مدينة بِئر السبع

 

مدينة عربية من مدن اللواء الجنوبي لفلسطين، وهي قاعدة قضاء بئر السبع وعاصمة النقب .

مرت بالمدينة منذ نشأتها أحداث كثيرة، وناضل سكانها ضد الانتداب البريطاني والاستيطان الصهيوني، واشتركوا في جميع الثورات، وسقط منهم الشهداء. وقد وقفوا عام 1948 في وجه القوات الإسرائيلية محاولين منعها من احتلال المدينة والتقدم جنوباً في النقب. لكن القوات الصهيونية تغلبت على المقاومة العربية، واحتلت بئر السبع في 21/10/1948، وطردت سكانها العرب، وأحلت مكانهم مهاجرين يهودا (رَ: بئر السبع، معركة -).

 

أ – الإطار الطبيعي لمدينة بئر السبع.

 

1) الموقع الجغرافي: تقع مدينة بئر السبع في النقب الشمالي، وتكاد تكون في منتصف المسافة بين البحر الميت* شرقاً والبحر المتوسط غرباً. وهي تتوسط قاعدة المثلث الصحراوي للنقب، إذ تبعد نحو 75 كم غربي البحر الميت، ونحو 85 كم شرقي البحر المتوسط. اكتسب موقعها أهمية خاصة لأنه يربط بيئات ثلاثاً هي: البيئة الصحراوية جنوباً، والبيئة الجبلية شمالاً بشرق، والبيئة السهلية الساحلية شمالاً بغرب. ومن الطبيعي أن نلتقي في هذا الموقع منتجات هذه البيئات، وأن يصبح سوقاً رائجة يؤمها البدو والحضر على حد سواء.

 

وتعد بِئر السبع مدينة الحافة الصحراوية التي يحتم عليها موقعها الهامشي أن تستقطب أعداداً كبيرة من البدو للاستيطان فيها. كما أن موقعها جذب أعداداً من تجار الخليل وغزة* للإقامة فيها. وفي هذه الحالات كلها ساعدت الطرق البرية التي تربط بئر السبع بالمواقع الأخرى على استمرار الاستيطان البشري في المدينة وزيادة الحركة التجارية فيها.


وقد زادت أهمية موقع بِئر السبع في العصور الحديثة من الناحيتين العسكرية والاقتصادية، فالمدينة تعد بحق البوابة الجنوبية لفلسطين من جهة النقب، والبوابة الشمالية للنقب، والبوابة الشرقية لسيناء.

 

ففي الحروب العربية – الإسرائيلية التي نشبت منذ عام 1948 كانت بئر السبع بموقعها الاستراتيجي الهام محط أنظار الجيوش المتحاربة. وقد حرص الجيش المصري عام 1948 على السيطرة على بئر السبع للتحكم في صحراء النقب (رَ: حرب 1948)، ثم تمكنت القوات الإسرائيلية من احتلال بئر السبع وانطلقت منها لاحتلال النقب بأكمله. وفي حروب 1956 و1967 و1973 كانت مدينة بئر السبع قاعدة انطلاق الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة وسيناء وقناة السويس، لذا اهتمت (إسرائيل) بربط المدينة بجميع جهات فلسطين بمختلف طرق المواصلات.

 

وهكذا أصبحت بئر السبع عقدة مواصلات هامة منذ عام 1948، تربطها بجميع أجزاء فلسطين شبكة مواصلات كثيفة، فالطرق المعبدة من الدرجة الأولى تربطها بمدن السهل الساحلي في الشمال والغرب مثل حيفا(200 كم) ويافا – تل أبيب (107كم ) وأسدود والمجدل (عسقلان) وغزة (65 كم).


