إعادة قراءة الواقع برؤية مختلفة
محاولات حثيثة لسرقة الوعي
أسامة العمري كاتب مصري من أبرز الشخصيات الأدبية المصرية التي ظهرت بقوة في عالم الأدب والفكر , ولد بمدينة طنطا والتي كان لها أثر كبير في تكوين شخصيته , كما كان لوالديه بالغ الأثر عليه في تنشئته الدينية, وهذا ما جعل كاتبنا يرتبط ارتباطا وثيقا بكتاب الله عزو جل ويقف لتأمل آياته نشر أول مجموعة قصصية "خوفناك " التي تميزت بلغته السلسة وفلسفته العميقة فكان أول لقاء له مع الجمهور, ثم أصدر كتابه " البشرى " فتراءى جزء آخر من فلسفته فيما بين السطور واهتماماته بالتحديات التي تمر بها الأمة العربية والإسلامية ثم جاءت مجموعته القصصية " وجه القمر " لتعبر عن ذلك الهم بشكل جلي في استعراضه لهموم الأمة فتعرض فيها على سبيل المثال لا الحصر إلى ما يحدث للفلسطيني المغترب في قصة " غنج تحت الردى " ومعاناة الحرب على اليمن وسوريا في قصة " هوية " وجرعتنا كلماته مرارة الغربة التي يعيشها أصحاب الوطن في قصة "إشارة حمراء" ....
وبعد غياب يعود الأستاذ "أسامة العمرى" من جديد بكتاب من نوع مختلف بعيد عن القصة والرواية ليطرق منطقة أخرى شائكة في الكتابة تدور حول تأملاته وتدبره لآيات القرآن الكريم و الوقوف عندها .
س : ألا ترى أن الكتابة في مجال القرآن أو التفسير منطقة شائكة لا يسلم الكثيرون عند الولوج إليها ؟
التفسير علم له رجاله وشيوخه ولم يصح التطرق له من وجهة نظري إلا من أصحاب العلم والمراس , لكن كتابي " هزتني آية " يبتعد عن مفهوم التفسير تماما .
ولكنك تناولت آيات بعينها وفسرتها وفق رؤيتك ممكن أن توضح ذلك ؟.
هناك فرق بين التفسير والتدبر ؛ فلابد في البداية من التوضيح بأن التفسير من الفسر أي الكشف والبيان وتوضيح المعنى , بينما التدبر هو الاتعاظ بالمعنى والاعتبار به وإدراك مغزى الآيات ومقاصدها ودلالاتها وهداياتها والتفاعل معها ؛ والتفسير يستند على العلم بالمعنى وأسباب النزول إلخ , بينما التدبر يستند على استشعار المغزى وأمثلته وجوانب تطبيقه وأثاره في الحياة , والتدبر أمر الله به الناس كافة للانتفاع بالقرآن والاهتداء به كما في قوله تعالى :(أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ) محمد :24 والناس في ذلك درجات بحسب رسوخ العلم والإيمان وقوة التفاعل والتأثر , أما التفسير فمأمور به حسب الحاجة إليه لفهم كتاب الله , كما جاء عن ابن عباس رضى الله عنه في أنواع التفسير أنه قال : " وجه تعرفه العرب من كلامها , وتفسير لا يعذر أحد بجهالته , وتفسير يعلمه العلماء , وتفسير لا يعلمه إلا الله تعالى ذكره ؛ لذلك لازلنا ننهل من تلك التأويلات إلى الآن , أما عن كتاب " هزتني آية " فهو من باب التدبر والتأمل .
س : ألا تخشى أن تتعرض للنقد وقد اقتحمت مجالا غير مجالك وخاصة أنا أعرف أن مجال دراستك يختلف كل الاختلاف ؟
النقد البناء مطلوب وإلا فلن نتطور , نحن نتعلم ونطور من رؤانا و أفكارنا بالاحتكاك والنقاش مع أصحاب العلم والمعرفة المؤهلين, ولعل الغاية من الكتاب هي إعادة النظر في العديد من المسلمات لنراها برؤية مختلفة ,ومع إن دراساتي تنوعت بين الآداب والإعلام والتسويق إلا أنني قد حرصت على دراسة علوم الشريعة والحديث واللغة والفقه حتى أكون مؤهلا لأدلي بدلوي في هذا الشأن .
