُعلم العَاشِّق المُحِّبْ لعُروبتهِ، والمُدافِع عن اللغُة العربية الفُصَحى لغُة الضَاد؛ والقرآن الكريم العظيم؛ وهو ذات المُعلم العَالم المحب لِمِهنِته، ولِطُلابهِ، وللإنسانية جميعًا؛ فالمُعلم الايِجابي المُتقِّن المتميز في التعليم هو من يَنشر نُور الثقافةِ، والَعِلم، والمعرفة في كل حَدبٍ، وصَوب كأنهُ الغيث أينما حَل نفعل، وهو مِثَل بزوغِ ضياء الشمسِ، ونورها الوهاج في رابعةِ النهار، فالمعلم الأديِبْ المفضال كِالسِراجِ المُنير، وهو عماد الأمُة، وعَمُود خَيَمَتهِا، ومُهجتها؛ والطريق الصحيح نحو عِزِتها، ومَجّدِها، وتَقدمها وتطورها، ونجَاحها الباهِر، وتميُزها بين كافة الأمم، وكل الشعوب؛؛ حيثُ تحتفي فلسطين كُلِ عام بتاريخ يوم الرابع عشر من شهر ديسمبر في يوم المعلم الفلسطيني، وذلك تَقديرًا لصمودهِ، وتضحياتهِ، ونِضالاتِه، وتَصديه لكل المحاولات الاجرامية من عصابة العدو الصهيوني المُحتل الغاصب لفلسطين؛ والساعي لتدمير العملية التعليمية في فلسطين، من خلال "أسَرلِة" المنهاج الفلسطيني: "أي تحويل المنهاج الفلسطيني، لمِنهاج الاحتلال الإسرائيلي"!؛ وهذا ما يجري ليلاً، ونهارًا من قِّبِل الاحتلال البغيض، وخُصوصًا في مدينة القدس المحتلة؛ حيث يحاول الاحتلال تَهويِد كل شيء فلسطيني، وتغير، وطمس كل ما هو عربي فلسطيني!؛ فتجدهُ يُحَارب المعلم الفلسطيني، ثم يَشن حملة مسعورة، وحربًا إعلامية، وحملة دولية ضروس على المنهاج الفلسطيني، من أجل شطب بعض الدروس من الكُتب الفلسطينية!؛ بِذرائِع، وحُجَجٍ واهية، مُدعيًا أن في الكُتب دروس، وآيات قرآنية تدعو لِلكفاح، والجهاد ضد الاحتلال؛ مُحاولين منع الدعم المالي من الاتحاد الأوروبي للسلطة الوطنية الفلسطينية، وربطه بشطب تلك الدروس من كُتب التربية الوطنية!؛ وكما تحاول عصابة المحتلين الصهاينة محَو كل شيء يتعلق في اللغة العربية في فلسطين المحتلة، وإحلال اللغة العبرية بديلاً عن اللغة العربية!!.. إن فلسطين تعيش حالة استثنائية في ظل وجود الاحتلال الصهيوني المُجرم العُنصري، والذي يمارس أساليبه البشعة، والوقحة، والقمعية من خلال محاربة المعلم، والطالب، والمنهاج الفلسطيني، عبر سياسة محاربة المنهاج الفلسطيني، وعبر إنشاء جدار العزل العنصري بين قُرى، ومدن الضفة الغربية المحتلة، وحِرمان الطلاب من الوصول إلى مدارسهم، وتلقي التعليم؛ حيث صار الجدار يفصل بين الأخ، وأخيهِ، وبين الجار، وجاره، وبين المُعلم، ومدرستهِ فلا يستطيع الوصول لها وهي التي كانت بِجواره وملاصقة لبيتهِ؛ وذلك بسبب بناء عصابة الاحتلال لجدار العزل العنصري مما مزق شمل الأسرة الفلسطينية، وزاد في مُعاناة الطالب والمُعلم الفلسطيني.