كما تربطها أيضاً بالمدن الجبلية في الشمال والشرق مثل الخليل والقدس (85كم) ونابلس (150كم)، وبالمدن الصحراوية في الشرق والجنوب والغرب مثل عراد وأسدوم وديمونا وإيلات والعوجاء وغيرها، وتنتهي في بئر السبع السكة الحديدية التي تصلها بمحطة النعاني الواقعة على خط يافا – القدس الحديدي.

 

وتم سنة 1965 تمديد هذا الخط الحديدي من بئر السبع إلى ديمونا، وإلى حقول الفوسفات في النقب. وقد أقيم في بئر السبع مطار حربي، وفي بئر السبع أكبر وأهم محطات الضخ على خط النفط بين إيلات وحيفا. وبعد عام 1967 أصبحت بئر السبع أحد الممرات الرئيسة التي يعبرها المسافرين العرب بين الضفة الغربية وقطاع غزة.

 

 

2) معالم سطح الأرض في إقليم بئر السبع: يقع إقليم بئر السبع في الجزء الأعلى من حوض تصريف وادي غزة الذي يتألف من أودية الشريعة والشلالة وبئر السبع. وتقوم مدينة بئر السبع على الضفة اليمنى (الشمالية) لوادي بئر السبع فوق رقعة منبسطة من الأرض ترتفع في المتوسط نحو 236م عن سطح البحر. وإلى الشرق قليلاً من بئر السبع يلتقي رافداً وادي بئر السبع، وهما وادي الخليل ووادي المشاش القادمان من مرتفعات الخليل وعراد. وتوجد في بعض هذه الأودية الجافة ينابيع ماء أو آبار تعرف بأسماء مختلفة كالعد والعين والمشاش وغيرها (رَ: عيون الماء).


 

وإقليم بئر السبع منخفض يتخذ شكل المثلث الذي توازي قاعدته شاطىء البحر المتوسط في الغرب، ويتوغل رأسه كإسفين بين مرتفعات النقب والخليل في الشرق. وتنحدر الأرض بصفة عامة من الشرق إلى الغرب، وتتجه مجاري الأودية وفقاً لهذا الانحدار في طريقها نحو البحر المتوسط. لذا تتفاوت ارتفاعات الأرض في الإقليم فتصل إلى 500م عن سطح البحر في الجزء الشرقي، في حين تحوم حول 250م بجوار مدينة بئر السبع، وتهبط إلى ارتفاعات تراوح بين 50 و100م في الجزء الغربي.

 

 

وتتوافر مقومات الخصب في تربة إقليم بئر السبع التي تتألف من ترسبات من طبقات اللويس يصل ثخنها إلى 30م، لكنها تفتقر إلى المواد العضوية وإلى الرطوبة، وهذا يقلل إنتاجها الزراعي.

 

وتؤثر الخواص الميكانيكة لهذه التربية في عملية الانجراف السطحي، وفي تكوين الأراضي الرديئة ذات السطوح الوعرة. وفي الإقليم شبكة من الأخاديد يلتقي بعضها ببعض فتكون أودية ذات مجار أكثر عمقاً واتساعاً.

 

وعندما تجف تربة اللويس خلال الصيف تنكمش وتتشقق وتتفكك ذراتها بسبب ارتفاع الحرارة. لما كانت هذه الذرات ناعمة خفيفة فإن الرياح ترفعها وتطيرها في زوابع ترابية معروفة في هذا الفصل. وتمتد الكثبان الرملية فوق مساحات واسعة تقدر بنحو 500كم2 في القسمين الغربي والجنوبي من إقليم بئر السبع، أي زهاء ثلث سطح أرض الإقليم.


3) المناخ والمياه: مناخ مدينة بئر السبع شبه صحراوي بصفة عامة، وهو جزء من المناخ السائد في النقب الشمالي. أما القسم الجنوبي من إقليم بئر السبع فإن مناخه صحراوي قاري متطرف، أي أنه حار صيفاً بارد شتاء. ويصل المدى الحراري في بئر السبع إلى 15 درجة مئوية خلال شهري أيار وحزيران، الأمر الذي يؤكد صفة تطرف المناخ. ويراوح متوسط درجات الحرارة ما بين 12 درجة مئوية في شهر كانون الثاني و33.7 درجة مئوية في نهاية شهر آب. وأدنى درجة حرارة سجلت في بئر السبع كانت 1 درجة مئوية في نهاية كانون الثاني 1925.

