قراءة تحليلية ..."مقابر الأرقام”.. تُهان تحت ترابها الكرامة الإنسانية بعد الموت

 

قراءة تحليلية ..."مقابر الأرقام”.. تُهان تحت ترابها الكرامة الإنسانية بعد الموت ... وجرح فلسطيني في قلوب ذوي الشهداء يأبي أن يندمل ... بقلم : خليل حمد

 

ينفرد العدو الصهيوني من بين جميع دول العالم بأنه الوحيد الذي يطاول تنكيله - إضافة الى الأحياء - الأموات أيضاً، حيث ينزل بجثثهم عقوبات لا نظير لها، ولم يجرؤ على ارتكابها حتى أكثر أنظمة الاستعمار عنصرية وهمجية.

فما زال يحتجز جثامين مئات الشهداء الفلسطينيين والعرب الذين استشهدوا في مراحل مختلفة من النضال الوطني الفلسطيني، بالإضافة إلى أسرى، استشهدوا تحت التعذيب، ودفنوا في مقابر سرّية، تعرف باسم «مقابر الأرقام» ، تُعدّ مناطق عسكرية مغلقة، ممنوعً دخولها، إضافة إلى احتجاز عدد غير معروف من جثامين الشهداء في ثلّاجات الموتى, وذلك بحرمان ذوي الشهداء من تشيع جثامين أبنائهم إلى مثواهم الأخير ليصبح ذلك ‏الاحتجاز بمثابة جرح فلسطيني في قلوب ذوي الشهداء يأبي أن يندمل .

ووفق تقرير الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء، عُرفت أربع فقط من «مقابر الأرقام»، وهي:

1- مقبرة الأرقام المجاورة لجسر بنات يعقوب، وتقع في منطقة عسكرية عند ملتقى الحدود الفلسطينية – السورية – اللبنانية، شمالي بحيرة طبريا، ويدفن فيها شهداء فلسطينيون ولبنانيون، أغلبيتهم ممن سقطوا خلال الاجتياح االصهيوني للبنان عام 1982، وما تلاه من مواجهات .

2- مقبرة الأرقام الواقعة في المنطقة العسكرية المغلقة بين مدينة أريحا وجسر دامية في غور الأردن، وهي محاطة بجدار، وفيها أكثر من مئة قبر.

3- مقبرة ريفيديم، وتقع في غور الأردن أيضاً.

4- مقبرة شحيطة، وتقع في قرية وادي الحمام شمالي مدينة طبريا ، وأغلبية الجثامين فيها لشهداء معارك منطقة الأغوار بين عامي 1965 و1975.

«مقابر الأرقام» هي مدافن سرّية محاطة بالحجارة، من دون شواهد، حيث تُثبّت على أعلى القبر لوحة معدنية تحمل رقماً معيناً، ولهذا سميت بـ«مقابر الأرقام»، لأنها تتخذ من الأرقام بديلاً عن أسماء الشهداء، فلكل رقم ملف خاص، تحتفظ به الجهات الأمنية المسؤولة، يشمل المعلومات والبيانات الخاصة بكل شهيد.

وتؤكد مؤسسات حقوقية وإنسانية عدة أن «مقابر الأرقام» تعود إلى بداية تأسيس الكيان الصهيوني المصطنع عام ثمانية واربعين ، إلا أنها تكرست منذ انطلاق الثورة الفلسطينية . ووفق معطيات حقوقية ، فإن تلك المقابر تفتقد إلى الحد الأدنى من المواصفات التي تصلح لدفن الأموات من البشر، حتى أن بعضها ربما يكون قد أزيل تماماً بفعل انجرافات التربة ، كما أن الطريقة التي يجري فيها التعامل مع جثامين الشهداء الذين يدفنون فيها مهينة للغاية ، إذ يجري في أغلبية الأحيان طمر الشهيد بالرمال والطين، من دون وضع عازل إسمنتي، كذلك أحياناً يدفن أكثر من شهيد في الحفرة نفسها، وربما تضم الحفر شهداء من الرجال والنساء.