س : هل لتوقيت نشر الكتاب دلالة معينة ؟
أعتقد أن هناك هجمة شرسة على الأديان كافة , وعلى الدين الإسلامي خاصة في هذه الفترة من خلال توظيف ما يسمى "عصر ما بعد الحقيقة " بظهور العديد من القنوات التي تبث معلومات مغلوطة عن الأديان إلى جانب البرامج التليفزيونية ومسلسلات الكرتون والألعاب التي تهدف إلى تمييع الدين أو تشويهه ويتواكب ذلك مع تراجع دور المؤسسات الدينية في المجتمع وانتشار موجات الإلحاد وغيرها .
س : عندما نتتبع مشروع الأستاذ "أسامة العمرى "الأدبي يظهر أنه مهتم بالوعي الجمعي , وهذا يتضح من خلال الموضوعات التي يطرحها في أعماله الأدبية ؛ فلماذا الانشغال بفكرة الوعي ؟
أكبر تحدي يواجه الشعوب الآن هو الاحتفاظ بوعيها تجاه المتغيرات المتسارعة التي تحدث , فهناك العديد من الجهات التي تحاول سرقة الوعي الإنساني وتزييفه وتشكيله من جديد وفق أجندتهم , ولذلك أتمنى أن أساهم بشكل أو بآخر في أن يبقى الوعي يقظا وأن يكون لكتاباتي دور في إثراء الجانب التأملي والنقدي لإعادة قراءة المتغيرات بشكل صحيح .
س : قلت أن هناك من يحاول أن يسرق الوعي أو أن يزيفه , فما المظاهر التي تدل على ذلك من وجهة نظرك ؟
المظاهر مختلفة ومتعددة نجدها في دعوات فك ارتباط الإنسان بتاريخه وقيمه وجذوره , وفي تغريب المجتمع وتجريده من خصوصيته وتميزه , وفي ترسيخ مفهوم القطيع ودحض فكرة الفردية , في تفكيك دور الأسرة في ضحالة المناهج التعليمية , في غياب دور البحث العلمي , في تقزيم دور العلماء والأدباء وأصحاب الفكر مقابل فئات أخرى , الظواهر أكثر من أن تحصى أو تعد للأسف .
س : في رأي حضرتك ما أسباب التخبط والهموم والمشاكل التي تعتري الكثير من الناس في عصرنا الحالي ؟
فهم المقدمات يحقق الوصول إلى النتائج , أكبر مشكلة نعانيها الآن هي فهم سبب وجودنا في الحياة وما هي القيمة الحقيقية التي يجب أن نركز عليها أثناء تلك الفترة ؛وأن نعي أننا لسنا مخلدين في الدنيا وأن نجتهد في هذه الفترة القصيرة التي نحياها على الأرض , وأن نعمرها بالعمل الصالح والأثر الطيب .
التخبط يأتي من عدم وضوح الرؤية , تخبط الطريق , من الاستجابة إلى الدعوات المادية واللذة , والبرجماتية , كل تلك الدعوات تعمل على تمحور الشخص حول ذاته ؛ فلا يرى من العالم كله إلا نفسه واحتياجاته , لذلك يصبح في حالة سخط وعدم رضا , يؤجج تلك المشاعر , الظروف المحيطة التي تعمل على كبت طموحات الشخص ودفعه للكفر بالمجتمع فلا يجد أمامه إلا طريقين : إما الانغماس في الوهم أو الانسياق مع التيار العام محاولا أن يكون أحد رواده أو أن يرى في حالة – اللا مقول - التي حوله مسكن لأحلامه .
س : لماذا ركزت في كتابك "هزتني آية" على بعض الموضوعات مثل الابتلاء واليقين وأهمية السعي والرضا بمشيئة الله وفكرة الأثر الطيب ؟
هناك فرق بين الحصان الذي يركض في السباق وبين الحصان الذي يركض في الغيط .
الذي في السباق يركض ليسابق الآخرين, أما الذي في الغيط يركض بمفرده , الأول يركض بكل طاقته ليبلغ هدفه وهو الوصول إما إلى اللقب أو إلى الجائزة , والأخر في الحقل يركض دون هدف , يركض لمجرد الركض , كذلك نحن إن لم يكن الهدف واضحا سنكون بلا رؤية , سنركض دون أن نعرف طريقنا ووجهتنا , فموضوعات الكتاب تعيد صياغة تلك الوجهة من خلال أسئلة تتردد كثيرا بأذهاننا مثل : لماذا نعمل ؟ , كيف نفسر الابتلاءات التي تمر بنا ؟ , ما معنى الرضا ؟ وكيف نرى عدالة الله في خلقه ؟
س : ما الرسالة التي توجهها إلي القارئ من خلال كتابك " هزتني آية " ؟
أن نعيد النظر والتأمل في حياتنا من جديد , أن نرى أبعد من الموقف الذي نعيشه و أن نحاول معرفة الغاية والهدف لكل ما يدور حولنا واستشراف التوابع لذلك , و أن نعي أن طريق السكينة و الأمان واليقين لا يتحقق إلا من خلال القرآن .