 

 

تهب على بئر السبع صيفاً رياح جنوبية غربية وغربية أثناء الصباح، وتتحول الرياح إلى شمالية غربية بعد الظهر، ثم تتحول إلى جنوبية شرقية أثناء الليل.

 

 

أما في الشتاء فإن اتجاهات الرياح تكون غير منتظمة، وتحمل الرياح الشرقية أو الجنوبية الشرقية كميات عظيمة من الغبار. ويبلغ المعدل السنوي للرطوبة النسبية في بئر السبع 58%، وتتفاوت المعدلات الشهرية ما بين 41% في نيسان و73% في أيار.

 

 

بلغ متوسط كمية الأمطار السنوية بين عامي 1920 و1965 نحو 195مم. وتراوحت هذه الكمية ما بين نهاية صغرى مقدارها 42مم، ونهاية عظمى مقدارها 339مم خلال الفترة نفسها، أي أن مدى التغير في كمية الأمطار بلغ 152%، وهي نسبة مرتفعة في فلسطين. أما معامل التغير فإنه وصل إلى 35.

 

ويبلغ عدد الأيام المطيرة في بئر السبع نحو 33 يوماً في السنة. وتهطل نصف كمية الأمطار السنوية في شهري كانون الأول وكانون الثاني، وثلث كمية الأمطار السنوية في شهري تشرين الثاني وشباط، أي أن 80% من مجموع كمية الأمطار السنوية تهطل خلال هذه الشهور الأربعة. وقد هطلت كمية أمطار مقدارها 64مم (ثلث مجموع الأمطار) خلال 24 ساعة بتاريخ 5/12/1934.

 

 

ونظراً لقلة كمية الأمطار التي تهطل على إقليم بئر السبع وعدم كفايتها للزراعة* فإن الحاجة ماسة للمياه الجوفية إلى جانب المياه السطحية المتمثلة في فيضانات الأودية الجافة. وقد كان في بئر السبع أربع آبار عامة يشرف عليها المجلس البلدي وتصل مياهها إلى البيوت. كما اشتملت المدينة على آبار أخرى يملك 25 منها بعض المواطنين. غير أن مياه الآبار لم تكن كافية لسد حاجات السكان المتزايدة أثناء فترة الانتداب، لذا عدل الخبراء آنذاك عن فكرة حفر الآبار، وأخذوا يميلون إلى إنشاء السدود كالسد الذي تم تشييده في وادي أبي سمارة.

 

 

ب- نشأة بئر السبع وتطور نموها السكاني والعمراني:

 

1) الكنعانيون: كان الكنعانيون أول من عرف من سكان المنطقة، والراجح أنهم أطلقوا على مدينتهم هذا الأسم لوجود سبع آبار قديمة بها. وتشير أسفار العهد القديم إلى أنها كانت مأهولة حينما كان إبراهيم الخليل* يجوب بقطعانه هذه البلاد، وأن خلافاً نشب بينه وبين أبي مالك زعيم سكان بئر السبع حول بئر ماء. مما اضطر إبراهيم إلى أن يقدم سبع نعاج تعويضاً لأبي مالك، فدعي ذلك الموضع بئر السبع.

 

 

انتاب بئر السبع في تاريخها الموغل في القدم ما انتاب غيرها من بلاد فلسطين، وخضعت للأمم التي استولت على هذه البلاد من أشوريين وبابليين وفرس ويونان ومصريين وسواهم.