وفق تقرير الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء ان ما جرى توثيقه استناداً إلى بلاغات عائلات الشهداء والفصائل التي كانوا ينتمون إليها، هو احتجاز جثامين 400 شهيد، وتحرير 131 منها، ولا تزال 253 جثماناً محتجزاً حتى الآن.

وتؤكد الحملة الوطنية أن عدد الشهداء في مقابر الأرقام يفوق هذا العدد، استناداً إلى المعلومات المتداولة حول أعداد القبور داخلها، مردفة أن هناك 68 مفقوداً منذ بداية الاحتلال حتى اليوم، لا يُعرف مصيرهم، وتُنكر أي معلومات حولهم.

ومنذ عام 2015 وحتى اليوم، احتجز الاحتلال جثامين أكثر من 220 شهيداً لفترات زمنية مختلفة أفرج عن معظمها، وأبقى على 29 جثماناً محتجزاً حتى الآن.

وتمتنع سلطات الاحتلال عن إعطاء أي معلومات حول عدد جثامين الشهداء المحتجزة، أو أماكن احتجازها، وترفض إصدار شهادات وفاة بأسماء الشهداء.

بتاريخ 1/1/2017 أصدر ما يسمى المجلس الوزاريّ المصغر الصهيوني ال "كابينت" قراراً يقضي باحتجاز جثمان كلّ شهيد فلسطيني ينفّذ عمليّةً نوعيّةً , أو كلّ شهيد ينتمي لأي فصيل فلسطينيّ.

وعلى الرغم من أن محكمة الاحتلال أصدرت قانوناً عام 2017، باعتبار حجز جثامين الشهداء غير قانوني، فإنها لم تصدر قراراً بإطلاق الجثامين، بذرائع واهية، كان آخرها استخدام الجثامين ورقة للتفاوض حول الجنود الصهاينة الاسرى في غزة ، ما يؤكد أن هذا النهج يضرب بجذوره في عمق السياسة العنصرية الصهيونية ، التي تنتقم من الأشخاص حتى بعد استشهادهم.

وفي الثاني من سبتمبر/أيلول 2020، أصدر ما ىيسمى بالكابينيت قراراً ثانياً يقضي باحتجاز جثمان كلّ شهيد ، بصرف النظر عن انتمائه السياسيّ أو طبيعة العملية التي نفّذها أو حاول تنفيذها. يُضافُ هذا القرار إلى سلسلةٍ من القرارات والأحكام الجائرة ، والتي لعبت ما تسمى المحكمة العليا في الكيان الصهيوني دورا بإضفاء الشرعية والتثبيت لهذه السياسة.

فمقابر الأرقام وثلاجات الموتى تحتفظ بمئات الشهداء ، وتشترط محاكم الاحتلال وقادته عودتهم لذويهم بدفنهم ليلا , وبحضور عدد قليل من ذويهم ، في انتهاك فاضح للقوانين الدولية ومبادئ حقوق الإنسان التي شرعتها الأمم المتحدة

«مقابر الأرقام» أُسّست للتغطية على الجرائم بحق الشهداء المختطفين، أو إخفاء معطيات تثبت ممارسة التعذيب حتى الموت، و قد تبين ان كثيرا من الشهداء المحتجزين استخدموا كقطع غيار بشرية او سرقت اعضاء من اجسادهم وصاروا حقولا لتجارب طبية في الكيان ليشكل ذلك دافعا آخر لاحتجاز أجسادهم , ويأتي احتجازهم اخفلءا لهذه الحقائق و وهروبا من المسؤولية الدولية عن جرائم حرب ارتكبها العدو الصهيوني