إن المعلم كالأب، وإن المعلمة كالأمُ التي يلجأ إليه الطلبة عند النوائب؛ وهم المستشار المؤتمن الذي لا تُعَجزِهم الوسيلة لِحماية المجتمع من الانجراف إلى متاهات الضياع؛ والمُعلم هو الحكيم الذي يحمي بِمظَّلِة علمهِ، ونُونِ قَلمهِ، ونور قلبهِ الأمة من الضياع، فَيدق أجراس اليقظة في القلوب الغافلة، اللاهية!؛ ولقد سطر المُعلمون الفِلسطينيون أروع قصص التضحية، والبطولةِ، والفداء، وكانوا عنوانًا للعطاء، بِكفاحِهم وصمودهِم وصبرهم، فمنعوا تمرير مُخططات عصابة الاحتلال المتوحش، الساعية لِتهويد التعليم وتزوير التاريخ والجغرافيا الفلسطينية؛؛ والساعيِة لتدميِر العملية التعليمية، والمسيرة العلمية التربوية في فلسطين!؛ و لقد سطر المعلمون مواقف بطولية خلال انتفاضة الحجارة الفلسطينية الأولى، أثناء إغلاق سلطات الاحتلال المستمر للمدارس، والجامعات الفلسطينية - باللجوء إلى التعليم الشعبي؛ من أجل الحفاظ على سير العملية التعليمة الوطنية آنذاك، ومُتحدين فيه جبروت الاحتلال الذي حاول قمعه بشدة، وبشكل وحشي!؛ بالإضافة إلى نضالهم الوطني، والنقابي في الدفاع عن قضية شعبنا الفلسطيني؛ وارتقى من بين صفوفهم الشهداء والجرحى، كما تم الزجَ بأعداد كبيرة من المعلمين في سجون الاحتلال العنصري، ولكنهم بقوا متسلحين بالإيمان وبِحب الوطنَ، ويغرسون الأمل في نفوس الطُلاب؛ وحاربوا العدو مُتسلِحيِنَ بِالعلم، والعزيمة، والصمود والإرادة مما جعلهم عرضة لكافة أشكال القمع، والتنكيل من عصابة المُحتلين الغاصبين؛؛ وفي عام 1972م زادت عصابة الاحتلال من ظُلمها، وعربدتها، وتنكيلها، عندما تعرض عدد كبير من المعلمين للقمع، والتنكيل لدورهم في حماية المسيرة التعليمة، وبِجانب مطالبتهم بحقوقهم النقابية العادلة؛ ولذلك ارتبط يوم المعلم الفلسطيني بحركة المعلمين؛ والذين استمر كفاحهم وبلغ ذروتهُ في اليوم الرابع عشر من عام 1980، عندما خاض المعلمون إضرابًا، وعصيانًا مدنيًا ضد سلطات الاحتلال، رفضا للتدخل السافر من الأعداء، والهادف إلى تدمير المؤسسات التعليمية الفلسطينية، وإفراغها من مضمونها الوطني؛ فكان يومًا مشهودًا، وعظيمًا بِبسالةِ المُعلمين؛ حيث تمكن فيه المعلمون من القيام بمسيرة حاشدة ضد الاحتلال، وسياساته، انطلقت من أمام مدرسة "المغتربين" في البيرة باتجاه مقر الحكم العسكري، تعرض خلالها المعلمون إلى اعتداءات، وحشية من قبل قوات الاحتلال التي حاولت قمع المسيرة، ولكن دون جدوى؛ وحاول الاحتلال جاهدا إنهاء انتفاضة المعلمين من خلال التنكيل بهم، وملاحقة قادتهم، ووقفهم عن العمل، ووقف رواتبهم، وغيرها من الإجراءات العقابية. إلا أن جميع الشعب اتحد لنصرة المعلم، ومساندته، وتحولت تلك الأحداث لانتفاضة للمعلمين، واستمرت بعد ذلك حركة المعلمين، وأعلن عن إضراب استمر ما يقارب 75 يوما، أسفر في نهايته عن انتصار المعلمين، حيث رضخ الاحتلال لأهم مطالبهم؛ وقد تحول ذلك اليوم الذي أطلق فيه المعلمون انتفاضتهم بوجه الاحتلال الصهيوني الغاشم ليوم، وطني، يحتفي به شعبنا الفلسطيني بكافة فئاته، ومؤسساته بأبنائه من المعلمين شُكرًا، وتقديرًا، وعِرفانًا لهم، ولِدورهم النضاليِ، وتَوثيقًا لذكرى أحداث ذلك اليوم المجيد؛ ولكن هل المعلم اليوم حقوقه بيننا مصُونه؟ اعتقد يوجد قصور عام باتجاه المعلمين والذين رفع الله عز وجل شأنهم من فوق سبع سموات في قوله الله عز وجل:” {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ، وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}. وفي هذه الآية الكريمة دليل على تقدير الله ورفعته لأهل العلم، والمعلم بحق صانع الأجيال، وأكبر مؤثرٍ فيها، وصاحب الفضل الأعظم في تقدّم الأمم، وتطورها، وبلوغها قمة الرقي في كل محفل وميدان؛ لهذا يحتلُّ صاحب هذه المهنة العظيمة مكانة كبيرة منذ الأزل، وينال المحبة، والتقدير والاحترام؛ ولذلك نجد في اليابان يحتل المعلم مقام، وراتب الامبراطور، وكذلك في الدول المتقدمة جعلت من المعلم مقامه، وراتبه أعظم من راتب رئيس الوزراء، ورئيس الدولة؛ ولكن عندنا، وفي الوطن العربي عمومًا رواتب المُعلمين مُتدنية، وأحيانًا يتعرض بعضهم بدل التكريم، للتعزيز، أو الاعتداء من بعض الطلبة أو من بعض أولياء الأمور الجَهلة!!؛؛ ولذلك فإن التعليم في أغلب دول الوطن العربي يعيش أسوأ مراحلةِ!؛ ورغم أن الَعِّلِمْ، والمُعَلِم في فلسطين لهم خصوصية واحترام، وتقدير، لاسيما، وأن المُعلم يعيش مُعاناة شعبهم تحت سياط عصابة الاحتلال الصهيوني الغاشم. ورغم تلك الظروف الصعبة من الاحتلال، والراتب الشهري القليل الذي يتقاضاهُ!؛ يقف المعلم الفلسطيني شامخًا في مدرسته متحديًا الاحتلال؛ ويُعلم طلبته العلوم، والمعارف، ويغرس لديهم القيم، والسلوكيات الحميدة وحب فلسطين؛ فكل الفخر، والاعتزاز، والتقدير للمعلمين والمعلمات في يومهم يوم المعلم الفلسطيني وتقديرًا واعترافًا بالدور الطليعي، والمحوري للمعلمين الفلسطينيين أصحاب القامات العظيمة، وشعلة الخلاص من مزالق الجهل، والجوع، والفقر، والعبودية، ممن يَبنُون الشخصية الفلسطينية بأبعادها المعرفية والوطنية لتصقلها ماسة فريدة عصية على الانكسار، والانقياد؛ بعيدة عن التخاذل، والأنانية البغيضة فتجعل كل فلسطيني حلقة في مسلسل العطاء يرابط على ثغرة من ثغور الأمة، والوطن، متسلحًا بالعلم والمعرفة؛ إنهم حملة رسالة سيدِ الأنبياء، والمرسلين؛ فقد كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم معلماً بنص القرآن الكريم، قال تعالى: ” هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته، ويزكيهم، ويعلمهم الكتاب، والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين “؛ وفي الحديث النبوي الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم : " وإنما بعثت معلماً، وإن الله لم يبعثني معنتاً، ولا متعنتاً ولكن بعثني معلماً مُيسراً “؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم كان مُعلمًا ولم يكن معنف، وقد أو صانا بقوله:" "قيدوا العلم بالِكَتاب"، أي بِكتَابتهِ من الصدور إلى السطُور حتى لا يضيع؛ وختامًا إن أردنا العزة فعلينا أن نُكرم المعلمين ليس بيومهم فقط، بل في كل يوم، وأن لا يقل راتب كل معلم شهريًا عن راتب الوزير ، مع التطوير المتواصل للمناهج التعليمية؛ حتى أن نرتقى بواقعنا التعليم في فلسطين للعلياء، فلا يكتفى فقط الاحتفاء بيوم المعلم دون أن يتم إكرام المعلم ماليًا، وفي كل شيء ليكون المعلم في القمة، فترتقى حال الأُمة؛ والعكس صحيح فإذا أردت أن تهدم مجتمع اهدم التعليم، وإذا أردت أن تهدم التعليم، اِهدم المُعَلِم!؛ حيث يقول أحد المستشرقين:" "إذا أردت أن تهدم حضارة أمة فهناك، وسائل ثلاث هدم الأسرة، وهدم التعليم، و إسقاط القدوات "!.

المفكر العربي، والإسلامي الباحث، والكاتب الأديب

الأستاذ الدكتور/ جمال عبد الناصر محمد عبد الله أبو نحل

الأستاذ الجامعي عضو نقابة اتحاد كُتاب وأدباء مصر، رئيس المركز القومي لعلماء فلسـطين

رئيس مجلس إدارة الهيئة الفلسطينية للاجئين، والاتحاد العام للمثقفين العرب في فلسطين

عضو نقابة الصحفيين بفلسطين ، والاتحاد الدولي للصحافة الالكترونية_ عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

 

 

نداء الوطن