 

 

وقد أضعفت هجمات الغزاة على أرض كنعان أهلها الكنعانيين مما أدى إلى خضوعهم لقبائل عربية أخرى كالعموريين الذين امتد نفوذهم إلى تل عراد وتل الملح في قضاء بئر السبع، وكانوا من ألد أعداء بني إسرائيل.

 

 

2) في عهد الفلسطينيين: استوطن الفلسطينيون جنوب فلسطين قبل قدوم بني إسرائيل إليها، وكانت بئر السبع قد شهدت صراع الفلسطينيين من الغرب والساميين من الجنوب والشرق، والإسرائيليين من الشمال. وكانت الحرب بين هذه الأقوام سجالاً تمكن الإسرائيليون خلالها من بسط نفوذهم على بئر السبع التي كانت أقصى حدود (الدولة اليهودية) في جنوب فلسطين، وكان يقال عن حدود هذه الدولة من دان إلى بئر السبع.

 

3) في عهد الأنباط والرومان: وقد ازدهرت مدينة بئر السبع ومنطقتها في عهدي الأنباط * والرومان حين كانت ممراً حيوياً لتجارة العالم تعبره القوافل العربية حاملة خيرات الهند وإفريقية إلى مصر وغيرها من مدن الساحل الفلسطيني، مما أدى إلى إنشاء سلسلة من المدن والمحطات التجارية مثل عبدة والعوجاء والخلصة ورحيبة وغيرها. امتد سلطان دولة الأنباط العربية من خليج العقبة* حتى حدود مصر وشواطىء البحر المتوسط. وحوالي القرن الرابع قبل الميلاد بلغ نفوذ الأنباط سيناء وجنوبي سورية والعراق، وظلت دولتهم قائمة حتى دخلت في حوزة الرومان في عهد الإمبراطور تراجان (98 – 116م).

 

 

وكانت بئر السبع في العهد الروماني قرية كبيرة تقيم بها حامية عسكرية. وحينما انتشرت المسيحية في فلسطين جعلت بئر السبع أسقفية. وأنشأ الرومان كنائس بئر السبع وسبسطية، وأقاموا الكثير من الأبنية والإصلاحات العمرانية منها حصون الحفير وكرنب، وعبدوا الطرق، وحفروا الصهاريج وأقاموا السدود، وغرسوا الأشجار، واسترضوا القبائل العربية في المنطقة، وحالفوهم، ومنحوهم الألقاب والرتب لمساعدتهم في حفظ الأمن.

 

وقد أثرى سكان بئر السبع وما حولها لوقوع بلادهم في ملتقى طرق تجارية كان من أبرزها:

 

1) طريق العقبة – بئر السبع وتمر بالكنتلا وبير بيرين والعوجاء والخلصة وبئر السبع، ومنها تتجه غرباً وشمالاً إلى الخليل.

 

2) طريق العقبة – عين غضيّان – البتراء – ميّة عوض – عبدة – الخلصة – بئر السبع.

 

3) طريق بئر السبع – عين حصب مارة بكرنب، وتستمر الطريق من عين حصب في سيرها الجنوبي عبر وادي عربة حتى تصل إلى ميّة عوض.

 

ولا ريب في أن مرور القوافل التجارية في منطقة بئر السبع، وما تحقق لأهلها من أرباح، وإقامة السدود والصهاريج في البلاد، كل ذلك حفر بعض السكان على الاستقرار وإقامة المدن العامرة بالأسواق، وزراعة مختلف المزروعات والأشجار.

 

وكان العرب قبل الإسلام يرتادون هذه المنطقة، وقد توطنتها قبائل منهم كلخم وجذام، وكانت غزة على عهد الروم مدينة فاخرة وبقعة عامرة زاهرة تقصدها قريش في رحلة الصيف التجارية وتألف ضواحيها وخصبها، وإلى عهد قريب كانت قبائل بئر السبع تعرف بعريان غزة.