يذكر ان حكومات الاحتلال المتعاقبة لم تحتجز الشهداء كعقاب جماعي لهم ولذويهم فقط , وانما لاخفاء حقائق ومعطيات أثبتت عبر ممارسات الاحتلال أن كثيرا من الشهداء قد أعدموا بعد أسرهم لاخفاء هذه الحقائق , وهروبا من المسؤولية الدولية عن جرائم حرب ارتكبها العدو الصهيوني , وقد تبين ان كثيرا من الشهداء المحتجزين استخدموا كقطع غيار بشرية أو سرقت اعضاء من اجسادهم وصاروا حقولا لتجارب طبية في مشافي الكيان الصهيوني ليشكل ذلك دافعا آخر لاحتجاز أجسادهم , وهذا ما كشف عنه تقرير صادر عن الصحيفة السويدية " فتو نبلا ديت" عام 2010 حول قتل الاحتلال لمواطنين فلسطينيين , وسرقة أعضائهم والاتجار بها .

وتقديرا لتضحيات شهدائنا المحتجزة جثامينهم تنظم جماهير شعبنا الفلسطيني في الـ 27 من آب/ من كل عام فعاليات لإحياء "اليوم الوطني لاسترداد جثامين الشهداء الفلسطينيين والعرب المحتجزة"، والكشف عن مصير المفقودين، الذي أقرته الحكومة الفلسطينية في العام 2008.

مقابر تُهان تحت ترابها الكرامة الإنسانية بعد الموت ، إذ يمارس الاحتلال انتقاماً من الشهداء وذويهم، بحرمانهم من توديع أبنائهم أو إلقاء النظرة الأخيرة عليهم، ودفن جثامينهم في قبورٍ سريةٍ بسيطة من دون شواهد أو أسماء، فلا دليل سوى لوحةٍ معدنيةٍ تحمل رقماً

استمرار احتجاز جثامين الشهداء، وعدم الكشف عن المفقودين مخالفة واضحة لمعاهدة لاهاي لسنة 1907 والتي تتعلق بقوانين وأعراف الحروب، وأيضًا مخالفة لاتفاقية جنيف الأولى في البند 15 و17 والتي تلزم الدولة المحتلة بتسليم جثامين الشهداء لذويهم ودفنهم مع المحافظة على كرامتهم حسب معتقداتهم الدينية قدر الإمكان.

ورغم الاحصائيات والمطالبات المتكررة لتسليم جثامين الشهداء، إلا أن سلطات الاحتلال ترفض الإفراج عن جثامينهم , ولا تعترف سوى بـ(110) جثامين في مقابر الأرقام وترفض الإفراج عنها.

وكانت جرت آخر عملية إفراج جماعي عن الجثامين المحتجزة في 29 /أيار 2012، وشملت 91 جثمانا.

وأمام تلك الجرائم التي يرتكبها العدو الصهيوني بحق شهدائنا ، والتي يرفض تقديم معلومات عن المفقودين وعن عدد الجثامين المحتجزة باعتباره صندوقا أسودا لا يرغب الاحتلال بفتحه . خوفا من افتضاح ممارساته الاجرامية بحق شهداء شعب يقاوم من أجل نيل حريته واقامة دولته الفلسطينية المستقلة , وعاصمتها القدس الشريف .

فالمحاكم الدولية مطالبة اليوم اكثر من أي وقت مضى بمعاقبة مرتكبي هذه الجرائم وأن تتدخل لمنع الاحتلال من ممارسة هذه السياسة الإجرامية باحتجاز جثامينهم ، وأن تتدخل المؤسسات الدولية والمجتمع الدولي من أجل أغلاق هذه المقابر وبتسليم كل جثامين الشهداء المحتجزة لدى الاحتلال الى ذويهم .

هذه القضية قضية وطنية لا تقل أهمية عن قضية الأسرى والمقدسات وحق العودة ، وهي قضية انسانية بحتة , وقضية رأي عام تتطلب موقفا وطنيا موحدا، وتدويلها , ووضعها على طاولة محكمة الجنايات الدولية.

عضو اللجنة المركزية لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني

 

 

نداء الوطن