النجاحات الصغيرة على طريق النصر.

نداء الوطن -

بكر أبوبكر

 

يختلف الكثيرون في تحديد مقاييس النجاح. فمنهم من يفترض أن كِبَر الأمنية أو كِبَر حجم الحلم الذي يطلبه هو مقياس النجاح القادم إليه وبغيره لا نجاح أو فوز أو انتصار؟ فالحلم الصغير لصَغار النفوس! ولا مناص من الكبير! أي أنه يسير وفق المثل الشهير القائل: "اذا طلبت اطلب قمر واذا سرقت اسرق جمل"!؟ كّبر من أمانيك (حجرك) لتتحقق، وإن لم يكن فأنت فاشل؟!

أن منهم لينتصر أو لينجح -أو يفترض نفسه ناجحًا- يضع سلسلة من الأماني أو الأحلام الكبيرة في ذهنه كما قلنا، يجلس منتظرًا أو مترقبًا لا يفعل شيئًا سوى التمني! وملاحقة أحلام اليقظة التي تعطيه النتيجة (الحلم)، أوهو يعبث بالهاتف النقال متنقلًا بين منشورات شركة فيسبوك! وتضييع وقته.

هذا من يفترض أن مجرد التمني أو الحلم بحد ذاته، ثم الانتظار مكتوف اليدين -وربما يضيف حُسن الخلق والدعاء- هي مدخله الى جلب الانتصار أوالنجاح! وكأن النجاح سيسعى إليه حبوًا؟

ما هكذا يصل المرء لنجاحه أو انتصاره، وما هكذا يتقدم المرء نحو حلمه أو هدفه.

تفتر عزيمة البعض عن إكمال العمل المطلوب، وخاصة عند أول عائق أو ثاني عائق يقابله، أوعند أول محنة أو أزمة فينكسر، ويبدأ بلوم الآخرين أو الظروف!؟ على منهج الشاعر الضرير أبوالعلاء المعري القائل: هذا جناه أبى علىَّ /وما جنيت على أحد، وليس على منهج أبوالقاسم الشابي القائل: وَمَنْ لا يُحِبّ صُعُودَ الجِبَـالِ/ يَعِشْ أَبَدَ الدَّهْرِ بَيْنَ الحُفَـر

رغم أن أمامه أن يثابر ويتابع-فالمسار طويل وشاق، ورحلة الألف ميل تبدأ بخطوة-أو يغيّر الأسلوب والطريقة (والأساليب كثيرة) مادام الهدف شرعيًا وضروريًا وقابلًا للتحقق.

حين يقابل الشخص فشله بالمرة الأولى في طريق العمل لتحقيق حلمه/هدفه باليأس والقنوط والانكسار والقعود فهو يخسر فرصة عظيمة للتعلم، لأن العمل الموصل للهدف المنشود أيّ كان صغُر أو كبُر، يجب ألا يزحزحه عن الهدف إلا أن كان الهدف بحدّ ذاته غير واقعي، أو لربما يحتاج لتجزيء أو تصغير كفعل اللقمة بالفم ليتم ابتلاعه وتحقيقه وفق القدرات.

(في النجاح والفشل كتب الأخ محمد قاروط أبورحمه: النجاح والتعامل مع الفشل، وكتبت: النجاح بين أبوغزالة وعرفات ونايفه، ولمراجعة كتاب "دوروثى براند"، المعنون: استيقظ وعِشْ- كيف تخطط للنجاح في حياتك؟)

عندما تكبر الأحلام وتتضخم وتقل القدرة عن التحقيق، أو تنعدم.

وعندما تكبر الآمال بما يخرج عن المنطق أو القدرة الذاتية.

وعندما تتحول الأحلام الى أمنيات يسعى متمنيها أن تتحق له بعصا سحرية وهو جالس على سريره!

فلا نجاح يتحقق ولا نصر يتحقق.

ولا يخلف ذلك سوى الحسرات!

وفي المقابل تبدأ حفلة اللوم ضد الآخرين والظروف: فأنا كبير وأنا أستحق وأنا وأنا؟! ولا مراجعة ولا نقد ذاتي ولا وعي ولا فهم ولا عمل أصلًا.