 

4) في الحكم العربي: في القرن السابع الميلادي فتح المسلمون فلسطين، وعرفت لديهم بئر السبع بأنها بلدة عمرو بن العاص* لاتخاذه قصر عجلان في قضائها مقراً له حينما اعتزل عمل مصر في عهد عثمان بن عفان.

 

ولا شك في أن بئر السبع كانت مدينة عامرة، ولولا ذلك ما اتخذها – وهو من أعظم القادة – دار إقامة. وتذكر الروايات أنه انطلق من بئر السبع ليلحق بمعاوية بن ابي سفيان* في خلافة علي بن أبي طالب.

 

وكانت بئر السبع من مدن فلسطين المعروفة على عهد بني أمية، وقيل إن سليمان بن عبد الملك كان يقيم بها حينما جاءته الخلافة. وذكر أن والي فلسطين سعيد بن عبد الملك الذي عرف بحسن سيرته كان نازلاً بمدينة بئر السبع عندما بلغته أخبار مقتل الخليفة الأموي الوليد بن يزيد سنة 126هـ/ 744م.

 

5) أيام الصليبيين: تضافرت في العصور التالية عدة أسباب أضعفت شأن مدينة بئر السبع. ومن أبرزها تحول طرق التجارة عنها، والقحط الذي عم قضاءها. لذلك لم تكن المدينة ذات شأن في الحروب الصليبية، ولما استولى الصليبيون على بيت جبرين ظنوها بئر السبع، ولم يتقدم هؤلاء كثيراً في جنوب فلسطين، وما إن حل القرن الخامس عشر الميلادي حتى كان سكان مدينة بئر السبع قد هجروها فأصبحت خراباً ليس لها ذكر.

 

6) في العهد العثماني: أعاد العثمانيون في العهد الحديث بناء مدينة بئر السبع (1319هـ/ 1900م) على بعد ثلاثة أميال للغرب الجنوبي من موقعها القديم. وهدفوا من وراء ذلك أن يثبتوا وجودهم بالقرب من الحدود المصرية التي كانت المفاوضات دائرة بشأنها آنذاك، هذا إلى جانب رغبتهم في حفظ الأمن بين القبائل المتنازعة. كذلك أراد الأتراك أن تكون مدينة بئر السبع عاملاً هاماً في توطين البدو وجمع الضرائب التي كانت تذهب هدراً قبل ذلك، فأنشأوا المدينة وجعلوها مركز قضاء بئر السبع وأتبعوا قائمقامها لمتصرفية القدس (رَ: الإدارة).

 

 

وقد عمدت الحكومة في سبيل تحقيق سياستها إلى شراء ما يقرب من ألف دونم ووهبتها المجلس البلدي على أن يبيع منها من شاء التوطن من سكان المدن المجاورة، كما وهبت كل من أراد التوطن من بدو القضاء دونماً واحداً على أن يبني له سكناً يقيم فيه. ولاستكمال إدارة القضاء ألفت الحكومة مجلسين جعلت أحدهما للإدارة والآخر للبلدية، وأنشأت داراً للحكومة وثكنة للجنود، وكلفت مهندسين رسم خريطة للمدينة وفق الطراز الهندسي الحديث، فقسمت بموجب ذلك إلى بقع متساوية يفصل بين البقعة والأخرى شارع فسيح.

 

ساعدت إجراءات الحكومة في نمو المدينة، وازداد عدد سكانها من أفراد القبائل وعرب المدن الأخرى، فبلغ عدد سكانها عام 1902 نحو 300 نسمة، وأصبح في عام 1912 نحو 800 نسمة وفي عام 1915 نحو ألف نسمة. وقررت الحكومة إعلاء لدرجتها جعلها مركزاً لمعاون المتصرف، ثم لم تلبث أن أعادتها قائمقامية كما كانت إثر إعلان الدستور عام 1908.