س : هل تعتقد أن الكاتب يستطيع إصلاح المجتمع بكتاباته ؟ للكتابة دورها في طرح التساؤلات وإثارة الفكر وتهيئة المجتمع , لكن الأثر يختلف من مجتمع لأخر, فمثلا كان كتاب مهاتير محمد في نقد مجتمع الملاوي في ماليزيا هو مفتاح باب التغيير من مجتمع مهمش إلى ما نراه الآن , فباب العمل مفتوح على مصرعيه ويبقى الأثر موكل إلى الله عز وجل .
س : ما أعمالك الجديدة ؟
أحدث كتبي بعنوان " لا تخبر أحدا " وهو يتناول حوار مع يهودي تم على مدار أكثر من سنتين , الكتاب يتناول العديد من المعلومات الهامة التي تساهم في تفسير الكثير من الأحداث التي تدور في عالمنا اليوم ؛ كتدمير الطبقة المتوسطة , العملات الرقمية , الكورونا مستقبل العالم وغيرها من الموضوعات التي يطرحها الكتاب من وجهة نظر جادة .
أعتقد أنه سيكون كتابا فريدا من نوعه فلا أتذكر أن هناك كتب قد تطرقت لحوار مباشر بهذا الشكل من قبل ؟
هناك عدة كتب تحدثت عن اليهود ولكن بأشكال مختلفة منها كتاب لمالك بن نبي" وجهة العالم الإسلامي" , و"المسألة اليهودية " ومنها كتابات أستاذنا عبد الوهاب المسيري في "موسوعة اليهود واليهودية" هنالك كتاب أخرون منهم روجيه جارودي إسرائيل بين اليهودية والصهيونية وغيرها . لكن كحوار مباشر في ظني هو الأول من نوعه , خاصة وإن كان هناك مساحة من العقلانية في عرض الرأي والرأي الآخر .
من الكتب المزمع نشرها قريبا كتاب " وأنت فيهم " وهو عبارة عن تأملات في السيرة النبوية . يعرض الكتاب السيرة بشكل مختلف , قد يرتبك البعض في قراءة السيرة لاختلاف المصادر أو عدم وضوح ترتيب الأحداث أو تعارض بعض الروايات ولكن في هذا الكتاب عملت على كتابة تأملات في السيرة النبوية بشكل روائي مع محاولة الجمع بين أسباب النزول والتفسير والبنية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في المجتمع المكي في ذلك الوقت مع بناء درامي للشخصيات الرئيسية وأبعادها النفسية لتبرير تصرفاتها وانفعالاتها قبل وبعد نزول الدعوة .
إذن كتاب آخر في مجال التأملات : هل هناك أعمال أخرى ؟
نعم هناك كتاب آخر أعتقد أن الكثيرين ينتظرونه ألا وهو كتاب " أسرار التسويق الشخصي " وهو نتاج أكثر من مائة دورة تدريبية قمت بتنفيذها إلى جانب خبرات عملية في التعاطي والتخطيط مع شخصيات مشهورة على الساحة العربية والعالمية حاليا ؛ قمت بتنفيذ خططها التسويقية الشخصية في مجالات قيادية مختلفة , كما يستعرض الكتاب مفهوم تسويق الشخصية وكيف يكتشف الإنسان شغفه ومجاله الذي يستطيع أن يبرز فيه من خلال عدد من الاختبارات مع أمثلة لشخصيات استخدمت تلك الاستراتيجيات لتحقيق ما وصلت إليه الآن .
موضوع جاذب وأعتقد أن وجود منهج عملي في طرح الأفكار وكيفية تطبيقها سيجعل الكتاب مرجعا متميزا للمهتمين بهذا المجال
اتفق معك تماما , والكتاب يعتمد المنهجية العلمية في طرح الفكرة وخطوات تطبيقها بشكل عملي , هناك أيضا كتاب " كيف تصنع الدهشة ؟" وهو يتطرق لصناعة المؤتمرات والمعارض في العالم وأخيرا كتاب "نسمات من زمن الحب" الذي طال به الأمد للخروج للنور .