لكي يتحقق النجاح فإن أسلوب الضربة القاضية لتحقيقه (أو بغمضة عين كأنها أمنية لمارد مصباح علاء الدين) هو أسلوب من ينتظر السماء لتمطر له ذهبًا وفضة أو أسلوب (اليانصيب) حيث الانتظار المُسكِر، لا العمل هو سيد الموقف! فلسنا في مبارة ملاكمة إما أن تفوز على الحلبة بالضربة القاضية والا أنت الخاسر، رغم أن هناك أساليب أخرى للفوز والنجاح غير الضربة القاضية بالطبع.

سبيل النجاح (أو سُبُله) يُطرق من خلال ضربات أو خطوات متواصلة، أنه حركات واضحة ثابتة متتابعة يوميًا متجهة بوضوح نحو الهدف.

إن الهدف هو تلك الأمنية أو الحلم الذي يتم إنزاله من عليائه ليسير على رجليه فيصبح قابلا للتحقق.

لتحقيق النجاح أو الانتصار أو الفوز فإن امتلاك إرادة الفعل هي الأساس.

حين يقفز الحالم من سريره ويقول حيّ على العمل تبدأ الخطوة الأولى.

إنها ليست خطوة (خبطة) واحدة، بل خطوات صغيرة تتلوها خطوات أخرى صغيرة تتناسق وتتكامل وتتواصل وتتناغم يومًا إثر يوم بجد ومثابرة.

وكلما تحقق جزء صغير أو هدف صغير موصل للهدف فهو النجاح والنصر بعينه، لأن النجاحات أو الانتصارات الصغيرة مدخل للنجاح أو الانتصار الكبير.

إن مقياس النجاح الكلي -أو الجزئي على طريق الكلي المكتمل- هو العمل الدؤوب المثابر المتناسق الموجّه المهدف ولهذا الأمر حسب الهدف والمسار أشكال وسبُل عدة.

لذلك قال المولى عز وجل: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (العنكبوت 69)، فهي سُبُل متعددة في ظل وضوح الغاية وإمكانية تحقيقها.

قال لي أحد المتدربين في دورة من الدورات أنه يريد أن يغير وجه التاريخ!؟ فهذا حلمه.

وعندما طلبنا منه أن يعطينا شيئًا ملموسًا للتغييرالمنشود عبر تحويل حلمه الى هدف يستطيع أن يحققه خلال عام، أصبح الحلم الذي سيغير به وجه التاريخ هو أنه يريد أن يثبت لأمه أنه فنان ونحّات كبير!

ولما أعاد ترتيب حلمه ليحوله الى هدف، أصبح الطريق أو السبيل ليس أحلام اليقظة والانتظار للسماء أن تمطر ذهبًا أو فضة كما أشار عمر بن الخطاب للخاسرين، وإنما هو أن يتعلم أشغال الخشب والنجارة والفن والنحت معًا ليصبح ذاك الفنان النحات الجميل لاسيما وأن هبة الله عليه كانت بالرسم ومن هنا دخل كلية الفنون الجميلة.

وكان لصاحبنا لاحقًا حُسن التأسي بالفنان حسن الدريدي الذي صنع العود الفلسطيني رغم صعوبة تجفيف خشب الزيتون لما يحويه من زيت، مقابل الأخشاب المائية الا أنه صنعه فغير العالم عالمه، كما صاحبنا (وكان عالم صاحبنا كما ظهر هو قناعة أمه بقدراته) الذي لحق الدريدي ونحن بانتظار ابداعاته الفنية الخشبية.

لقد وضع رجله على عتبة المسار واستنزل الحلم من سمائه ليسير على قدميه هدفًا، وبدأ يدفع به خطوة خطوة بإرادته وبتناغم والتزام التحقيق.

وفي الطريق أمامه سلسلة من النجاحات كما حالنا في لجنة التدريب في حركة فتح، وأكاديمية فتح الفكرية.

إن قلنا أننا سنحوّل جميع كادرالتنظيم الى كادرتنظيمي مثقف!؟ فهذا أولًا ليس اختصاصنا نحن وحدنا، وثانيًا نحن بذلك نخطو خطوات واسعة لم تستطعها الجامعات والأسرة والمدارس خلال 16 عامًا على الأقل من التربية والدراسة.