 

ومن أبرز حكام قضاء بئر السبع العثمانيين القائمقام آصف بك الدمشقي الذي شهدت مدينة بئر السبع في عهده حركة عمرانية واسعة منها تشييد دار للبلدية اتخذت بعدئذ منزلاً للحكام، وسحب المياه من بئر النشل وتوزيعها على المدينة وأطرافها. وتم إنشاء جامع في غاية الاتقان الهندسي – حوله اليهود فيما بعد متحفاً – وجلبت حجارة مئذنته من خربة الخلصة.

 

وأقيمت مدرسة ذات طبقتين لأبناء البدو، ومطحنة، وسلك للمخابرات البرقية، ودار للبريد، وغرست أعداد كبيرة من الأشجار.

وحينما اندلعت الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918م ) زاد اهتمام الأتراك بمدينة بئر السبع لأهمية موقعها في جنوب البلاد فاتخذت قاعدة للجيوش العثمانية المتجهة إلى قناة السويس.

 

 

وأضيف إلى المدينة كثير من الأبنية، وأنشئت مخازن محطة سكة الحديد التي ربطت بئر السبع بمحطة وادي الصرار على خط حديد يافا – القدس، وامتدت السكة الحديدية من بئر السبع إلى قلب سيناء، وعبدت الطرق بينها وبين الخليل والعوجا، وأضيئت في تلك الفترة بالكهرباء.

 

 

7) في عهد الانتداب البريطاني: فشلت خطط الأتراك أمام هجوم الجيش البريطاني الذي احتل بئر السبع في 31/10/1917، وأقام الجيش البريطاني في هجومه على فلسطين خطاً حديدياً يربط بئر السبع برفح، لكنه لم يلبث أن نزع سنة 1927. وكان الخط الحديدي بين بئر السبع ومحطة وادي الصرار قد نزع قبل ذلك.

 

 

وقد اتسعت المدينة في عهد الانتداب، وبلغ عدد سكانها وفقاً لتعداد عام 1922 نحو 2.356 نسمة، ووصل عددهم في تعداد 1931 إلى 2.959 نسمة. وقدر عدد سكان المدينة في عام 1945 بنحو 5.570 نسمة، ونقص عددهم في عام 1948 إلى 200 نسمة نتيجة لتهجير معظم سكان المدينة منها إثر الحرب العربية – الإسرائيلية.

 

 

بلغت مساحة المدينة في أواخر عهد الانتداب البريطاني نحو 3.890 دونماً، أي ما يقرب من 4كم2. وقد اشتملت معظم هذه المساحة على مبان سكنية، وعلى وسط المدينة التجاري (قلب المدينة) وما فيه من أسواق ومحاكم للعشائر ومحكمة للصلح ودار للبلدية وناد للموظفين ومستشفى ومستوصف ومدرستين ابتدائيتين للذكور والإناث، وضمت أيضاً مسجدين وكنيستين.

 

 

8) في ظل الاحتلال الإسرائيلي: كان يوم 21/10/1948 يوما أسود في تاريخ بئر السبع، إذ تمكن اليهود من احتلال المدينة وطرد سكانها العرب منها وإحلال مهاجرين يهود محلهم. وقد سكن المهاجرون الأوائل في البيوت العربية المهجورة. وبلغ عدد سكان المدينة في نهاية عام 1949 نحو 1.800 نسمة، وما لبث العدد أن ازداد بسرعة في نهاية عام 1950 إلى 8.300 نسمة. ووصل في عام 1956 إلى 25.500 نسمة، وإلى 43.516 نسمة عام 1961، وإلى 74.500 نسمة عام 1969 وإلى 90.400 نسمة عام 1973، فيما بلغ عام 2001، 176.000 ألف نسمة.

