مايكل سفارد : اسرائيل تكرس سيادتها أحادية الجانب في الضفة الغربية

نداء الوطن - جيش الاحتلال

 

نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للخبير في القانون الدولي لحقوق الإنسان، مايكل سفارد، تحدث فيه عن التوسع الاستيطاني للاحتلال الإسرائيلي، مؤكدا أن "إسرائيل" سعت إلى تكريس سيادتها أحادية الجانب في الضفة الغربية.

وفيما يلي النص الكامل للمقال:

في 22 تشرين الثاني/نوفمبر 1967، ناقش مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قرارًا من شأنه أن يُصبح من أهم المبادئ التوجيهية للمجتمع الدولي بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني منذ خطّة تقسيم فلسطين لسنة 1947. وقد شمل النقاش نتائج حرب سنة 1967، التي انتصرت فيها "إسرائيل" على جيرانها العرب بالاستيلاء على الضفة الغربية والقدس الشرقية من الأردن وقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء من مصر، ومرتفعات الجولان من سوريا.

خلال اجتماع مجلس الأمن، صرّح وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك أبا إيبان: "سنحترم ونحافظ بشكل كامل على الوضع المتجسد في اتفاقيات وقف إطلاق النار حتى تُتوج بإبرام معاهدات السلام بين "إسرائيل" والدول العربية لإنهاء حالة الحرب". لم يكن إيبان دقيقًا تمامًا، فعندما أدلى بتصريحه حينها كانت "إسرائيل" قد طبّقت بالفعل من جانب واحد قانونها على القدس الشرقية. وتكرّر السيناريو ذاته بعد 15 سنة من خلال ضمّ مرتفعات الجولان رسميًا.

وعلى مدى نصف القرن الماضي، عمّق التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية السيطرة الإسرائيلية وجعل الانسحاب العسكري يبدو احتمالا غير مرجح على نحو متزايد. (أعادت "إسرائيل" شبه جزيرة سيناء إلى مصر كجزء من معاهدة السلام لسنة 1979).

بغض النظر عن الخطابات الإسرائيلية الدبلوماسية المبهمة، فإن خطاب إيبان حدّد موقف "إسرائيل" الرسمي بشأن الضفة الغربية للسنوات الخمسين القادمة: كان الوضع النهائي للأراضي المحتلة مرتبطًا بشكل وثيق بمحادثات الوساطة حتى سنوات قليلة مضت - عندما بدأ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الدفع بشكل علني نحو سياسة الضم من جانب واحد. كانت المناورة البيروقراطية الأخيرة داخل حكومته اليمينية المتطرفة الجديدة قد شرعت في عملية الضمّ بشكل رسمي من خلال بدء عمليّة نقل العديد من سلطات الإشراف على الضفة الغربية من القادة العسكريين إلى القادة المدنيين - في انتهاك صارخ للقانون الدولي.

منذ البداية، سعت "إسرائيل" إلى تكريس سيادتها أحادية الجانب في الضفة الغربية. وبينما كانت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تغازل العالم لعقود حول الوضع المستقبلي للأراضي المحتلة الذي يتم حله من خلال المفاوضات، فإن ممارسات "إسرائيل" على أرض الواقع كانت مختلفة تمامًا.

بموجب القانون الدولي، تعتبر سلطة الاحتلال مسؤولة بشكل مؤقت - وليست سلطة ذات سيادة - عن الأراضي التي تحتلها. وهذا يعني أنها ملزمة بالحفاظ على حالة الإقليم قبل احتلاله قدر الإمكان. ولكن في الضفة الغربية، انتهجت "إسرائيل" سياسة مخالفة - إذ تصرفت بصفتها سلطة ذات سيادة من خلال تسخير أراض وموارد الأراضي الفلسطينية في خدمة مشروع استيطاني ضخم تجسّد على شكل مستوطنات إسرائيلية.

وفقًا لمنظمة السلام الآن، وهي منظمة إسرائيلية غير حكومية أعمل فيها مستشارًا قانونيًا، فإن "إسرائيل" بنت منذ سنة 1967 أكثر من 130 مستوطنة (وساعدت في بناء حوالي 140 بؤرة استيطانية) في الضفة الغربية. ويعيش اليوم قرابة 700 ألف مستوطن إسرائيلي في المنطقة، حوالي 230 ألفا منهم في القدس الشرقية. ويقيم المستوطنون الإسرائيليون، الذين يتمتعون بحقوق مدنية وسياسية كاملة ويرتبطون بشكل وثيق بالبنية التحتية والموارد الإسرائيلية، جنبًا إلى جنب مع ملايين الفلسطينيين الخاضعين للحكم العسكري الإسرائيلي الذين ليس لديهم رأي مطلقًا في كيفية قيام الحكومة بإدارة شؤونهم وحكمهم. وقد شبّهت العديد من المنظمات غير الحكومية الإسرائيلية والدولية هذا النظام المتشعّب بالفصل العنصري. (لقد ألّفت أول تقرير لمنظمة ييش دين الإسرائيلية- في سنة 2020).

تُصنّف قوانين الحرب الدولية وكذلك النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية عمليات نقل السكان المدنيين التابعين لسلطة الاحتلال إلى الأرض المحتلة جريمة حرب، هذا إلى جانب الحظر المفروض على عمليات النقل القسري داخل إقليم وترحيل الأشخاص المحتلين إلى خارج أراضيهم - علما بأن المحكمة الجنائية الدولية وجّهت في هذا الإطار لائحة اتهام ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين - ويهدف هذا الحظر لضمان عدم قيام السلطة المحتلة بهندسة الأراضي المحتلة ديموغرافيًا. لكن من الجلي أن "إسرائيل" قد سعت في الماضي إلى تنفيذ مثل هذه المخططات، وهي تعمل في الوقت الراهن للتصعيد من خلال المزيد من التوسع الاستيطاني.

تكتسي الخطابات والتصريحات أهمية خاصة في كل من العلاقات الدولية والقانون الدولي. ورغم الأدلة الوفيرة والقاطعة على أن "إسرائيل" تفرض سيادتها في الضفة الغربية، في غياب إعلان رسمي بالضم - ومع خضوع الأراضي رسميًا لقيادة عسكرية، وليست مدنية - لم يتعامل العالم مع ممارسات "إسرائيل" على أنها انتهاك للمبادئ الأساسية للقانون الدولي الذي يتمثل في حظر الضم أحادي الجانب للأراضي المحتلة باستخدام القوة.

تجلى اتساع الفجوة بين أقوال "إسرائيل" وأفعالها في الضفة الغربية في سنة 2017، عندما بدأ مسؤولون في حكومة نتنياهو آنذاك مناقشة خطط ضمّ المنطقة من جانب واحد. في كانون الأول/ديسمبر من تلك السنة، قام حزب الليكود الحاكم بزعامة نتنياهو بتمرير قرار يطلب من نائبيه "متابعة" الضم الكامل للضفة الغربية. لكن كان من الواضح لأولئك الذين صوّتوا لصالح القرار أنه لا يتمتع إلا بوضع إعلاني ولا يمكن تنفيذه على الفور بسبب التحفظّات الدولية.

 

 

نداء الوطن