إن فهمنا ووعينا الواقع والقدرة والتحديد الواضح والزمن وطريقة القياس والمشروعية ضمن النظم (مواصفات الهدف) وجعلنا من الأهداف بث روح الثقافة والتعلم والبناء الذاتي من خلال منشوراتنا، ومن خلال دوراتنا فلنا أن نسعى بالمساروننتصر وننجح، والعين على أهداف أخرى أوسع.

في لقاء التدريب والتثقيف في حركة فتح الذي عقدناه في نابلس نهاية العام 2022م عرضنا سلسلة من النجاحات (الانتصارات) الصغيرة التي أرسيناها كلجنة تدريب وأكاديمية فتح الفكرية وهي على صغرها -كما يظن الحالمين أصحاب الأمنيات الضخمة غير المتحققة- هي ذات أثر عظيم في الفرد، والجماعات وتستحق أن نعتبرها أهدافًا متحققة بحد ذاتها. وهي كالتالي:

1-الالتزام بالوقت: حيث المحاضِر بالدورات له وقته، وللنقاش وقته، ولكلّ حسب المقرر بالمدة الزمنية المطلوبة.

2-نظافة القاعة واحترام الممتلكات.

3-لا كلام أو محاضرة أو مداخلة بلا إذن أو بلا تسجيل، ووجوب الإعداد المسبق

4-حصر الرأي في موضوع النقاش، دون تغييرللموضوع، أو الحديث في كل شيء ولاشيء.

5-ضد النقد الموبوء: ما لايُسمح به ضد الآخر شتمًا او تشهيرًا أو غمزًا، فالنقد فقط للفكرة أو الرأي أو الموقف. ويرتبط بالفعل الملتزم من الشخص ليسبق أي نقد. (نظرية اليدين بيد تنقد ويد تعمل أو تبدع).

6-التدخين: حيث لا تدخين بتاتًا بالقاعة، والجوالات صامتة (الاخيرة نجاح نسبي)

7-الاحترام المتبادل بين الجميع.

8-منهج التثقيف والتعلم حيث مراحله الخمسة من: البحث، ثم القراءة العميقة والتلخيص، ثم الاستعداد والتدرب، ثم العرض والتقديم بأصول فن الحديث (لمراجعة كتابنا المعنون فن الحديث، وآخرين)، ثم التقييم والمراجعة وتكرار التدريب.

9-التأثير ونقل التجربة: حيث حققنا التأثير الملموس في سلوك الأفراد. فالثقافة بما تتضمنه من معتقدات وقيم تنعكس في المنظمة من خلال تأثيرها بالشخص والكل، وتحولها لمسلكية تتحكم بكلية الشخص.

10-تكريس فكرة التثقيف والتدريب الذاتي الشخصي، والجماعي المنظم.

عندما قررنا في لجنة التدريب واعداد الكادر عقد ندوة ثم دورة عن الانتخابات الطلابية، ولأننا نعرف الهدف جيدًا ومساحة تأثيرنا المحدود ضمن عوامل أخرى، لم يكن العنوان كيف نفوز بالانتخابات؟ فلسنا العامل الوحيد.

وإنما كيف ننجح/نفوز في إدارة العملية الانتخابية.

وفي مرحلة لاحقة وحول الانتخابات أيضًا ولنضع شعارًا تحفيزيا كان مقترحنا:

"جاهزون للفوز لأن فتح بوابة فلسطين"

ما يعني أن الفوز أو النجاح مرتبط هنا بالجاهزية اللازمة والمكتملة، وبمطالبها وبإتقان الاقتراب من فلسطين.

دعونا نكرر عبارة لنا وردت في نص مقالنا هذا لنختم بها: إذ كلما تحقق جزء صغير أوهدف صغير موصل للهدف فهو النجاح والنصر بعينه، لأن النجاحات أو الانتصارات الصغيرة مدخل للنجاح أو الانتصار الكبير.

إن مقياس النجاح الكلي -أو الجزئي على طريق الكلي المكتمل- هو العمل الدؤوب المثابر المتناسق الموجّه المهدّف ولهذا الأمر حسب الهدف والمسار أشكال وسبُل عدة.

 

 

نداء الوطن