 

 

ومن الطبيعي أن تتوسع بئر السبع وتمتد في نموها العمراني أفقياً وعمودياً لنمو عدد سكانها السريع. فتضاعفت مساحة أراضي المدينة بعد أن أنشئت ضواح كبيرة تمتد من الشمال والشمال الغربي، وبلغت هذه المساحة 48.000 دونم في عام 1967. وأصبحت المدينة القديمة كجزيرة في وسط هذه المدينة الجديدة. وأنشئت منطقة صناعية امتدت نحو الشرق، وشيدت العمارات السكنية ذات الطبقات الكثيرة لمواجهة الطلب المتزايد للمساكن. ويمكن القول إن المخطط الهيكلي لمدينة بئر السبع يتخذ شكل المستطيل، وتتعامد معظم شوارع المدينة في خطوط مستقيمة تخف بها أشجار الزينة من الجانبين. وتوجد الأحياء الغنية ذات البيوت العصرية في الجهتين الشمالية والشمالية الغربية من المدينة، أي على طول محاور الطرق الرئيسة المؤدية إلى الفالوجة شمالاً، وإلى غزة شمالاً بغرب.

 

 

ج- التركيب الوظيفي لبئر السبع:

 

 

1) الوظيفة التجارية: كانت بئر السبع محطة للقوافل التجارية في العصور القديمة، وبخاصة في عهدي الأنباط والرومان. وازدهرت الحركة التجارية فيها خلال العصر الأموي. وفي مطلع القرن الحالي استقر فيها عدد من التجار العرب من المدن والقرى المجاورة في إقليمي السهول الساحلية والمرتفعات الجبلية، وبلغ عدد الحوانيت فيها آنذاك نحو 15 دكاناً. وفي فترة الانتداب اهتمت بلدية بئر السبع بإنشاء الوسط التجاري في قلب المدينة فشيدت المحلات التجارية على طول جانبي الشارع الرئيس فيها.

 


6)لفأ

 

– وقد اعتاد أبناء العشائر المحيطة بالمدينة أن يؤموا أسواق بئر السبع يومياً ليبيعوا مواشيهم ومنتجاتها المختلفة من شعر وأصواف وجلود ولحوم وألبان، ويشتروا ما يلزمهم من حبوب وسكر وأرز وشاي وأقمشة وملبوسات وعباءات وأدوات زراعية

.

 

وبالإضافة إلى وسط المدينة التجاري كانت تقام كل اثنين سوق عظيمة في الطرف الشرقي من بئر السبع يقصدها البدو من جميع أنحاء القضاء. وقد أطلق على هذه السوق اسم سوق الحلال نسبة إلى المواشي المعروضة فيها. وتعد بئر السبع أهم مراكز تجميع الشعير في فلسطين وإعداده للتصدير إلى بريطانيا عن طريق ميناء غزة.

 

2) الوظيفة الزراعية والرعوية: كان البدو الذين استقروا في المدينة في مطلع هذا القرن يمارسون الزراعة إلى جانب تربية المواشي وتكاد الزراعة تنحصر في المحاصيل الحقلية كالشعير، وهو أهم المحاصيل، والقمح والذرة والعدس والفول والكرسنّة.

 

وفي السنوات الأخيرة من فترة الانتداب البريطاني زرعت أشجار الفاكهة في مئات الدونمات حول بئر السبع كالعنب والتفاح والمشمش واالوز والتين والرمان والبرتقال والبطيخ، كذلك زرعت بعض أصناف الخضر كالبندورة والبامية والقثائيات.

 

واعتمد جزء من السكان في معيشتهم على الرعي وتربية المواشي. وأهم المواشي الإبل التي استخدمت في حراثة الأرض ونقل المحاصيل الزراعية والمتاع، وبلغ عددها في قضاء بئر السبع عام 1943 نحو 13.784 رأساً، وبلغ عدد المعز والغنم في السنة نفسها نحو 70 ألف رأس وعدد البقر نحو 10 آلاف رأس. هذا عدا الطيور الداجنة التي تربى في البيوت كالدجاج (51.200) والبط والأوز والديوك الرومية (550). وكانت المواشي تعتمد في غذائها على المراعي الطبيعية المتوافرة في الإقليم علاوة على المزروعات العلفية.

