كشف رئيس جهاز التنسيق الأمنيّ مع السلطة الفلسطينية سابقًا، الجنرال بالاحتياط موشيه إلعاد، النقاب عن أنّه في أعقاب الأحداث الأخيرة شرقي القدس المحتلة، والتي جرت عشية عيد “الفصح اليهودي”، هدّدت السلطة الفلسطينيّة بوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، مؤكِّدًا في الوقت عينه أنّها ليست المرّة الأولى التي يدعو فيها رئيس السلطة الفلسطينيّة محمود عباس لمقاطعة هذا التعاون، باستثناء مرة واحدة “علّق” فيها التنسيق من نيسان (أبريل) وحتى تشرين الثاني (نوفمبر) 2020 “رغم أنّ التنسيق عمليًا أصبح أقوى وكان ناجعًا بشكل خاص، لكن في باقي المرات، كان عبّاس حذرًا جدًا من إلغاء التنسيق بشكل كامل مع إسرائيل، على حدّ تعبيره.
إلعاد، وفي مقال نشره على موقع “القناة الـ13” بالتلفزيون العبريّ، اعتبر أنّ التنسيق الأمني القائم اليوم يختلف في جوهره عن التنسيق الأساسيّ الذي تم إنشاؤه في الضفة الغربية عام 1995، فالتنسيق الذي جاء في أعقاب اتفاقات أوسلو كان “ظاهرًا للعيان” (أوْ كما يقول المثل العربيّ العاميّ “على عينك يا تاجر”) بالنسبة للجمهور الإسرائيليّ والفلسطيني، وتضمن دوريات مشتركة، ونقل وحدات جهوزية، وعملاً مشتركًا في غرفة عمليات، وتغطيته الإعلامية كانت جزءًا لا يتجزأ من النشاطات، بحسب أقواله÷ علمًا أنّه خدم بجيش الاحتلال فترةً طويلةً.
وتابع الجنرال الإسرائيليّ، الذي شغل أيضًا منصب الحاكم العسكريّ لمدينة بيت لحم، تابع قائلاً إنّه “حتى عملية “السور الواقي” عام 2002، (إعادة احتلال الضفّة الغربيّة)، لم توافق السلطة الفلسطينية على التعاون الذي أملته إسرائيل”، مضيفًا “حينها أدركت أنّ فرص النجاة منخفضة في أعقاب ثلاثة أحداث أساسية (وفاة عرفات عام 2004، فوز “حماس” الساحق في انتخابات 2006، والانقلاب في غزة عام 2007)، ما دفع إلى تعزيز التعاون الأمني بمبادرة من السلطة الفلسطينية والذي أصبح أكثر أهمية”.
ولفت د. ألعاد، الذي يعمل محاضرًا في كلية الجليل الغربيّ بمدينة عكّا، لفت إلى أنّ “التنسيق الأمني أصبح اليوم أكثر أهمية وضرورة بكل ما يتعلق بوجود السلطة الفلسطينية، فهو يتضمن نقل معلومات استخبارية من الجانب الفلسطينيّ إلى إسرائيل، وتقديم مساعدة كهذه أو تلك في الاعتقالات بشكل خاص لعناصر حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، مُوضحًا أنّ “ذلك لأنّ المعادلة التي يعمل التنسيق الأمني بموجبها حاليًا تُستخدم في الواقع كدرع أمني أساسي ووحيد يمنع حماس من تكرار انقلاب حزيران عام 2007 في غزة”.
وبحسب ألعاد، فإن الجيش الإسرائيليّ، وبناء على هذه المعادلة، يتواجد في منطقة الضفة الغربية ويسيطر على كل مستوطنة يهودية أو محور حركة أو نقطة مراقبة، ويشكل تواجد الجيش الإسرائيليّ على الأرض بطاقة ضمان خاصة لكي لا تحاول أيّ جهة السيطرة على المقاطعة في رام الله والمقرات السبعة الأخرى للسلطة الفلسطينية.
وأوضح الجنرال إلعاد: “صحيح أنّ عبّاس قد جهّز عدة كتائب حماية فلسطينية على المناطق وهي “كتائب دايتون”، إلّا أنّ أيّ أحد وعلى رأسهم أبو مازن نفسه يعتقد أنّ هذه الكتائب يمكن أنْ تصمد أمام انقلاب بدعم الشارع الفلسطينيّ، وفقط في الفترة الأخيرة أعرب هذا الجمهور عن رأيه القاطع في استطلاع حيث يرى 85 بالمائة من المستطلعين أن السلطة الفلسطينية جهة فاسدة وأقل من 50 بالمائة يرون فيها جهة شرعية”.
وبناءً على ذلك، أضاف الجنرال إلعاد، فإنّ المداولات في اللجنة التنفيذية لحركة “فتح” برئاسة عبّاس لا تتناول إطلاقًا مسألة قطع التنسيق الأمنيّ مع إسرائيل، بل مسألة كيف يمكن مواصلة التنسيق الأمني الضروري بكامل زخمه من أجل الإبقاء على حكمه، وفي نفس الوقت إظهار صورة للجمهور الفلسطيني عن قطع العلاقات مع إسرائيل.
وخلُص د. إلعاد إلى القول إنّ “دافِع عبّاس يكمن في رغبته بإظهار شعور بقطع العلاقات، وهو نابعٌ فقط من حرصه على إظهار نفسه كزعيمٍ قوميٍّ لا يساوم، وبذلك المحافظة على ما تبقّى له من دعمٍ في الشارع الفلسطينيّ”، على حدّ تعبيره.
يُشار في هذا السياق إلى أنّ صحيفة “غلوبس” العبريّة، التي تُعنى بالشؤون الاقتصاديّة أكّدت في تقريرٍ لها أنّ التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية بالضفة أسهم في ازدهار الاقتصاد الإسرائيليّ بشكل لا يقل عن دور الحكومات الإسرائيليّة، كما أكّدت مصادر إسرائيليّة واسعة الاطلاع أنّ جيش الاحتلال يُحِبط 60 بالمائة من العمليات في الضفة الغربيّة، بينما تقوم الأجهزة الفلسطينيّة بإحباط 40 بالمائة من العمليات ضدّ جيش الاحتلال، على حدّ قولها.