 

 

3) الوظيفة الصناعية: اقتصرت صناعات مدينة بئر السبع على الصناعات التقليدية الخفيفة كالصناعات الغذائية والنسيجية (رَ: النسيج، صناعة، والمواد الغذائية، صناعة) وأهم هذه الصناعات طحن الحبوب (الدقيق)، والخبز، والحلويات، والسمن، والجبن، والغزل، ونسج بيوت الشعر والعباءات من شعر الماعز، والأصواف، ودباغة الجلود، والمنتجات الجلدية، والحدادة، والنجارة، والأدوات الزراعية والمنزلية البسيطة.

 

 

وأهم صناعات بئر السبع بعد عام 1948 السيراميك، والأدوات الصحية، والطوب، والمبيدات الحشرية، والكيمائيات، والبروميد، والمنسوجات، وطحن الحبوب، ومواد البناء، والألماس، والصناعات المعدنية. ولا تزال بئر السبع مركزاً تسويقياً هاماً للبدو والمقيمين حولها وفي إقليمها، وكذلك لسكان بعض المستعمرات اليهودية في النقب الشمالي.

 

 

4) الوظيفة التعليمية والثقافية: كان في بئر السبع مدرستان للحكومة أثناء فترة الانتداب، الأولى للبنين والثانية للإناث. وهناك روضة أطفال تدير شؤونها لجنة خاصة من الأهالي وتستقبل هذه المدارس إلى جانب أبناء المدينة أبناء العشائر بعد أن ينهوا المرحلة الابتدائية في مدرسة عشيرتهم. وقد بلغ مجموع التلاميذ الملتحقين بمدرسة ذكور في بئر السبع الثانوية عام 1947/48 580 طالباً يعلمهم 17 معلماً وقد اشتملت المدرسة على حديقة مساحتها 7 دونمات لتدريب التلاميذ على الأعمال الزراعية، كذلك شيدت في المدرسة غرفة خاصة للأعمال اليدوية والنجارة، وكان يتبعها منزل خصص لإقامة التلاميذ البدو كان فيه 100 تلميذ في العام الدراسي 46/1947. وضمت المدرسة مكتبة بلغ عدد ما فيها من الكتب عام 1947 نحو 1.455 كتاباً في مختلف العلوم والفنون.

 

 

ومدرسة الإناث ابتدائية كاملة تأسست في بداية عهد الانمتداب وضمت 300 تلميذة في العام الدراسي 47/1948 تعلمهن 9 معلمات. وضمت مكتبة فيها 651 كتاباً. أما روضة الأطفال فإنها ضمت في العام الدراسي نفسه 90 طفلاً وطفلة تعلمهم معلمتان.

 

 

وتجدر الإشارة إلى أن رغبة قبائل بئر السبع في تعليم أبنائها كانت كبيرة جداً، وكانت المدارس تعجز عن استيعاب كثير من المتقدمين إليها، وبلغ ما أنفقته بلدية بئر السبع وسكانها على مدرستي مدينتهم في العام الدراسي 46/1947 نحو 4.306 جنيه فلسطيني، منها 3.669 جنيه فلسطيني تكاليف إقامة الأبنية الجديدة.

 

 

وتضم المدينة اليوم عدداً من المدارس والمعاهد العلمية كمعهد النقب للبحوث والدرسات المتعلقة بالمنطقة الجافة الذي يجري تجارب على طرق تحلية المياه المالحة. وعلى طرق الاستفادة من استغلال الطاقة الشمسية والمطر الاصطناعي وتكييف النباتات مع ظروف الجفاف. وهناك معهد بيولوجي لدراسة حياة النباتات في الصحراء علاوة على جامعة النقب التي افتتحت عام 1970. وفي بئر السبع متحف تابع للبلدية.

 

 

نداء الوطن